کتابخانه روایات شیعه
قال الامام فقلت من؟
قال الموفّق للصواب
إنّ الحسين بكربلاء
بين الأسنّة و الضراب 3328
فابك الحسين بعبرة
ترضي الإله من 3329 الثواب
قلت الحسين فقال لي
حقّا لقد سكن التراب 3330
ثمّ استقلّ به الجنا
ح فلم يطق ردّ الجواب
فبكيت ممّا حلّ بي
بعد الرضا بالمستراب
قال: فأخبرت به أهل المدينة، فما كان بأسرع ممّا جاء الخبر بقتل الحسين عليه السلام 3331 .
بحذف الاسناد: عن عبد اللّه بن عمر الخزاعي، عن هند بنت الجون، قالت: نزل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله بخيمة خالتي أمّ سعيد و معه أصحابه، فكان من أمره في الشاة ما عرفه الناس، فقال صلّى اللّه عليه و آله في الخيمة هو و أصحابه حتّى أبردوا و كان يوما قائضا شديد الحرّ، فقام رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله من رقدته فدعا بماء، فغسل يديه و أنقاهما، ثمّ تمضمض، ثمّ مجّ الماء من فيه على عوسجة كانت إلى جنب خيمة خالتي ثلاث مرّات، و استنشق ثلاثا، و قال: سيكون لهذه العوسجة شأن، ثمّ فعل من كان معه من أصحابه كذلك، ثمّ قام فصلّى ركعتين، فعجب أهل الحيّ من ذلك، و ما كان عهدنا بالصلاة و ما رأينا مصلّيا قبل ذلك.
فلمّا كان من الغد أصبحنا فرأينا العوسجة قد عظمت، حتّى كانت كأعظم ما يكون، و أبهى، و خضد اللّه شوكها، و ساخت عروقها، و كثرت أغصانها، و اخضرّ ساقها و ورقها، و أثمرت بعد ذلك و أينعت بثمر كأعظم ما يكون من الكمأة في لون الورس المسحوق، و رائحته كرائحة العنبر في طعم الشهد، و اللّه ما أكل منه جائع إلّا شبع، و لا ظمآن إلّا روى، و لا سقيم إلّا برىء، و لا ذو حاجة و لا فاقة إلّا استغنى، و لا أكل من ورقها بعير و لا ناقة و لا شاة إلّا سمنت و درّ لبنها، و رأينا النماء و البركة في أموالنا منذ يوم نزل صلّى اللّه عليه و آله بنا، و أخصبت بلادنا و أمرعت و كنّا نسمّيها المباركة، و كان ينتابها من حولنا من أهل البوادي يستظلّون بها، و يتزوّدون من ورقها في الأسفار، و يحملونه معهم في الأرض القفر، فيقوم لهم مقام الطعام و الشراب.
فلم تزل كذلك حتّى أصبحنا ذات يوم و قد تساقطت ثمارها، و اصفرّ ورقها، فأحزننا ذلك و أفزعنا، فما كان إلّا قليل حتّى جاء نعي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله انّه قد قبض، و كانت بعد ذلك تثمر ثمرا دون الأوّل في العظم و الطعم و الرائحة، و أتت على ذلك ثلاثون سنة.
فلمّا كان ذات يوم أصبحنا و إذا بها قد شاكت من أوّلها إلى آخرها، و ذهبت نضارة عيدانها، و تساقط جميع ثمرها، فما كان إلّا يسيرا حتّى أتى الخبر بقتل أمير المؤمنين عليه السلام، فما أثمرت بعد ذلك قليلا و لا كثيرا، و انقطع ثمرها، و لم نزل و من حولنا نأخذ من ورقها، و نداوي [به] 3332 مرضانا، و نستشفي به من أسقامنا، فأقامت على ذلك برهة طويلة.
ثمّ أصبحنا ذات يوم و إذا بها قد انبعث من ساقها دم عبيط، و ورقها ذابل يقطر دما كماء اللحم، فقلنا: قد حدث أمر عظيم، فبينا نحن كذلك فزعين مهمومين نتوقّع الداهية، فلمّا أظلم الليل سمعنا بكاء و عويلا من تحتها، و غلبة شديدة و رجّة، و سمعنا صوت باكية تقول:
يا ابن النبيّ و يا ابن الوصيّ
بقيّة ساداتنا الأكرمينا
ثمّ كثرت الرنّات و الأصوات، فلم يفهم كثيرا ممّا كانوا يقولون، فأتانا بعد ذلك نعي الحسين عليه السلام، و يبست الشجرة و جفّت، و كسرتها الريح و الأمطار بعد ذلك، فذهبت و اندرس أثرها.
[أبيات لدعبل الخزاعي]
قال عبد اللّه بن محمد الأنصاري: لقيت دعبل بن عليّ الخزاعي بمدينة الرسول صلّى اللّه عليه و آله فحدّثته بهذا الحديث فلم ينكره، و قال: حدّثني أبي، عن جدّي، عن امّه سعدى 3333 بنت مالك الخزاعيّة أنّها أدركت تلك الشجرة، و أكلت من ثمرها على عهد عليّ بن أبي طالب عليه السلام، و أنّها سمعت تلك الليلة الجنّ فحفظت من جنّيّة منهنّ:
يا ابن الشهيد و يا شهيد عمّه
خير العمومة جعفر الطيّار
عجبا لمصقول أصابك حدّه
في الوجه منك و قد علاه غبار 3334
قال دعبل: فقلت في قصيدتي:
زر خير قبر بالعراق يزار
و اعص الحمار فمن نهاك حمار
لم لا أزورك يا حسين لك الفدا
قومي و من عطفت عليه نزار؟
و لك المودّة في قلوب اولي النهى
و على عدوّك مقتة و دثار 3335
فصل
[كلام للمؤلّف رحمه اللّه]
فأمّا قبر الحسين عليه السلام فإنّه لم يزل مشهورا معلما يقصده الخلائق من الآفاق، و كبار الصحابة قصدوا زيارته و الاستشفاء بتربته لما سمعوا في فضله من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و أمير المؤمنين عليه السلام و آلهما، كجابر بن عبد اللّه، و غيره، و لقد جهدت بنو اميّة على إخفائه، و صدّ الناس عنه، و أقاموا مسالح على الطرقات يقتلوا كلّ من ظفروا به من زوّاره عليه السلام، كما رواه الشيخ جعفر بن قولويه، و الشيخ الطوسي رضي اللّه عنه، و سأذكر فيما بعد منه نبذة، و ظهر من الكرامات له ما لا مزيد عليه من شفاء المرضى، و الاستشفاء بتربته، و إجابة الدعاء لديه صلوات اللّه عليه.
[جور الخلفاء على قبر الحسين عليه السلام]
و لم يتيسّر لبني اميّة ما أرادوا و كان قد بني عليه مسجد، و لم يزل كذلك بعد بني اميّة، و في زمن بني العبّاس، إلّا على زمن الرشيد لعنه اللّه فإنّه خرّبه و قطع السدرة الّتي كانت نابتة عنده، و كرب موضع القبر، ثمّ اعيد على زمن المأمون و غيره إلى أن حكم اللعين المتوكّل من بني العبّاس، و كان سيّئ الاعتقاد في آل أبي طالب، شديد الوطأة عليهم، قبيح المعاملة معهم، و وافقه على ذلك وزيره عبد اللّه بن يحيى لعنه اللّه، فبلغ من سوء معاملتهم ما لم يبلغه أحد ممّن تقدّم من بني اميّة و بني العبّاس، فأمر بتخريب قبر الحسين عليه السلام و قبور أصحابه، و كرب مواضعها، و أجرى الماء عليها، و منع الزوّار عن زيارتها، و أقام الرصد، و شدّد في ذلك حتّى كان يقتل من يوجد زائرا، و ولّى
ذلك رجلا كان أصله يهوديّا، ثمّ أسلم يقال له: الديزج، و سلّط اللعين قوما من اليهود على ذلك حتّى تولّوه، و سأذكر نبذة من فعله عليه اللعنة إلى أن قتل المتوكّل.
و قام بالأمر بعده ابنه المنتصر، فعطف على آل أبي طالب، و أحسن إليهم، و فرّق فيهم الأموال، و أعاد القبور في أيّامه إلى أن خرج الداعيان الحسن و محمد ابنا زيد بن الحسن، فأمر محمد بعمارة المشهدين؛ مشهد أمير المؤمنين، و مشهد أبي عبد اللّه عليهما السلام، و أمر بالبناء عليهما، و بعد ذلك زيد فيهما، و بلغ عضد الدولة بن بويه رحمه اللّه الغاية في تعظيمهما و عمارتهما، و الأوقاف عليهما، و كان رضي اللّه عنه يزورهما كلّ سنة.
و روى شيخنا الشيخ الجليل أبو جعفر محمد بن الحسن بن عليّ الطوسي رضي اللّه عنه في أماليه، قال: أخبرنا ابن خشيش، عن محمد بن عبد اللّه، قال:
حدّثنا محمد بن عليّ بن هاشم الابليّ 3336 ، قال: حدّثنا الحسن بن أحمد بن النعمان الوجيهي الجوزجاني نزيل قومس و كان قاضيها، قال: حدّثني يحيى بن المغيرة الرازي، قال: كنت عند جرير بن عبد الحميد إذ جاءه رجل من أهل العراق، فسأله جرير عن خبر الناس، قال: تركت الرشيد و قد كرب قبر الحسين عليه السلام، و أمر أن تقطع السدرة الّتي فيه، فرفع جرير يده، و قال:
اللّه أكبر جاءنا فيه حديث عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أنّه قال: لعن اللّه قاطع السدرة- ثلاثا- فلم نقف على معناه حتّى الآن، و كان قصده بقطعها تغيير مصرعه عليه السلام حتّى لا يقف الناس على قبره 3337 .
و عنه: قال: أخبرنا ابن خشيش، [قال: حدّثنا محمد بن عبد اللّه،] 3338 قال: حدّثني محمد بن جعفر بن محمد بن الفرج الرخّجي، قال: حدّثني أبي، عن عمّه [عمر] 3339 بن فرج، قال: أنفذني المتوكّل في تخريب قبر الحسين عليه السلام، فصرت إلى الناحية فأمرنا بالبقر بمن بها على القبور فمرّت عليها كلّها، فلمّا بلغت قبر الحسين عليه السلام لم تمرّ عليه.
قال عمّي عمر بن فرج: فأخذت العصا بيدي، فما زلت أضربها حتّى انكسرت العصا بيدي، و اللّه ما جازت على قبره، و كان هذا الرجل شديد الانحراف عن آل محمد صلّى اللّه عليه و آله. 3340
و عنه رضي اللّه عنه، قال: أخبرنا ابن خشيش بإسناد متّصل إلى [أبي علي الحسين بن] 3341 محمد بن مسلمة بن أبي عبيدة بن محمد بن عمّار بن ياسر، قال: حدّثني إبراهيم الديزج، قال: بعثني المتوكّل إلى كربلاء لنبش قبر الحسين عليه السلام، و كتب كتابة معي إلى جعفر بن محمد بن عمّار القاضي:
اعلمك أنّي بعثت إبراهيم الديزج إلى كربلاء لنبش قبر الحسين، فإذا قرأت كتابي فقف على الأمر حتّى تعرف فعل أو لم يفعل.
قال الديزج: فعرّفني جعفر بن محمد بن عمّار ما كتب به إليه، و فعلت ما أمرني به جعفر بن محمد بن عمّار، ثمّ أتيته، فقال لي: ما صنعت؟
فقلت: قد فعلت ما امرت [به] 3342 ، فلم أر شيئا، فقال: فهلّا عمّقته؟
قلت: قد فعلت فما رأيت شيئا، فكتب إلى السلطان: إنّ إبراهيم الديزج قد نبش فلم ير شيئا، فأمرته فمخره بالماء و كربه بالبقر.
قال أبو علي العماري: فحدّثني إبراهيم الديزج، و قد سألته عن صورة الأمر، فقال لي: أتيت في خاصّة غلماني فقط، و إنّي نبشت، فوجدت بارية جديدة و عليها بدن الحسين عليه السلام، و وجدت منه رائحة المسك، فتركت البارية على حالها و بدن الحسين على حاله على البارية، و أمرت بطرح التراب عليه، و أطلقت عليه الماء، و أمرت بالبقر لتمخره و تحرثه، فلم تطأه، و كانت إذا جاءت إلى الموضع رجعت عنه، فحلّفت لغلماني باللّه و بالأيمان المغلّظة لئن ذكر أحد هذا الحديث لأقتلنّه 3343 3344 .
و عنه رضي اللّه عنه، قال: أخبرنا ابن خشيش، عن محمد بن عبد اللّه، قال: حدّثني محمد بن إبراهيم بن أبي السلاسل الأنباري الكاتب، قال:
حدّثني أبو عبد اللّه الباقطاني قال: ضمّني عبيد اللّه بن يحيى بن خاقان إلى هارون المعرّي، و كان قائدا من قوّاد السلطان أكتب له، و كان بدنه أبيض شديد البياض حتّى يديه و رجليه، و كان وجهه أسود شديد السواد كأنّه القير، و كان يتفقأ مع ذلك مدّة 3345 منتنة.