کتابخانه روایات شیعه
عيونك بالدموع السواجم، و طلّق النوم إلّا غرارا 3260 ، و اذرف الدموع من العيون مدرارا، بمصيبة من هدمت مصيبته الايمان هدما، و تهضّمت واقعته الإسلام هضما، و أكسبت قلوب المؤمنين حزنا و غمّا، و ألبست ألباب العارفين حيرة و همّا.
يا لها مصيبة شقّت لها من المؤمنين قلوبهم لا جيوبهم، و تجافت لعظيمها عن المضاجع جنوبهم، و أبكت السماء دما و ترابا، و حيّرت من اولي العرفان أفكارا و ألبابا، و اضطربت لهولها السبع العلى، و اهتزّ لها عرش المليك الأعلى، النبيّ و الوصيّ فيها أهل العزاء، و سيّدة النساء تودّ لو تكون له الفداء! أنسى كلّ مصيبة مصابها، و أمرّ كلّ طعم صابها، و أدارت بكؤوس الأحزان على قلوب المؤمنين، و جدّدت معاهد الأشجان في نفوس المخلصين، سعرها لا ينسى و إن تقادمت الأيّام، و ذكرها لا يستقصى و إن تعاقبت الأعوام، كست السماء بحمرة نجيع شهدائها شفقا، و أذكت في قلوب المؤمنين بقادح زنادها حرقا، و أنفدت بتراكم أحزانها ماء الشؤوب، و أذابت بتفاقم أشجانها القلوب، فأسالتها دما من العيون، فإنّا للّه و إنّا إليه راجعون، أيّ مصيبة طمت و عمت، و أشجت قلوب المؤمنين و أغمت؟
فيا إخواني الّذين نوّر اللّه قلوبهم بأنوار الايمان، و أظهر نفوسهم على أسرار العرفان، و سلك بهم سبيل نبيّه و عترته، و ألزمهم التمسّك بحبل وليّه و ذرّيّته، و جعل حبّ آل محمد شعارهم و دثارهم، و قرّبهم زلفى من رضوانه باتّباعهم آثارهم، جدّدوا في هذا اليوم معاهد الأحزان، و أفيضوا الدموع المقرحة للأجفان، و استشعروا شعار الأسف فهذا زمانه، و أظهروا شعار الجزع
فهذا أوانه، و عزّوا نبيّكم المصطفى في هذا اليوم بسبطه، و أسعدوا وليّكم المرتضى على مصابه برهطه، فإنّ البكاء في هذا اليوم لمصاب آل الرسول من أفضل الطاعات، و إظهار الجزع لما نال ولد الطاهرة البتول من أكمل القربات.
روى مسمع بن عبد الملك كردين البصري 3261 ، عن سيّدنا أبي عبد اللّه الصادق عليه السلام قال: يا مسمع، إنّ السماوات و الأرض لم تزل تبكي مذ قتل أمير المؤمنين صلوات اللّه عليه، و من يبكي لمصابنا من الملائكة أكثر من ذلك، و ما من عبد بكى رحمة لنا إلّا رحمه اللّه قبل أن تخرج الدمعة من عينه، فإذا سالت على خدّه فلو أنّ قطرة منها سقطت في جهنّم لأطفأت حرّها حتى لا يوجد لها حرارة.
و ما من ذي قلب يتوجّع لمصيبتنا إلّا أعطاه اللّه فرحة عند موته لا تزال معه حتى يرد علينا الحوض، و إنّ الكوثر ليفرح بالمؤمن يقدم عليه فيسقى منه شربة لا يظمأ بعدها أبدا، و لا سقي بعدها أبدا، و إنّه لفي طعم الزنجبيل، و رائحة المسك، أحلى من العسل، و أبرد من الثلج، و أصفى من الدمع، و أذكى من العنبر، يخرج من معين تسنيم، فيمرّ في أنهار الجنّة على رضراض 3262 الدرّ و الياقوت، و إنّ رائحته لتشمّ من مسيرة ألف عام و عليه قدحان من الدرّ و الياقوت أكثر عددا من نجوم السماء، و على حافّته أمير المؤمنين عليه السلام قائم و بيده عصا من عوسج يذود بها أعداءنا، و إنّ الرجل منهم ليأتي فيقول: يا أمير المؤمنين، اسقني شربة فإنّي كنت في دار الدنيا مقرّا بالشهادتين.
فيقول له أمير المؤمنين: ارجع إلى إمامك الّذي كنت تتولّاه في دار الدنيا
و تقدّمه على إمام الحقّ فاسأله فليشفع لك.
فيقول: يا مولاي، إنّ إمامي الّذي ذكرت شرّ منّي.
فيقول له أمير المؤمنين: ارجع وراءك لا سقاك اللّه أبدا 3263 .
[أبيات للمؤلّف رحمه اللّه]
رزء سبط النبيّ خير شهيد
بفؤادي أحلّ نار الوقود
و أذاب الفؤاد منّي فأجراه د
ما في محاجري في خدودي
حزن قلبي و إن تقادم عهدي
بي جديد في كلّ يوم جديد
ليس لي مونس إذا جنّ ليلي
غير وجدي و حرقتي و سهودي
سقم جسمي على عظيم مصابي
و اصفراري أدلّتي و شهودي
و إذا رمت أن اكفكف دمعي
قال حزني في القلب هل من مزيد؟
ما تذكّرت ما جرى يوم عاشورا
ء على سبط أحمد المحمود
من بني العاهرات آل زياد
و أعقّ الورى و شرّ العبيد
و ابن سعد إلّا و نضد و جدي
من دموعي قلائد في جيدي
و يزيد الغرام في مهجتي إن
مرّ تذكار ما جرى من يزيد
إذ بنو المصطفى تساق إلي
ه في وثاق و ذلّة و قيود
و كريم على سنان سنان
يخجل البدر في ليالي السعود
لهف قلبي و حرّ صدري على
أشرف مولى نمته خير جدود
في صعيد الطفوف ثاو به ش
رف أكرم بتربة من صعيد
منعوه شرب المباح و لكن
جعلوا ورده نجيع الوريد
يا بني المصطفى و حقّ الّذي أن
زل فيكم من المليك المجيد
و بما في جوانحي و فؤادي
من وفاء لكم و صدق عهود
إنّ في مهجتي لعظم مصابي
بكم ما يذيب صلد الحديد
[كلام للمؤلّف رحمه اللّه]
يا إخواني الّذين ارتضاهم اللّه لدينه، و سقاهم من زلال الاخلاص أصفى
معينه، و ألزمهم كلمة التقوى، و أمرهم بالتمسّك بالسبب الأقوى، اعلموا أنّ هذا اليوم يوم كسف فيه بدر الايمان بل شمسه، و ذوي غصن الايمان بل غرسه، و فتحت أبواب الجنان لأرواح بذلت وسعها في طاعة ربّها و وليّها، و سجّرت دركات النيران لأنفس قادها الشقاء إلى متابعة شيطانها و غويّها.
هذه تتلقّاها الملائكة الكرام بالبشرى بالنعيم المقيم، و هذه يتولّاها الزبانية الغلاظ الشداد بالعذاب الأليم، هيّئ لهذه نزل من غفور رحيم، و لهذه نزل من حميم و تصلية جحيم، هذه تعانق الحور العين، و هذه تقرن مع الشياطين في سجّين، هذه ربحت تجارتها، و هذه خسرت صفقتها، كم بين من تجاوز النبيّ و الوصيّ في درجته، و بين من يقرن مع الشيطان الغويّ في جامعته؟ كم بين من اريق دمه في نصرة وليّه و ابن رسوله، و بين من باع دينه بدنيا شيطانه و ضليله؟
فيا إخواني أذيبوا القلوب في هذا اليوم بشدّة حزنكم، و صعّدوها دما من شئون جفونكم بنار جزعكم، و أطفئوا غضب ربّكم بمعين دمعكم، و وجّهوا إلى قتلة أولاد النبيّين مطايا لعنكم و سبّكم، و اذكروا سيّدكم، و قرّة عين نبيّكم و إمامكم، و ثمرة قلب وليّكم، و قد ضاقت به المسالك و المذاهب، و أحدقت به الأعداء من كلّ جانب، و منعوه من شرب المباح، و جعلوا ورده نجيع الجراح.
ترى الأطهار من ذرّيّته، و الأبرار من شيعته، قد سقوا كئوس الحتوف بعد الظما، و بلغوا من حدود السيوف حدّ الردى، ذوي أطراف مقطّعة، و أشلاء مبضّعة، تسفي عليهم الأعاصير بذيولها، و تطأهم الأعداء بخيولها.
و النسوة اللاتي يعدون النبيّ و الوصيّ جدّا و أبا، أصحاب قُلْ لا
أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى 3264 ، يلذن به صارخات، و يتوسّلن به ضارعات، قد قتلت رجالهنّ، و ذبحت أطفالهنّ، و هو يدافع عنهنّ صابرا، و يمانع دونهنّ ثائرا، كالأسد الهاصر، أو النمر الجاسر، يبري بسيفه المعاصم، و يجزّ الغلاصم، و يقطّ الأصلاب، و يقصّ الرقاب، و يندر الأكفّ مع الأعضاد، و يفرّق بين الرءوس و الأجساد، إن قصد قصد البطل ألقمه حصيصا، و إن صمد صمد مبادر غادره بغصنه حريصا، باع من اللّه روحه و جسده، و بذل في اللّه ماله و ولده، لا يزيده قلّة الأنصار إلّا بصيرة من أمره، و لا يكسبه تظافر الأشرار إلّا إخلاصا في علانيته و سرّه.
و أعانه على امتثال أمر اللّه عصابة من ذويه و اسرته، و متابعيه من شيعته، باعوا أنفسهم من اللّه بنعيم جنّته، فربحوا الزلفى من عظيم رحمته، فلو تراهم و قد أظلم ليل نقع الحرب، و بلغت القلوب الحناجر لوقع الطعن و الضرب، و الأعداء محدقة بهم من كلّ جانب، و الأسنّة في الدروع كالنجوم في ظلم الغياهب، و السيوف لاختلاف المضارب كالبروق في كهول من ثقال السحائب، و الخيل راكعة ساجدة من دفع القنا في صدورها، و الرجال متلقّية حدود الصفاح و رءوس الرماح بقلوبها و نحورها، و الولدان المخلّدون قد أترعت الأكواب و الأباريق للعطاش من ذرّيّة المصطفى، و الحور العين قد هيّأت فرشا من سندس بطائنها من استبرق لأجسادهم المرمّلة بالدماء، و الملائكة الكرام تعجب من صولة سطوتهم بتصميم عزيمتهم و شدّة جردهم مع قلّة عددهم لرأيت وجوها كالبدور في ظلم النقع مشرقة، و اسدا في غاب الرماح مطرقة، يرون الموت في طاعة ربّهم أحلى من العسل المشار،
و ارتكاب الأخطار أولى من ركوب العار.
أصبحوا في عرصة كربلاء مصرّعين بين الروابي و الدكادك، و أمسوا في جنّة المأوى متّكئين على الأرائك، لقوا اللّه فوفى لهم بما عاهدهم، و أنالهم الحسنى و زيادة على ما وعدهم، أجلسهم على بساط انسه في ظلّ جنابه، و سقاهم من رحيق قدسه أصفى شرابه، و ناداهم في سرائرهم، و خاطبهم في ضمائرهم: يا من بذلوا أنفسهم في طاعة وليّي و ابن أوليائي، و اريقت دماؤهم ذابّين عن صفيّي و نجل أصفيائي، تبوّءوا من النعيم المقيم ما لا عين رأت، و لا اذن سمعت، و لا خطر على قلب بشر، و هذا سيّدكم أبو عبد اللّه الحسين على الأثر.
و لمّا صارت أشباحهم منبوذة بالعرا، و أرواحهم منعّمة في الرفيق الأعلى، و رءوسهم منتزعة عن أبدانها بحدّ الظبا، و نفوسهم تتلقّاها الملائكة الكرام بالبشرى، صاروا فرطا لسبط المصطفى و قرّة عين الزهراء، و مقدّمة بسيّد الشهداء إلى جنّة المأوى، ناداهم: على الدنيا بعدكم العفا، ثمّ ازدلف لقتال الظلمة بقالبه و قلبه، و برز لجهاد الأئمّة طاعة لربّه، كم جدّل جليدا، و أباد صنديدا، و أزهق منافقا، و أوبق مسابقا، و افترس أسدا، و فلّ عددا، و أرغم و أزهق أنفسا؟ قائلا:
أنا الحسين بن عليّ
آليت ألّا أنثني
أحمي عيالات أبي
أذبّ عن دين النبيّ