کتابخانه روایات شیعه
قال أبو علي العماري: فحدّثني إبراهيم الديزج، و قد سألته عن صورة الأمر، فقال لي: أتيت في خاصّة غلماني فقط، و إنّي نبشت، فوجدت بارية جديدة و عليها بدن الحسين عليه السلام، و وجدت منه رائحة المسك، فتركت البارية على حالها و بدن الحسين على حاله على البارية، و أمرت بطرح التراب عليه، و أطلقت عليه الماء، و أمرت بالبقر لتمخره و تحرثه، فلم تطأه، و كانت إذا جاءت إلى الموضع رجعت عنه، فحلّفت لغلماني باللّه و بالأيمان المغلّظة لئن ذكر أحد هذا الحديث لأقتلنّه 3343 3344 .
و عنه رضي اللّه عنه، قال: أخبرنا ابن خشيش، عن محمد بن عبد اللّه، قال: حدّثني محمد بن إبراهيم بن أبي السلاسل الأنباري الكاتب، قال:
حدّثني أبو عبد اللّه الباقطاني قال: ضمّني عبيد اللّه بن يحيى بن خاقان إلى هارون المعرّي، و كان قائدا من قوّاد السلطان أكتب له، و كان بدنه أبيض شديد البياض حتّى يديه و رجليه، و كان وجهه أسود شديد السواد كأنّه القير، و كان يتفقأ مع ذلك مدّة 3345 منتنة.
فلمّا آنس بي سألته عن سواد وجهه، فأبى أن يخبرني، ثمّ إنّه مرض مرضه الّذي مات فيه، فعدته، و سألته عن ذلك، فرأيته يحبّ أن يكتم عليه، فضمنت له الكتمان، فحدّثني، قال: وجّهني المتوكّل أنا و الديزج لنبش قبر الحسين عليه السلام، و إجراء الماء عليه، فلمّا عزمت على الخروج و المسير إليه رأيت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله في المنام، فقال: لا تخرج مع الديزج،
و لا تفعل ما امرتم به في قبر الحسين.
فلمّا أصبحنا جاءوا يستحثّوني في المسير، فسرت معهم حتّى وافينا كربلاء، و فعلنا ما أمرنا به المتوكّل، فرأيت النبيّ صلّى اللّه عليه و آله في المنام، فقال: أ لم آمرك ألّا تخرج، و لا تفعل فعلهم فلم تقبل حتّى فعلت ما فعلوا؟! ثمّ لطمني، و تفل في وجهي، فصار وجهي مسودّا، و جسمي كما ترى على حالته الاولى 3346 .
و عنه رضي اللّه عنه، قال: أخبرنا ابن خشيش، قال: حدّثنا محمد بن عبد اللّه، قال: حدّثني سعيد بن أحمد العرّاد أبو القاسم الفقيه، قال: حدّثني أبو برزة الفضل بن محمد بن عبد الحميد، قال: دخلت على إبراهيم الديزج- و كنت جاره- أعوده في مرضه الّذي مات فيه، فوجدته بحال سوء، و إذا هو كالمدهوش و عنده الطبيب، فسألته عن حاله، و كانت بيني و بينه خلطة و انس يوجب الثقة بي، و الانبساط إليّ، فكاتمني حاله، و أشار إلى الطبيب، فشعر الطبيب بإشارته و لم يعرف عن حاله ما يصف له من الدواء، و ما يستعمله، فقام و خرج، و خلا الموضع، فسألته عن حاله. فقال: اخبرك و اللّه، و أستغفر اللّه، إنّ المتوكّل أمرني بالخروج إلى نينوى إلى قبر الحسين عليه السلام، و أمرنا أن نكربه و نطمس أثر القبر، فوافيت الناحية مساء و معنا الفعلة و الروزكاريّون معهم المساحي و المرور 3347 ، فتقدّمت إلى غلماني و أصحابي أن يأخذوا الفعلة بخراب القبر، و خراب 3348 أرضه، و طرحت نفسي لما نالني من أمر السفر
و نمت، و ذهب فيّ النوم فإذا ضوضاء شديدة، و أصوات عالية، و جعل الغلمان ينبّهوني، فقمت و أنا ذعر، و قلت للغلمان: ما شأنكم؟
قالوا: عجيب شأن.
قلت: و ما ذاك؟
قالوا: إنّ بموضع القبر قوما قد حالوا بيننا و بين القبر، و هم يرموننا مع ذلك بالنشّاب، فقمت معهم لأتبيّن الأمر، فوجدته كما وصفوا، و كان ذلك في أوّل الليل من الليالي البيض، فقلت: ارموهم، فرموا فعادت سهامنا إلينا، فما سقط منها سهم إلّا في صاحبه الّذي رمى، فقتله، فاستوحشت لذلك، و جزعت و أخذتني الحمّى و القشعريرة، و رحلت عن 3349 القبر لوقتي، و وطّنت نفسي على أن يقتلني [المتوكّل] 3350 لما لم أبلغ في القبر [جميع] 3351 ما تقدّم إليّ به.
فقيل: كفيت ما تحذر من المتوكّل، قد قتل البارحة، و أعان في قتله ابنه المنتصر، فقال: قد سمعت بذلك، و قد نالني في جسمي ما لا أرجو معه البقاء.
قال أبو برزة: كان هذا أوّل النهار، فما أمسى الديزج حتّى مات.
قال ابن خشيش: قال أبو الفضل: إنّ المنتصر سمع أباه المتوكّل يسبّ فاطمة عليها السلام، فسأل رجلا من الناس عن ذلك، فقال له: قد وجب عليه القتل، إلّا انّه من قتل أباه لم يطل له عمر.
قال: ما ابالي إذا أطعت اللّه بقتله ألّا يطول عمري، فقتله و عاش بعده سبعة أشهر. 3352
و عنه، قال: أخبرنا ابن خشيش، عن محمد بن عبد اللّه، قال: حدّثني علي بن عبد المنعم بن هارون الخديجي الكبير من شاطئ النيل، قال:
حدّثني 3353 القاسم بن أحمد بن معمر الأسدي الكوفي- و كان له علم بالسير و أيّام الناس-، قال: بلغ المتوكّل أنّ أهل السواد يجتمعون بأرض نينوى لزيارة قبر الحسين عليه السلام، فيصير إلى قبره منهم جماعة كثيرة و خلق عظيم، فأنفذ قائدا من قوّاده، و ضمّ إليه كنفا 3354 من الجند كثيرا ليشعّث 3355 من قبره عليه السلام، و يمنع الناس من زيارته و الاجتماع عنده.
فخرج القائد إلى الطفّ، و عمل ما امر به، و ذلك في سنة سبع و ثلاثين و مائتين، فثار أهل السواد، و اجتمعوا عليه، و قالوا: لو قتلنا عن آخرنا لما أمسك ما بقي منّا عن زيارته، و الاجتماع عنده، و رأوا من الدلائل ما حملهم على ما صنعوا، فكتب بالأمر إلى الحضرة، فورد كتاب المتوكّل إلى القائد بالكفّ عنهم، و السير إلى الكوفة مظهرا أنّ مسيره إليها في مصالح أهلها، و الانكفاء إلى المصر.
فمضى الأمر على ذلك حتّى كانت سنة سبع و أربعين، فبلغ المتوكّل أيضا مصير الناس من أهل السواد و الكوفة إلى كربلاء لزيارة قبر الحسين عليه السلام، و أنّه قد كثر جمعهم لذلك، و صار لهم سوق عظيم، فأنفذ قائدا في جمع عظيم من الجند، و أمر مناديا ينادي ببراءة الذمّة ممّن زار قبره عليه السلام، و نبش القبر و حرثه، و انقطع الناس عن الزيارة، و عمل على تتبّع آل أبي طالب
و الشيعة، فقتل لعنه اللّه، و لم يتمّ ما قدّر 3356 3357 .
و عنه رضي اللّه عنه، قال: أخبرنا ابن خشيش، قال: حدّثني أبو الفضل 3358 ، قال: حدّثني عبد الرزّاق بن سليمان بن غالب الأزدي، قال:
حدّثني عبد اللّه بن دانية الطوري، قال: حججت سنة سبع و أربعين و مائتين، فلمّا صدرت عن الحجّ صرت إلى العراق، فزرت أمير المؤمنين عليه السلام على حال خيفة من السلطان و تقيّة، ثمّ توجّهت إلى زيارة الحسين عليه السلام، فإذا هو قد حرثت أرضه و مخر فيها الماء، و ارسلت الثيران و العوامل في الأرض، فبعيني و بصري كنت أرى الثيران تأتي في الأرض فتنساق لهم فيها حتّى إذا حاذت مكان القبر حادت يمينا و شمالا، فتضرب بالعصيّ الضرب الشديد فلا ينفع ذلك فيها و لا تطأ القبر بوجه من الوجوه و لا سبب، فما أمكنني الزيارة، فتوجّهت إلى بغداد و أنا أقول:
تاللّه إن كانت اميّة قد أتت
قتل ابن بنت نبيّها مظلوما
فلقد أتاك بنو أبيه بمثلها
هذا لعمرك قبره مهدوما
أسفوا على أن لا يكونوا شايعوا
في قتله فتتبّعوه رميما
فلمّا قدمت بغداد سمعت الهائعة 3359 ، فقلت: ما الخبر؟
قالوا: وقع الطير بقتل جعفر المتوكّل، فعجبت لذلك و قلت: إلهي ليلة بليلة 3360 .
و عنه رضي اللّه عنه، قال: حدّثنا ابن خشيش، عن محمد بن عبد اللّه، قال: حدّثنا أبو الطيّب عليّ بن محمد 3361 الجعفي الدهّان بالكوفة، قال: حدّثنا أحمد بن ميثم بن [أبي] 3362 نعيم، قال حدّثنا: يحيى بن عبد الحميد الحمّاني أملاه عليّ في منزله، قال: خرجت أيّام ولاية موسى بن عيسى الهاشمي [في] 3363 الكوفة من منزلي فلقيني أبو بكر بن عيّاش، فقال: امض بنا يا يحيى إلى هذا، فلم أدر من يعني، و كنت اجلّ أبا بكر عن مراجعته، و كان راكبا حمارا، فجعل يسير عليه، و أنا أمشي في 3364 ركابه، فلمّا صرنا عند الدار الّتي تعرف بدار عبد اللّه بن حازم التفت إليّ فقال: يا ابن الحمّاني، إنّما جررتك معي و جشّمتك أن تمشي خلفي لاسمعك ما أقول لهذا الطاغية.
قال: فقلت: من هو، يا أبا بكر؟
قال: هذا الكافر الفاجر موسى بن عيسى، فسكتّ عنه، فمضى و أنا أتبعه حتّى إذا صرنا إلى باب موسى بن عيسى، و بصر به الحاجب و تبيّنه، و كان الناس ينزلون عند الرحبة، فلم ينزل أبو بكر هناك، و كان عليه قميص و إزار، و هو محلول الأزرار.
قال: فدخل على حماره و ناداني، و قال: [تعال] 3365 يا ابن الحمّاني، فمنعني الحاجب، فزجره أبو بكر، و قال له: أ تمنعه يا فاعل- و هو معي-؟
فتركني، فما زال يسير على حماره حتّى دخل الايوان، فبصر بنا موسى و هو قاعد في صدر الايوان على سريره و بجنبي السرير رجال مسلّحون، فلمّا رآه
موسى رحّب به و قرّبه، و أقعده على سريره، و منعت أنا حين وصلت إلى الايوان، فلمّا استقرّ أبو بكر على السرير التفت إليّ [فرآني] 3366 حيث أنا واقف، فناداني: تعال ويحك، فصرت إليه، و نعلي في رجلي، و عليّ قميص و إزار، فأجلسني بين يديه، فالتفت إليه موسى فقال: هذا رجل تكلّمنا فيه.
قال: لا، و لكنّي جئت به شاهدا عليك.
قال: فبما ذا؟
قال: إنّي رأيتك و ما صنعت بهذا القبر.
قال: أيّ قبر؟
قال: قبر الحسين بن عليّ عليهما السلام، و ابن فاطمة بنت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله.
و كان موسى قد وجّه إليه من كربه، و كرب جميع أرض الحائر و حرثها 3367 و زرعها، فانتفخ موسى حتّى كاد أن ينقدّ. ثمّ قال: ما أنت و ذاك؟
قال: اسمع حتّى اخبرك.