کتابخانه روایات شیعه
و ارتكاب الأخطار أولى من ركوب العار.
أصبحوا في عرصة كربلاء مصرّعين بين الروابي و الدكادك، و أمسوا في جنّة المأوى متّكئين على الأرائك، لقوا اللّه فوفى لهم بما عاهدهم، و أنالهم الحسنى و زيادة على ما وعدهم، أجلسهم على بساط انسه في ظلّ جنابه، و سقاهم من رحيق قدسه أصفى شرابه، و ناداهم في سرائرهم، و خاطبهم في ضمائرهم: يا من بذلوا أنفسهم في طاعة وليّي و ابن أوليائي، و اريقت دماؤهم ذابّين عن صفيّي و نجل أصفيائي، تبوّءوا من النعيم المقيم ما لا عين رأت، و لا اذن سمعت، و لا خطر على قلب بشر، و هذا سيّدكم أبو عبد اللّه الحسين على الأثر.
و لمّا صارت أشباحهم منبوذة بالعرا، و أرواحهم منعّمة في الرفيق الأعلى، و رءوسهم منتزعة عن أبدانها بحدّ الظبا، و نفوسهم تتلقّاها الملائكة الكرام بالبشرى، صاروا فرطا لسبط المصطفى و قرّة عين الزهراء، و مقدّمة بسيّد الشهداء إلى جنّة المأوى، ناداهم: على الدنيا بعدكم العفا، ثمّ ازدلف لقتال الظلمة بقالبه و قلبه، و برز لجهاد الأئمّة طاعة لربّه، كم جدّل جليدا، و أباد صنديدا، و أزهق منافقا، و أوبق مسابقا، و افترس أسدا، و فلّ عددا، و أرغم و أزهق أنفسا؟ قائلا:
أنا الحسين بن عليّ
آليت ألّا أنثني
أحمي عيالات أبي
أذبّ عن دين النبيّ
حتى قتل صلوات اللّه عليه مبارزة و مطاردة ألفا و تسعمائة و خمسين راجلا و فارسا، كذا ذكره الشيخ الثقة رشيد الدين بن شهر اشوب المازندراني
في كتابه مطالب السئول في مناقب آل الرسول 3265 .
و لمّا رأى ابن سعد تواصل صولاته، و تتابع حملاته، نادى في بقيّة الأحزاب من أحزابه، و كفرة الكتاب من كتائبه و صحابه: ويلكم أ تدرون لمن تقاتلون؟ هذا ابن الأنزع البطين، هذا ابن قتّال العرب، فضيّقوا عليه المسالك و المذاهب، و أحدقوا به من كلّ جانب، ضربا بالصفاح، و شجرا بالرماح.
[كثرة الجراحات الّتي وجدت بالحسين عليه السلام]
عن أبي جعفر الباقر عليه السلام، قال: وجد بالحسين عليه السلام ثلاثمائة و بضعة و عشرون جراحة ما بين ضربة بسيف، أو طعنة برمح، و كانت أكثرها في مقدّمته.
و عن ابن جرير الطبري، قال: وجد بالحسين ألف و تسعمائة جراحة ما بين ضربة بسيف، أو طعنة برمح، أو رمية بسهم، و كانت السهام في درعه كالشوك في جلد القنفذ. 3266
فيا إخواني، ما للعيون لهذا الرزء العظيم لا تدمع؟ و ما للقلوب لهذا الخطب الجسيم لا تنجع؟ و ما للأكباد بسيوف الأحزان لا تتقطّع؟ فعمى بطرف لا يسحّ دما لغربتهم، و سحقا لقلب لا يتضعضع أسفا لمحنتهم، أ فلا تبكون على من بكت السماء دما عليهم؟ أ فلا تأسفون على من سجدت جباه الفجر لديهم؟
أ فلا تجزعون لمصاب المصطفى و المرتضى و الزهراء؟ أ فلا تحزنون لأجسادهم مرمّلة بالدماء؟ أ فلا تقرحون الأجفان لبدور غيّبت في كربلاء؟ أ فلا تجدّدون الأحزان لمصاب أشرف أهل الأرض و السماء؟
كم سيّد لي بكربلاء
خضّب من نحره المشيب؟
كم سيّد لي بكربلاء
عسكره بالعراء نهيب؟
كم سيّد لي بكربلاء
ليس لما يشتكي طبيب؟
كم سيّد لي بكربلاء
خاتمه و الرداء سليب؟
كم سيّد لي بكربلاء
يسمع صوتي و لا يجيب؟
كم سيّد لي بكربلاء
ينكت 3267 في ثغره القضيب؟ 3268
عن ابن عبّاس رضي اللّه عنه قال: رؤي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله في المنام بعد واقعة الحسين عليه السلام و هو مغبّر الوجه، حافي القدمين، و قد ضمّ ذيل 3269 قميصه إلى نفسه و هو يتلو هذه الآية: وَ لا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ 3270 ، و يقول: إنّي مضيت إلى كربلاء فالتقطت دم الحسين من الأرض، و ها هو في حجري، و أنا غدا 3271 اخاصمهم بين يدي ربّي 3272 .
[أبيات في رثاء الحسين عليه السلام، و اخرى للعوني]
يا قمرا غاب حين لاحا
أكسبني فقدك النياحا
يا نوب الدهر لم تدع لي
صرفك من حادث صلاحا
أبعد يوم الحسين و يحيى
أستعذب اللهو و المزاحا
بآبائي سادة ظماة
ماتوا و لم يشربوا المباحا
بآبائي سادة كراما
غادرهم حتفهم صباحا
يا سادتي يا بني عليّ
بكى الهدى فقدكم و ناحا
يا سادتي يا بني إمامي
أقولها عنوة صراحا
أوحشتم الحجر و المساعي
أنستم القفر و البطاحا
أوحشتم الذكر و المثاني
و السور النزّل الفصاحا 3273
[إخبار الحسن باستشهاد أخيه الحسين عليهما السلام، و أبيات للمؤلّف رحمه اللّه]
عن أبي عبد اللّه الصادق عليه السلام، قال: دخل الحسين على أخيه الحسن عليهما السلام، فلمّا بصر به بكى، فقال: ما يبكيك، يا أبا عبد اللّه؟
قال: أبكي لما يفعل بك.
قال: و ما يفعل بي هل هو إلّا سمّ يلقى إليّ فاقتل؟ و لكن لا يوم كيومك، يا أبا عبد اللّه، يزدلف إليك ثلاثون ألفا، ينتحلون دين الإسلام، و يزعمون أنّهم من أمّة جدّك فيجتمعون على قتلك، و سفك دمك، و انتهاك حرمتك، و سبي ذراريك و نسائك، فعندها تحلّ اللعنة ببني اميّة، و تمطر السماء دما و ترابا أحمر، و يبكي عليك كلّ شيء حتى الوحوش في الفلوات، و الحيتان في البحار، و الطير في جوّ السماء 3274 .
كربلاء كم فيك من شيب خضيب
بدم النحر و كم هام نقيف؟
و سعيد بصعيد الطفّ ثاو
رأسه يعلى على رمح ثقيف
لبني الزهراء أرباب المساعي
و المعالي و العوالي و السيوف
زلفت نحوهم عصبة سوء
ليس فيهم غير زنديق و كوفي
لعن اللّه بني الكوفة لم
يك فيهم من بعهد اللّه يوفي
سل يزيدا قائما بالقسط
من حاز المعالي من تليد و طريف
صلبوا من بعد خذل ثمّ قتل
آه ممّا حلّ بالبدن الشريف 3275
[حديث يوم عاشوراء]
عن سيّدنا و مولانا أبي الحسن الرضا عليه السلام، قال: إنّ شهر المحرّم كان أهل الجاهليّة 3276 يحرّمون فيه القتال فاستحلّت فيه دماؤنا، و هتكت فيه حرمنا، و سبي فيه ذرارينا و نساؤنا، و اضرمت النيران في مضاربنا، و لم يترك لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله حرمة فينا، إنّ يوم عاشوراء 3277 أقرح جفوننا، و أسبل دموعنا، و أذلّ عزيزنا، أرض كربلاء أورثتنا الكرب و البلاء، إلى يوم الانقضاء، فعلى مثل الحسين فليبك الباكون، فإنّ البكاء فيه محطّ الذنوب.
ثمّ قال صلوات اللّه عليه: إنّ أبي عليه السلام كان إذا هلّ المحرّم لم ير
ضاحكا، و كانت الكآبة و الحزن غالبين عليه، فإذا كان يوم عاشوراء كان يوم جزعه و بكائه، و يقول: في هذا اليوم قتل جدّي الحسين عليه السلام 3278 .
و عن ابن فضّال، عن أبيه، عن الرضا عليّ بن موسى عليه السلام، قال:
من ترك السعي في حوائجه يوم عاشوراء قضى اللّه له حوائج الدنيا و الآخرة، [و من كان يوم عاشوراء يوم مصيبته و حزنه و بكائه جعل اللّه عزّ و جلّ يوم القيامة يوم فرحه و سروره و قرّت بنا في الجنان عينه] 3279 و من سمّى يوم عاشوراء يوم بركة أو ادّخر بمنزله فيه شيئا لم يبارك له فيه، و حشره اللّه يوم القيامة في زمرة يزيد و عبيد اللّه و عمر بن سعد في أسفل درك من النار 3280 .
و عن جبلّة المكّيّة قالت: سمعت ميثم التمّار رضي اللّه عنه يقول: لتقتلنّ هذه الامّة ابن نبيّها في اليوم العاشر من المحرّم، و يتّخذون أعداء اللّه ذلك اليوم يوم سرور و بركة، أعلم ذلك بعهد عهده إليّ أمير المؤمنين صلوات اللّه عليه، و أعلمني أنّه يبكي عليه كلّ شيء حتى الوحوش في الفلوات، و الحيتان في البحار، و الطير في جوّ السماء، و تبكي عليه الشمس و القمر و النجوم و العرش و الكرسيّ و حملة العرش.
قالت جبلة: فقلت: يا ميثم، كيف يتّخذ الناس اليوم الّذي يقتل فيه ابن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يوم سرور و عيد و بركة؟
قال: بحديث يضعونه، و يزعمون أنّه اليوم الّذي تاب اللّه فيه على آدم
عليه السلام، و إنّما كان ذلك في ذي الحجّة.
و يزعمون أنّه اليوم الّذي قبل اللّه فيه توبة داود، و إنّما كان ذلك في ذي الحجّة أيضا.
و يزعمون أنّه اليوم الّذي أخرج اللّه فيه يونس من بطن الحوت، و إنّما كان ذلك في ذي القعدة.
و يزعمون أنّه اليوم الّذي استقرّت فيه سفينة نوح على الجوديّ، و إنّما كان ذلك يوم الثامن عشر من ذي الحجّة.
و يزعمون أنّه اليوم الّذي فرق اللّه فيه البحر لموسى 3281 ، و إنّما كان ذلك في ربيع الأوّل.
ثمّ قال: يا جبلة، إنّ الحسين سيّد الشهداء عند اللّه و لأصحابه درجة عند اللّه.
يا جبلة، إذا رأيت الشمس قد طلعت حمراء كالدم العبيط فاعلمي أنّ سيّدك الحسين قد قتل.
قالت جبلة: فلمّا مضى صلوات اللّه عليه إلى العراق خرجت ذات يوم فرأيت الشمس على الحيطان كالملاحف المعصفرة، فصحت و بكيت، و قلت:
قتل و اللّه سيّدي و مولاي أبو عبد اللّه 3282 .