کتابخانه روایات شیعه
أنه سبحانه ملك و مالك لكل الأشياء في كل الأوقات لتعظيم ذلك اليوم و لأن الملك و الملك حاصلين لبعض الناس في هذه النشأة بحسب الظاهر يزولان و يبطلان في ذلك اليوم بطلانا بينا و ينفرد جل شأنه بهما انفرادا ظاهرا على كل أحد و في ذكر هذه الصفات بعد اسم الذات الدال على استجماع صفات الكمال إشارة إلى أن من يحمده الناس و يعظمونه إنما يكون حمدهم و تعظيمهم له لأحد أمور أربعة إما لأنهم يرجون الفوز في الاستقبال بجزيل إحسانه و جليل امتنانه و إما لأنهم يخافون من قهره و كمال قدرته و سطوته فكأنه جل و علا يقول يا أيها الناس إن كنتم تحمدون و تعظمون للكمال الذاتي و الصفاتي فإني أنا الله و إن كان للإحسان و التربية فأنا رب العالمين و إن كان للرجاء و الطمع في المستقبل 328 [للمستقبل] فأنا الرحمن الرحيم و إن كان للخوف من كمال القدرة و السطوة فأنا مالك يوم الدين إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَ إِيَّاكَ نَسْتَعِينُ العبادة أعلى مراتب الخضوع و التذلل و لذلك لا يليق بها إلا من هو مول لأعلى النعم-
و أعظمها من الوجود و الحياة و توابعها و الاستعانة طلب المعونة على الفعل و المراد هنا طلب المعونة في المهمات بأسرها أو في أداء العبادات و القيام بوظائفها من الإخلاص التام و حضور القلب و في الآية الكريمة أمور خمسة لا بد من بيان النكتة في كل منها أولها تقديم العبادة على الاستعانة و ثانيها تقديم المعمول على العامل و ثالثها تكرير لفظة إياك و رابعها إيثار صيغة المتكلم مع الغير على المتكلم وحده و خامسها الالتفات من الغيبة إلى الخطاب فنقول أما تقديم العبادة على الاستعانة فلعل النكتة فيه أمور سبعة الأول رعاية توافق الفواصل كلها في متلو الحرف الأخير و هذه النكتة إنما يستقيم على ما هو الأصح من كون البسملة آية من الفاتحة 329 الثاني أن العبادة مطلوبة سبحانه من العباد و الإعانة مطلوبهم منه فناسب تقديم مطلوبه تعالى على مطلوبهم الثالث أن العبادة أشد مناسبة لما ينبئ عن الجزاء و الاستعانة أقوى
اتصالا بطلب الهداية فناسب إيلاء كل ما يناسبه الرابع أن المعونة التامة ثمرة العبادة كما يظهر من الحديث القدسي-
مَا يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَ 330 مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ وَ إِنَّهُ لَيَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ لَهُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ وَ بَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ وَ يَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا الْحَدِيثَ.
الخامس أن التخصيص بالعبادة أول ما يحصل به الإسلام و أما التخصيص بالاستعانة فإنما يحصل بعد الرسوخ التام في الدين فهو أحق بالتأخير السادس أن العباد وسيلة إلى حصول الحاجة التي هي المعونة و تقديم الوسيلة على طلب الحاجة أدعى إلى الإجابة السابع أن المتكلم لما نسب إلى نفسه العبادة كان في ذلك نوع تبجح و اعتداد بما يصدر عنه فعقبه بقوله وَ إِيَّاكَ نَسْتَعِينُ يعني أن العبادة أيضا لا تتم و لا تستتب إلا بمعونتك و توفيقك و أما تقديم مفعولي العبادة و الاستعانة عليهما فلعل النكتة فيه أمور ثلاثة الأول قصرهما عليه سبحانه قصرا حقيقيا أو إضافيا إفراديا الثاني تقديم ما هو مقدم في الوجود-
الثالث الإيماء إلى أن العابد و المستعين ينبغي أن يكون مطمح نظرهما أولا و بالذات هو الحق سبحانه على وتيرة ما رأيت شيئا إلا رأيت الله قبله ثم منه إلى أنفسهم لا من حيث ذواتها بل من حيث إنها ملاحظة له عز و جل و منتسبة إليه ثم إلى أعمالهم من العبادة و نحوها لا من حيث صدورها عنهم بل من حيث إنها نسبة شريفة و وصلة لطيفة بينهم و بينه جل شأنه و أما تكرير الضمير فلعل النكتة فيه أمور أربعة الأول التنصيص على التخصيص بالاستعانة و إلا لاحتمل تقدير مفعولها مؤخرا فيفوت التنصيص الثاني رفع ما يتوهم من أن التخصيص إنما هو بمجموع الأمرين لا بكل واحد منهما الثالث الاستلذاذ بالخطاب الرابع بسط الكلام مع المحبوب كما في قول موسى على نبينا و عليه السلام هِيَ عَصايَ أَتَوَكَّؤُا عَلَيْها الآية و الفرق بين الأخيرين جريان الثاني في ضمير الغيبة دون الأول و أما إيثار صيغة المتكلم مع الغير على المتكلم وحده فلعل النكتة فيه أمور أربعة الأول الإرشاد إلى ملاحظة القارئ دخول الحفظة أو حضار صلاة الجماعة أو جميع حواسه و قواه الظاهرة و الباطنة أو جميع ما حوله دائرة الإمكان-
و اتسم بسمة 331 الوجود كما قال سبحانه وَ إِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ الثاني الإيذان بحقارة نفسه عن عرض العبادة منفردا و طلب الإعانة مستقلا من دون الانضمام و الدخول في جملة جماعة يشاركونه في عرض العبادة على باب العظمة و الكبرياء كما هو الدأب في عرض الهدايا على الملوك و رفع الحوائج إليهم الثالث أن في خطابنا له عز و علا بأن خضوعنا التام و استعانتنا في المهام منحصران فيه سبحانه مع خضوعنا الكامل لأهل الدنيا من الملوك و الوزراء و من يحذو حذوهم جرأة عظيمة و جسارة ظاهرة فعدل في الفعلين عن الإفراد إلى الجمع لأنه يمكن أن يقصد حينئذ تغليب الأصفياء الخلص على غيرهم فيحترز بذلك عن الكذب الظاهر و التهور الشنيع الرابع أن هنا مسألة فقهية هي أن من باع أمتعة مختلفة صفقة واحدة و كان بعضها معيبا فإن المشتري لا يصح أن يقبل الصحيح و يرد المعيب بل إما يقبل الجميع أو يرد الجميع فكأن العابد أراد أن يحتال لقبول عبادته الناقصة المعيبة و يتوصل إلى نجاح حاجته فأدرج عبادته الناقصة المعيبة في عبادات غيره
من الأولياء و المقربين و عرض الجميع صفقة واحدة على حضرة ذي الجود و الإفضال فهو عز شأنه أجل من أن يرد المعيب و يقبل الصحيح كيف و قد نهى عباده عن تبعيض الصفقة و لا يليق بكرمه رد الجميع فلم يبق إلا قبول الكل و فيه المطلوب و أما الالتفات من الغيبة إلى الخطاب فقد ذكرت له في تفسيري الموسوم بالعروة الوثقى أربع عشرة نكتة و اقتصر هنا على ست نكات الأولى التنبيه على أن القراءة ينبغي أن تكون عن قلب حاضر و توجه كامل بحيث كلما أجرى القارئ اسما من تلك الأسماء العليا و النعوت العظمى على لسانه أو نقشه على صفحة جنانه حصل للمطلوب مزيد انكشاف و انجلاء و أحس هو بتزايد قرب و اعتلاء و هكذا شيئا فشيئا إلى أن يترقى من مرتبة البرهان إلى درجة الحضور و العيان فيستدعي المقام حينئذ العدول إلى صيغة الخطاب و الجري على هذا النمط المستطاب الثانية أن من بيده هدية حقيرة معيبة و أراد أن يهديها إلى ملك عظيم و يجعلها وسيلة إلى نجاح حاجته فإن عرضها بالمواجهة و طلب منه حاجته بالمشافهة كان ذلك أقرب إلى قبول الهدية و نجاح الحاجة من العرض بدون
المواجهة فإن في رد الهدية في وجه المهدي لها كسرا عظيما لخاطره و أما ردها في الغيبة فليس بهذه المثابة الثالثة الإشارة إلى أن حق الكلام أن يجري من أول الأمر على طريق 332 [سبيل] الخطاب لأنه سبحانه حاضر لا يغيب بل هو أقرب مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ و لكنه إنما جرى على طريق الغيبة و البعد عن مقام القرب و الحضور رعاية لقانون الأدب الذي هو دأب السالكين و شعار العاشقين كما قيل طريق 333 [طرق] العشق كلها آداب فلما حصل القيام بهذه الوظيفة جرى الكلام على ما كان حقه أن يجري عليه في ابتداء الذكر-
فَفِي الْحَدِيثِ الْقُدْسِيِ أَنَا جَلِيسُ مَنْ ذَكَرَنِي.