کتابخانه روایات شیعه
الندبة
يا من طمست أنوار الاسلام بمصيبته، و درست آثار الايمان بواقعته، و خفرت ذمّة الرسول لخفر ذمّته، و انتهكت حرمة البتول لانتهاك حرمته، ها نحن عبيدك و أبناء عبيدك، العارفون من مقامات الشرف بطارفك و تليدك، المستمسكون من دلائل بعروة عصمة لا انفصام لحبلها، المخلصون في ودادك بصدق نيّة لا مزيد على فرعها و أصلها.
قد اجتمعنا في حضرتك الشريفة، و بقعتك المنيفة، لنوفي التعزية بمصابك حقّها، و نفضي إليك بقلوب قد أخلصت لولائك صدقها، و تذرف عبرات من عيون قريحة، و تصاعد زفرات من قلوب جريحة، جزعا لواقعتك الّتي هدّت أركان الدين هدّا، و أحلّت في قلوب المؤمنين كربا و وجدا، و نبدي أسفا إذ لم نكن من المبارزين أعداءك في عرصة القتال، و نتأوّه لها خيبة أنّا لم نكن من المناجزين أضدادك عند مقارعة الأبطال، و يرانا اللّه قد اريقت في نصرتك دماؤنا، و قطعت أوصالنا، نتلقّى عنك حدود الصفاح بوجوهنا، و نقابل رءوس الرماح بصدورنا، مخلصين في طاعتك، مناصحين في متابعتك، نرى طعم الموت في جهاد أعدائك أحلى من العسل المشار، و ارتكاب الأخطار في إظهار أمرك أولى من ركوب العار.
قد امتزجت دماؤنا بدمك، و حصلنا في عداد جندك و خدمك، قد سبقتنا أطرافنا إلى جنّة المأوى، و عرجت أرواحنا إلى الرفيق الأعلى، و سمينا بشهداء كربلاء، و وسمنا بسادة الشهداء، تبارك علينا الملائكة الكرام في صلواتها، و تهدي إلينا سلامها و تحيّاتها.
فيا لها غصّة في نفوسنا، و حسرة في قلوبنا، لا تنقضي إلّا بنصرة القائم
من ذرّيّتك، و الخلف الصالح من عترتك، و لعمري لئن غابت أبداننا عن نصرتك، و تباعدت أشخاصنا عن مشاهدتك فلقد أدركنا واقعتك و نحن في الأصلاب نطف، و امرنا بتجديد التعزية لمصابك بنقلها منّا خلف عن سلف، و أن نجدّد البيعة في حضرتك بوفاء عهدك، و عهد أبيك و جدّك و الأئمّة الطاهرين من ولدك، و أن نعرض عليك قواعد عقائدنا، و نفضي إليك بأسرارنا في مصادرنا و مواردنا، و نتّخذ يوم رزئك يوم مصيبة لا ترقى عبرته، و لا تخبو حرقته، بديت تصاعد زفراتنا فيه زبر الحديد، و نشيت قطرات عبراتنا ضرب الغمام بل نزيد، و يربو حزننا على حزن نبيّ اللّه يعقوب، و تعلو رنّتنا على رنّة الثكلى الرقوب 3297 .
لما اتّخذته العصابة الناصبة المشركة، يوم سرور و عيد و بركة، و أظهروا فيه تمام زينتهم، و وسموه برأس سنتهم، و ليس ذلك ببدع من نفاقهم المكنون، و شقاقهم المصون، فهي فرع الشجرة الملعونة في القرآن، و الطائفة المارقة عن الايمان، الّذين أعلنوا بالسبّ على منابرهم، و دلّ خبث ظاهرهم على قبح سرائرهم، و حيث إنّا لم نحض بالشهادة الكبرى بين يديك، و لم يقض لنا بالحسنى حين توجّه الفجرة إليك، وفاتنا نصرك بمناصلنا و عواملنا، و لم نتلقّ عنك السيوف بجباهنا و سواعدنا.
فها نحن نجاهد أعداءك بقولنا و فعلنا، و نقمع هاماتهم بمقامع نظمنا و نثرنا، و نعلن بسبّ أئمّة ضلالهم على أعواد منابرنا، و نشرح قبح خصالهم في شوامخ منائرنا، و نعتقد ذلك من أعظم الوسائل إلى ربّنا، و أكمل الفضائل يوم حشرنا و نشرنا.
أ حسين و المبعوث جدّك بالهدى
قسما يكون الحقّ عنه مسائلي
لو كنت حاضر كربلاء لبذلت في
إعلاء أمرك جهد بذل الباذل
و سقيت حدّ السيف من أعدائكم
سقيا و حدّ السمهري الذابل
لكنّني اخّرت عنه لشقوتي
قتلا يلى تا بين الغريّ و ما يلي 3298
إذ لم أفز بالنصر من أعدائكم
فأقلّ من حزن و دمع سائل
التعزية للمؤمنين
جعلنا اللّه و إيّاكم في هذا اليوم ممّن جلّت مصيبته، و عظمت رزيّته، و تصاعدت زفرته، و تقاطرت عبرته، جزعا لواقعة سيّده و ابن سيّده، و معتقده و ابن معتقده، و ممّن اطّلع اللّه على حقيقة أمره، و باطنه و سرّه، فوجده لا مزيد على إخلاصه، فألحقه بدرجة أوليائه و خواصّه، الّذين نوّه بذكرهم في كتابه المكنون، بقوله: وَ لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ 3299 .
اللّهمّ أحسن في هذا اليوم عزاءنا، و ضاعف جزاء خلتنا، و ارحم استكانتنا، فإنّا عائذون بقبر أمينك و ابن أمينك، أفضل من اريق دمه في نصرة دينك، مستمسكين بالهدى الّذي جاءنا به من عندك، مقرّين بالحقّ الّذي خبّرنا به عنك.
اللّهمّ و إذ حرمنا لشقوتنا، و لم تختم لنا بالسعادة العظمى في دنيانا و آخرتنا، إذ لم نكن ممّن اريق دمه في نصرته، محامين عنه و عن عترته،
نباهي به الكرام من ملائكتك، و أرواح أنبيائك و خاصّتك، تعجب ملائكتك من تصميم عزيمته في حربه، و تضرب الأمثال بشدّة طعنه و ضربه، فصلّ على محمّد و آل محمد و اختم لنا بذلك بين يدي الخلف الصالح من ولده، الداعي إلى دينك بجدّه و جهده، أمينك في بلادك، و عينك على عبادك، صاحب الرجعة البيضاء، و الدولة الزهراء.
اللّهمّ اجعلنا من خاصّته و بطانته، و من الداعين إلى نصره و ملته.
اللّهمّ و إن أحللت بنا قضاءك قبل مشاهدة بهجته، و لم تكحل عيوننا بمعاينة طلعته، فصلّ على محمد و آل محمد، و أمتنا على ولايته و ولاية آبائه، و اجعلنا في عداد جنده و أوليائه، إنّك على كلّ شيء قدير.
فصل
[أنّ يزيد أخذ بإظهار التنكّر لفعل ابن زياد خشية شقّ العصا و حصول الفتنة، و أمره بردّ حرم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله إلى المدينة]
و لمّا أخزى اللّه تعالى يزيد الفاجر بما فعل، و طالت عليه الألسن لمّا حصل ما حصل، و لامه من حضر من أماثل الصحابة و أرباب الملك، و شاع في الآفاق فضيع ظلمه و فتكه، و خشي الفتنة على نفسه و ملكه، ركن إلى الاعتذار، و لجأ إلى الانكار، و أنّى له ذلك و قد زلّت القدم، و حلم الادم، و جلّت الرزيّة، و عظمت البليّة، و ثلم في الإسلام ثلمة لا تسدّ، و وقعت فتنة لا تردّ، أشير إليه بتعظيم آل محمد و ردّهم، و إشخاصهم إلى مدينة جدّهم، فأظهر لسيّد العابدين تكرمة و تبجيلا، و سرّحه سراحا جميلا.
روي أنّ اللعين لمّا خشي شقّ العصا، و حصول الفتنة، أخذ في الاعتذار، و الانكار لفعل ابن زياد، و إبداء التعظيم و التكريم لعليّ بن الحسين عليه السلام، و نقل نساء رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله إلى داره الخاصّة، و كان لا يتغدّى و لا يتعشّى إلّا مع سيّدنا سيّد العابدين عليه السلام، و كلّ من كان حاضرا من الصحابة و التابعين و الأجلّة و بني اميّة أشاروا عليه لعنه اللّه بردّ 3300 حرم رسول اللّه و الاحسان إليهم، و القيام بما يصلحهم، فأحضر سيّدنا عليّ بن الحسين، و قال: إنّي كنت قد وعدتك بقضاء ثلاث حاجات فاذكرها لي لأقضيها.
فقال: الاولى: أن تريني وجه أبي عبد اللّه عليه السلام فأتزوّد منه، و أنظر إليه، و اودّعه.
و الثانية: أن تردّ علينا ما اخذ منّا.
و الثالثة: إن كنت عزمت على قتلي أن توجّه مع هذه النسوة من يردّهنّ إلى حرم جدّهنّ صلّى اللّه عليه و آله.
فقال: أمّا وجه أبيك فلن تراه أبدا، و أمّا قتلك فقد عفوت عنك، و أمّا النساء فما يردّهنّ إلى المدينة غيرك، و أمّا ما اخذ منكم فأنا اعوّضكم عليه 3301 أضعاف قيمته.
فقال عليه السلام: أمّا مالك فلا نريده، هو موفّر عليك، و إنّما طلبت ما اخذ منّا، لأنّه فيه مغزل فاطمة بنت محمد و مقنعتها و قلادتها و قميصها.
فأمر بذلك، فردّ، و زيد عليه مائتي دينار، فأخذها عليّ بن الحسين عليه السلام و فرّقها في الفقراء و المساكين.
ثمّ أمر بردّ الاسارى و السبايا- كما أشرنا أوّلا- إلى مدينة الرسول صلّى اللّه عليه و آله 3302 .
[وصول آل الرسول صلّى اللّه عليه و آله إلى كربلاء]
فسألوا أن يسار بهم على العراق ليجدّدوا عهدا بزيارة أبي عبد اللّه عليه السلام، فلمّا بلغوا كربلاء و نزلوا موضع مصرعه عليه السلام وجدوا جابر بن عبد اللّه الأنصاري، و جماعة من بني هاشم، و رجالا من آل الرسول قد وردوا لزيارة قبر الحسين عليه السلام لما كانوا يعلمون من فضل زيارته، فوافوا في
وقت واحد و تلاقوا بالبكاء و الحزن و اللطم، و أقاموا المآتم المقرّحة للأكباد، و اجتمع إليهم نساء أهل السواد، و أقاموا على ذلك أيّاما.
[نوح الجنّ على الحسين عليه السلام، و وصول آل الرسول صلّى اللّه عليه و آله بالقرب من المدينة]
و روى سيّدنا فخر العترة عليّ بن موسى بن جعفر بن محمد بن طاوس:
روي عن أبي جناب الكلبي، قال: حدّثنا الجصّاصون قالوا: كنّا نخرج في الليل إلى الجبّانة عند مقتل الحسين عليه السلام فنسمع الجنّ ينوحون عليه، و يقولون:
مسح الرسول جبينه
فله بريق في الخدود
أبواه من عليا قريش
و جدّه خير الجدود
قتلوه ظلما ويلهم
سكنوا به نار الخلود 3303
و أمّا رأس الحسين عليه السلام فروي أنّه اعيد إلى كربلاء و دفن مع جسده الشريف، و كان العمل من الطائفة على هذا 3304 .
قال: ثمّ فصلوا عن كربلاء يريدون المدينة.
قال: و لمّا و صلوا بالقرب من المدينة عجّت نساء بني هاشم، و صاحت المدينة صيحة واحدة، فضحك عمرو بن سعيد بن العاص لعنة اللّه عليه، و كان أمير المدينة من قبل يزيد لعنه اللّه، و تمثّل بقول عمرو بن معدي كرب:
عجّت نساء بني زياد عجّة
كعجيج نسوتنا غداة الأرنب 3305