کتابخانه روایات شیعه
فيموتوا و لا يخفّف عنهم من عذابها.
لم يرض وليّهم و فاروقهم، بل جبتهم و طاغوتهم بتقلّد عارها في دار الفناء، حتى احتقبه وزرها إلى دار البقاء، و أفضى بوصيّته إلى من ضارعه من أهل النفاق، و تابعه من اولي الشقاق، بقتل ذرّيّة نبيّهم، و الانتقام من عترة وليّهم، و ألّا يقتلوا عترتهم، و لا يرحموا عبرتهم، فنسجوا على منواله، و اقتدوا بأفعاله و أقواله، و قتلوهم تحت كلّ كوكب، و ذهبوا بهم كلّ مذهب.
فلا أنس و إن نسيت، و لا يعزب عن علمي ما حييت، قائدة الفتنة، و قاعدة المحنة، ابنة رأس الظلمة، و أساس الآثمة، أوّل باغ بغى في هذه الامّة، و أخبث طاغ طغى و أحلّ بآل الرسول ظلمه، يخب بها جملها من البلد الحرام، قد أجلبت بخيلها و رجلها على علمة الإسلام، و إمام الأنام، أفضل من صلّى و صام، و أجمل من نام و قام، و أكمل من دقّ و درج، و أتقى من ولج و خرج، قصّام الأصلاب إذ تضرم الوقائع نارها، و قسّام الأسلاب حين تضع الحرب أوزارها.
شقيق النبيّ في المجانسة، و رفيقه في المجالسة، و مساويه في الحقيقة، و مواليه في الطريقة، و نفسه في المباهلة، و سيفه في المصاولة، و عليّه الأعلى، و وليّه الأدنى.
أعبد العبّاد، و أزهد الزهّاد، و بدل الأبدال، و منكّس الأبطال، يقطّ الأصلاب إن بارز، و يجزّ الرقاب إن ناجز، يمشي إلى الحتوف مشيا سجحا، و يبدي للضرب وجها سمحا، يخطر في الحرب و المنايا أليفة سيوفه، و يشمّر للضرب و البلايا طلائع صفوفه.
كم قصم قفارا يدي قفاره؟ و كم جندل مغوارا بشباء غراره؟ و كم افترس
أسدا بثعلب رمحه؟ و كم فلّ عددا بمبين فتحه؟ و كم أغنى عائلا بعد سوء حاله؟ و كم آثر سائلا بقوته و قوت عياله؟
كالبدر المنير وجهه عند السؤال، و كالبحر الغزير كفّه عند النوال، و كالشمس الطالعة عند حلّ المشكلات، و كالهضبة المانعة عند حلول المعضلات، و حلّة إمامته إِنَّما وَلِيُّكُمُ 3236 ، و حلية زعامته قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ* 3237 ، و جبريل في وقائعه مكتب كتائبه، و ميكائيل في حروبه يعجب من ضرائبه.
فهو علم الإسلام، و عالم الأنام، و حبر الزمان، و حبوة المنّان، من تسمّى بإمرة المؤمنين سواه فالتراب بل الكثكث بفيه، و من انتمى في الشرف إلى غير علاه فالوبال و النكال له و فيه، فما عسى أن أقول في وصف سيّد نفسه نفس سيّد الأنبياء، و عرسه سيّدة النساء، و غرسه أئمّة الهدى، و شجرته من دوحة الأصفياء، راهب الليل، و مجاري السيل، و مدوّخ كلّ عنيد، و مشدخ كلّ صنديد، صاحب بدر واحد و قاتل عمرو بن ودّ، ضربته يوم الأحزاب تعادل عمل الامّة إلى يوم الحساب.
[أبيات للمؤلّف رحمه اللّه]
هو الامام الّذي ما شانه نجل
و لا نبيّ قلبه عن قرنه فشل
من وجهه قمر في لحظه قدر
في سخه أجل من عفوه أمل
إذا مشى الحين و السيف في يده
حسبت بدر الدجى في كفّه زحل
ما زال في الأرض أبطال فمنذ نشأ ال
وصيّ أبطلها يوم الوغى بطل
ينبي ببدر فقال المبصرون له
جلاله ملك ذا الشخص أو رجل
سل سلّة البيض من سلّ النفو
س بها من تخطّت به الخطيّة الذبل
تراه يقطع آجال الكماة إذا
ما واصل السيف ضرب منه متّصل
حسامه ينثني من عند هزّته
كأنّه من طلى أعداءه ثمل
للسيف في يده ضحك و ليس فم
و للرؤوس بكاء منه و لا مقل
سائل به في الوغى و الموت يقذفه
و الرعب مقتبل و الضرب مختبل
و البيض إن واصلت بيض الرءوس ترى
لها الرءوس عن الأجساد تنتقل
و المشرفية عند الضرب مشرفة
و السمهريّة عند الطعن تشتعل
و الخيل راكعة في النقع ساجدة
لها من الدم ثوب مسبل خظل
و الليل نقع و هاتيك الأسنّة قد
يلمعن فيه نجوم ثمّ او شعل
هناك تلقى به سيفا بمضربه
جهل على معشر للحقّ قد جهلوا
خطبة مشتملة على السور القرآنية:
ذاك صدّيق النبيّ الأكبر، و وصيّه الأطهر، أبي شبير و شبّر، المسمّى بحيدر، و ما أدراك ما حيدر؟ هو الكوكب الأزهر، بل القمر الأنور، الّذي فضائله في فاتحة الذكر مذكورة، و مناقبه في أمّ الكتاب مسطورة.
وَ مِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللَّهِ 3238 في سورة البقرة بفضله قاطعة، و في آل عمران رجالا و نساء لشرف رجاله و نسائه خاضعة، و وجوه المحامد مصروفة إلى مائدة إنعامه، و أعراف أنفاله، و البراءة من النار لا تكتب إلّا للمخلص بولائه و ولاء آله، و يونس في الظلمات دعى ربّه بجاهه و حقّه، و هود يوم الطاغية توسّل بإخلاصه و صدقه، و نجّى به يوسف من كيد إخوته لمّا أرعدوا و أبرقوا، وَ أَلْقُوهُ فِي غَيابَتِ الْجُبِ 3239 و بينه و بين أبيه فرّقوا، و صارت النار بردا و سلاما على إبراهيم لكونه في صلبه، و لا جلس من حجر إلّا من حرّها، و أَتى أَمْرُ اللَّهِ 3240 إليه بوجوب حبّه.
و كشف الجليل سبحانه ليلة الاسراء لنبيّه الحجب من الملكوت الأعلى حتى شاهد من وراء الحجب جلال بهجته، و أنزل عليه الكتاب وَ لَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجاً قَيِّماً 3241 بفرض إمامته، و ضربه مثلا كابن مريم فأذعن من أذعن، و صدّ
من صدّ، و فضّله نبيّنا طه على سائر الأنبياء، فقبل من قبل، و ردّ من ردّ، و ائتمنه صلّى اللّه عليه و آله على تأدية براءة يوم الحجّ الأكبر و أن يفيد إلى المشركين عهدهم، فأقرّ اللّه عيون المؤمنين في ذلك اليوم بنور فرقانه، و أعلى مجده و أثنى عليه في محكم تنزيله.
فما عسى أن يقول البلغاء و الشعراء في وصفه، و آتاه ملكا يفوق ملك صاحب النمل و أيّده بلطفه، قصص الذكر في بدر و احد بذكر شجاعته ناطقة، و أحاديث مصير دين الشرك كالعنكبوت يوم كسره الأصنام صادقة، و للذكر موافقة، بطلت أبطال فارس و الروم عند ذكر شدّته و قوّته، و غدت حكمة لقمان كالقطرة في اليمّ في جنب حكمته، و امرت أحكام البلاغة بالسجدة لكعبة بلاغته.
كم سبا بفاطر حسامه في حروبه من المشركين ذرّيّة و نساء؟ و كم أباح اللّه للفقراء و المساكين من فيض أكفّه ثراء و غناء، وَ كُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْناهُ فِي إِمامٍ مُبِينٍ 3242 راية مجده، وَ قِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُلُونَ 3243 في سورة الصافّات آية عهده.
كم صاد بثعلب رمحه في حروبه أسدا، و فرّق زمرا؟ و كم أغنى بطوله عائلا، و آثر فيه من صنائعه أثرا؟ في الذكر الحكيم آيات مناقبه فصّلت، و في سورة الشورى تفاصيل مراتبه اجملت، زخرف حجّ أعدائه كالدخان يعلو ثمّ يذهب جفاء، و أعلام شريعته تسمو إذ غيرها تصير هباء.
لمّا جعله سبحانه صاحب أحقاف الأعراف في الاخرى، و أيّده في قتاله
بالفتح، و أسكنه حجرات الرئاسة الكبرى، صار ملكه شاملا بسيط بساط الأرض من قاف إلى قاف، و سلطان أعدائه كرماد اشتدّت به الذاريات بشدّة الاعصاف، فضلّ صاحب طور سيناء في جنب فضله كفضل النجم بالنسبة إلى القمر، و واقعة سيفه إلى الايمان بالرحمن أشهر من أن تشهر، كالحديد قلبه في مجادلة عصب الضلال، و كالبحر كفّه لكن فيضه بالعذب الزلال.
شفيعنا إلى ربّنا في حشرنا، و معاذنا يوم معادنا و نشرنا، قلوبنا ممتحنة بحبّه إذ اوقفنا كصفّ الجمعة بين يدي إلهنا، و صار المنافقون في تغابن إذ نرى مقام إخلاصنا، لما التزم صلوات اللّه عليه بطلاق الدنيا و تجرّعها على نفسه، آتاه اللّه ملكا عظيما و أيّده بروح قدسه، و أجرى قلم القدرة على لوح المشيّة بدوامه إلى حين حلول الحاقّة الكبرى، و زاده ذو المعارج بسطة في العلم و الجسم فما أحقّه بالمجد و أحرى، سأل نوح ربّه بحقّه فنجا من الطوفان و الغرق، و إليه يفزع الجنّ و الإنس إذا حسرت الأنام و الجم الخلق العرق، جعل المزّمّل المدّثّر بأمر اللّه الرئاسة العامّة فيه و في نجله إلى حين حلول القيامة الطامّة، يوم ينظر الانسان ما قدّمت يداه 3244 من ولائه و حبّه، و ترى مرسلات العذاب آخذة أعداءه إلى النار بإذن ربّه، فهو النبأ العظيم الّذي هم فيه مختلفون 3245 ، و العهد المأخوذ في عالم الذرّ فهم عنه مسئولون.
فيا حاسد صيّرت مدائحي له روحه في النازعات و قلبه أعمى، و كوّرت إنسان بصره فصار عن ضوء شمس الحقّ أعشى، بلت كبدك إذا السماء انفطرت من رائق شعري، و عيناك إذا النجوم انكدرت من فائق نثري، رمت تطفيف
مكيال فصلي فانشقّت هامة فؤادك، و تبرّجت في بروج تيهك فهوى طارق مرادك، رمت أن تكون الأعلى على جواد فصاحتي فصرت حامل الغاشية، و أردت إخفاء فجر بلاغتي فصارت حمقتك في البلد فاشية.
لمّا أشرقت شمس فضلي كاشفة ليل الضلال بضحاها، انشرحت صدور المؤمنين فما أحلاها في قلوبهم و أجلاها، و ما عسى أن أقول في وصف من التين و الزيتون بفضله نطقت، و الدنيا و الآخرة لذرّيّته خلقت؟ ناداني ربّي في سرائري: اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ 3246 ، و انطق بمدح وليّك فما أعلى قدر من يمدحه نطق، بيّنة دعواك جنّة لذي معدلة، و أقدام أعدائك عن طريق الحقّ مزلزلة، لا تخف عاديات قارعتهم فهم الّذين ألهاهم التكاثر و حبّ الرئاسة، و فتنتهم عصر الدنيا و طلب النفاسة، حتى صار كلّ منهم همزة لمزة قد جمع مالا و عدّده، يحسب أنّ ماله أخلده 3247 ، أَ لَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحابِ الْفِيلِ 3248 .
لمّا على ربّهم تكبّروا؟ أ ما سمعوا ما حلّ بقريش لمّا على نبيّهم تجبّروا؟
صار ماعون شركهم مكفو في بدر بكفّ صاحب الكوثر، و ناداهم الحقّ سبحانه: سحقا لمن أصرّ على الجحد بصاحب الفتح في الأحزاب و خيبر، و تبّا لمن نازع من فضله من أهل التوحيد و فضله من فلق الصبح أشهر، و أضحى مقدّما عليه في الناس من لا يعادل شسع نعل عبده قنبر.