کتابخانه روایات شیعه
ليت أشياخي ببدر شهدوا
جزع الخزرج من وقع الأسل
لأهلّوا و استهلّوا فرحا
ثمّ قالوا يا يزيد لا تشل
لست من خندف إن لم أنتقم
من بني أحمد ما كان فعل
[خطبة زينب عليها السلام]
فقامت زينب بنت عليّ فقالت: الحمد للّه ربّ العالمين، و صلّى اللّه على سيّد المرسلين صدق اللّه كذلك يقول: ثُمَّ كانَ عاقِبَةَ الَّذِينَ أَساؤُا السُّواى أَنْ كَذَّبُوا بِآياتِ اللَّهِ وَ كانُوا بِها يَسْتَهْزِؤُنَ 3188 أظننت يا يزيد حين أخذت علينا أقطار الأرض و آفاق السماء فأصبحنا نساق كما تساق الأسرى أنّ بنا هوانا على اللّه، و بك عليه كرامة؟ و انّ ذلك لعظيم خطرك عنده، و شمخت بأنفك، و نظرت إلى عطفك جذلان سرورا حين رأيت الدنيا مستوسقة، و الامور متّسقة، و حين صفا لك ملكنا و سلطاننا، فمهلا مهلا أنسيت قول اللّه سبحانه: وَ لا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّما نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ إِنَّما نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدادُوا إِثْماً وَ لَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ 3189 أمن العدل- يا ابن الطلقاء- تخديرك حرائرك و إمائك، و سوقك بنات المصطفى رسول اللّه كسبايا قد هتكت ستورهنّ، و أبديت وجوههنّ من بلد إلى بلد يستشرفهنّ أهل المناهل، و يتصفّح وجوههنّ القريب و البعيد، و الدنيّ و الشريف، و ليس معهنّ من رجالهنّ وليّ، و لا من حماتهنّ حميّ، و كيف [ترتجى] 3190 مراقبة من لفظ فوه أكباد السعداء 3191 ، و نبت لحمه بدماء الشهداء؟!
و كيف يستبطأ في بغضنا أهل البيت من نظر إلينا بالشنف و الشنآن و الإحن
و الأضغان، ثمّ تقول غير متأثّم و لا مستعظم.
لأهلّوا و استهلّوا فرحا
ثمّ قالوا يا يزيد لا تشل
منحنيا على ثنايا أبي عبد اللّه سيّد شباب أهل الجنّة تنكتها بمخصرتك.
و كيف لا تقول ذلك و قد نكأت القرحة، و استأصلت الشأفة، بإراقتك دماء آل محمد، و تهتف بأشياخك زعمت تناديهم؟ و لتردنّ وشيكا موردهم، و لتودنّ أنّك شللت و بكمت و لم تكن قلت ما قلت.
و قالت: اللّهمّ خذ بحقّنا، و انتقم ممّن ظلمنا، و احلل غضبك بمن سفك دماءنا و قتل حماتنا، فو اللّه ما فريت إلّا جلدك، و لا حززت إلّا لحمك، و سترد على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله بما تحمّلت من سفك دماء ذرّيّته، و انتهكت من عترته و حرمته و لحمته، و ليخاصمنّك حيث يجمع اللّه تعالى شملهم، و يلمّ شعثهم و يأخذ لهم بحقّهم، وَ لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ 3192 .
و حسبك باللّه حاكما، و بمحمد صلّى اللّه عليه و آله خصيما، و بجبرئيل ظهيرا، و سيعلم من سوّل لك هذا و مكّنك من رقاب المسلمين أن بئس للظالمين بدلا، و أيّكم شرّ مكانا و أضعف جندا.
و لئن جرت عليّ الدواهي مخاطبتك، أنّي لأستصغر قدرك، و أستعظم تقريعك، و أستكثر توبيخك، لكن العيون عبرى، و الصدور حرّى.
ألا فالعجب كلّ العجب لقتل حزب اللّه النجباء بحزب الشيطان الطلقاء،
فهذه الأيدي تنطف 3193 من دمائنا، و الأفواه تتحلّب من لحومنا، و تلك الجثث الطواهر الزواكي تنتابها 3194 العواسل، و تعفوها امّهات الفراعل، و لئن اتّخذتنا مغنما لتجدنّا وشيكا مغرما، حين لا تجد إلّا ما قدّمت [يداك] 3195 وَ ما رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ 3196 فإلى اللّه المشتكى و عليه المعوّل.
فكد كيدك، واسع سعيك، و ناصب جهدك، فو اللّه لا تمحو ذكرنا، و لا تميت وحينا، و لا تدرك أمدنا، و لا ترحض عنك عارها، و هل رأيك إلّا فند، و أيّامك إلّا عدد، و جمعك إلّا بدد؟ و يوم ينادي المناد: ألا لعنة اللّه على الظالمين.
و الحمد للّه الّذي ختم لأوّلنا بالسعادة و المغفرة، و لآخرنا بالشهادة و الرحمة، و نسأل اللّه 3197 أن يكمل لهم الثواب، و يوجب لهم المزيد، و يحسن علينا الخلف 3198 ، إنّه رحيم ودود، و حسبنا اللّه و نعم الوكيل.
فقال يزيد لعنه اللّه:
يا صيحة تعلن من صوائح
ما أهون الحزن 3199 على النوائح 3200
قال: و دعا يزيد الخاطب و أمره أن يصعد المنبر و يذمّ الحسين و أباه
عليهما السلام، فصعد و بالغ في سبّ أمير المؤمنين و الحسين عليهما السلام، و المدح لمعاوية و يزيد.
فصاح به عليّ بن الحسين عليه السلام: ويلك أيّها الخاطب، اشتريت مرضاة المخلوق بسخط الخالق، فتبوّأ مقعدك من النار.
و لقد أحسن من قال:
أعلى المنابر تعلنون بسبّه
و بسيفه نصبت لكم أعوادها؟ 3201
[خطبة زين العابدين عليه السلام]
و روي: أنّ عليّ بن الحسين عليه السلام لمّا سمع ما سمع من الخاطب لعنه اللّه قال ليزيد: اريد أن تأذن لي أن أصعد المنبر فأتكلّم بكلمات فيهنّ للّه رضا و لهؤلاء الجلساء أجر، فأبى يزيد.
فقال الناس: يا أمير المؤمنين ائذن فليصعد، فلعلّنا نسمع منه شيئا.
فقال: إنّه إن صعد لم ينزل إلّا بفضيحتي و بفضيحة آل أبي سفيان.
فقيل له: و ما قدر ما يحسن هذا؟
فقال: إنّه من أهل بيت قد زقّوا العلم زقّا.
قال: فلم يزالوا به حتّى أذن له، فصعد المنبر 3202 ، فحمد اللّه و أثنى عليه، ثمّ
خطب خطبة أبكى بها العيون، و أوجل منها القلوب، ثمّ قال: أيّها الناس، اعطينا ستّا، و فضّلنا، بسبع اعطينا: العلم، و الحلم، و السماحة، و الفصاحة، و الشجاعة، و المحبّة في قلوب المؤمنين، و فضّلنا بأنّ منّا النبيّ المختار محمد صلّى اللّه عليه و آله، و منّا الصدّيق، و منّا الطيّار، و منّا أسد اللّه و أسد رسوله، و منّا خيرة 3203 نساء العالمين، و منّا سبطا هذه الامّة [و سيّدا شباب أهل الجنّة] 3204 ، من عرفني فقد
عرفني، و من لم يعرفني أنبأته بحسبي و نسبي.
أيّها الناس، أنا ابن مكّة و منى، أنا زمزم و الصفا، أنا ابن من حمل الركن بأطراف الرداء، أنا ابن خير من اتّزر و ارتدى، أنا ابن خير من انتعل و احتفى، أنا ابن خير من طاف و سعى، أنا ابن خير من حجّ و لبّى، أنا ابن من حمل على البراق في الهواء، أنا ابن من اسري به من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، أنا ابن من بلغ به جبرئيل إلى سدرة المنتهى، أنا ابن من دنا فتدلّى فكان من ربّه كقاب قوسين أو أدنى، أنا ابن من صلّى بملائكة السماء، أنا ابن من أوحى إليه الجليل ما أوحى، أنا ابن محمد المصطفى، أنا ابن عليّ المرتضى، أنا ابن من ضرب خراطيم الخلق حتّى قالوا: لا إله إلّا اللّه، أنا ابن من ضرب بين يدي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله بسيفين، و طعن برمحين، و هاجر الهجرتين، و بايع البيعتين، و قاتل ببدر و حنين، و لم يكفر باللّه طرفة عين.
أنا ابن صالح المؤمنين، و وارث النبيّين، و قامع الملحدين، و يعسوب المسلمين، و نور المجاهدين، و زين العابدين، و تاج البكّائين، و أصبر الصابرين، و أفضل العالمين، و أفضل القائمين، من آل طه و ياسين، أنا ابن المؤيّد بجبرئيل، المنصور بميكائيل، أنا ابن المحامي عن حرم المسلمين، و قاتل الناكثين و القاسطين و المارقين، و المجاهد أعداءه الناصبين، و أفضل من مشى من قريش أجمعين، و أوّل من استجاب للّه و لرسوله من المؤمنين، و أوّل السابقين، و قاصم المعتدين، و مبيد المشركين، و سهم مرامي اللّه على المنافقين، و لسان حكمة العابدين، و ناصر دين اللّه، و وليّ أمر اللّه، و بستان حكمة اللّه، و عيبة علمه.