کتابخانه روایات شیعه
و ذكرت قليلا من كثير من حلائل مناقبه، و أسمعت نزرا من غزير من فواضل مراتبه، هو الّذي أجلبت المدعوّة بامّكم على حربه، و كشفت عن ساق عداوته و ثلبه، و نكثت بيعته، و قتلت شيعته، و خالفت أمر ربّها و بعلها، و أجلبت على هدم الإسلام بخيلها و رجلها، فلعنة اللّه على فرعها و أصلها و قومها و أهلها، أجلبت على حرب أشرف العالمين قبيلا و أقومهم قيلا، الّذي من استمسك بحبل ولائه فقد ابتغى إلى ذي العرش سبيلا 3249 ، الّذي أنزل اللّه فيه و في أهل بيته رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى نَحْبَهُ وَ مِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَ ما بَدَّلُوا تَبْدِيلًا 3250 .
[إخبار النبيّ صلّى اللّه عليه و آله باستشهاد أمير المؤمنين عليه السلام]
عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: يا عليّ، ما ينتظر أشقى هذه الامّة فيضربك على هامتك ضربة يخضب منها لحيتك؟
و روي أيضا عنه صلّى اللّه عليه و آله: يا عليّ، كأنّي بك و أنت قائم تصلّي لربّك و قد انبعث أشقى الأوّلين و أشقى الآخرين، شقيق عاقر ناقة ثمود، فضربك على هامتك ضربة خضب منها لحيتك.
قال أمير المؤمنين: فقلت: يا رسول اللّه، أ في سلامة من ديني؟
قال: نعم، في سلامة من دينك.
يا عليّ، من قتلك فقد قتلني، و من أبغضك فقد أبغضني، و من سبّك فقد سبّني، لأنّك منّي و أنا منك، طينتك طينتي، أنت أبو ولدي، و خليفتي على أمّتي في حياتي و بعد موتي، اقسم باللّه إنّك أمير المؤمنين و حجّة اللّه على
الخلق أجمعين 3251 .
روي أنّ أمير المؤمنين قال لابنته أمّ كلثوم ليلة ضرب: يا بنيّة، إنّي أراني قلّ ما أصحبكم.
قالت: و كيف يا أبتاه؟
قال: رأيت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و هو يمسح الغبار عن وجهي و يقول: يا عليّ، لا عليك لا عليك، قضيت ما عليك.
قالت: فما مكثنا حتى ضرب تلك الليلة.
و في رواية أنّه قال: رأيت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يشير إليّ بكفّه:
يا عليّ إلينا إلينا، فما عندنا خير لك 3252 .
[أبيات للحسن بن علي عليه السلام في رثاء أبيه أمير المؤمنين عليه السلام]
و لمّا فاز صلوات اللّه عليه بدرجة الشهادة، و حاز دوحة السعادة، قال مولانا و سيّدنا السبط التابع لمرضاة اللّه:
أين من كان لعلم ال
مصطفى في الناس بابا؟
أين من كان إذا ما
أقحط الناس سحابا؟
أين من كان إذا نو
دي في الحرب أجابا؟
أين من كان دعاه
مستجابا و مجابا 3253
غيره:
قام في المحراب للّه يناجي
فانبرى أشقى الورى نجل الزيوف
فلق الهامة من خير وصيّ
فاز بالزلفة في الشهر الشريف
و أذاقوا الفتى السمّ عمدا
لعنة اللّه على الرجس المديف
[أبيات للزاهي، و اخرى لابن حمّاد العبدي]
يا آل أحمد ما ذا كان جرمكم
فكلّ أرواحكم بالسيف تنتزع
تلقى جموعكم صرعى مشتّتة
دون الأنام 3254 و شمل الناس مجتمع
و تستباحون أقمارا منكّسة
تهوى و أنفسها 3255 بالسمر تنتزع
ما للحوادث لا تعنو بظالمكم؟
ما للمصائب عنكم ليس ترتدع؟
منكم طريد و مقتول على ظمأ
و منكم دنف بالسمّ منصرع
و من محرّق جسم لا يزار له
قبر و لا مشهد يأتيه مرتدع 3256
يا آل بيت محمد وجدي بكم
قد قلّ عنه تصبّري و تجلّدي
ما للمصائب أنشبت أظفارها
فيكم فبين مطرّد و مشرّد؟
من كلّ ناحية عليكم نائح
ينعاكم في مأتم متجدّد
من ذا أنوح له و من أبكي ترى
تبعا لكم يا آل بيت محمد
أعلى قتيل الملجمي و قد ثوى
متخضّبا بدمائه في المسجد
أم للّذي للسمّ اسقي عامدا
أم للغريب النازح المتفرّد؟
أم للعطاش مجندلين على الثرى
من كلّ كهل سيّد و مسوّد؟
أم للرؤوس السائرات على القنا
مثل البدور إذا سرت في الأسعد؟
أم للسبايا من بنات محمد
تسبى مهتّكة كسبي الأعبد 3257
و ثنّ بابنة آكلة الأكباد الزنيم الطاغي، و ابن هند الأثيم الباغي، رأس العصابة الأمويّة، و ابن الفاجرة البغيّة، كيف أجلب على حرب أمير المؤمنين، و قتل أعلام المهاجرين الأوّلين، و وسم غير إبله، و خالف اللّه و رسوله بقوله و عمله، ثمّ دبّر في قتل سبط المصطفى، و قرّة عين سيّدة النسا، و أداف له قواتل سمومه، و لم يحسن اللّه في حديثه و قديمه، بعد أن فرّق جموعه بتدبيره و مكره، و أفسد جنوده بذهابه و غدره؟
و أعانه على ذلك قوم ظاهرهم الوفاق، و باطنهم النفاق، غرّتهم الدنيا بزينتها، و استهوتهم بزهرتها، فباعوا الآجلة بالعاجلة، و العالية بالسافلة، و نكثوا عهده، و أخلفوا وعده، و لم يحفظوا النبيّ في عترته، و لم يراعوا الوصيّ في اسرته، و انتهبوا ثقله، و راموا قتله، و أظهروا ما كان من غدرهم مصونا،
و من حقدهم مكنونا، و أطلع اللّه وليّه على ما دبّروا، و حاق بهم سيّئات ما مكروا، فمال صلوات اللّه عليه إلى إظهار الهدنة، و إطفاء الفتنة، لعدم الناصح، و قلّة المناصح، و حقنا لدماء ذرّيّته و ذويه، و ظنّا بالمخلصين من شيعته و شيعة أبيه، و عاد إلى حرم جدّه و قد حصّل ما حصّل، و عاد بدار الهجرة و هو أعلم بما فعل، كلّ ذلك و ابن هند يدبّر في إهلاكه، و ينصب له أشراك كفره و إشراكه، حتى قضى صلوات اللّه عليه شهيدا سعيدا، مظلوما مسموما، قد انتهكت حرمة الرسول بانتهاك حرمته، و عظمت مصيبة البتول لعظم مصيبته.
[أبيات للصقر البصري]
يا خير مبعوث و أكرم مرسل
أضحى لدين الحقّ فينا شارعا
لو أنّ عينك عاينت بعض الّذي
ببنيك حلّ لقد رأيت فظائعا
أمّا ابنك الحسن الزكيّ فإنّه
لمّا مضيت سقوه سمّا ناقعا
ففروا به كبدا لديك كريمة
منه و أحشاء له و أضالعا
و سقوا حسينا في الطفوف على الظما
كأس المنيّة فاحتساها جارعا
قتلوه عطشانا بعرصة كربلا
و سبوا حلائله و خلف ضائعا
جسدا بلا رأس تمدّ على الثرى
رجلا به و تكف اخرى نازعا 3258
قيل: لمّا بلغ معاوية موت الحسن عليه السلام سجد و سجد من حوله، و كبّر و كبّروا معه، فدخل عليه ابن عبّاس بعدها، فقال معاوية: يا ابن عبّاس، أمات الحسن أبو محمد؟
قال: نعم، رحمة اللّه و بركاته عليه و على روحه و بدنه، و بلغني تكبيرك و سجودك، أما و اللّه لا يسدّ جثمانه حفرتك، و لا يزيد انقضاء أجله في عمرك.
قال: أحسبه ترك صبية صغارا و لم يترك عليهم كثير معاش.
فقال: إنّ الّذي وكّلهم إليه غيرك، و كلّنا كنّا صغارا فكبرنا.
قال معاوية: فأنت تكون سيّد القوم بعده؟
فقال: أما و أبو عبد اللّه الحسين حيّ، فلا 3259 .
يا ابن بنت المصطفى
و ابن الوصيّ المرتضى
بك حزني ماله
حتى مماتي انقضا
كان ودّي لو أكن
منك بروحي عوضا
فيمنّ اللّه على
رمسك برد و رضا
[كلام للمؤلّف رحمه اللّه]
و إذا ما مرّ ذكر الواقعة العظمى، و المصيبة الكبرى، و ما مرّ بعرصة كربلاء بذرّيّة المصطفى، ففرّغ نفسك- أيّها المؤمن- لقيام المآتم، و استفرغ غرب
عيونك بالدموع السواجم، و طلّق النوم إلّا غرارا 3260 ، و اذرف الدموع من العيون مدرارا، بمصيبة من هدمت مصيبته الايمان هدما، و تهضّمت واقعته الإسلام هضما، و أكسبت قلوب المؤمنين حزنا و غمّا، و ألبست ألباب العارفين حيرة و همّا.
يا لها مصيبة شقّت لها من المؤمنين قلوبهم لا جيوبهم، و تجافت لعظيمها عن المضاجع جنوبهم، و أبكت السماء دما و ترابا، و حيّرت من اولي العرفان أفكارا و ألبابا، و اضطربت لهولها السبع العلى، و اهتزّ لها عرش المليك الأعلى، النبيّ و الوصيّ فيها أهل العزاء، و سيّدة النساء تودّ لو تكون له الفداء! أنسى كلّ مصيبة مصابها، و أمرّ كلّ طعم صابها، و أدارت بكؤوس الأحزان على قلوب المؤمنين، و جدّدت معاهد الأشجان في نفوس المخلصين، سعرها لا ينسى و إن تقادمت الأيّام، و ذكرها لا يستقصى و إن تعاقبت الأعوام، كست السماء بحمرة نجيع شهدائها شفقا، و أذكت في قلوب المؤمنين بقادح زنادها حرقا، و أنفدت بتراكم أحزانها ماء الشؤوب، و أذابت بتفاقم أشجانها القلوب، فأسالتها دما من العيون، فإنّا للّه و إنّا إليه راجعون، أيّ مصيبة طمت و عمت، و أشجت قلوب المؤمنين و أغمت؟