کتابخانه روایات شیعه
[أرجاز حامل رأس الحسين عليه السلام، و أمر يزيد بقتله]
قال سهل: فدنوت من صاحب الرأس، فقلت: هل لك أن تقضي لي حاجة و تأخذ منّي أربعمائة درهم؟
قال: ما هي؟
قلت: تقدّم الرأس أمام الحرم، ففعل ذلك، فسلّمت إليه الدراهم، و وضع الرأس في طشت و ادخل على يزيد، فدخلت مع الناس، و كان يزيد جالسا على السرير، و على رأسه تاج مكلّل، و حوله كثير من مشايخ قريش، فلمّا دخل صاحب الرأس جعل يقول:
أوقر ركابي فضّة و ذهبا
أنا قتلت السيّد المهذّبا 3165
قتلت خير الناس امّا و أبا
و خيرهم إذ ينسبون 3166 النسبا
فقال يزيد: إذا علمت أنّه خير الناس فلم قتلته؟
قال: رجوت الجائزة.
فقيل: إنّ يزيد أمر بقتله 3167 .
و روى سيّدنا السند عليّ بن طاوس رضي اللّه عنه، قال: لمّا قرب القوم بالرؤوس و الاسارى من دمشق دنت أمّ كلثوم من شمر لعنه اللّه، و كان في جملتهم، فقالت: لي إليك حاجة.
قال: و ما حاجتك؟
قالت: إذا دخلت البلد فأدخلنا في درب قليل النظّارة، و تقدّم إلى
أصحابك أن يخرجوا الرءوس من بين المحامل و ينحّونا عنها فقد خزينا من كثرة النظر إلينا و نحن في هذا الحال، فأمر في جواب سؤالها أن يجعلوا الرءوس على الرماح في أوساط المحامل بغيا منه و كفرا، و سلك بهم على تلك الحال بين النظّارة حتّى أتى بهم باب دمشق فاقيموا على درج باب المسجد الجامع حيث يقام السبي،
[أبيات في رثاء الحسين عليه السلام، و ما دار بين زين العابدين عليه السلام و شيخ من أهل الشام]
فروي أنّ بعض الفضلاء التابعين لمّا شاهد رأس الحسين عليه السلام أخفى نفسه شهرا من جميع أصحابه، فلمّا وجدوه بعد أن فقدوه سألوه عن سبب ذلك، فقال: أ ما ترون ما نزل بنا؟ ثمّ أنشأ يقول:
جاءوا برأسك يا ابن بنت محمد
مترمّلا بدمائه ترميلا
فكأنّما بك يا ابن بنت محمد
قتلوا جهارا عامدين رسولا
قتلوك عطشانا و لمّا يرقبوا
في قتلك التأويل و التنزيلا
و يكبّرون بأن قتلت و إنّما
قتلوا بك التكبير و التهليلا
يا من إذا حسن العزاء عن امرئ
كان البكاء حسنا عليه جميلا
فبكتك أرواح السحائب غدوة
و بكتك أرواح الرياح أصيلا 3168
و روي أنّهم لمّا دخلوا دمشق و اقيموا على درج المسجد منتظرين الإذن من يزيد حيث يقام السبي أقبل شيخ من أهل الشام حتّى دنا منهم، فقال: الحمد للّه الّذي قتلكم و أهلكم، و أراح العباد من رجالكم، و أمكن أمير المؤمنين منكم.
فقال له عليّ بن الحسين عليه السلام: يا شيخ، هل قرأت القرآن؟
قال: نعم.
قال: قرأت هذه الآية قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى 3169 ؟
قال الشيخ: قرأت ذلك.
فقال عليّ بن الحسين عليه السلام: فنحن القربى، يا شيخ، هل قرأت وَ اعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَ لِلرَّسُولِ وَ لِذِي الْقُرْبى 3170 ؟
قال: نعم.
قال: فنحن القربى، يا شيخ، هل قرأت إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً 3171 ؟
قال: نعم.
قال: فنحن أهل البيت الّذي خصصنا به.
قال: فبقي الشيخ مبهوتا ساعة ساكتا نادما على ما تكلّم به، ثمّ رفع رأسه إلى السماء، فقال: اللّهمّ إنّي أتوب إليك من بغض هؤلاء القوم، ثمّ التفت إلى عليّ بن الحسين، فقال: باللّه أنتم هم؟
فقال عليّ بن الحسين عليه السلام: تاللّه إنّا لنحن هم من غير شكّ، و حقّ جدّنا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله.
قال: فبكى الشيخ و رمى عمامته، ثمّ رفع رأسه إلى السماء، فقال: اللّهمّ
إنّي أبرأ إليك من عدوّ آل محمد من جنّ أو إنس، ثمّ قال: هل من توبة، يا ابن رسول اللّه؟
قال: نعم، إن تبت تاب اللّه عليك، و أنت معنا.
فقال: و أنا تائب، فبلغ يزيد مقالته، فأمر بقتله.
[دخول السبايا على يزيد، و ما دار بينهم و بينه لعنه اللّه]
قال: ثمّ ادخلوا على يزيد و هم مقرّنون بالحبال، و كان أوّل من دخل شمر بن ذي الجوشن على يزيد بعليّ بن الحسين عليه السلام مغلولة يده إلى عنقه، فلمّا وقفوا بين يديه على تلك الحال قال له عليّ بن الحسين عليه السلام:
انشدك 3172 باللّه يا يزيد، ما ظنّك برسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله لو رآنا على هذا الحال ما كان يصنع؟ فأمر يزيد بالحبال فقطعت 3173 ، ثمّ وضع رأس الحسين في طشت بين يديه، و أجلس النساء خلفه كيلا ينظرن إليه، و أمّا زينب فإنّها لمّا رأته أهوت إلى جيبها فشقّته 3174 ، ثمّ نادت بصوت حزين يقرح 3175 القلوب: يا حسيناه، يا حبيب رسول اللّه، يا ابن مكّة و منى، و يا ابن فاطمة الزهراء سيّدة النساء، يا ابن بنت المصطفى.
قال: فو اللّه لقد أبكت كلّ من في المجلس و يزيد ساكت.
ثمّ جعلت امرأة من بني هاشم كانت في دار يزيد تندب الحسين عليه السلام و تنادي: وا حسيناه، وا سيّداه، يا ابن محمداه، يا ربيع الأرامل و اليتامى، يا قتيل أولاد الأدعياء.
قال: فأبكت كلّ من سمعها 3176 .
قال 3177 : و قام رجل من أهل الشام أحمر، فقال: يا أمير المؤمنين، هب لي هذه الجارية تعنيني.
قالت: و كنت 3178 جارية وضيئة، فار تعدت و فرقت و ظننت أنّه يفعل ذلك، فأخذت بثياب اختي زينب فقالت: كذبت و اللّه و لؤمت ما ذلك لك و لا له.
فغضب يزيد، فقال: بل أنت كذبت إنّ ذلك لي، و لو شئت فعلته.
فقالت: كلّا و اللّه ما جعل اللّه ذلك لك إلّا أن تخرج من ملّتنا و تدين بغير ديننا.
فقال يزيد: إيّاي تستقبلين بهذا؟ إنّما خرج من الدين أبوك و أخوك.
فقالت: بدين اللّه و دين أبي و جدّي اهتديت.
قال: كذبت يا عدوّة اللّه.
قالت زينب: أمير متسلّط يشتم ظلما، و يقهر بسلطانه، اللّهمّ إليك أشكو دون غيرك، فاستحيا يزيد و ندم و سكت مطرقا.
و أعاد الشامي فقال: يا أمير المؤمنين، هب لي هذه الجارية.
فقال يزيد: اعزب لعنك اللّه، و وهب لك حتفا قاضيا، ويلك لا تقل ذلك، فهذه بنت عليّ و فاطمة، و هم أهل بيت لم يزالوا مبغضين لنا منذ كانوا 3179 .
قال الشامي: الحسين بن فاطمة و ابن عليّ بن أبي طالب!!
قال: نعم.
فقال الشامي: لعنك اللّه يا يزيد، تقتل عترة نبيّك و تسبي ذرّيّته، و اللّه ما توهّمت إلّا أنّهم سبي الروم.
فقال يزيد: و اللّه لألحقنّك بهم، ثمّ أمر به فضربت عنقه 3180 .
قال: ثمّ تقدّم عليّ بن الحسين بين يدي يزيد و قال:
لا تطمعوا أن تهينونا و نكرمكم
و أن نكفّ الأذى عنكم و تؤذونا
اللّه يعلم أنّا لا نحبّكم
و لا نلومكم إذ 3181 لم تحبّونا
فقال يزيد: صدقت و لكن أراد أبوك و جدّك أن يكونا أميرين، فالحمد للّه الّذي قتلهما، و سفك دمهما، ثمّ قال: يا عليّ، إنّ أباك قطع رحمي، و جهل حقّي، و نازعني سلطاني، فصنع اللّه به ما قد رأيت.
فقال عليّ بن الحسين عليه السلام: ما أَصابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَ لا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَها إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ 3182 .
فقال يزيد لابنه [خالد] 3183 : اردد عليه، فلم يدر ما يقول، فقال يزيد:
وَ ما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَ يَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ 3184 .
ثمّ قال عليّ بن الحسين عليه السلام: يا ابن معاوية و هند و صخر، إنّ النبوّة و الإمرة لم تزل لآبائي و أجدادي من قبل أن تولد، و لقد كان جدّي عليّ بن أبي طالب يوم بدر و احد و الأحزاب في يده راية رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، و أبوك و جدّك في أيديهما رايات الكفّار.
ثمّ جعل صلوات اللّه عليه يقول:
ما ذا تقولون إذ قال النبيّ لكم
ما ذا فعلتم و أنتم آخر الامم
ثمّ قال عليّ بن الحسين عليه السلام: ويلك يا يزيد لو تدري ما صنعت، و ما الّذي ارتكبت من أبي و أهل بيتي و أخي و عمومتي إذا لهربت في الجبال، و افترشت الرماد، و دعوت بالويل و الثبور ان يكون رأس الحسين بن فاطمة و عليّ ولده منصوبان 3185 على باب مدينتكم، و هو وديعة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، [فيكم] 3186 فابشر بالخزي و الندامة غدا إذا جمع الناس ليوم القيامة 3187 .