کتابخانه روایات شیعه
الطويّة 3324 ، و شكر له و ترحّم على أبيه.
قال 3325 : ثمّ إنّه صلوات اللّه عليه رحل إلى المدينة بأهله و عياله 3326 .
[كلام و أبيات للمؤلّف رحمه اللّه]
قلت: و لمّا شاهد عليه السلام منازل أحبّائه الّتي كانت مشارق أنوار الايمان، و مظاهر أسرار القرآن، و مواطن مصابيح العرفان، و معادن مجاويع الاحسان، تندب بلسان حالها، و تنحب لفقد رجالها، و تذرف عبراتها من مآقيها، و تصاعد زفراتها من تراقيها، و تنادي بصوت ينبىء عن شدّة لوعتها، و يخبر بحدّة كربتها، و يستخبر كلّ راكب و راجل، و ينشد كلّ ظاعن و نازل:
أين من كانوا شموسي و بدوري؟
أين من كانوا جمالي و سروري؟
أين من كانوا حماتي و رعاتي
و هداتي حين تعييني اموري؟
و الّذي كنت بهم أسمو
على كلّ جليل و نبيل و خطير
و الّذي كانوا إذا ما جنّ خطب
فجنّتي من فادح الحطب العسير
كم أفاضوا من أياد بفنائي
لست احصيها و أغنوا من فقير
ذو حلوم و علوم راسخات
كجبال شامخات و بحور
كم كباد قطعوها نعراي
بحنين و أنين و زفير؟
و قلوب خالصات و رقاب
خاضعات لعلا الربّ الغفور
مهبط الرحمة منهم كان ربعي
كلّ آن في مساء و بكور
مذ نأوا بالبعد عن إنسان عيني
كثر الشامت إذ قلّ نصيري
يا عيوني إن تكن عزّت دموعي
فاذرفي بالدم من قلب كسير
فنادى مجالس كراماتهم، و مدارس تلاواتهم، و مقامات عباداتهم، و محاريب صلواتهم: أين من كتب رياض الكرم بجودهم، و حماة الامم بوجودهم؟ أين عمّارك بركوعهم و سجودهم، و قوّامك في طاعة معبودهم؟
أين من كانت حدائق أنعمهم في فنائك مغدقة، و جداول كرمهم في خلالك متدفّقة، و أعلام علومهم منصوبة، و أروقة شرفهم مضروبة؟ كم أضاءوا بمصابيح نفقاتهم ظلمتك؟ و كم آنسوا بنغمات تلاوتهم وحشتك؟ و كم أحيوا بصلاتهم ليلك و نهارك؟ و كم أناروا بنور تهجّدهم حنادس أسحارك؟
فأجابه صداها بلسان حالها، و أخبره فناؤها بتنكّر أحوالها: رحلوا عن تقنّعي فسكنوا في بيت الأحزان قلبي، و نأوا عن ربوعي فأطالوا لطول نواهم
كربي، فآه فيا شوقاه لمواطئ أقدامهم على صعيدي، آه وا أسفاه لانتقال أقمار وجوههم عن منازل سعودي، خابني زماني بإبعادهم عنّي فأصبح باب سروري مرتجى، و عاندني دهري إذ أسلبهم منّي فليس لي بعدهم في الخلق مرتجى، فيا كلم قلبي ذب أسفا فمالك مأوى في رميم عظامي، و يا سقيم جسمي مت كمدا قبل تقضّي مدّتي و أيّامي.
فيا شقوتي، إذ لم أكن شخصا حربا، و بشرا سويّا، أتلقّى عنهم حرّ الصفاح بحرّ وجهي، و أمنع صدور الرماح بعرض صدري، و أبذل النفس في طاعتهم، و أستعذب القتل في متابعتهم، قد جعلتني الأعداء غرضا لمعابلها، و حرضا بمناصلها.
فيا لها حسرة لا تنقضي، و حرقة لا تنطفي، و كبّت إذ لم يثبّتني سعدي في جرائد أنصارهم، و لم يرقمني جدّي في دفاتر أبرارهم، كنت محطّا لرحالهم، و محبّا لرجالهم، و مخطا لقبورهم، و مغربا لبدورهم، أفخر بمشاهدهم على البيت الحرام، و أسموا بمراقدهم على الركن و المقام، قد أشرق صعيدي بدمائهم، و شرفت تربتي بأبدانهم، تتنزّل الملائكة و الروح بالسلام عليّ، و تهدي تحيّاتها في صلواتها إليّ، و ينظر الجليل سبحانه بعواطف رحمته إلى زوّاري، و ينشر لطائف نعمته على عمّاري.
فآه وا حزناه لفوت هذه النعمة منّي، آه وا حزناه لبعد أحبّتي عنّي، آه وا ثكلاه لخفاء شموسي و أقماري، آه وا كرباه لانطفاء ضيائي و أنواري.
كنت لهم و البين عنّي غافل
في خفض عيش آمنا ريب الزمن
أرفل في برود عزّي شامخا
أسموا بمجدهم على كلّ وطن
اصافح العرش بعرشي و أرى
لأرتقي فضلا على كلّ سكن
كم غرسوا من نعم في طللي؟
و كم أفادوا مننا بعد منن؟
و كم هدوا في الخلق من غاو عن
الحقّ و ساقوه إلى أهدى سنن؟
كانوا بحارا للعلوم يجتنى
منها جواهر الفروض و السنن
فأصبحت غورا وقاعا صفصفا
كأنّها ممّا عراها لم تكن
فحرّكت ساكنه بندبتها، و أجرت عبرته بأنّتها، و شاهد صلوات اللّه عليه منازل أحبّائه مظلمة لوحشتها، مقفرة لخلوتها، فكأنّي بلسان حاله قد ناجاها، و ببيان مقاله ناداها:
يا أيّها المنازل الّتي غابت عنها حماتها، و غيّرت صفاتها، و حلّت مرابعها، و أقوت مجامعها، حزني لفقد عمّارك سرمد، و وجدي لبعد سمائك لا ينفد، و أنباء مصيبتهم ترسل عبراتي، و أحاديث محنتهم تهيّج حسراتي، و ديارهم الخالية تحرق قلبي، و ربوعهم الخاوية تذهل لبّي، و كيف لا يقدح زند الفراق نار الاشتياق في جوانحي و أحشائي، و يفرغ فرط الغرام ثوب السقام على جوارحي و أعضائي؟
و الّذي بعدهم أورث جفني أرقا، و صدّهم أضرم قلبي حرقا، كانوا سروري إن غمّة فرعت، و حبوري إن أزمة وقعت، و جنّتي إن عراني خطب، و سلوتي إن شجاني كرب، كشفت أنوارهم حنادس ظلمي، و شيّدت مكارمهم قواعد بنيّتي، كم أجروا من جودهم بربوعي بحورا؟ و كم أغنوا عائلا فانقلب إلى أهله مسرورا؟ و كم أسمت مطايا شكري في رياض كرمهم؟ و كم أجريت جواد شعري في ميادين نعيمهم؟ و كم سيّرت سفينة ذكري في نثار فضائلهم؟
و كم نثرت جواهر نثري على هامات فواضلهم؟
فأضحى ربعي بجودهم أهلا، و نوري بوجودهم كاملا، و جنابي بجلالهم محروسا، و مقامي بكمالهم مأنوسا، حتّى إذا انخسفت بدور سروري لبعدهم، و انكسفت شموس حوري لفقدهم، و أظلم ضيائي، و خلت أرجائي، و حارت مقاصدي، و شمت حاسدي، و عزّ لقائي، و جلّ عزائي، صرت غرضا لسهام المصائب، و غرضا في سوق النوائب، يطويني ثكلي و ينشرني، و يبلغني و جدي و يحرقني.
فها أنا ذا قد شققت جيب صدري بكفّ وحشتي، و حرمت لذيذ رقادي على إنسان مقلتي، و لبست أثواب الأحزان مدّة حياتي، و خلعت جلباب السلوان إلى حين وفاتي، و نثرت من طرف قريح، و نظمت من قلب جريح:
ربعكم أحباب قلبي مذ خلا
و نأيتم عنه عيشي ما حلا
و مديد الشوق بي وافره
ببسيط السقم جسمي أنحلا
كنتم شمسي فلمّا أفلت
من سماء السعد بدري أ فلا
و أقام الوجد في قلبي مذ
حسنكم عنّي غدا مرتحلا
مذ بعدتم صيّر الحزن لكم
في صميم القلب عندي منزلا
و الحشا منّي أنا لهب به
ثالث السورة يتلو من تلا
قاتل اللّه غرابا منذرا
بالنوى صيّر طرفي مرسلا
مذ أتيت الأربع اللاتي خلت
منكم أقبل ينعى مقبلا
فأهاج الوجد علمي أنّه
لا يرى إلّا بربع قد خلا
لو على جمر سليتم كبدي
و فؤادي عن هواكم ماسلا
سادتي كنتم لقلبي فرحة
و لعينيّ ضياء و جلا
فغدت فرحة قلبي قرحة
و نهاري صار ليلا أليلا
و إذا ما مرّ معناكم على
فكرتي هاج الحشا و اشتعلا
قاتل اللّه المطايا إذ سرت
بكم تقطع أجواز الفلا
حين غبتم و خلا مغناكم
معكم طيب رقادي رحلا
إن تكن عيني بنومي بخلت
فبدمعي بعدكم لن تبخلا
سادتي هل عودة لوفي الكرى
علّها تنعش صبّا مبتلا
ليراكم و إليكم يشتكي
قرحة في القلب لن تندملا
[أبيات لفاطمة بنت الحسين بن علي عليه السلام]
عن المفضّل بن عمر الجعفي، قال: سمعت جعفر بن محمد عليه السلام يقول: حدّثني أبي محمد بن عليّ، قال: حدّثني أبي عليّ بن الحسين عليه السلام، قال: لمّا قتل الحسين عليه السلام جاء غراب فوقع في دمه، ثمّ تمرّغ، ثمّ طار فوقع في المدينة على جدار 3327 فاطمة بنت الحسين بن عليّ- و كانت في المدينة-، فرفعت رأسها فنظرت إليه ملطّخ بالدم، فبكت بكاء شديدا، و أنشأت تقول:
نعب الغراب فقلت من
تنعاه ويحك يا غراب؟
قال الامام فقلت من؟
قال الموفّق للصواب
إنّ الحسين بكربلاء
بين الأسنّة و الضراب 3328
فابك الحسين بعبرة
ترضي الإله من 3329 الثواب
قلت الحسين فقال لي
حقّا لقد سكن التراب 3330
ثمّ استقلّ به الجنا
ح فلم يطق ردّ الجواب
فبكيت ممّا حلّ بي
بعد الرضا بالمستراب
قال: فأخبرت به أهل المدينة، فما كان بأسرع ممّا جاء الخبر بقتل الحسين عليه السلام 3331 .