کتابخانه روایات شیعه
و الحمد للّه الّذي طلب لكم بالثأر، و أدرك لكم رءوس أعدائكم [فقتلهم] 3396 في كلّ فجّ، و غرّقهم في كلّ بحر، و شفى بذلك صدور قوم مؤمنين، و أذهب غيظ قلوبهم.
فقدموا بالرؤوس و الكتاب عليه، فبعث برأس ابن زياد لعنه اللّه إلى عليّ ابن الحسين عليه السلام، فادخل عليه و هو يتغدّى، فقال عليّ بن الحسين عليه السلام: ادخلت على ابن زياد و هو يتغدّى و رأس أبي بين يديه، فقلت:
اللّهمّ لا تمتني حتّى تريني رأس ابن زياد و أنا أتغدّى، فالحمد للّه الّذي أجاب دعوتي.
ثمّ أمر فرمي به، فحمل إلى ابن الزبير فوضعه على قصبة، فحرّكته الريح فسقط، فخرجت حيّة من تحت اللسان 3397 فأخذت بأنفه، ففعل ذلك ثلاث مرّات، فأمر ابن الزبير فالقي في بعض شعاب مكّة.
[انتقام المختار من قتلة الحسين و أهل بيته عليهم السلام]
قال: و كان المختار رحمه اللّه قد سئل في أمان عمر بن سعد لعنه اللّه، فآمنه على أن لا يخرج من الكوفة فإن خرج منها فدمه هدر.
قال: فخرج عمر حتّى أتى الحمّام؛ فقيل له: أ ترى هذا يخفى على المختار؟ فرجع ليلا و دخل داره، فأتى عمر رجل فقال له: إنّي سمعت المختار يحلف ليقتلنّ رجلا، و اللّه ما أحسبه غيرك، فلمّا كان الغد غدوت فدخلت على المختار، و جاء الهيثم بن الأسود فقعد، فجاء حفص بن عمر بن سعد، فقال للمختار: يقول لك أبو حفص: إنّي على العهد الّذي كان 3398 بيننا و بينك.
قال: اجلس، فدعا المختار أبا عمرة، فجاء رجل قصير يتخشخش في
الحديد فسارّه، و دخل رجلان، فقال: اذهبا معه، و اللّه ما أحسبه بلغ دار عمر ابن سعد حتّى جاء برأسه.
فقال المختار لحفص: أ تعرف هذا الرأس؟
فقال: إنّا للّه و إنّا إليه راجعون، نعم.
فقال المختار: يا أبا عمرة ألحقه بأبيه، فقتله.
فقال المختار: عمر بن سعد بالحسين، و حفص بعليّ بن الحسين، و لا سواء.
قال: و اشتدّ أمر المختار بعد قتل ابن زياد و أخاف الوجوه و قال: لا يسوغ لي طعام و لا شراب حتّى أقتل قتلة الحسين عليه السلام و أهل بيته، و ما من [ديني] 3399 ترك أحد منهم حيّا، و قال: أعلموني من شرك في دم الحسين و أهل بيته، فلم يكن يأتونه برجل فيقولون: هذا من قتلة الحسين أو ممّن أعان عليه إلّا قتله، و بلغه أنّ شمر بن ذي الجوشن لعنه اللّه أصاب مع الحسين 3400 إبلا له قد أخذها، فلمّا قدم الكوفة نحرها و قسم لحمها.
فقال المختار: احصوا لي كلّ دار دخلها شيء من ذلك اللحم، فأحصوها، فأرسل إلى كلّ من أخذ منه شيئا فقتلهم و هدم دورا بالكوفة 3401 .
و اتي المختار بعبد اللّه بن أسيد الجهنيّ، و مالك بن هيثم البدّائي من كندة و حمل بن مالك المحاربيّ، فقال: يا أعداء اللّه، أين الحسين بن عليّ؟
قالوا: اكرهنا على الخروج إليه.
فقال: أ فلا مننتم عليه و سقيتموه من الماء؟!
و قال للبدّائي: أنت صاحب برنسه لعنك اللّه؟
قال: لا.
قال: بلى.
ثمّ قال: اقطعوا يديه أو رجليه و دعوه يضطرب حتّى يموت، فقطعوه 3402 ، و أمر بالآخرين فضربت أعناقهم، و اتي بقراد بن مالك و عمرو بن خالد و عبد الرحمن البجلي و عبد اللّه بن قيس الخولاني، و قال لهم: يا قتلة الصالحين، أ لا ترون اللّه بريئا منكم؟ لقد جاءكم الورس بيوم نحس، فأخرجهم إلى السوق فقتلهم هناك 3403 .
و بعث المختار معاذ بن هانئ الكندي، و أبا عمرة كيسان رضي اللّه عنهما إلى دار خوليّ بن يزيد الأصبحي- و هو الّذي حمل رأس الحسين عليه السلام إلى ابن زياد-، فأتوا داره فاستخفى في المخرج، فدخلوا عليه فوجدوه قد ترك 3404 على نفسه قوصرّة 3405 ، فأخذوه و خرجوا يريدون المختار، فتلقّاهم في ركب، و ردّه إلى داره، و قتله عندها و أحرقه 3406 .
و طلب [المختار] 3407 شمر بن ذي الجوشن فهرب إلى البادية، فسعي به إلى أبي عمرة، فخرج إليه مع نفر من أصحابه فقاتلهم قتالا شديدا فأثخنته الجراح، فأخذه أبو عمرة أسيرا، و بعث به إلى المختار فأغلى له دهنا في قدر و قذفه فيها فتفسّخ و وطىء مولى لآل حارثة بن مضرّب وجهه و رأسه.
و لم يزل المختار يتتبّع قتلة الحسين عليه السلام حتّى قتل منهم خلقا كثير، و هرب الباقون فهدم دورهم، و قتلت العبيد مواليهم الّذين قاتلوا الحسين عليه السلام، و أتوا المختار فأعتقهم 3408 .
و روى الشيخ أبو جعفر الطوسي رضي اللّه عنه قال: أخبرنا محمد بن محمد، قال: أخبرني المظفّر بن محمد البلخي، قال: حدّثنا أبو علي محمد بن همّام الاسكافي، قال: حدّثنا عبد اللّه بن جعفر الحميري، قال: حدّثنا داود بن عمر النهدي، عن الحسن بن محبوب، عن عبد اللّه بن يونس، عن المنهال بن عمرو، قال: دخلت على عليّ بن الحسين عليه السلام في مكّة، فقال لي: يا منهال، ما فعل حرملة بن كاهلة الأسدي؟
فقلت: تركته حيّا بالكوفة.
قال: فرفع يديه جميعا، ثم قال: اللّهمّ أذقه حرّ الحديد، اللّهمّ أذقه حرّ الحديد، اللّهمّ أذقه حرّ النار، اللّهمّ أذقه حرّ النار.
قال المنهال: فقدمت الكوفة و قد ظهر المختار بن أبي عبيد، و كان لي صديقا، قال: فكنت في منزلي أيّاما حتّى انقطع الناس عنّي، ثمّ ركبت إليه فلقيته خارجا من داره فقال: يا منهال، لم تأتنا في ولايتنا هذه، و لم تهننا بها،
و لم تشركنا فيها؟ فأعلمته أنّي كنت بمكّة، و أنّي قد جئتك الآن، و سايرته و نحن نتحدّث حتّى أتى الكناس، فوقف وقوفا كأنّه منتظر لشيء، و قد كان اخبر بمكان حرملة بن كاهلة لعنه اللّه، فوجّه في طلبه، فلم نلبث أن جاء قوم يركضون و قوم يشدّون حتّى قالوا: أيّها الأمير، البشارة، قد اخذ حرملة بن كاهلة، فما لبثنا أن جيء به، فلمّا نظر إليه المختار قال لحرملة: الحمد للّه الّذي مكّنني منك، [ثمّ] 3409 قال: الجزّار الجزّار، فاتي بجزّار، فقال له: اقطع يديه، فقطعتا، ثمّ قال: اقطع رجليه، فقطعتا، ثمّ قال: النار النار، فاتي بنار و قصب فالقي عليه فاشتعلت فيه النار.
فقلت: سبحان اللّه! سبحان اللّه!
فقال: يا منهال، إنّ التسبيح لحسن، ففيم سبّحت؟
فقلت: أيّها الأمير، دخلت في سفرتي هذه منصرفي من مكّة على عليّ ابن الحسين عليه السلام، فقال: يا منهال، ما فعل حرملة بن كاهلة؟ قلت:
تركته حيّا بالكوفة، فرفع يديه جميعا و قال: اللّهمّ أذقه حرّ الحديد، اللّهمّ أذقه حرّ الحديد، اللّهمّ أذقه حرّ النار، اللّهمّ أذقه حرّ النار.
فقال المختار: أسمعت عليّ بن الحسين عليه السلام يقول هذا؟
فقلت: و اللّه لقد سمعته يقول هذا، فنزل عن دابّته و صلّى ركعتين و أطال السجود، ثمّ قام و ركب، و قد احترق حرملة، و ركبت معه و سرنا، فحاذيت داري، فقلت: أيّها الأمير، إن رأيت أن تشرّفني و تكرّمني و تنزل عندي و تحرم بطعامي.
فقال: يا منهال، تعلمني أنّ عليّ بن الحسين عليه السلام دعا بأربع دعوات فأجابه اللّه على يدي، ثمّ تأمرني أن آكل! هذا يوم صوم شكرا للّه على ما فعلته بتوفيقه، و حرملة هو الّذي حمل رأس الحسين عليه السلام إلى يزيد، و هو الذي رمى عليّ بن الحسين الرضيع بسهم فذبحه 3410 .
الندبة
يا شهيدا شهد اللّه له بوفاء حقّه، و يا صدّيقا أخذ اللّه ميثاقه على خلقه، و يا من جاهد في اللّه حقّ جهاده، و يا من أخلص للّه في إصداره و إيراده، و يا دليل الخلق على معبودهم، و يا سبيل الرشد إلى مقصودهم، و يا من أيّده اللّه بالعصمة الّتي شرّفه بها على بني نوعه، و جعل أعلام الهدى و مصابيح الدجى من فروعه، و يا حجّة اللّه البالغة من اللّه على عباده، و يا ربيع اليتامى و الأيامى ببرّه و إرفاده، و يا صاحب الفرع المرجب الّذي شاع و بان في الآفاق فضله، و اتّصل بحبل القرآن حبله، و عمّ الخافقين نحله، و أرمض قلوب القاسطين عدله، و جعل برد الأمن على الظالمين محرّما، و أجسادهم بصارمه جمادا، قد أفاض عليها ملابس من فيض الدماء.
حزني عليك جلّ عن وصف الواصفين عظيمه، و جزعي لديك فات حصر الحاصرين جسيمه، أذرف المدامع في حضرتك، و اشنّف المسامع بمراثيك و مدحتك، إذا تصوّر فكري مصابك، و خطر بسرّي ما أصابك، سئمت
الحياة و لذّتها، و قلوت الدنيا و زهرتها، فلا ضحكت سنّي إن ضحكت و قد ابتليتم بصروف الردى، و لا قرّت عيني إن سررت و نساؤكم أسرى يسار بها إلى العدى.
أ يقرّ طرفي و رءوسكم يسار بها إلى الطغاة؟ أم يسكن وجدي و عيالاتكم يساق بها إلى البغاة؟ أم ترقد مقلتي و منازلكم نافدة لحمالكم 3411 ؟ أم تبرد غلّتي و محاريبكم خالية من صلواتكم؟
[قصيدة للمؤلّف رحمه اللّه]
فها أنا ذا أستنبط بأكفّ لوعتي ينابيع أدمعي، و أستخرج بأيدي حسرتي زفراتي من أضلعي، و انظم نثرا من سليم طبعي، و انثر درّا من قويم صنعي، و يروي لساني عن جريح جناني، و بياني عن صحيح إيماني:
مصابكم في بحار الحزن ألقاني
و هدّ ركني و أجرى دمعي القاني
و صرت من دهري الجاني حليف جوى
إلى البكاء بدم الأجفان ألجاني
غريق إنسان عيني بالدموع سوى
جليل رزئكم في الخلق انساني
مررت بالأربع اللاتي بكم شرفت
فعادني عيد أشجان فأبكاني
ناديتها أين من كانوا بحار ندى