کتابخانه روایات شیعه
معينه، و ألزمهم كلمة التقوى، و أمرهم بالتمسّك بالسبب الأقوى، اعلموا أنّ هذا اليوم يوم كسف فيه بدر الايمان بل شمسه، و ذوي غصن الايمان بل غرسه، و فتحت أبواب الجنان لأرواح بذلت وسعها في طاعة ربّها و وليّها، و سجّرت دركات النيران لأنفس قادها الشقاء إلى متابعة شيطانها و غويّها.
هذه تتلقّاها الملائكة الكرام بالبشرى بالنعيم المقيم، و هذه يتولّاها الزبانية الغلاظ الشداد بالعذاب الأليم، هيّئ لهذه نزل من غفور رحيم، و لهذه نزل من حميم و تصلية جحيم، هذه تعانق الحور العين، و هذه تقرن مع الشياطين في سجّين، هذه ربحت تجارتها، و هذه خسرت صفقتها، كم بين من تجاوز النبيّ و الوصيّ في درجته، و بين من يقرن مع الشيطان الغويّ في جامعته؟ كم بين من اريق دمه في نصرة وليّه و ابن رسوله، و بين من باع دينه بدنيا شيطانه و ضليله؟
فيا إخواني أذيبوا القلوب في هذا اليوم بشدّة حزنكم، و صعّدوها دما من شئون جفونكم بنار جزعكم، و أطفئوا غضب ربّكم بمعين دمعكم، و وجّهوا إلى قتلة أولاد النبيّين مطايا لعنكم و سبّكم، و اذكروا سيّدكم، و قرّة عين نبيّكم و إمامكم، و ثمرة قلب وليّكم، و قد ضاقت به المسالك و المذاهب، و أحدقت به الأعداء من كلّ جانب، و منعوه من شرب المباح، و جعلوا ورده نجيع الجراح.
ترى الأطهار من ذرّيّته، و الأبرار من شيعته، قد سقوا كئوس الحتوف بعد الظما، و بلغوا من حدود السيوف حدّ الردى، ذوي أطراف مقطّعة، و أشلاء مبضّعة، تسفي عليهم الأعاصير بذيولها، و تطأهم الأعداء بخيولها.
و النسوة اللاتي يعدون النبيّ و الوصيّ جدّا و أبا، أصحاب قُلْ لا
أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى 3264 ، يلذن به صارخات، و يتوسّلن به ضارعات، قد قتلت رجالهنّ، و ذبحت أطفالهنّ، و هو يدافع عنهنّ صابرا، و يمانع دونهنّ ثائرا، كالأسد الهاصر، أو النمر الجاسر، يبري بسيفه المعاصم، و يجزّ الغلاصم، و يقطّ الأصلاب، و يقصّ الرقاب، و يندر الأكفّ مع الأعضاد، و يفرّق بين الرءوس و الأجساد، إن قصد قصد البطل ألقمه حصيصا، و إن صمد صمد مبادر غادره بغصنه حريصا، باع من اللّه روحه و جسده، و بذل في اللّه ماله و ولده، لا يزيده قلّة الأنصار إلّا بصيرة من أمره، و لا يكسبه تظافر الأشرار إلّا إخلاصا في علانيته و سرّه.
و أعانه على امتثال أمر اللّه عصابة من ذويه و اسرته، و متابعيه من شيعته، باعوا أنفسهم من اللّه بنعيم جنّته، فربحوا الزلفى من عظيم رحمته، فلو تراهم و قد أظلم ليل نقع الحرب، و بلغت القلوب الحناجر لوقع الطعن و الضرب، و الأعداء محدقة بهم من كلّ جانب، و الأسنّة في الدروع كالنجوم في ظلم الغياهب، و السيوف لاختلاف المضارب كالبروق في كهول من ثقال السحائب، و الخيل راكعة ساجدة من دفع القنا في صدورها، و الرجال متلقّية حدود الصفاح و رءوس الرماح بقلوبها و نحورها، و الولدان المخلّدون قد أترعت الأكواب و الأباريق للعطاش من ذرّيّة المصطفى، و الحور العين قد هيّأت فرشا من سندس بطائنها من استبرق لأجسادهم المرمّلة بالدماء، و الملائكة الكرام تعجب من صولة سطوتهم بتصميم عزيمتهم و شدّة جردهم مع قلّة عددهم لرأيت وجوها كالبدور في ظلم النقع مشرقة، و اسدا في غاب الرماح مطرقة، يرون الموت في طاعة ربّهم أحلى من العسل المشار،
و ارتكاب الأخطار أولى من ركوب العار.
أصبحوا في عرصة كربلاء مصرّعين بين الروابي و الدكادك، و أمسوا في جنّة المأوى متّكئين على الأرائك، لقوا اللّه فوفى لهم بما عاهدهم، و أنالهم الحسنى و زيادة على ما وعدهم، أجلسهم على بساط انسه في ظلّ جنابه، و سقاهم من رحيق قدسه أصفى شرابه، و ناداهم في سرائرهم، و خاطبهم في ضمائرهم: يا من بذلوا أنفسهم في طاعة وليّي و ابن أوليائي، و اريقت دماؤهم ذابّين عن صفيّي و نجل أصفيائي، تبوّءوا من النعيم المقيم ما لا عين رأت، و لا اذن سمعت، و لا خطر على قلب بشر، و هذا سيّدكم أبو عبد اللّه الحسين على الأثر.
و لمّا صارت أشباحهم منبوذة بالعرا، و أرواحهم منعّمة في الرفيق الأعلى، و رءوسهم منتزعة عن أبدانها بحدّ الظبا، و نفوسهم تتلقّاها الملائكة الكرام بالبشرى، صاروا فرطا لسبط المصطفى و قرّة عين الزهراء، و مقدّمة بسيّد الشهداء إلى جنّة المأوى، ناداهم: على الدنيا بعدكم العفا، ثمّ ازدلف لقتال الظلمة بقالبه و قلبه، و برز لجهاد الأئمّة طاعة لربّه، كم جدّل جليدا، و أباد صنديدا، و أزهق منافقا، و أوبق مسابقا، و افترس أسدا، و فلّ عددا، و أرغم و أزهق أنفسا؟ قائلا:
أنا الحسين بن عليّ
آليت ألّا أنثني
أحمي عيالات أبي
أذبّ عن دين النبيّ
حتى قتل صلوات اللّه عليه مبارزة و مطاردة ألفا و تسعمائة و خمسين راجلا و فارسا، كذا ذكره الشيخ الثقة رشيد الدين بن شهر اشوب المازندراني
في كتابه مطالب السئول في مناقب آل الرسول 3265 .
و لمّا رأى ابن سعد تواصل صولاته، و تتابع حملاته، نادى في بقيّة الأحزاب من أحزابه، و كفرة الكتاب من كتائبه و صحابه: ويلكم أ تدرون لمن تقاتلون؟ هذا ابن الأنزع البطين، هذا ابن قتّال العرب، فضيّقوا عليه المسالك و المذاهب، و أحدقوا به من كلّ جانب، ضربا بالصفاح، و شجرا بالرماح.
[كثرة الجراحات الّتي وجدت بالحسين عليه السلام]
عن أبي جعفر الباقر عليه السلام، قال: وجد بالحسين عليه السلام ثلاثمائة و بضعة و عشرون جراحة ما بين ضربة بسيف، أو طعنة برمح، و كانت أكثرها في مقدّمته.
و عن ابن جرير الطبري، قال: وجد بالحسين ألف و تسعمائة جراحة ما بين ضربة بسيف، أو طعنة برمح، أو رمية بسهم، و كانت السهام في درعه كالشوك في جلد القنفذ. 3266
فيا إخواني، ما للعيون لهذا الرزء العظيم لا تدمع؟ و ما للقلوب لهذا الخطب الجسيم لا تنجع؟ و ما للأكباد بسيوف الأحزان لا تتقطّع؟ فعمى بطرف لا يسحّ دما لغربتهم، و سحقا لقلب لا يتضعضع أسفا لمحنتهم، أ فلا تبكون على من بكت السماء دما عليهم؟ أ فلا تأسفون على من سجدت جباه الفجر لديهم؟
أ فلا تجزعون لمصاب المصطفى و المرتضى و الزهراء؟ أ فلا تحزنون لأجسادهم مرمّلة بالدماء؟ أ فلا تقرحون الأجفان لبدور غيّبت في كربلاء؟ أ فلا تجدّدون الأحزان لمصاب أشرف أهل الأرض و السماء؟
كم سيّد لي بكربلاء
خضّب من نحره المشيب؟
كم سيّد لي بكربلاء
عسكره بالعراء نهيب؟
كم سيّد لي بكربلاء
ليس لما يشتكي طبيب؟
كم سيّد لي بكربلاء
خاتمه و الرداء سليب؟
كم سيّد لي بكربلاء
يسمع صوتي و لا يجيب؟
كم سيّد لي بكربلاء
ينكت 3267 في ثغره القضيب؟ 3268
عن ابن عبّاس رضي اللّه عنه قال: رؤي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله في المنام بعد واقعة الحسين عليه السلام و هو مغبّر الوجه، حافي القدمين، و قد ضمّ ذيل 3269 قميصه إلى نفسه و هو يتلو هذه الآية: وَ لا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ 3270 ، و يقول: إنّي مضيت إلى كربلاء فالتقطت دم الحسين من الأرض، و ها هو في حجري، و أنا غدا 3271 اخاصمهم بين يدي ربّي 3272 .
[أبيات في رثاء الحسين عليه السلام، و اخرى للعوني]
يا قمرا غاب حين لاحا
أكسبني فقدك النياحا
يا نوب الدهر لم تدع لي
صرفك من حادث صلاحا
أبعد يوم الحسين و يحيى
أستعذب اللهو و المزاحا
بآبائي سادة ظماة
ماتوا و لم يشربوا المباحا
بآبائي سادة كراما
غادرهم حتفهم صباحا
يا سادتي يا بني عليّ
بكى الهدى فقدكم و ناحا
يا سادتي يا بني إمامي
أقولها عنوة صراحا
أوحشتم الحجر و المساعي
أنستم القفر و البطاحا
أوحشتم الذكر و المثاني
و السور النزّل الفصاحا 3273
[إخبار الحسن باستشهاد أخيه الحسين عليهما السلام، و أبيات للمؤلّف رحمه اللّه]
عن أبي عبد اللّه الصادق عليه السلام، قال: دخل الحسين على أخيه الحسن عليهما السلام، فلمّا بصر به بكى، فقال: ما يبكيك، يا أبا عبد اللّه؟
قال: أبكي لما يفعل بك.
قال: و ما يفعل بي هل هو إلّا سمّ يلقى إليّ فاقتل؟ و لكن لا يوم كيومك، يا أبا عبد اللّه، يزدلف إليك ثلاثون ألفا، ينتحلون دين الإسلام، و يزعمون أنّهم من أمّة جدّك فيجتمعون على قتلك، و سفك دمك، و انتهاك حرمتك، و سبي ذراريك و نسائك، فعندها تحلّ اللعنة ببني اميّة، و تمطر السماء دما و ترابا أحمر، و يبكي عليك كلّ شيء حتى الوحوش في الفلوات، و الحيتان في البحار، و الطير في جوّ السماء 3274 .
كربلاء كم فيك من شيب خضيب
بدم النحر و كم هام نقيف؟
و سعيد بصعيد الطفّ ثاو
رأسه يعلى على رمح ثقيف
لبني الزهراء أرباب المساعي
و المعالي و العوالي و السيوف
زلفت نحوهم عصبة سوء
ليس فيهم غير زنديق و كوفي
لعن اللّه بني الكوفة لم
يك فيهم من بعهد اللّه يوفي
سل يزيدا قائما بالقسط
من حاز المعالي من تليد و طريف
صلبوا من بعد خذل ثمّ قتل
آه ممّا حلّ بالبدن الشريف 3275
[حديث يوم عاشوراء]
عن سيّدنا و مولانا أبي الحسن الرضا عليه السلام، قال: إنّ شهر المحرّم كان أهل الجاهليّة 3276 يحرّمون فيه القتال فاستحلّت فيه دماؤنا، و هتكت فيه حرمنا، و سبي فيه ذرارينا و نساؤنا، و اضرمت النيران في مضاربنا، و لم يترك لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله حرمة فينا، إنّ يوم عاشوراء 3277 أقرح جفوننا، و أسبل دموعنا، و أذلّ عزيزنا، أرض كربلاء أورثتنا الكرب و البلاء، إلى يوم الانقضاء، فعلى مثل الحسين فليبك الباكون، فإنّ البكاء فيه محطّ الذنوب.