کتابخانه روایات شیعه
خطب خطبة أبكى بها العيون، و أوجل منها القلوب، ثمّ قال: أيّها الناس، اعطينا ستّا، و فضّلنا، بسبع اعطينا: العلم، و الحلم، و السماحة، و الفصاحة، و الشجاعة، و المحبّة في قلوب المؤمنين، و فضّلنا بأنّ منّا النبيّ المختار محمد صلّى اللّه عليه و آله، و منّا الصدّيق، و منّا الطيّار، و منّا أسد اللّه و أسد رسوله، و منّا خيرة 3203 نساء العالمين، و منّا سبطا هذه الامّة [و سيّدا شباب أهل الجنّة] 3204 ، من عرفني فقد
عرفني، و من لم يعرفني أنبأته بحسبي و نسبي.
أيّها الناس، أنا ابن مكّة و منى، أنا زمزم و الصفا، أنا ابن من حمل الركن بأطراف الرداء، أنا ابن خير من اتّزر و ارتدى، أنا ابن خير من انتعل و احتفى، أنا ابن خير من طاف و سعى، أنا ابن خير من حجّ و لبّى، أنا ابن من حمل على البراق في الهواء، أنا ابن من اسري به من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، أنا ابن من بلغ به جبرئيل إلى سدرة المنتهى، أنا ابن من دنا فتدلّى فكان من ربّه كقاب قوسين أو أدنى، أنا ابن من صلّى بملائكة السماء، أنا ابن من أوحى إليه الجليل ما أوحى، أنا ابن محمد المصطفى، أنا ابن عليّ المرتضى، أنا ابن من ضرب خراطيم الخلق حتّى قالوا: لا إله إلّا اللّه، أنا ابن من ضرب بين يدي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله بسيفين، و طعن برمحين، و هاجر الهجرتين، و بايع البيعتين، و قاتل ببدر و حنين، و لم يكفر باللّه طرفة عين.
أنا ابن صالح المؤمنين، و وارث النبيّين، و قامع الملحدين، و يعسوب المسلمين، و نور المجاهدين، و زين العابدين، و تاج البكّائين، و أصبر الصابرين، و أفضل العالمين، و أفضل القائمين، من آل طه و ياسين، أنا ابن المؤيّد بجبرئيل، المنصور بميكائيل، أنا ابن المحامي عن حرم المسلمين، و قاتل الناكثين و القاسطين و المارقين، و المجاهد أعداءه الناصبين، و أفضل من مشى من قريش أجمعين، و أوّل من استجاب للّه و لرسوله من المؤمنين، و أوّل السابقين، و قاصم المعتدين، و مبيد المشركين، و سهم مرامي اللّه على المنافقين، و لسان حكمة العابدين، و ناصر دين اللّه، و وليّ أمر اللّه، و بستان حكمة اللّه، و عيبة علمه.
سمح سخيّ، بهلول زكيّ، مقدّم همام، صبّار صوّام، مهذّب قوّام، قاطع
الأصلاب، و مفرق الأحزاب، أربطهم عنانا، و أثبتهم جنانا، و أمضاهم عزيمة، و أشدّهم شكيمة، أسد باسل يطحنهم في الحروب إذا ازدلفت الأسنّة، و قويت الأعنّة طحن الرحا، و يذروهم فيها ذري الريح الهشيم.
ليث الحجاز، و كبش العراق، مكّيّ مدنيّ، [أبطحي تهامي،] 3205 خيفي عقبي، بدريّ احديّ، شجريّ مهاجري، من العرب سيّدها، و في الوغا ليثها، وارث المشعرين، و أبو السبطين، الحسن و الحسين [مظهر العجائب، و مفرّق الكتائب، و الشهاب الثاقب، و النور العاقب، أسد اللّه الغالب، مطلوب كلّ طالب] 3206 ، ذاك جدّي عليّ بن أبي طالب.
ثمّ قال: أنا ابن فاطمة الزهراء، أنا ابن سيّدة النساء.
فلم يزل يقول أنا أنا حتّى ضجّ الناس بالبكاء و النحيب و الأنين، و خشي يزيد اللعين أن تكون فتنة فأمر المؤذّن، فقال: اقطع عليه الكلام.
فلمّا قال المؤذّن: اللّه أكبر اللّه أكبر، قال عليه السلام: اللّه أكبر من كلّ شيء.
فلمّا قال: أشهد أن لا إله إلّا اللّه، قال عليّ بن الحسين عليه السلام: شهد بها شعري و بشري و لحمي و دمي.
فلمّا قال المؤذّن: أشهد أنّ محمدا رسول اللّه، التفت عليّ عليه السلام من فوق المنبر إلى يزيد، فقال: محمد هذا جدّي أم جدّك، يا يزيد؟ فإن زعمت أنّه جدّك فقد كذبت و كفرت، و إن زعمت أنّه جدّي فلم قتلت عترته؟
قال: و فرغ المؤذّن من الأذان و الاقامة، و تقدّم يزيد و صلّى صلاة الظهر.
[ما دار بين يزيد لعنه اللّه و بين حبر من أحبار اليهود]
قال: و روي أنّه كان في مجلس يزيد حبر من أحبار اليهود، فقال: من هذا الغلام، يا أمير المؤمنين؟
قال: هو عليّ بن الحسين.
قال: فمن الحسين؟
قال: ابن عليّ بن أبي طالب.
قال: فمن امّه؟
قال: فاطمة بنت محمد.
فقال الحبر: يا سبحان اللّه! فهذا ابن بنت نبيّكم قتلتموه في هذه السرعة، بئسما خلفتموه في ذرّيّته، لو ترك فينا موسى بن عمران سبطا من صلبه لظننّا أنّا كنّا نعبده من دون ربّنا، و أنتم فارقتم نبيّكم بالأمس فوثبتم على ابنه فقتلتموه، سوءة لكم من أمّة.
قال: فأمر به يزيد فوجئ في حلقه ثلاثا، فقام و هو يقول: إن شئتم فاقتلوني، و إن شئتم فذروني 3207 ، فإنّي أجد في التوراة انّ من قتل ذرّيّة نبيّ لا يزال ملعونا أبدا ما بقي، فإذا مات أصلاه اللّه جهنّم و ساءت مصيرا 3208 .
قال: ثمّ أمر يزيد بهم فانزلوا منزلا لا يكتمهم 3209 من حرّ و لا من برد، فأقاموا فيه حتى تقشّرت وجوههم، و كانوا مدّة مقامهم في البلد المشار إليه
ينوحون على الحسين عليه السلام 3210 .
[ما دار بين يزيد لعنه اللّه و بين رسول ملك الروم]
و روي عن زيد بن عليّ، [و] 3211 عن محمد بن الحنفيّة رضي اللّه عنه، عن عليّ بن الحسين عليه السلام أنّه لمّا اتي برأس الحسين إلى يزيد لعنه اللّه كان يتّخذ مجالس الشرب و يأتي برأس الحسين و يضعه بين يديه و يشرب عليه، فحضر ذات يوم في مجلس يزيد رسول ملك الروم و كان من عظمائهم، فقال: يا ملك العرب، هذا رأس من؟
فقال يزيد: مالك و لهذا الرأس؟
فقال: إنّي إذا رجعت إلى ملكنا يسألني عن كلّ شيء رأيته فأحببت أن اخبره بقصّة هذا الرأس و صاحبه حتّى نشاركك في السرور و الفرح.
قال يزيد لعنه اللّه: هذا رأس الحسين بن عليّ بن أبي طالب.
فقال: و من كانت امّه؟
قال: فاطمة الزهراء.
قال: بنت من؟
قال: بنت رسول اللّه.
فقال النصرانيّ: افّ لك و لدينك، ما من دين أخسّ من دينك، [اعلم] 3212 إنّي من أحفاد 3213 داود، و بيني و بينه آباء كثيرة و النصارى يعظّمونني و يأخذون
التراب من تحت قدميّ تبرّكا به لأنّي من أحفاد داود، و أنتم تقتلون ابن بنت نبيّكم و ما بينه و بين نبيّكم إلّا أمّ واحدة، فأيّ دين دينكم؟ ثمّ قال: هل سمعت بحديث كنيسة الحافر؟
فقال يزيد: قل حتّى أسمع.
قال: إنّ بين عمان و الصين بحر مسيرة سنة، ليس فيه عامر 3214 إلّا بلدة واحدة في وسط الماء، طولها ثمانون فرسخا في ثمانين، ما على [وجه] 3215 الأرض بلدة أكبر منها، و منها يحمل الكافور و الياقوت، أشجارهم العود و منهم يحمل العنبر، و هي في أيدي النصارى، لا ملك لأحد فيها من الملوك، و في تلك البلدة كنائس كثيرة أعظمها كنيسة الحافر، في محرابها حقّة من ذهب معلّقة فيها حافر يقولون إنّه حافر حمار كان يركبه عيسى عليه السلام، و قد زيّنوا حول الحقّة من الذهب و الديباج ما لا يوصف، في كلّ عام يقصدونها العلماء من النصارى، يطوفون بتلك الحقّة و يقبّلونها، و يرفعون حوائجهم إلى اللّه سبحانه، هذا شأنهم و دأبهم بحافر حمار يزعمون أنّه حافر حمار عيسى، و أنتم تقتلون ابن بنت نبيّكم، فلا بارك اللّه فيكم، و لا في دينكم.
فقال يزيد [لأصحابه] 3216 : اقتلوا هذا النصرانيّ، فإنّه يفضحني إن رجع إلى بلاده فيشنّع عليّ، فلمّا أحسّ النصرانيّ بالقتل قال: يا يزيد، تريد أن تقتلني؟
قال: نعم.
قال: اعلم أنّي رأيت البارحة نبيّكم في المنام [و هو] 3217 يقول لي:
يا نصرانيّ، أنت من أهل الجنّة، فتعجّبت من كلامه، و ها أنا أشهد أن لا إله إلّا
اللّه، و أنّ محمدا رسول اللّه، ثمّ وثب إلى رأس الحسين عليه السلام و ضمّه إلى صدره، و جعل يقبّله و يبكي حتّى قتل رحمه اللّه.
و في رواية أنّ النصرانيّ اخترط سيفه و حمل على يزيد، فحال الخدم بينهما، ثمّ قتل على المكان و هو يقول: الشهادة الشهادة.
[أنّ يزيد لعنه اللّه أمر بأن يصلب رأس الحسين عليه السلام على باب داره، و أمر بالنسوة أن يدخلوا داره]
و ذكر أبو مخنف انّ يزيد أمر بأن يصلب رأس الحسين عليه السلام على باب داره، و أمر بالنسوة أن يدخلوا داره، فلمّا دخلت النسوة دار يزيد لم تبق امرأة من آل أبي سفيان و معاوية 3218 إلّا استقبلتهنّ بالبكاء و الصراخ و النياحة على الحسين عليه السلام، و ألقين ما عليهنّ من الثياب و الحلل و الحليّ، و أقمن المآتم ثلاثة أيّام، و خرجت هند بنت عبد اللّه بن [عامر بن] 3219 كريز امرأة يزيد مكشوفة الرأس، و كانت قبل ذلك تحت الحسين عليه السلام حتّى شقّت الستر و هي حاسرة، فوثبت إلى يزيد و هو في مجلس عامّ فغطّاها، ثمّ قال: نعم، فاعولي عليه- يا هند- و ابكي على ابن بنت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و صريخة قريش، عجّل عليه ابن زياد فقتله قتله اللّه.
ثمّ إنّ يزيد أنزلهم في داره الخاصّة، فما كان يتغدّى و لا يتعشّى حتّى يحضر عليّ بن الحسين عليه السلام معه.
و روي أنّه عرض عليهم المقام بدمشق، فأبوا ذلك، فقالوا: بل ردّنا إلى المدينة لأنّها مهاجر جدّنا.