کتابخانه روایات شیعه
فأقبلوا يسافهون مسامع زعام ذلك المقام بشفاههم، و ينفثون ثرى مواطئ الأقدام بجفونهم و جباههم، طالبين نظرة من محجوب جماله، سائلين قطرة من زلال إفضاله، قد أخضبوا النجاد بواكف عبراتهم، و أشرفوا البلاد بتصاعد زفراتهم، يعجّون إلى اللّه من ذنوبهم عجيج الثكلى، و يضجّون ضجيج شدّة البلوى.
و لمّا أحرزوا الأرباح في متجر عبادتهم، و فازوا بالنجاح من قبول زيارتهم، وضعت تيجان العرفان على هامات هممهم، و افرغت خلع الأعطاف على أعطاف كرمهم، و احبروا من جوائز الغفران بما لا عين رأت و لا اذن سمعت، و لا خطر على قلب بشر، و لا حصر بحدّ و لا قدر، و قيل لهم: ارجعوا فقد حمد اللّه سعيكم و شكر، و غفر لكم ما تقدّم من ذنبكم و ما تأخّر.
فأبوا مغفورة ذنوبهم، مستورة عيوبهم، قد أظلّهم اللّه بظلّ رحمته، و نظر إليهم بعين عنايته، يباهي بهم ملائكة أرضه و سمائه، و أرواح أنبيائه و أوليائه، قد أثبت أسماءهم في صحف مكرّمة مرفوعة مطهّرة، بأيدي سفرة كرام بررة، ذلِكَ بِأَنَّهُمْ لا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَ لا نَصَبٌ وَ لا مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَ لا يَطَؤُنَ مَوْطِئاً يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَ لا يَنالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلًا إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صالِحٌ إِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ وَ لا يُنْفِقُونَ نَفَقَةً صَغِيرَةً وَ لا كَبِيرَةً وَ لا يَقْطَعُونَ وادِياً إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ 3415 .
الدعاء للزائرين من المؤمنين
اللّهمّ إنّ هذه العصابة الزائرة من أوليائك المؤمنين، و الجماعة الحاضرة
من أصفيائك المخلصين، قد هجروا أوطانهم هجرة إليك، و فارقوا بلدانهم اعتمادا عليك، و أنفقوا أموالهم ثقة بما في يديك، و ناديتهم إلى زيارة سبط نبيّك فأجابوا بلبّيك اللّهمّ لبّيك، قد نصبوا أنفسهم لاحتمال الأذى من العصابة الناصبة، و وطّنوا أسماعهم لاستماع الهجر من الطائفة المارقة الكاذبة، يقاسون في مسيرهم من أعداء اللّه ما الموت أيسر من 3416 بعضه، و يتحمّلون الأذى في ذات اللّه ممّن خفّ ميزانه يوم حسابه و عرضه، يعيّرهم بنو الزناة بوفادتهم على وليّك و ابن أوليائك، و يوبّخهم نجل البغاة بتوجّههم إلى صفيّك و ابن أصفيائك، و يستحلّون أنفسهم و أموالهم، و يغرون بهم سفهاءهم و جهّالهم، قد اعتقدوا أذى المؤمنين من أفضل الطاعات، و الوقيعة في أعراض الصالحين من أكمل القربات، و تكرار غيبتهم في لهواتهم أحلى من مكرّر القند و الضرب، و التجسّس على عوراتهم أفخر ما يقتنى و يكتسب.
اللّهمّ إنّ علماءهم و أعلامهم و امراءهم و حكّامهم و وعّاظهم و خطباءهم قد طغوا في البلاد، فأكثروا فيها الفساد، فصبّ عليهم من قهرك سوط عذاب، و كن لهم يا ربّ بالمرصاد.
اللّهمّ العن جبتهم و طاغوتهم، و ودّهم و سواعهم، ولاتهم و عزاهم، و ذكرهم و انثاهم، و مبدأهم و منتهاهم، و ارم بلادهم بالخميس يتلوه الخميس، و العساكر يحقرها العساكر، و سلّط عليهم من لا يرحم صراخهم بتضرّعهم، و لا تقبل عشارهم بتوجّههم، فيسومهم الخسف، و يذيقهم الحتف، و يفلّ غربهم، و يذلّ صحبهم، و يثقل أغلالهم، و يسلب مالهم، و يذبح أطفالهم، و يستبيح نساءهم، و يستعبد أبناءهم، فإنّهم قد أهانوا أولياءك، و أغروا أعداءك،
و ألحدوا في آياتك، و كذّبوا ببيّناتك.
عالمهم منافق، و واعظهم مارق، و سراجهم غاسق، و تقيّهم فاسق، عشاهم من رشاهم، و ملبوسهم من تلبيسهم، و حللهم من حليّهم، و مزراتهم من مزواريهم 3417 ، و سرابيلهم من أكاريبهم.
ذئاب بل ذباب، و سباع بل كلاب، يتهافتون على جمع الحطام، و يتهالكون على أكل الحرام.
رَبَّنا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَ مَلَأَهُ زِينَةً وَ أَمْوالًا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا رَبَّنا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلى أَمْوالِهِمْ وَ اشْدُدْ عَلى قُلُوبِهِمْ فَلا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذابَ الْأَلِيمَ 3418 ، رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكافِرِينَ دَيَّاراً إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبادَكَ وَ لا يَلِدُوا إِلَّا فاجِراً كَفَّاراً 3419 .
اللّهمّ و أفرغ على زوّار سبط سيّد الأنبياء، و قرّة عين سيّدة النساء، صبرا جميلا، و امنحهم فرجا قريبا، و اخلفهم فيمن خلفوا، و اخلف عليهم ما أنفقوا، و اجعل البرّ و التقوى شعارهم، و السلامة من كلّ الأسواء دثارهم، و اجعل لهم معقّبات من بين أيديهم و من خلفهم يحفظونهم من أمرك، و اكبت أعداءهم بشدّة بطشك و قهرك.
اللّهمّ إنّك آتيت لهم بكلّ درهم أنفقوه في زيارتهم عشرة آلاف مدينة في جنّتك، و أعددت لهم ما لا عين رأت و لا اذن سمعت في جوار رحمتك، فصلّ على محمد و آل محمد، و زدهم من فضلك يا واسع الرحمة، و أتمم عليهم من
جودك هذه النعمة، و أبلغهم مأمنهم، و أوصلهم موطنهم، مغفورة ذنوبهم، مستورة عيوبهم، معصومين في حلّهم و ارتحالهم، محفوظين في عيالهم و أطفالهم.
اللّهمّ و من أحللت به قضاءك منهم قبل وصول وطنه، و جرّعته كئوس المنون قبل ورود عطنه، فصلّ على محمد و آل محمد، و ارحم غربته، و صل وحدته، و آنس وحشته، بجوار نبيّك سيّد المرسلين، و أخيه عليّ أمير المؤمنين، و آلهما الأئمّة الطاهرين، برحمتك يا أرحم الراحمين.
اللّهمّ و أنا عبدك المسكين، الضارع المستكين، حططت رحلي بفنائك، و ألقيت كلّي على وليّك و ابن أوليائك، متّخذا حضرته الشريفة موطنا و منزلا، لا اريد منها بدلا، و لا ألقى عنها حولا، حين ذرفت السنّ على السبعين، و خلّفت الاخوان و الأهلين.
اللّهمّ فكما ختمت عمري بمجاورته، و أهّلتني للكون في حضرته، و جعلت لي عندك قدم صدق بملازمته، و أثبتّ اسمي في جرائد الموسومين بخدمته، و المخلصين في محبّته، ازيّن المنابر بذكر مناقبه و مناقب آبائه، و اسرّ المحاضر بنشر مراتبه و مراتب أبنائه، فصلّ على محمد و آل محمد، و اجعل حضرته الشريفة موطن حياتي و مماتي، و كفّر بملازمتها سيّئاتي، و ضاعف بمجاورتها حسناتي، و اجعل ثراها موضعا لقبري بعد وفاتي، و أحيني فيها سعيدا، و أمتني شهيدا، لا مغيّرا و لا مبدّلا، و لا ضالّا و لا مضلّا، بل مستمسكا بعروتك الوثقى، سالكا طريقة نبيّك المصطفى، و أخيه وليّك المرتضى، و آلهما الأئمّة النجباء، إنّك على كلّ شيء قدير، و بالإجابة جدير.
فصل [في فضل زيارته، و الهجرة إلى بقعته، و الاستشفاء بتربته، و إجابة الدعاء تحت قبّته عليه السلام]
و أمّا فضل زيارته عليه السلام، و الهجرة إلى بقعته، و الاستشفاء بتربته، و إجابة الدعاء تحت قبّته، فلا يحصرها حدّ، و لا يستوفيها عدّ، و قد صنّف الشيخ الجليل أبو القاسم جعفر بن محمد بن قولويه 3420 القمّي رضي اللّه عنه في ذلك خاصّة كتابا سمّاه ب «كامل الزيارات»، مشتملا على فضل زيارته عليه السلام، و فضل الصلاة عنده.
و روى رضي اللّه عنه في ذلك روايات و أخبارا و كرامات كثيرة، و كذلك غيره من فقهاء الشيعة و أبرارهم، كالشيخ الفقيه أبي جعفر الطوسي رضي اللّه عنه، و الشيخ عماد الدين أبي جعفر محمد بن عليّ بن الحسين بن بابويه القمّي رضي اللّه عنهم أجمعين 3421 .
و سأورد نبذة ممّا رووه رضي اللّه عنهم و أوردوه في فضل زيارته، من
الأحاديث الصحيحة، و الروايات الصريحة، التقطتها من كتبهم.
ذلك ما رواه الشيخ أبو جعفر بن بابويه 3422 رضي اللّه عنه: [أبي رحمه اللّه] 3423 قال: حدّثنا سعد بن عبد اللّه، عن محمد بن الحسين بن أبي الخطّاب، عن محمد بن إسماعيل، عن الخيبري 3424 ، عن الحسين بن محمد القمّي، عن أبي الحسن الرضا عليه السلام، قال: من زار قبر الحسين أبي عبد اللّه عليه السلام بشاطئ الفرات كان كمن زار اللّه فوق عرشه 3425 3426 .
قال شيخنا الشيخ الشهيد محمد بن مكّي رضي اللّه عنه في دروسه- عند ذكر هذا الحديث-: هو كناية عن كثرة الثواب و الإجلال، بمثابة من رفعه اللّه إلى سمائه، و أدناه من عرشه، و أراه من خاصّة ملكه ما يكون به توكيد كرامته 3427 .
و روى أيضا رضي اللّه عنه في دروسه أنّ زيارته فرض على كلّ مؤمن، و أنّ تركها ترك حقّ للّه و لرسوله، و أنّ تركها عقوق رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، و إنقاص في الإيمان و الدين، و أنّه حقّ على الغنيّ زيارته في السنة مرّتين، و الفقير في السنة مرّة، و أنّه من أتى عليه حول و لم يأت قبره نقص من عمره حول، و أنّها تطيل العمر، و أنّ أيّام زيارته لا تعدّ من الأجل، و تفرّج الغمّ،
و تمحّص الذنوب، و بكلّ خطوة حجّة مبرورة، و له بزيارته عتق ألف نسمة، و حمل على ألف فرس في سبيل اللّه، و له بكلّ درهم أنفقه عشرة آلاف درهم، و أنّ من أتى قبره عارفا بحقّه غفر اللّه له ما تقدّم من ذنبه و ما تأخّر.
و أنّ زيارته يوم عرفة مع المعرفة بحقّه بألف ألف حجّة و ألف ألف عمرة متقبّلات، و ألف غزوة مع نبيّ أو إمام.
و زيارته أوّل رجب مغفرة للذنب البتّة، و نصف شعبان يصافحه مائة 3428 ألف نبيّ و عشرون ألف نبيّ، و ليلة القدر مغفرة للذنب، و أنّ الجمع بين زيارته في سنة واحدة ليلة عرفة و الفطر و ليلة النصف من شعبان بثواب ألف حجّة مبرورة، و ألف عمرة متقبّلة، و قضاء ألف حاجة للدنيا و الآخرة.
و زيارته في العشرين من صفر من علامات المؤمن، و زيارته في كلّ شهر ثوابها ثواب مائة ألف شهيد من شهداء بدر 3429 .
و قال رضي اللّه عنه أيضا في دروسه: روى المفضّل بن عمر، عن الصادق عليه السلام في الصلاة عنده كلّ ركعة بألف حجّة، و ألف عمرة، و عتق ألف رقبة، و ألف وقفة في سبيل اللّه مع نبيّ مرسل 3430 .