کتابخانه روایات شیعه
أبا عبد اللّه الجدلي و أبا عمارة كيسان مولى عرينة، و أمر إبراهيم بن مالك الأشتر بالتأهّب للمسير إلى ابن زياد، و جعله أميرا على الجند.
[خروج إبراهيم بن مالك الأشتر لقتال ابن زياد]
فخرج إبراهيم رضي اللّه عنه يوم السبت لسبع خلون من المحرّم سنة سبع و ستّين في ألفين من مذحج و أسد، و ألفين من تميم و همدان، و ألف و خمسمائة من قبائل المدينة، و ألف و خمسمائة من قبائل كندة و ربيعة، و ألفين من الحمراء 3389 .
و شيّع المختار إبراهيم بن مالك الأشتر ماشيا، فقال إبراهيم: اركب رحمك اللّه.
فقال المختار: إنّي لأحتسب الأجر في خطاي معك، و احبّ أن تغبرّ قدماي في نصر آل محمد عليهم السلام، ثمّ ودّعه و انصرف.
فسار ابن الأشتر حتّى أتى المدائن، ثمّ سار يريد ابن زياد، فارتحل المختار من الكوفة، و نزل المدائن لمّا بلغه انّ إبراهيم ارتحل عنها، و مرّ ابن الأشتر حتّى نزل نهر الخازر بالقرب من الموصل، و أقبل ابن زياد لعنه اللّه في الجموع، فنزل على أربعة فراسخ من عسكر ابن الأشتر، ثمّ التقوا فحرّض إبراهيم أصحابه، فقال: يا أهل الحقّ و أنصار الدين، هذا ابن زياد قاتل الحسين و أهل بيته عليهم السلام قد أتاكم اللّه به و بحزبه حزب الشيطان، فقاتلوهم بنيّة و صبر، لعلّ اللّه سبحانه يقتله بأيديكم و يشفي صدوركم.
و تزاحفوا، و تنادى أهل العراق: يا لثارات الحسين، فجال أصحاب
[ابن] 3390 الأشتر جولة، فناداهم: يا أصحاب شرط اللّه، الصبر الصبر، فتراجعوا. فقال لهم عبد اللّه بن يسار بن أبي عقب الدؤلي: حدّثني خليلي عليّ ابن الحسين عليه السلام أنّا نلقى أهل الشام على نهر يقال له الخازر، فيكشفونا حتّى نقول: هي هي، ثمّ نكرّ عليهم فنقتل أميرهم، فأبشروا و اصبروا فإنّكم لهم قاهرون.
ثمّ حمل ابن الأشتر عشيّا فخالط القلب، فكشفوهم 3391 أهل العراق و ركبوهم يقتلونهم، فانجلت الغمّة و قد قتل عبيد اللّه بن زياد و حصين بن نمير و شرحبيل ابن ذي الكلاع و ابن حوشب و غالب الباهلي و عبد اللّه بن إياس السلمي، و أبو الأشرس الّذي كان واليا على خراسان و أعيان أصحابه.
فقال ابن الأشتر لأصحابه: إنّي رأيت بعد ما انكشف الناس طائفة منهم قد صبرت تقاتل، فأقدمت عليهم، و أقبل رجل في كبكبة كأنّه بغل أقمر 3392 ، يفري الناس، لا يدنو منه أحد إلّا صرعه، فدنا منّي فضربت يده فأبنتها، و سقط على شاطئ النهر، فشرّقت يداه، و غرّبت رجلاه، فقتلته، و وجدت منه رائحة المسك، و أظنّه ابن زياد فاطلبوه، فجاء رجل و نزع خفّيه و تأمّله، فإذا هو عبيد اللّه بن زياد على ما وصف ابن الأشتر، فاحتزّ رأسه، و استوقدوا عامّة الليل بجسده، فنظر إليه مهران مولى زياد و كان يحبّه حبّا شديدا فحلف ألّا يأكل شحما أبدا، فأصبح الناس و حووا [ما في] 3393 العسكر، و هرب غلام لعبيد اللّه إلى الشام، فقال له عبد الملك: متى عهدك بابن زياد؟
فقال: جال الناس و تقدّم و قاتل، و قال: ائتني بجرّة فيها ماء، فأتيته فاحتملها و شرب منها و صبّ الباقي بين درعه و جسده و على ناصية فرسه فصهل، ثمّ أقحمه، فهذا آخر عهدي به.
قال: و بعث ابن الاشتر برأس ابن زياد إلى المختار و رءوس أعيان من كان معه، فقدم بالرؤوس و المختار يتغدّى، فالقيت بين يديه، فقال: الحمد للّه ربّ العالمين، وضع رأس الحسين عليه السلام بين يدي ابن زياد و هو يتغدّى، و اتيت برأس ابن زياد و أنا أتغدّى.
قال: و انسابت حيّة بيضاء تتخلّل الرءوس حتّى دخلت في نفس 3394 ابن زياد و خرجت من اذنيه، و دخلت في اذنه و خرجت من أنفه، فلمّا فرغ المختار من الغداء قام فوطئ وجه ابن زياد بنعله، ثمّ رمى بها إلى مولى له و قال:
اغسلها فإنّي وطئت بها وجه نجس كافر.
[إرسال رأس ابن زياد و من كان معه إلى المختار، و أرسلها المختار إلى محمد بن الحنفيّة و عليّ بن الحسين بمكّة]
و خرج المختار إلى الكوفة و بعث برأس ابن زياد و رأس حصين بن نمير و شرحبيل بن ذي الكلاع مع عبد الرحمن بن أبي عمير الثقفي و عبد اللّه بن شدّاد الجشميّ و السائب بن مالك الأشعري إلى محمد بن الحنفيّة بمكّة، و عليّ بن الحسين عليه السلام يومئذ بمكّة، و كتب إليه معهم:
فأمّا بعد:
فإنّي بعثت أنصارك و شيعتك إلى عدوّك يطلبونه بدم أخيك الشهيد، فخرجوا محتسبين محنقين أسفين، فلقوهم دون نصيبين 3395 ، فقتلهم ربّ العباد،
و الحمد للّه الّذي طلب لكم بالثأر، و أدرك لكم رءوس أعدائكم [فقتلهم] 3396 في كلّ فجّ، و غرّقهم في كلّ بحر، و شفى بذلك صدور قوم مؤمنين، و أذهب غيظ قلوبهم.
فقدموا بالرؤوس و الكتاب عليه، فبعث برأس ابن زياد لعنه اللّه إلى عليّ ابن الحسين عليه السلام، فادخل عليه و هو يتغدّى، فقال عليّ بن الحسين عليه السلام: ادخلت على ابن زياد و هو يتغدّى و رأس أبي بين يديه، فقلت:
اللّهمّ لا تمتني حتّى تريني رأس ابن زياد و أنا أتغدّى، فالحمد للّه الّذي أجاب دعوتي.
ثمّ أمر فرمي به، فحمل إلى ابن الزبير فوضعه على قصبة، فحرّكته الريح فسقط، فخرجت حيّة من تحت اللسان 3397 فأخذت بأنفه، ففعل ذلك ثلاث مرّات، فأمر ابن الزبير فالقي في بعض شعاب مكّة.
[انتقام المختار من قتلة الحسين و أهل بيته عليهم السلام]
قال: و كان المختار رحمه اللّه قد سئل في أمان عمر بن سعد لعنه اللّه، فآمنه على أن لا يخرج من الكوفة فإن خرج منها فدمه هدر.
قال: فخرج عمر حتّى أتى الحمّام؛ فقيل له: أ ترى هذا يخفى على المختار؟ فرجع ليلا و دخل داره، فأتى عمر رجل فقال له: إنّي سمعت المختار يحلف ليقتلنّ رجلا، و اللّه ما أحسبه غيرك، فلمّا كان الغد غدوت فدخلت على المختار، و جاء الهيثم بن الأسود فقعد، فجاء حفص بن عمر بن سعد، فقال للمختار: يقول لك أبو حفص: إنّي على العهد الّذي كان 3398 بيننا و بينك.
قال: اجلس، فدعا المختار أبا عمرة، فجاء رجل قصير يتخشخش في
الحديد فسارّه، و دخل رجلان، فقال: اذهبا معه، و اللّه ما أحسبه بلغ دار عمر ابن سعد حتّى جاء برأسه.
فقال المختار لحفص: أ تعرف هذا الرأس؟
فقال: إنّا للّه و إنّا إليه راجعون، نعم.
فقال المختار: يا أبا عمرة ألحقه بأبيه، فقتله.
فقال المختار: عمر بن سعد بالحسين، و حفص بعليّ بن الحسين، و لا سواء.
قال: و اشتدّ أمر المختار بعد قتل ابن زياد و أخاف الوجوه و قال: لا يسوغ لي طعام و لا شراب حتّى أقتل قتلة الحسين عليه السلام و أهل بيته، و ما من [ديني] 3399 ترك أحد منهم حيّا، و قال: أعلموني من شرك في دم الحسين و أهل بيته، فلم يكن يأتونه برجل فيقولون: هذا من قتلة الحسين أو ممّن أعان عليه إلّا قتله، و بلغه أنّ شمر بن ذي الجوشن لعنه اللّه أصاب مع الحسين 3400 إبلا له قد أخذها، فلمّا قدم الكوفة نحرها و قسم لحمها.
فقال المختار: احصوا لي كلّ دار دخلها شيء من ذلك اللحم، فأحصوها، فأرسل إلى كلّ من أخذ منه شيئا فقتلهم و هدم دورا بالكوفة 3401 .
و اتي المختار بعبد اللّه بن أسيد الجهنيّ، و مالك بن هيثم البدّائي من كندة و حمل بن مالك المحاربيّ، فقال: يا أعداء اللّه، أين الحسين بن عليّ؟
قالوا: اكرهنا على الخروج إليه.
فقال: أ فلا مننتم عليه و سقيتموه من الماء؟!
و قال للبدّائي: أنت صاحب برنسه لعنك اللّه؟
قال: لا.
قال: بلى.
ثمّ قال: اقطعوا يديه أو رجليه و دعوه يضطرب حتّى يموت، فقطعوه 3402 ، و أمر بالآخرين فضربت أعناقهم، و اتي بقراد بن مالك و عمرو بن خالد و عبد الرحمن البجلي و عبد اللّه بن قيس الخولاني، و قال لهم: يا قتلة الصالحين، أ لا ترون اللّه بريئا منكم؟ لقد جاءكم الورس بيوم نحس، فأخرجهم إلى السوق فقتلهم هناك 3403 .
و بعث المختار معاذ بن هانئ الكندي، و أبا عمرة كيسان رضي اللّه عنهما إلى دار خوليّ بن يزيد الأصبحي- و هو الّذي حمل رأس الحسين عليه السلام إلى ابن زياد-، فأتوا داره فاستخفى في المخرج، فدخلوا عليه فوجدوه قد ترك 3404 على نفسه قوصرّة 3405 ، فأخذوه و خرجوا يريدون المختار، فتلقّاهم في ركب، و ردّه إلى داره، و قتله عندها و أحرقه 3406 .
و طلب [المختار] 3407 شمر بن ذي الجوشن فهرب إلى البادية، فسعي به إلى أبي عمرة، فخرج إليه مع نفر من أصحابه فقاتلهم قتالا شديدا فأثخنته الجراح، فأخذه أبو عمرة أسيرا، و بعث به إلى المختار فأغلى له دهنا في قدر و قذفه فيها فتفسّخ و وطىء مولى لآل حارثة بن مضرّب وجهه و رأسه.
و لم يزل المختار يتتبّع قتلة الحسين عليه السلام حتّى قتل منهم خلقا كثير، و هرب الباقون فهدم دورهم، و قتلت العبيد مواليهم الّذين قاتلوا الحسين عليه السلام، و أتوا المختار فأعتقهم 3408 .
و روى الشيخ أبو جعفر الطوسي رضي اللّه عنه قال: أخبرنا محمد بن محمد، قال: أخبرني المظفّر بن محمد البلخي، قال: حدّثنا أبو علي محمد بن همّام الاسكافي، قال: حدّثنا عبد اللّه بن جعفر الحميري، قال: حدّثنا داود بن عمر النهدي، عن الحسن بن محبوب، عن عبد اللّه بن يونس، عن المنهال بن عمرو، قال: دخلت على عليّ بن الحسين عليه السلام في مكّة، فقال لي: يا منهال، ما فعل حرملة بن كاهلة الأسدي؟
فقلت: تركته حيّا بالكوفة.
قال: فرفع يديه جميعا، ثم قال: اللّهمّ أذقه حرّ الحديد، اللّهمّ أذقه حرّ الحديد، اللّهمّ أذقه حرّ النار، اللّهمّ أذقه حرّ النار.