کتابخانه روایات شیعه
بالفتح، و أسكنه حجرات الرئاسة الكبرى، صار ملكه شاملا بسيط بساط الأرض من قاف إلى قاف، و سلطان أعدائه كرماد اشتدّت به الذاريات بشدّة الاعصاف، فضلّ صاحب طور سيناء في جنب فضله كفضل النجم بالنسبة إلى القمر، و واقعة سيفه إلى الايمان بالرحمن أشهر من أن تشهر، كالحديد قلبه في مجادلة عصب الضلال، و كالبحر كفّه لكن فيضه بالعذب الزلال.
شفيعنا إلى ربّنا في حشرنا، و معاذنا يوم معادنا و نشرنا، قلوبنا ممتحنة بحبّه إذ اوقفنا كصفّ الجمعة بين يدي إلهنا، و صار المنافقون في تغابن إذ نرى مقام إخلاصنا، لما التزم صلوات اللّه عليه بطلاق الدنيا و تجرّعها على نفسه، آتاه اللّه ملكا عظيما و أيّده بروح قدسه، و أجرى قلم القدرة على لوح المشيّة بدوامه إلى حين حلول الحاقّة الكبرى، و زاده ذو المعارج بسطة في العلم و الجسم فما أحقّه بالمجد و أحرى، سأل نوح ربّه بحقّه فنجا من الطوفان و الغرق، و إليه يفزع الجنّ و الإنس إذا حسرت الأنام و الجم الخلق العرق، جعل المزّمّل المدّثّر بأمر اللّه الرئاسة العامّة فيه و في نجله إلى حين حلول القيامة الطامّة، يوم ينظر الانسان ما قدّمت يداه 3244 من ولائه و حبّه، و ترى مرسلات العذاب آخذة أعداءه إلى النار بإذن ربّه، فهو النبأ العظيم الّذي هم فيه مختلفون 3245 ، و العهد المأخوذ في عالم الذرّ فهم عنه مسئولون.
فيا حاسد صيّرت مدائحي له روحه في النازعات و قلبه أعمى، و كوّرت إنسان بصره فصار عن ضوء شمس الحقّ أعشى، بلت كبدك إذا السماء انفطرت من رائق شعري، و عيناك إذا النجوم انكدرت من فائق نثري، رمت تطفيف
مكيال فصلي فانشقّت هامة فؤادك، و تبرّجت في بروج تيهك فهوى طارق مرادك، رمت أن تكون الأعلى على جواد فصاحتي فصرت حامل الغاشية، و أردت إخفاء فجر بلاغتي فصارت حمقتك في البلد فاشية.
لمّا أشرقت شمس فضلي كاشفة ليل الضلال بضحاها، انشرحت صدور المؤمنين فما أحلاها في قلوبهم و أجلاها، و ما عسى أن أقول في وصف من التين و الزيتون بفضله نطقت، و الدنيا و الآخرة لذرّيّته خلقت؟ ناداني ربّي في سرائري: اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ 3246 ، و انطق بمدح وليّك فما أعلى قدر من يمدحه نطق، بيّنة دعواك جنّة لذي معدلة، و أقدام أعدائك عن طريق الحقّ مزلزلة، لا تخف عاديات قارعتهم فهم الّذين ألهاهم التكاثر و حبّ الرئاسة، و فتنتهم عصر الدنيا و طلب النفاسة، حتى صار كلّ منهم همزة لمزة قد جمع مالا و عدّده، يحسب أنّ ماله أخلده 3247 ، أَ لَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحابِ الْفِيلِ 3248 .
لمّا على ربّهم تكبّروا؟ أ ما سمعوا ما حلّ بقريش لمّا على نبيّهم تجبّروا؟
صار ماعون شركهم مكفو في بدر بكفّ صاحب الكوثر، و ناداهم الحقّ سبحانه: سحقا لمن أصرّ على الجحد بصاحب الفتح في الأحزاب و خيبر، و تبّا لمن نازع من فضله من أهل التوحيد و فضله من فلق الصبح أشهر، و أضحى مقدّما عليه في الناس من لا يعادل شسع نعل عبده قنبر.
هذه الّذي أوردت ذرّة من طود دلائله، و صببت قطرة من بحر فضائله،
و ذكرت قليلا من كثير من حلائل مناقبه، و أسمعت نزرا من غزير من فواضل مراتبه، هو الّذي أجلبت المدعوّة بامّكم على حربه، و كشفت عن ساق عداوته و ثلبه، و نكثت بيعته، و قتلت شيعته، و خالفت أمر ربّها و بعلها، و أجلبت على هدم الإسلام بخيلها و رجلها، فلعنة اللّه على فرعها و أصلها و قومها و أهلها، أجلبت على حرب أشرف العالمين قبيلا و أقومهم قيلا، الّذي من استمسك بحبل ولائه فقد ابتغى إلى ذي العرش سبيلا 3249 ، الّذي أنزل اللّه فيه و في أهل بيته رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى نَحْبَهُ وَ مِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَ ما بَدَّلُوا تَبْدِيلًا 3250 .
[إخبار النبيّ صلّى اللّه عليه و آله باستشهاد أمير المؤمنين عليه السلام]
عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: يا عليّ، ما ينتظر أشقى هذه الامّة فيضربك على هامتك ضربة يخضب منها لحيتك؟
و روي أيضا عنه صلّى اللّه عليه و آله: يا عليّ، كأنّي بك و أنت قائم تصلّي لربّك و قد انبعث أشقى الأوّلين و أشقى الآخرين، شقيق عاقر ناقة ثمود، فضربك على هامتك ضربة خضب منها لحيتك.
قال أمير المؤمنين: فقلت: يا رسول اللّه، أ في سلامة من ديني؟
قال: نعم، في سلامة من دينك.
يا عليّ، من قتلك فقد قتلني، و من أبغضك فقد أبغضني، و من سبّك فقد سبّني، لأنّك منّي و أنا منك، طينتك طينتي، أنت أبو ولدي، و خليفتي على أمّتي في حياتي و بعد موتي، اقسم باللّه إنّك أمير المؤمنين و حجّة اللّه على
الخلق أجمعين 3251 .
روي أنّ أمير المؤمنين قال لابنته أمّ كلثوم ليلة ضرب: يا بنيّة، إنّي أراني قلّ ما أصحبكم.
قالت: و كيف يا أبتاه؟
قال: رأيت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و هو يمسح الغبار عن وجهي و يقول: يا عليّ، لا عليك لا عليك، قضيت ما عليك.
قالت: فما مكثنا حتى ضرب تلك الليلة.
و في رواية أنّه قال: رأيت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يشير إليّ بكفّه:
يا عليّ إلينا إلينا، فما عندنا خير لك 3252 .
[أبيات للحسن بن علي عليه السلام في رثاء أبيه أمير المؤمنين عليه السلام]
و لمّا فاز صلوات اللّه عليه بدرجة الشهادة، و حاز دوحة السعادة، قال مولانا و سيّدنا السبط التابع لمرضاة اللّه:
أين من كان لعلم ال
مصطفى في الناس بابا؟
أين من كان إذا ما
أقحط الناس سحابا؟
أين من كان إذا نو
دي في الحرب أجابا؟
أين من كان دعاه
مستجابا و مجابا 3253
غيره:
قام في المحراب للّه يناجي
فانبرى أشقى الورى نجل الزيوف
فلق الهامة من خير وصيّ
فاز بالزلفة في الشهر الشريف
و أذاقوا الفتى السمّ عمدا
لعنة اللّه على الرجس المديف
[أبيات للزاهي، و اخرى لابن حمّاد العبدي]
يا آل أحمد ما ذا كان جرمكم
فكلّ أرواحكم بالسيف تنتزع
تلقى جموعكم صرعى مشتّتة
دون الأنام 3254 و شمل الناس مجتمع
و تستباحون أقمارا منكّسة
تهوى و أنفسها 3255 بالسمر تنتزع
ما للحوادث لا تعنو بظالمكم؟
ما للمصائب عنكم ليس ترتدع؟
منكم طريد و مقتول على ظمأ
و منكم دنف بالسمّ منصرع
و من محرّق جسم لا يزار له
قبر و لا مشهد يأتيه مرتدع 3256
يا آل بيت محمد وجدي بكم
قد قلّ عنه تصبّري و تجلّدي
ما للمصائب أنشبت أظفارها
فيكم فبين مطرّد و مشرّد؟
من كلّ ناحية عليكم نائح
ينعاكم في مأتم متجدّد
من ذا أنوح له و من أبكي ترى
تبعا لكم يا آل بيت محمد
أعلى قتيل الملجمي و قد ثوى
متخضّبا بدمائه في المسجد
أم للّذي للسمّ اسقي عامدا
أم للغريب النازح المتفرّد؟
أم للعطاش مجندلين على الثرى
من كلّ كهل سيّد و مسوّد؟
أم للرؤوس السائرات على القنا
مثل البدور إذا سرت في الأسعد؟
أم للسبايا من بنات محمد
تسبى مهتّكة كسبي الأعبد 3257
و ثنّ بابنة آكلة الأكباد الزنيم الطاغي، و ابن هند الأثيم الباغي، رأس العصابة الأمويّة، و ابن الفاجرة البغيّة، كيف أجلب على حرب أمير المؤمنين، و قتل أعلام المهاجرين الأوّلين، و وسم غير إبله، و خالف اللّه و رسوله بقوله و عمله، ثمّ دبّر في قتل سبط المصطفى، و قرّة عين سيّدة النسا، و أداف له قواتل سمومه، و لم يحسن اللّه في حديثه و قديمه، بعد أن فرّق جموعه بتدبيره و مكره، و أفسد جنوده بذهابه و غدره؟
و أعانه على ذلك قوم ظاهرهم الوفاق، و باطنهم النفاق، غرّتهم الدنيا بزينتها، و استهوتهم بزهرتها، فباعوا الآجلة بالعاجلة، و العالية بالسافلة، و نكثوا عهده، و أخلفوا وعده، و لم يحفظوا النبيّ في عترته، و لم يراعوا الوصيّ في اسرته، و انتهبوا ثقله، و راموا قتله، و أظهروا ما كان من غدرهم مصونا،
و من حقدهم مكنونا، و أطلع اللّه وليّه على ما دبّروا، و حاق بهم سيّئات ما مكروا، فمال صلوات اللّه عليه إلى إظهار الهدنة، و إطفاء الفتنة، لعدم الناصح، و قلّة المناصح، و حقنا لدماء ذرّيّته و ذويه، و ظنّا بالمخلصين من شيعته و شيعة أبيه، و عاد إلى حرم جدّه و قد حصّل ما حصّل، و عاد بدار الهجرة و هو أعلم بما فعل، كلّ ذلك و ابن هند يدبّر في إهلاكه، و ينصب له أشراك كفره و إشراكه، حتى قضى صلوات اللّه عليه شهيدا سعيدا، مظلوما مسموما، قد انتهكت حرمة الرسول بانتهاك حرمته، و عظمت مصيبة البتول لعظم مصيبته.
[أبيات للصقر البصري]
يا خير مبعوث و أكرم مرسل
أضحى لدين الحقّ فينا شارعا
لو أنّ عينك عاينت بعض الّذي
ببنيك حلّ لقد رأيت فظائعا
أمّا ابنك الحسن الزكيّ فإنّه
لمّا مضيت سقوه سمّا ناقعا
ففروا به كبدا لديك كريمة
منه و أحشاء له و أضالعا
و سقوا حسينا في الطفوف على الظما
كأس المنيّة فاحتساها جارعا
قتلوه عطشانا بعرصة كربلا