کتابخانه روایات شیعه
المجلس العاشر في فضل زيارته صلوات اللّه عليه، و ما صدر في فضله من الأحاديث النبويّة، و إجابة الدعاء لدى تربته الشريفة
[خطبة للمؤلّف رحمه اللّه و سمها ب «تحفة الزوّار و منحة الأبرار»]
و اصدّر المجلس بالخطبة الموسومة ب «تحفة الزوّار و منحة الأبرار» قلتها بإذن اللّه في المشهد الشريف.
الحمد للّه الّذي أظهر دين الاسلام و نشر أعلامه، و أشهر شرع الايمان و بيّن أحكامه، و جعل أسباب حججه و بيّناته متّصلة إلى يوم القيامة، و أسّس بنيانه على عرفان درجتي النبوّة و الإمامة، و أوضح برهانه بمقال سيّد الخلق و كلمة اللّه التامّة، محمد سيّد المرسلين و شفيع المذنبين يوم الطامّة.
شيّد اللّه به الرسالة، و أيّد بالمعجز مقاله، و أعلى على كلّ جلال جلاله و مقامه، فهو صلّى اللّه عليه و آله أكرم وارث و موروث، و أفضل مرسل و مبعوث، إلى الخاصّة و العامّة.
أيّده اللّه بوصيّه سيّد الأوصياء، و صفيّه قدوة الأصفياء، و بعاضده في الشدّة و الرخاء، ربّ الرئاسة العامّة. أمير المؤمنين، و مبير الظالمين، و نصير المظلومين، ذي الامامة و الزعامة. صاحب الغدير، و صائم الهجير، و بدر الحقّ
المنير، إذا أبدى الباطل ظلامه.
جعل اللّه سبطي نبيّ الرحمة و لديه، و سيّدي شباب أهل الجنّة، و فرعي جميع الامّة فرعيه، و حبّه بداء الايمان و ختامه، الأئمّة الأطهار من ولده، و العترة الأخيار من عدّه، و الملائكة الأبرار من جنده، حين أظهر الحقّ ببدر و حنين و أقامه.
نحمد ربّنا إذ جعلنا من المستمسكين بعروة عصمته، السالكين واضح طريقته، لا نقدّم عليه من لا يعادل عند اللّه شسع نعله، و لا نؤخّره عمّن ليس له فضل كفضله و لا أصل كأصله، بل نعتقده بعد سيّد المرسلين، أفضل أهل السماوات و أهل الأرضين، و نقدّمه بعد خاتم النبيّين، على جميع الأنبياء و الأولياء الصدّيقين، بل و على الصافّين الحافّين، و حملة العرش من الملائكة المقرّبين.
حبّه مفاتيح أبواب الجنان، و بغضه مقاليد دركات النيران، لا إيمان إلّا حبّه، و لا قربى إلّا قربه، و لا عترة إلّا عترته، و لا ذرّيّة إلّا ذرّيّته، جلّ أن يدرك وصف الواصفين سيّدا البتولة الزهراء عرسه، و الأئمّة النجباء غرسه، و نفس سيّد الأنبياء نفسه، و سرّة البطحاء فضله و جنسه.
حدّ شجاعته تامّ و ما سواه ناقص، و رسم شهامته في أعلى مقام إذ غيره ناكص، فرّوا و لم يفرّ، و غيّروا و لم يغيّر، و بدّلوا و لم يبدّل، و خذلوا و لم يخذل، قياس من ساماه في الفخر عقم، و أساس من جاراه في المجد سقم، يقتطف رءوس الأبطال اقتطافا، و يختطف نفوس الشجعان اختطافا، بدر الدجى في كفّه زحل إذا مشى بين الصفّين، و شمس الضحى في دارة الحمل إذا قضى بين الخصمين.
علم يهتدي المهتدون بواضح مبادئه، و عالم يقتدي المقتدون بساطع أنواره، فارس النهار و الليل، و منكس الأبطال عن صهوات الخيل، راهب العرب إذا جنّ الظلام، و كاشف الكرب عن وجه سيّد الأنام، طاهر النسب، ظاهر الحسب، ضرّاب القلل، بطل السهل و الجبل، حليف الكتاب، أليف المحراب، خوّاض الغمرات، شديد العزمات.
خلفاء اللّه على عباده و رتبه، و امناؤه في بلاده عترته، مشاهدهم معارج الدعوات، و ضرائحهم مصاعد الحسنات، تحنّ قلوب المؤمنين إلى زيارتها حنين الطير إلى أوكارها، و تتشوّق نفوس المخلصين إلى وفادتها و اعتمادها، جعلها اللّه أشرف بقاع الأرض، و سبب النجاة في الحساب و العرض، و الهجرة إليها أفضل أعمال الثقلين، لا سيّما مرقد أبي عبد اللّه الحسين، الّذي هدم ركن الايمان بوفاته، و قصم حبل الاسلام بفواته، فهو مهبط ملائكة اللّه المقرّبين، و مختلف أرواح الأنبياء و المرسلين.
مسجده أفضل مسجد اسّس على التقوى من أوّل يوم، و مشهده أشرف مشهد بنيانه من أولياء اللّه أشرف قوم، إن يكن البيت الحرام قبلة للأنام و معدنا للبركات، فلكربلاء بحلول سبط المصطفى في تربتها مرجّحات، شمخت الكعبة فخرا إذ منحت رفعة تعلو على هامة السماك الأعزل و المشتري، فخوطبت بلسان التأديب: قرّي كعبة فلو لا أرض يقال لها كربلا لما خلقتك، فأطيلي و أقصري.
شرف الكعبة بمولد سيّد الوصيّين كان مقدار ساعة، و شرف كربلاء بضريح سبط خاتم النبيّين إلى قيام الساعة، إن يكن الطواف بالكعبة به تمام الحجّ و العمرة، فالطواف بضريحه يعدل ثوابه ثواب ذلك ألف ألف مرّة، إن تكن
الكعبة قبلة جباه المسلمين، فكربلاء وجهة قلوب المؤمنين، إن تكن الصلاة في المقام عزيمة و فريضة، فبغير ولايته و ولاية آبائه و أبنائه لا تعادل عند اللّه جناح بعوضة، إن يكن البيت العتيق عتيق من الطوفان و الغرق، فمقامه صلوات اللّه عليه لما اجري عليه الماء جار و ما انطلق، إن تكن أفئدة من الناس تهوي الى البيت الحرام، فقلوب المؤمنين تحنّ إلى زيارته على الدوام.
جعل اللّه التوفيق زمام عصابة من أوليائه تقودها به إليه، و مغناطيس نفوس خلاصة من أصفيائه يتهافتون شوقا عليه، لا تأخذهم في وفادته لومة لائم، و لا تثني عزائمهم عن زيارته مخافة ناصب و لا غاشم، بذلوا أنفسهم و أموالهم ليستظلّوا بظلال تلك العواطف و المراحم، و هجروا أبناءهم و ديارهم هجرة إلى اللّه و رسوله لينالوا الزلفى من تلك الجوائز و المكارم، زجّوا القلوص من كلّ فجّ عميق، و حثحثوا الركاب من كلّ مرمى سحيق، تركوا الأطفال كاليتامى، و الحلائل كالأيامى، تلفح وجوههم الهواجر بسمومها و رياحها، و تهزل أجسامهم المغاور بغدوّها و رواحها، تبسط الملائكة أجنحتها لمواطئ أقدامهم، و تبارك عليهم في صلواتها في مسيرهم و مقامهم، لهم معقّبات من بين أيديهم و من خلفهم يحفظونهم من أمر اللّه بالغدوّ و الآصال، و لو لا ذلك لاصطلمتهم أكفّ الناصبة اولي الجحود و الضلال، حتّى إذا لاحت لهم من جانب طور كربلاء أنوار ذلك الجناب، و أشرقت عليهم شموس العرفان من تلك القباب، اديرت كئوس السرور على نفوسهم و قلوبهم، إذ فازوا بنيل المنى من وليّهم و مطلوبهم و محبوبهم.
لمّا شربوا من شراب حبّه بالكأس الرويّة صرفا، زادتهم العناية الإلهيّة توفيقا و عرفانا و لطفا، نادى فيهم المنادي لمّا دنا من النادي، و غنّى لهم الحادي
لمّا ترنّم الشادي، و أنشد بشأن حالهم مفصحا، و غرّد ببيان مقالهم موضحا:
طور جمال حسنكم لمّا بدا
لاح لقلب صبكم نور الهدى
بدا كبرق من سجاف مزنه
فجدّد العهد بكم و أكّدا
و حقّكم لاحلت عن عهدي و إن
اتّهم فيكم لائمي و أنجدا
يروم منّي سلوة و لا أرى
ان يسلوني عن هواكم رشدا
كيف سلوي و هواكم مفزعي
إذا عرى خطب رماني و اعتدى
حبّكم لي جنّة و جنّة
في هذه الدنيا و في الاخرى غدا
سعت إليكم قدمي و لو على
رأسي سعيت كأنّ حظّي أسعدا
إن تطردوني فإلى من ألتجي؟
أو تبعدوني فبمن أرمي العدا؟
يا كربلاء سقا ثراك مسبل
يكسو الربا زبر جدا و عسجدا
فيك ثوى أشرف من مشى على
وجه الثرى سبط النبيّ أحمدا
خير الورى جدّا و امّا و أبا
و منصبا و منسبا و محتدا
و تربة و مهجعا و مصرعا
و معبدا و مسجدا و مشهدا
أملاك عرش اللّه حقّا علموا
بفضله فاتّخذوه مسجدا
قد جعل اللّه لهم من عرشه
إلى ثراه مهبطا و مصعدا
تهوي إليه عصبة ما وجدت
من دون آل أحمد ملتحدا
يلومهم في قصدهم قوم شروا
ببغيهم دين الضلال بالهدى
حتّى إذا ما شاهدوا مشهده
و لاح نور اللّه منه و بدا
و أقبلوا تحفّهم ملائك
بإذن ذي العرش يفون العددا
قاموا على الباب فنودوا طبتم
بما صبرتم فادخلوه سجّدا
و عفّروا الخدّ على أعتابه
شكرا تنالوا رفعة و سؤددا
يا زائري سبط النبيّ دينكم
دين الهدى و غير دينكم سدى
قد هيّأ اللّه لكم من أمركم
بزورة المقتول ظلما رشدا
تصافحون الرسل الكرام
و الأملاك في حضرته و الشهداء
صاروا لكم خوان صدق عنده
و هم لكم يوم القيامة شهدا
أسماؤكم في صحف المجد غدت
معرفة و خبرا و مبتدا
اوبوا بخير ما يؤوب وافد
به من الخلق على من وفدا
و جاهدوا و صابروا و رابطوا
من خالق الحقّ عنادا و اغندا
فطربوا لنغمة الحادي شكرا، و أظهروا للّه حمدا و شكرا، و لمّا أطربهم بلبل ذلك الدوح بشهيّ نغمته، و حرّكهم محرّك الحيّ بفصيح كلمته، أقبلت الملائكة الكرام تزفّهم بأنواع التوقير و التعظيم، و تبشّرهم بمغفرة من ربّهم و رضوان و جنّات لهم فيها نعيم مقيم، خالدين فيها أبدا إنّ اللّه عنده أجر عظيم 3412 .
حتّى إذا وقفوا بتلك الأعتاب، و قرعوا ببذل الاخلاص ذلك الباب، و كشف لهم عن وجه الحبيب النقاب، و ارتفع الحجاب عن ذلك الجناب، ناداهم ربّ الأرباب، و معتق الرقاب: أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَالَّذِينَ هاجَرُوا وَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَ أُوذُوا فِي سَبِيلِي وَ قاتَلُوا وَ قُتِلُوا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ وَ لَأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ ثَواباً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَ اللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوابِ 3413 و قيل لهم نيابة عن ربّ العالمين: ادْخُلُوها بِسَلامٍ آمِنِينَ 3414 .
فأقبلوا يسافهون مسامع زعام ذلك المقام بشفاههم، و ينفثون ثرى مواطئ الأقدام بجفونهم و جباههم، طالبين نظرة من محجوب جماله، سائلين قطرة من زلال إفضاله، قد أخضبوا النجاد بواكف عبراتهم، و أشرفوا البلاد بتصاعد زفراتهم، يعجّون إلى اللّه من ذنوبهم عجيج الثكلى، و يضجّون ضجيج شدّة البلوى.
و لمّا أحرزوا الأرباح في متجر عبادتهم، و فازوا بالنجاح من قبول زيارتهم، وضعت تيجان العرفان على هامات هممهم، و افرغت خلع الأعطاف على أعطاف كرمهم، و احبروا من جوائز الغفران بما لا عين رأت و لا اذن سمعت، و لا خطر على قلب بشر، و لا حصر بحدّ و لا قدر، و قيل لهم: ارجعوا فقد حمد اللّه سعيكم و شكر، و غفر لكم ما تقدّم من ذنبكم و ما تأخّر.
فأبوا مغفورة ذنوبهم، مستورة عيوبهم، قد أظلّهم اللّه بظلّ رحمته، و نظر إليهم بعين عنايته، يباهي بهم ملائكة أرضه و سمائه، و أرواح أنبيائه و أوليائه، قد أثبت أسماءهم في صحف مكرّمة مرفوعة مطهّرة، بأيدي سفرة كرام بررة، ذلِكَ بِأَنَّهُمْ لا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَ لا نَصَبٌ وَ لا مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَ لا يَطَؤُنَ مَوْطِئاً يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَ لا يَنالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلًا إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صالِحٌ إِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ وَ لا يُنْفِقُونَ نَفَقَةً صَغِيرَةً وَ لا كَبِيرَةً وَ لا يَقْطَعُونَ وادِياً إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ 3415 .
الدعاء للزائرين من المؤمنين