کتابخانه روایات شیعه
و إنعامه، تألّبت على قتاله أحزاب الشيطان، و تكتّبت لاستئصاله كتائب البهتان، و خلعت العرب أعنّة الطاعة لأمره، و رامت خفض ما رفع إليه من قدره، و هدّ ما شدّ من أركانه، و هدم ما اسّس من بنيانه، و إدحاض ما أوضح من حجّته، و إخفاء ما بيّن من أدلّته، و أبى اللّه إلّا أن ينصر دينه، و يؤيّد نبيّه و أمينه.
و لم يزل صلّى اللّه عليه و آله مجاهدا صابرا يتلقّى حدود الصفاح بشريف طلعته، و يقابل رءوس الرماح بزاهر بهجته، و يذلّ بشدّة بأسه كلّ متكبّر جبّار، و يفلّ بشباء سيفه كلّ متغلّب ختّار، يباشر بنفسه الحتوف، و يتلقّى بوجهه السيوف، حتى كسرت في احد رباعيته، و شجّت لمناوشته القتال جبهته، و قتل في بدر و احد و حنين أهله و اسرته، لم يثنه ثان عن نصرة دين اللّه، و لم يكن له في الخلق ثان في جهاد أعداء اللّه.
قال أمير المؤمنين صلوات اللّه عليه: كنّا إذا احمرّ البأس اتّقينا برسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، فلم يكن أحد منّا أقرب إلى العدوّ منه 3234 .
و لم يزل صلّى اللّه عليه و آله يقاسي الأهوال في حروبه و غزواته، و يقطّع الآجال بتواصل صولاته و عزماته، حتى قبضه اللّه إليه سعيدا، و دعاه إلى جواره شهيدا، موفيا ببيعته، موضحا سبيل الحقّ بدعوته، و لمّا نقله اللّه إلى جواره و قبضه إليه و اختاره اشتدّ البلاء على ذرّيّته، و ضاق الفضاء بعترته، و رمتهم عصب الباطل بسهام نفاقها، و أصمت منهم المقاتل بمعابل شقاقها، و جحدت نصّ الغدير و لم يطل العهد، و ضللت الهادي البشير و لم تخلف المعتمدة 3235 ،
و وضعت الحقّ في غير محلّه، و نكثت ما عاهدت عليه الرسول في أهله، و أظهرت فيهم الأجناد، و رمتهم عن قوس واحدة دون العباد، و منعت الزهراء نحلتها من والدها، و ردّت شهادة شاهدها، و لطموا خدّها و خلّوا جدّها، حتى ماتت بغصّتها من قولهم و فعلهم، و أوصت أن تدفن ليلا من أجلهم.
يا ويلهم ممّا ارتكبوا من ظلم آل نبيّهم، و احتقبوا من غصب حقّ وليّهم، جعلوا الضرير يقود مبصرهم، و الضليل الشرّير حبرهم و خيّرهم، و الكذوب على اللّه و رسوله زعيمهم و صدّيقهم، الظلوم لآل وليّهم و فاروقهم، فضلّوا و أضلّوا، و زلّوا و أزلّوا، و سلكوا منهاج الشرك، و أظهروا كلمة الكبر، و ارتدّوا عن الدين الحنيف، و باعوا الآخرة بالنزر الطفيف.
فأبعدهم اللّه كما بعدت ثمود، و أوردهم النار و بئس الورد المورود، ذلك بأنّهم اتّخذوا آيات اللّه هزوا و لعبا، و افتروا على اللّه كذبا، فأبوا شرّ مآب، و نكصوا على الأعقاب، حتى إذا اكملت العدّة، و انقضت المدّة، و أرهقتهم سعور و قدموا على ما قدموا من موبقات الذنوب و تكدّر من دار غرورهم ما راق وصفا، و رأوا المجرمون النار فظنّوا أنّهم مواقعوها و لم يجدوا عنها مصرفا.
قد تهيّأت ملائكة العذاب لعذابهم، و سجّرت دركات النيران لعقاقهم، و حاق بهم ما كانوا بهم يستهزءون، و ردّوا إلى اللّه مولاهم الحقّ و ضلّ عنهم ما كانوا يفترون، و شاهدوا كتاب عملهم قد أحصى ما اقترفوه حسابا و عدوا قالوا: يا ويلتنا ما لهذا الكتاب لا يغادر صغيرة و لا كبيرة إلّا أحصاها؟! و وجدوا ما عملوا حاضرا و لا يظلم ربّك أحدا هنالك تشتمل أعناقهم الأغلال بجوامعها، و تنتابهم الزبانية بمقامعها، و يلقون في شرّ سجن يشرف عليهم إبليس فيلعنهم، و تطلع إليهم عبدة الأوثان فتوبّخهم، لا فترة من ريحة عقابها، و لا يقضى عليهم
فيموتوا و لا يخفّف عنهم من عذابها.
لم يرض وليّهم و فاروقهم، بل جبتهم و طاغوتهم بتقلّد عارها في دار الفناء، حتى احتقبه وزرها إلى دار البقاء، و أفضى بوصيّته إلى من ضارعه من أهل النفاق، و تابعه من اولي الشقاق، بقتل ذرّيّة نبيّهم، و الانتقام من عترة وليّهم، و ألّا يقتلوا عترتهم، و لا يرحموا عبرتهم، فنسجوا على منواله، و اقتدوا بأفعاله و أقواله، و قتلوهم تحت كلّ كوكب، و ذهبوا بهم كلّ مذهب.
فلا أنس و إن نسيت، و لا يعزب عن علمي ما حييت، قائدة الفتنة، و قاعدة المحنة، ابنة رأس الظلمة، و أساس الآثمة، أوّل باغ بغى في هذه الامّة، و أخبث طاغ طغى و أحلّ بآل الرسول ظلمه، يخب بها جملها من البلد الحرام، قد أجلبت بخيلها و رجلها على علمة الإسلام، و إمام الأنام، أفضل من صلّى و صام، و أجمل من نام و قام، و أكمل من دقّ و درج، و أتقى من ولج و خرج، قصّام الأصلاب إذ تضرم الوقائع نارها، و قسّام الأسلاب حين تضع الحرب أوزارها.
شقيق النبيّ في المجانسة، و رفيقه في المجالسة، و مساويه في الحقيقة، و مواليه في الطريقة، و نفسه في المباهلة، و سيفه في المصاولة، و عليّه الأعلى، و وليّه الأدنى.
أعبد العبّاد، و أزهد الزهّاد، و بدل الأبدال، و منكّس الأبطال، يقطّ الأصلاب إن بارز، و يجزّ الرقاب إن ناجز، يمشي إلى الحتوف مشيا سجحا، و يبدي للضرب وجها سمحا، يخطر في الحرب و المنايا أليفة سيوفه، و يشمّر للضرب و البلايا طلائع صفوفه.
كم قصم قفارا يدي قفاره؟ و كم جندل مغوارا بشباء غراره؟ و كم افترس
أسدا بثعلب رمحه؟ و كم فلّ عددا بمبين فتحه؟ و كم أغنى عائلا بعد سوء حاله؟ و كم آثر سائلا بقوته و قوت عياله؟
كالبدر المنير وجهه عند السؤال، و كالبحر الغزير كفّه عند النوال، و كالشمس الطالعة عند حلّ المشكلات، و كالهضبة المانعة عند حلول المعضلات، و حلّة إمامته إِنَّما وَلِيُّكُمُ 3236 ، و حلية زعامته قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ* 3237 ، و جبريل في وقائعه مكتب كتائبه، و ميكائيل في حروبه يعجب من ضرائبه.
فهو علم الإسلام، و عالم الأنام، و حبر الزمان، و حبوة المنّان، من تسمّى بإمرة المؤمنين سواه فالتراب بل الكثكث بفيه، و من انتمى في الشرف إلى غير علاه فالوبال و النكال له و فيه، فما عسى أن أقول في وصف سيّد نفسه نفس سيّد الأنبياء، و عرسه سيّدة النساء، و غرسه أئمّة الهدى، و شجرته من دوحة الأصفياء، راهب الليل، و مجاري السيل، و مدوّخ كلّ عنيد، و مشدخ كلّ صنديد، صاحب بدر واحد و قاتل عمرو بن ودّ، ضربته يوم الأحزاب تعادل عمل الامّة إلى يوم الحساب.
[أبيات للمؤلّف رحمه اللّه]
هو الامام الّذي ما شانه نجل
و لا نبيّ قلبه عن قرنه فشل
من وجهه قمر في لحظه قدر
في سخه أجل من عفوه أمل
إذا مشى الحين و السيف في يده
حسبت بدر الدجى في كفّه زحل
ما زال في الأرض أبطال فمنذ نشأ ال
وصيّ أبطلها يوم الوغى بطل
ينبي ببدر فقال المبصرون له
جلاله ملك ذا الشخص أو رجل
سل سلّة البيض من سلّ النفو
س بها من تخطّت به الخطيّة الذبل
تراه يقطع آجال الكماة إذا
ما واصل السيف ضرب منه متّصل
حسامه ينثني من عند هزّته
كأنّه من طلى أعداءه ثمل
للسيف في يده ضحك و ليس فم
و للرؤوس بكاء منه و لا مقل
سائل به في الوغى و الموت يقذفه
و الرعب مقتبل و الضرب مختبل
و البيض إن واصلت بيض الرءوس ترى
لها الرءوس عن الأجساد تنتقل
و المشرفية عند الضرب مشرفة
و السمهريّة عند الطعن تشتعل
و الخيل راكعة في النقع ساجدة
لها من الدم ثوب مسبل خظل
و الليل نقع و هاتيك الأسنّة قد
يلمعن فيه نجوم ثمّ او شعل
هناك تلقى به سيفا بمضربه
جهل على معشر للحقّ قد جهلوا
خطبة مشتملة على السور القرآنية:
ذاك صدّيق النبيّ الأكبر، و وصيّه الأطهر، أبي شبير و شبّر، المسمّى بحيدر، و ما أدراك ما حيدر؟ هو الكوكب الأزهر، بل القمر الأنور، الّذي فضائله في فاتحة الذكر مذكورة، و مناقبه في أمّ الكتاب مسطورة.
وَ مِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللَّهِ 3238 في سورة البقرة بفضله قاطعة، و في آل عمران رجالا و نساء لشرف رجاله و نسائه خاضعة، و وجوه المحامد مصروفة إلى مائدة إنعامه، و أعراف أنفاله، و البراءة من النار لا تكتب إلّا للمخلص بولائه و ولاء آله، و يونس في الظلمات دعى ربّه بجاهه و حقّه، و هود يوم الطاغية توسّل بإخلاصه و صدقه، و نجّى به يوسف من كيد إخوته لمّا أرعدوا و أبرقوا، وَ أَلْقُوهُ فِي غَيابَتِ الْجُبِ 3239 و بينه و بين أبيه فرّقوا، و صارت النار بردا و سلاما على إبراهيم لكونه في صلبه، و لا جلس من حجر إلّا من حرّها، و أَتى أَمْرُ اللَّهِ 3240 إليه بوجوب حبّه.
و كشف الجليل سبحانه ليلة الاسراء لنبيّه الحجب من الملكوت الأعلى حتى شاهد من وراء الحجب جلال بهجته، و أنزل عليه الكتاب وَ لَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجاً قَيِّماً 3241 بفرض إمامته، و ضربه مثلا كابن مريم فأذعن من أذعن، و صدّ
من صدّ، و فضّله نبيّنا طه على سائر الأنبياء، فقبل من قبل، و ردّ من ردّ، و ائتمنه صلّى اللّه عليه و آله على تأدية براءة يوم الحجّ الأكبر و أن يفيد إلى المشركين عهدهم، فأقرّ اللّه عيون المؤمنين في ذلك اليوم بنور فرقانه، و أعلى مجده و أثنى عليه في محكم تنزيله.
فما عسى أن يقول البلغاء و الشعراء في وصفه، و آتاه ملكا يفوق ملك صاحب النمل و أيّده بلطفه، قصص الذكر في بدر و احد بذكر شجاعته ناطقة، و أحاديث مصير دين الشرك كالعنكبوت يوم كسره الأصنام صادقة، و للذكر موافقة، بطلت أبطال فارس و الروم عند ذكر شدّته و قوّته، و غدت حكمة لقمان كالقطرة في اليمّ في جنب حكمته، و امرت أحكام البلاغة بالسجدة لكعبة بلاغته.
كم سبا بفاطر حسامه في حروبه من المشركين ذرّيّة و نساء؟ و كم أباح اللّه للفقراء و المساكين من فيض أكفّه ثراء و غناء، وَ كُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْناهُ فِي إِمامٍ مُبِينٍ 3242 راية مجده، وَ قِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُلُونَ 3243 في سورة الصافّات آية عهده.
كم صاد بثعلب رمحه في حروبه أسدا، و فرّق زمرا؟ و كم أغنى بطوله عائلا، و آثر فيه من صنائعه أثرا؟ في الذكر الحكيم آيات مناقبه فصّلت، و في سورة الشورى تفاصيل مراتبه اجملت، زخرف حجّ أعدائه كالدخان يعلو ثمّ يذهب جفاء، و أعلام شريعته تسمو إذ غيرها تصير هباء.