کتابخانه روایات شیعه
تسلية المجالس و زينة المجالس (مقتل الحسين عليه السلام)
فهذه الأيدي تنطف 3193 من دمائنا، و الأفواه تتحلّب من لحومنا، و تلك الجثث الطواهر الزواكي تنتابها 3194 العواسل، و تعفوها امّهات الفراعل، و لئن اتّخذتنا مغنما لتجدنّا وشيكا مغرما، حين لا تجد إلّا ما قدّمت [يداك] 3195 وَ ما رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ 3196 فإلى اللّه المشتكى و عليه المعوّل.
فكد كيدك، واسع سعيك، و ناصب جهدك، فو اللّه لا تمحو ذكرنا، و لا تميت وحينا، و لا تدرك أمدنا، و لا ترحض عنك عارها، و هل رأيك إلّا فند، و أيّامك إلّا عدد، و جمعك إلّا بدد؟ و يوم ينادي المناد: ألا لعنة اللّه على الظالمين.
و الحمد للّه الّذي ختم لأوّلنا بالسعادة و المغفرة، و لآخرنا بالشهادة و الرحمة، و نسأل اللّه 3197 أن يكمل لهم الثواب، و يوجب لهم المزيد، و يحسن علينا الخلف 3198 ، إنّه رحيم ودود، و حسبنا اللّه و نعم الوكيل.
فقال يزيد لعنه اللّه:
يا صيحة تعلن من صوائح
ما أهون الحزن 3199 على النوائح 3200
قال: و دعا يزيد الخاطب و أمره أن يصعد المنبر و يذمّ الحسين و أباه
عليهما السلام، فصعد و بالغ في سبّ أمير المؤمنين و الحسين عليهما السلام، و المدح لمعاوية و يزيد.
فصاح به عليّ بن الحسين عليه السلام: ويلك أيّها الخاطب، اشتريت مرضاة المخلوق بسخط الخالق، فتبوّأ مقعدك من النار.
و لقد أحسن من قال:
أعلى المنابر تعلنون بسبّه
و بسيفه نصبت لكم أعوادها؟ 3201
[خطبة زين العابدين عليه السلام]
و روي: أنّ عليّ بن الحسين عليه السلام لمّا سمع ما سمع من الخاطب لعنه اللّه قال ليزيد: اريد أن تأذن لي أن أصعد المنبر فأتكلّم بكلمات فيهنّ للّه رضا و لهؤلاء الجلساء أجر، فأبى يزيد.
فقال الناس: يا أمير المؤمنين ائذن فليصعد، فلعلّنا نسمع منه شيئا.
فقال: إنّه إن صعد لم ينزل إلّا بفضيحتي و بفضيحة آل أبي سفيان.
فقيل له: و ما قدر ما يحسن هذا؟
فقال: إنّه من أهل بيت قد زقّوا العلم زقّا.
قال: فلم يزالوا به حتّى أذن له، فصعد المنبر 3202 ، فحمد اللّه و أثنى عليه، ثمّ
خطب خطبة أبكى بها العيون، و أوجل منها القلوب، ثمّ قال: أيّها الناس، اعطينا ستّا، و فضّلنا، بسبع اعطينا: العلم، و الحلم، و السماحة، و الفصاحة، و الشجاعة، و المحبّة في قلوب المؤمنين، و فضّلنا بأنّ منّا النبيّ المختار محمد صلّى اللّه عليه و آله، و منّا الصدّيق، و منّا الطيّار، و منّا أسد اللّه و أسد رسوله، و منّا خيرة 3203 نساء العالمين، و منّا سبطا هذه الامّة [و سيّدا شباب أهل الجنّة] 3204 ، من عرفني فقد
عرفني، و من لم يعرفني أنبأته بحسبي و نسبي.
أيّها الناس، أنا ابن مكّة و منى، أنا زمزم و الصفا، أنا ابن من حمل الركن بأطراف الرداء، أنا ابن خير من اتّزر و ارتدى، أنا ابن خير من انتعل و احتفى، أنا ابن خير من طاف و سعى، أنا ابن خير من حجّ و لبّى، أنا ابن من حمل على البراق في الهواء، أنا ابن من اسري به من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، أنا ابن من بلغ به جبرئيل إلى سدرة المنتهى، أنا ابن من دنا فتدلّى فكان من ربّه كقاب قوسين أو أدنى، أنا ابن من صلّى بملائكة السماء، أنا ابن من أوحى إليه الجليل ما أوحى، أنا ابن محمد المصطفى، أنا ابن عليّ المرتضى، أنا ابن من ضرب خراطيم الخلق حتّى قالوا: لا إله إلّا اللّه، أنا ابن من ضرب بين يدي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله بسيفين، و طعن برمحين، و هاجر الهجرتين، و بايع البيعتين، و قاتل ببدر و حنين، و لم يكفر باللّه طرفة عين.
أنا ابن صالح المؤمنين، و وارث النبيّين، و قامع الملحدين، و يعسوب المسلمين، و نور المجاهدين، و زين العابدين، و تاج البكّائين، و أصبر الصابرين، و أفضل العالمين، و أفضل القائمين، من آل طه و ياسين، أنا ابن المؤيّد بجبرئيل، المنصور بميكائيل، أنا ابن المحامي عن حرم المسلمين، و قاتل الناكثين و القاسطين و المارقين، و المجاهد أعداءه الناصبين، و أفضل من مشى من قريش أجمعين، و أوّل من استجاب للّه و لرسوله من المؤمنين، و أوّل السابقين، و قاصم المعتدين، و مبيد المشركين، و سهم مرامي اللّه على المنافقين، و لسان حكمة العابدين، و ناصر دين اللّه، و وليّ أمر اللّه، و بستان حكمة اللّه، و عيبة علمه.
سمح سخيّ، بهلول زكيّ، مقدّم همام، صبّار صوّام، مهذّب قوّام، قاطع
الأصلاب، و مفرق الأحزاب، أربطهم عنانا، و أثبتهم جنانا، و أمضاهم عزيمة، و أشدّهم شكيمة، أسد باسل يطحنهم في الحروب إذا ازدلفت الأسنّة، و قويت الأعنّة طحن الرحا، و يذروهم فيها ذري الريح الهشيم.
ليث الحجاز، و كبش العراق، مكّيّ مدنيّ، [أبطحي تهامي،] 3205 خيفي عقبي، بدريّ احديّ، شجريّ مهاجري، من العرب سيّدها، و في الوغا ليثها، وارث المشعرين، و أبو السبطين، الحسن و الحسين [مظهر العجائب، و مفرّق الكتائب، و الشهاب الثاقب، و النور العاقب، أسد اللّه الغالب، مطلوب كلّ طالب] 3206 ، ذاك جدّي عليّ بن أبي طالب.
ثمّ قال: أنا ابن فاطمة الزهراء، أنا ابن سيّدة النساء.
فلم يزل يقول أنا أنا حتّى ضجّ الناس بالبكاء و النحيب و الأنين، و خشي يزيد اللعين أن تكون فتنة فأمر المؤذّن، فقال: اقطع عليه الكلام.
فلمّا قال المؤذّن: اللّه أكبر اللّه أكبر، قال عليه السلام: اللّه أكبر من كلّ شيء.
فلمّا قال: أشهد أن لا إله إلّا اللّه، قال عليّ بن الحسين عليه السلام: شهد بها شعري و بشري و لحمي و دمي.
فلمّا قال المؤذّن: أشهد أنّ محمدا رسول اللّه، التفت عليّ عليه السلام من فوق المنبر إلى يزيد، فقال: محمد هذا جدّي أم جدّك، يا يزيد؟ فإن زعمت أنّه جدّك فقد كذبت و كفرت، و إن زعمت أنّه جدّي فلم قتلت عترته؟
قال: و فرغ المؤذّن من الأذان و الاقامة، و تقدّم يزيد و صلّى صلاة الظهر.
[ما دار بين يزيد لعنه اللّه و بين حبر من أحبار اليهود]
قال: و روي أنّه كان في مجلس يزيد حبر من أحبار اليهود، فقال: من هذا الغلام، يا أمير المؤمنين؟
قال: هو عليّ بن الحسين.
قال: فمن الحسين؟
قال: ابن عليّ بن أبي طالب.
قال: فمن امّه؟
قال: فاطمة بنت محمد.
فقال الحبر: يا سبحان اللّه! فهذا ابن بنت نبيّكم قتلتموه في هذه السرعة، بئسما خلفتموه في ذرّيّته، لو ترك فينا موسى بن عمران سبطا من صلبه لظننّا أنّا كنّا نعبده من دون ربّنا، و أنتم فارقتم نبيّكم بالأمس فوثبتم على ابنه فقتلتموه، سوءة لكم من أمّة.
قال: فأمر به يزيد فوجئ في حلقه ثلاثا، فقام و هو يقول: إن شئتم فاقتلوني، و إن شئتم فذروني 3207 ، فإنّي أجد في التوراة انّ من قتل ذرّيّة نبيّ لا يزال ملعونا أبدا ما بقي، فإذا مات أصلاه اللّه جهنّم و ساءت مصيرا 3208 .