کتابخانه روایات شیعه
أرفل في برود عزّي شامخا
أسموا بمجدهم على كلّ وطن
اصافح العرش بعرشي و أرى
لأرتقي فضلا على كلّ سكن
كم غرسوا من نعم في طللي؟
و كم أفادوا مننا بعد منن؟
و كم هدوا في الخلق من غاو عن
الحقّ و ساقوه إلى أهدى سنن؟
كانوا بحارا للعلوم يجتنى
منها جواهر الفروض و السنن
فأصبحت غورا وقاعا صفصفا
كأنّها ممّا عراها لم تكن
فحرّكت ساكنه بندبتها، و أجرت عبرته بأنّتها، و شاهد صلوات اللّه عليه منازل أحبّائه مظلمة لوحشتها، مقفرة لخلوتها، فكأنّي بلسان حاله قد ناجاها، و ببيان مقاله ناداها:
يا أيّها المنازل الّتي غابت عنها حماتها، و غيّرت صفاتها، و حلّت مرابعها، و أقوت مجامعها، حزني لفقد عمّارك سرمد، و وجدي لبعد سمائك لا ينفد، و أنباء مصيبتهم ترسل عبراتي، و أحاديث محنتهم تهيّج حسراتي، و ديارهم الخالية تحرق قلبي، و ربوعهم الخاوية تذهل لبّي، و كيف لا يقدح زند الفراق نار الاشتياق في جوانحي و أحشائي، و يفرغ فرط الغرام ثوب السقام على جوارحي و أعضائي؟
و الّذي بعدهم أورث جفني أرقا، و صدّهم أضرم قلبي حرقا، كانوا سروري إن غمّة فرعت، و حبوري إن أزمة وقعت، و جنّتي إن عراني خطب، و سلوتي إن شجاني كرب، كشفت أنوارهم حنادس ظلمي، و شيّدت مكارمهم قواعد بنيّتي، كم أجروا من جودهم بربوعي بحورا؟ و كم أغنوا عائلا فانقلب إلى أهله مسرورا؟ و كم أسمت مطايا شكري في رياض كرمهم؟ و كم أجريت جواد شعري في ميادين نعيمهم؟ و كم سيّرت سفينة ذكري في نثار فضائلهم؟
و كم نثرت جواهر نثري على هامات فواضلهم؟
فأضحى ربعي بجودهم أهلا، و نوري بوجودهم كاملا، و جنابي بجلالهم محروسا، و مقامي بكمالهم مأنوسا، حتّى إذا انخسفت بدور سروري لبعدهم، و انكسفت شموس حوري لفقدهم، و أظلم ضيائي، و خلت أرجائي، و حارت مقاصدي، و شمت حاسدي، و عزّ لقائي، و جلّ عزائي، صرت غرضا لسهام المصائب، و غرضا في سوق النوائب، يطويني ثكلي و ينشرني، و يبلغني و جدي و يحرقني.
فها أنا ذا قد شققت جيب صدري بكفّ وحشتي، و حرمت لذيذ رقادي على إنسان مقلتي، و لبست أثواب الأحزان مدّة حياتي، و خلعت جلباب السلوان إلى حين وفاتي، و نثرت من طرف قريح، و نظمت من قلب جريح:
ربعكم أحباب قلبي مذ خلا
و نأيتم عنه عيشي ما حلا
و مديد الشوق بي وافره
ببسيط السقم جسمي أنحلا
كنتم شمسي فلمّا أفلت
من سماء السعد بدري أ فلا
و أقام الوجد في قلبي مذ
حسنكم عنّي غدا مرتحلا
مذ بعدتم صيّر الحزن لكم
في صميم القلب عندي منزلا
و الحشا منّي أنا لهب به
ثالث السورة يتلو من تلا
قاتل اللّه غرابا منذرا
بالنوى صيّر طرفي مرسلا
مذ أتيت الأربع اللاتي خلت
منكم أقبل ينعى مقبلا
فأهاج الوجد علمي أنّه
لا يرى إلّا بربع قد خلا
لو على جمر سليتم كبدي
و فؤادي عن هواكم ماسلا
سادتي كنتم لقلبي فرحة
و لعينيّ ضياء و جلا
فغدت فرحة قلبي قرحة
و نهاري صار ليلا أليلا
و إذا ما مرّ معناكم على
فكرتي هاج الحشا و اشتعلا
قاتل اللّه المطايا إذ سرت
بكم تقطع أجواز الفلا
حين غبتم و خلا مغناكم
معكم طيب رقادي رحلا
إن تكن عيني بنومي بخلت
فبدمعي بعدكم لن تبخلا
سادتي هل عودة لوفي الكرى
علّها تنعش صبّا مبتلا
ليراكم و إليكم يشتكي
قرحة في القلب لن تندملا
[أبيات لفاطمة بنت الحسين بن علي عليه السلام]
عن المفضّل بن عمر الجعفي، قال: سمعت جعفر بن محمد عليه السلام يقول: حدّثني أبي محمد بن عليّ، قال: حدّثني أبي عليّ بن الحسين عليه السلام، قال: لمّا قتل الحسين عليه السلام جاء غراب فوقع في دمه، ثمّ تمرّغ، ثمّ طار فوقع في المدينة على جدار 3327 فاطمة بنت الحسين بن عليّ- و كانت في المدينة-، فرفعت رأسها فنظرت إليه ملطّخ بالدم، فبكت بكاء شديدا، و أنشأت تقول:
نعب الغراب فقلت من
تنعاه ويحك يا غراب؟
قال الامام فقلت من؟
قال الموفّق للصواب
إنّ الحسين بكربلاء
بين الأسنّة و الضراب 3328
فابك الحسين بعبرة
ترضي الإله من 3329 الثواب
قلت الحسين فقال لي
حقّا لقد سكن التراب 3330
ثمّ استقلّ به الجنا
ح فلم يطق ردّ الجواب
فبكيت ممّا حلّ بي
بعد الرضا بالمستراب
قال: فأخبرت به أهل المدينة، فما كان بأسرع ممّا جاء الخبر بقتل الحسين عليه السلام 3331 .
بحذف الاسناد: عن عبد اللّه بن عمر الخزاعي، عن هند بنت الجون، قالت: نزل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله بخيمة خالتي أمّ سعيد و معه أصحابه، فكان من أمره في الشاة ما عرفه الناس، فقال صلّى اللّه عليه و آله في الخيمة هو و أصحابه حتّى أبردوا و كان يوما قائضا شديد الحرّ، فقام رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله من رقدته فدعا بماء، فغسل يديه و أنقاهما، ثمّ تمضمض، ثمّ مجّ الماء من فيه على عوسجة كانت إلى جنب خيمة خالتي ثلاث مرّات، و استنشق ثلاثا، و قال: سيكون لهذه العوسجة شأن، ثمّ فعل من كان معه من أصحابه كذلك، ثمّ قام فصلّى ركعتين، فعجب أهل الحيّ من ذلك، و ما كان عهدنا بالصلاة و ما رأينا مصلّيا قبل ذلك.
فلمّا كان من الغد أصبحنا فرأينا العوسجة قد عظمت، حتّى كانت كأعظم ما يكون، و أبهى، و خضد اللّه شوكها، و ساخت عروقها، و كثرت أغصانها، و اخضرّ ساقها و ورقها، و أثمرت بعد ذلك و أينعت بثمر كأعظم ما يكون من الكمأة في لون الورس المسحوق، و رائحته كرائحة العنبر في طعم الشهد، و اللّه ما أكل منه جائع إلّا شبع، و لا ظمآن إلّا روى، و لا سقيم إلّا برىء، و لا ذو حاجة و لا فاقة إلّا استغنى، و لا أكل من ورقها بعير و لا ناقة و لا شاة إلّا سمنت و درّ لبنها، و رأينا النماء و البركة في أموالنا منذ يوم نزل صلّى اللّه عليه و آله بنا، و أخصبت بلادنا و أمرعت و كنّا نسمّيها المباركة، و كان ينتابها من حولنا من أهل البوادي يستظلّون بها، و يتزوّدون من ورقها في الأسفار، و يحملونه معهم في الأرض القفر، فيقوم لهم مقام الطعام و الشراب.
فلم تزل كذلك حتّى أصبحنا ذات يوم و قد تساقطت ثمارها، و اصفرّ ورقها، فأحزننا ذلك و أفزعنا، فما كان إلّا قليل حتّى جاء نعي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله انّه قد قبض، و كانت بعد ذلك تثمر ثمرا دون الأوّل في العظم و الطعم و الرائحة، و أتت على ذلك ثلاثون سنة.
فلمّا كان ذات يوم أصبحنا و إذا بها قد شاكت من أوّلها إلى آخرها، و ذهبت نضارة عيدانها، و تساقط جميع ثمرها، فما كان إلّا يسيرا حتّى أتى الخبر بقتل أمير المؤمنين عليه السلام، فما أثمرت بعد ذلك قليلا و لا كثيرا، و انقطع ثمرها، و لم نزل و من حولنا نأخذ من ورقها، و نداوي [به] 3332 مرضانا، و نستشفي به من أسقامنا، فأقامت على ذلك برهة طويلة.
ثمّ أصبحنا ذات يوم و إذا بها قد انبعث من ساقها دم عبيط، و ورقها ذابل يقطر دما كماء اللحم، فقلنا: قد حدث أمر عظيم، فبينا نحن كذلك فزعين مهمومين نتوقّع الداهية، فلمّا أظلم الليل سمعنا بكاء و عويلا من تحتها، و غلبة شديدة و رجّة، و سمعنا صوت باكية تقول:
يا ابن النبيّ و يا ابن الوصيّ
بقيّة ساداتنا الأكرمينا
ثمّ كثرت الرنّات و الأصوات، فلم يفهم كثيرا ممّا كانوا يقولون، فأتانا بعد ذلك نعي الحسين عليه السلام، و يبست الشجرة و جفّت، و كسرتها الريح و الأمطار بعد ذلك، فذهبت و اندرس أثرها.
[أبيات لدعبل الخزاعي]
قال عبد اللّه بن محمد الأنصاري: لقيت دعبل بن عليّ الخزاعي بمدينة الرسول صلّى اللّه عليه و آله فحدّثته بهذا الحديث فلم ينكره، و قال: حدّثني أبي، عن جدّي، عن امّه سعدى 3333 بنت مالك الخزاعيّة أنّها أدركت تلك الشجرة، و أكلت من ثمرها على عهد عليّ بن أبي طالب عليه السلام، و أنّها سمعت تلك الليلة الجنّ فحفظت من جنّيّة منهنّ:
يا ابن الشهيد و يا شهيد عمّه
خير العمومة جعفر الطيّار
عجبا لمصقول أصابك حدّه
في الوجه منك و قد علاه غبار 3334
قال دعبل: فقلت في قصيدتي:
زر خير قبر بالعراق يزار
و اعص الحمار فمن نهاك حمار
لم لا أزورك يا حسين لك الفدا
قومي و من عطفت عليه نزار؟
و لك المودّة في قلوب اولي النهى
و على عدوّك مقتة و دثار 3335
فصل
[كلام للمؤلّف رحمه اللّه]
فأمّا قبر الحسين عليه السلام فإنّه لم يزل مشهورا معلما يقصده الخلائق من الآفاق، و كبار الصحابة قصدوا زيارته و الاستشفاء بتربته لما سمعوا في فضله من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و أمير المؤمنين عليه السلام و آلهما، كجابر بن عبد اللّه، و غيره، و لقد جهدت بنو اميّة على إخفائه، و صدّ الناس عنه، و أقاموا مسالح على الطرقات يقتلوا كلّ من ظفروا به من زوّاره عليه السلام، كما رواه الشيخ جعفر بن قولويه، و الشيخ الطوسي رضي اللّه عنه، و سأذكر فيما بعد منه نبذة، و ظهر من الكرامات له ما لا مزيد عليه من شفاء المرضى، و الاستشفاء بتربته، و إجابة الدعاء لديه صلوات اللّه عليه.
[جور الخلفاء على قبر الحسين عليه السلام]