کتابخانه روایات شیعه
إنّي أبرأ إليك من عدوّ آل محمد من جنّ أو إنس، ثمّ قال: هل من توبة، يا ابن رسول اللّه؟
قال: نعم، إن تبت تاب اللّه عليك، و أنت معنا.
فقال: و أنا تائب، فبلغ يزيد مقالته، فأمر بقتله.
[دخول السبايا على يزيد، و ما دار بينهم و بينه لعنه اللّه]
قال: ثمّ ادخلوا على يزيد و هم مقرّنون بالحبال، و كان أوّل من دخل شمر بن ذي الجوشن على يزيد بعليّ بن الحسين عليه السلام مغلولة يده إلى عنقه، فلمّا وقفوا بين يديه على تلك الحال قال له عليّ بن الحسين عليه السلام:
انشدك 3172 باللّه يا يزيد، ما ظنّك برسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله لو رآنا على هذا الحال ما كان يصنع؟ فأمر يزيد بالحبال فقطعت 3173 ، ثمّ وضع رأس الحسين في طشت بين يديه، و أجلس النساء خلفه كيلا ينظرن إليه، و أمّا زينب فإنّها لمّا رأته أهوت إلى جيبها فشقّته 3174 ، ثمّ نادت بصوت حزين يقرح 3175 القلوب: يا حسيناه، يا حبيب رسول اللّه، يا ابن مكّة و منى، و يا ابن فاطمة الزهراء سيّدة النساء، يا ابن بنت المصطفى.
قال: فو اللّه لقد أبكت كلّ من في المجلس و يزيد ساكت.
ثمّ جعلت امرأة من بني هاشم كانت في دار يزيد تندب الحسين عليه السلام و تنادي: وا حسيناه، وا سيّداه، يا ابن محمداه، يا ربيع الأرامل و اليتامى، يا قتيل أولاد الأدعياء.
قال: فأبكت كلّ من سمعها 3176 .
قال 3177 : و قام رجل من أهل الشام أحمر، فقال: يا أمير المؤمنين، هب لي هذه الجارية تعنيني.
قالت: و كنت 3178 جارية وضيئة، فار تعدت و فرقت و ظننت أنّه يفعل ذلك، فأخذت بثياب اختي زينب فقالت: كذبت و اللّه و لؤمت ما ذلك لك و لا له.
فغضب يزيد، فقال: بل أنت كذبت إنّ ذلك لي، و لو شئت فعلته.
فقالت: كلّا و اللّه ما جعل اللّه ذلك لك إلّا أن تخرج من ملّتنا و تدين بغير ديننا.
فقال يزيد: إيّاي تستقبلين بهذا؟ إنّما خرج من الدين أبوك و أخوك.
فقالت: بدين اللّه و دين أبي و جدّي اهتديت.
قال: كذبت يا عدوّة اللّه.
قالت زينب: أمير متسلّط يشتم ظلما، و يقهر بسلطانه، اللّهمّ إليك أشكو دون غيرك، فاستحيا يزيد و ندم و سكت مطرقا.
و أعاد الشامي فقال: يا أمير المؤمنين، هب لي هذه الجارية.
فقال يزيد: اعزب لعنك اللّه، و وهب لك حتفا قاضيا، ويلك لا تقل ذلك، فهذه بنت عليّ و فاطمة، و هم أهل بيت لم يزالوا مبغضين لنا منذ كانوا 3179 .
قال الشامي: الحسين بن فاطمة و ابن عليّ بن أبي طالب!!
قال: نعم.
فقال الشامي: لعنك اللّه يا يزيد، تقتل عترة نبيّك و تسبي ذرّيّته، و اللّه ما توهّمت إلّا أنّهم سبي الروم.
فقال يزيد: و اللّه لألحقنّك بهم، ثمّ أمر به فضربت عنقه 3180 .
قال: ثمّ تقدّم عليّ بن الحسين بين يدي يزيد و قال:
لا تطمعوا أن تهينونا و نكرمكم
و أن نكفّ الأذى عنكم و تؤذونا
اللّه يعلم أنّا لا نحبّكم
و لا نلومكم إذ 3181 لم تحبّونا
فقال يزيد: صدقت و لكن أراد أبوك و جدّك أن يكونا أميرين، فالحمد للّه الّذي قتلهما، و سفك دمهما، ثمّ قال: يا عليّ، إنّ أباك قطع رحمي، و جهل حقّي، و نازعني سلطاني، فصنع اللّه به ما قد رأيت.
فقال عليّ بن الحسين عليه السلام: ما أَصابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَ لا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَها إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ 3182 .
فقال يزيد لابنه [خالد] 3183 : اردد عليه، فلم يدر ما يقول، فقال يزيد:
وَ ما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَ يَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ 3184 .
ثمّ قال عليّ بن الحسين عليه السلام: يا ابن معاوية و هند و صخر، إنّ النبوّة و الإمرة لم تزل لآبائي و أجدادي من قبل أن تولد، و لقد كان جدّي عليّ بن أبي طالب يوم بدر و احد و الأحزاب في يده راية رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، و أبوك و جدّك في أيديهما رايات الكفّار.
ثمّ جعل صلوات اللّه عليه يقول:
ما ذا تقولون إذ قال النبيّ لكم
ما ذا فعلتم و أنتم آخر الامم
ثمّ قال عليّ بن الحسين عليه السلام: ويلك يا يزيد لو تدري ما صنعت، و ما الّذي ارتكبت من أبي و أهل بيتي و أخي و عمومتي إذا لهربت في الجبال، و افترشت الرماد، و دعوت بالويل و الثبور ان يكون رأس الحسين بن فاطمة و عليّ ولده منصوبان 3185 على باب مدينتكم، و هو وديعة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، [فيكم] 3186 فابشر بالخزي و الندامة غدا إذا جمع الناس ليوم القيامة 3187 .
و وجدت رواية أحببت إيرادها هنا بحذف الأسانيد، قال: لمّا ادخل رأس الحسين عليه السلام و حرمه على يزيد و كان رأس الحسين بين يديه في طشت جعل ينكت ثناياه بمخصرة في يده و يقول:
ليت أشياخي ببدر شهدوا
جزع الخزرج من وقع الأسل
لأهلّوا و استهلّوا فرحا
ثمّ قالوا يا يزيد لا تشل
لست من خندف إن لم أنتقم
من بني أحمد ما كان فعل
[خطبة زينب عليها السلام]
فقامت زينب بنت عليّ فقالت: الحمد للّه ربّ العالمين، و صلّى اللّه على سيّد المرسلين صدق اللّه كذلك يقول: ثُمَّ كانَ عاقِبَةَ الَّذِينَ أَساؤُا السُّواى أَنْ كَذَّبُوا بِآياتِ اللَّهِ وَ كانُوا بِها يَسْتَهْزِؤُنَ 3188 أظننت يا يزيد حين أخذت علينا أقطار الأرض و آفاق السماء فأصبحنا نساق كما تساق الأسرى أنّ بنا هوانا على اللّه، و بك عليه كرامة؟ و انّ ذلك لعظيم خطرك عنده، و شمخت بأنفك، و نظرت إلى عطفك جذلان سرورا حين رأيت الدنيا مستوسقة، و الامور متّسقة، و حين صفا لك ملكنا و سلطاننا، فمهلا مهلا أنسيت قول اللّه سبحانه: وَ لا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّما نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ إِنَّما نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدادُوا إِثْماً وَ لَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ 3189 أمن العدل- يا ابن الطلقاء- تخديرك حرائرك و إمائك، و سوقك بنات المصطفى رسول اللّه كسبايا قد هتكت ستورهنّ، و أبديت وجوههنّ من بلد إلى بلد يستشرفهنّ أهل المناهل، و يتصفّح وجوههنّ القريب و البعيد، و الدنيّ و الشريف، و ليس معهنّ من رجالهنّ وليّ، و لا من حماتهنّ حميّ، و كيف [ترتجى] 3190 مراقبة من لفظ فوه أكباد السعداء 3191 ، و نبت لحمه بدماء الشهداء؟!
و كيف يستبطأ في بغضنا أهل البيت من نظر إلينا بالشنف و الشنآن و الإحن
و الأضغان، ثمّ تقول غير متأثّم و لا مستعظم.
لأهلّوا و استهلّوا فرحا
ثمّ قالوا يا يزيد لا تشل
منحنيا على ثنايا أبي عبد اللّه سيّد شباب أهل الجنّة تنكتها بمخصرتك.
و كيف لا تقول ذلك و قد نكأت القرحة، و استأصلت الشأفة، بإراقتك دماء آل محمد، و تهتف بأشياخك زعمت تناديهم؟ و لتردنّ وشيكا موردهم، و لتودنّ أنّك شللت و بكمت و لم تكن قلت ما قلت.
و قالت: اللّهمّ خذ بحقّنا، و انتقم ممّن ظلمنا، و احلل غضبك بمن سفك دماءنا و قتل حماتنا، فو اللّه ما فريت إلّا جلدك، و لا حززت إلّا لحمك، و سترد على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله بما تحمّلت من سفك دماء ذرّيّته، و انتهكت من عترته و حرمته و لحمته، و ليخاصمنّك حيث يجمع اللّه تعالى شملهم، و يلمّ شعثهم و يأخذ لهم بحقّهم، وَ لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ 3192 .
و حسبك باللّه حاكما، و بمحمد صلّى اللّه عليه و آله خصيما، و بجبرئيل ظهيرا، و سيعلم من سوّل لك هذا و مكّنك من رقاب المسلمين أن بئس للظالمين بدلا، و أيّكم شرّ مكانا و أضعف جندا.
و لئن جرت عليّ الدواهي مخاطبتك، أنّي لأستصغر قدرك، و أستعظم تقريعك، و أستكثر توبيخك، لكن العيون عبرى، و الصدور حرّى.
ألا فالعجب كلّ العجب لقتل حزب اللّه النجباء بحزب الشيطان الطلقاء،
فهذه الأيدي تنطف 3193 من دمائنا، و الأفواه تتحلّب من لحومنا، و تلك الجثث الطواهر الزواكي تنتابها 3194 العواسل، و تعفوها امّهات الفراعل، و لئن اتّخذتنا مغنما لتجدنّا وشيكا مغرما، حين لا تجد إلّا ما قدّمت [يداك] 3195 وَ ما رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ 3196 فإلى اللّه المشتكى و عليه المعوّل.
فكد كيدك، واسع سعيك، و ناصب جهدك، فو اللّه لا تمحو ذكرنا، و لا تميت وحينا، و لا تدرك أمدنا، و لا ترحض عنك عارها، و هل رأيك إلّا فند، و أيّامك إلّا عدد، و جمعك إلّا بدد؟ و يوم ينادي المناد: ألا لعنة اللّه على الظالمين.
و الحمد للّه الّذي ختم لأوّلنا بالسعادة و المغفرة، و لآخرنا بالشهادة و الرحمة، و نسأل اللّه 3197 أن يكمل لهم الثواب، و يوجب لهم المزيد، و يحسن علينا الخلف 3198 ، إنّه رحيم ودود، و حسبنا اللّه و نعم الوكيل.
فقال يزيد لعنه اللّه:
يا صيحة تعلن من صوائح
ما أهون الحزن 3199 على النوائح 3200