کتابخانه روایات شیعه
الثالث الإيماء إلى أن العابد و المستعين ينبغي أن يكون مطمح نظرهما أولا و بالذات هو الحق سبحانه على وتيرة ما رأيت شيئا إلا رأيت الله قبله ثم منه إلى أنفسهم لا من حيث ذواتها بل من حيث إنها ملاحظة له عز و جل و منتسبة إليه ثم إلى أعمالهم من العبادة و نحوها لا من حيث صدورها عنهم بل من حيث إنها نسبة شريفة و وصلة لطيفة بينهم و بينه جل شأنه و أما تكرير الضمير فلعل النكتة فيه أمور أربعة الأول التنصيص على التخصيص بالاستعانة و إلا لاحتمل تقدير مفعولها مؤخرا فيفوت التنصيص الثاني رفع ما يتوهم من أن التخصيص إنما هو بمجموع الأمرين لا بكل واحد منهما الثالث الاستلذاذ بالخطاب الرابع بسط الكلام مع المحبوب كما في قول موسى على نبينا و عليه السلام هِيَ عَصايَ أَتَوَكَّؤُا عَلَيْها الآية و الفرق بين الأخيرين جريان الثاني في ضمير الغيبة دون الأول و أما إيثار صيغة المتكلم مع الغير على المتكلم وحده فلعل النكتة فيه أمور أربعة الأول الإرشاد إلى ملاحظة القارئ دخول الحفظة أو حضار صلاة الجماعة أو جميع حواسه و قواه الظاهرة و الباطنة أو جميع ما حوله دائرة الإمكان-
و اتسم بسمة 331 الوجود كما قال سبحانه وَ إِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ الثاني الإيذان بحقارة نفسه عن عرض العبادة منفردا و طلب الإعانة مستقلا من دون الانضمام و الدخول في جملة جماعة يشاركونه في عرض العبادة على باب العظمة و الكبرياء كما هو الدأب في عرض الهدايا على الملوك و رفع الحوائج إليهم الثالث أن في خطابنا له عز و علا بأن خضوعنا التام و استعانتنا في المهام منحصران فيه سبحانه مع خضوعنا الكامل لأهل الدنيا من الملوك و الوزراء و من يحذو حذوهم جرأة عظيمة و جسارة ظاهرة فعدل في الفعلين عن الإفراد إلى الجمع لأنه يمكن أن يقصد حينئذ تغليب الأصفياء الخلص على غيرهم فيحترز بذلك عن الكذب الظاهر و التهور الشنيع الرابع أن هنا مسألة فقهية هي أن من باع أمتعة مختلفة صفقة واحدة و كان بعضها معيبا فإن المشتري لا يصح أن يقبل الصحيح و يرد المعيب بل إما يقبل الجميع أو يرد الجميع فكأن العابد أراد أن يحتال لقبول عبادته الناقصة المعيبة و يتوصل إلى نجاح حاجته فأدرج عبادته الناقصة المعيبة في عبادات غيره
من الأولياء و المقربين و عرض الجميع صفقة واحدة على حضرة ذي الجود و الإفضال فهو عز شأنه أجل من أن يرد المعيب و يقبل الصحيح كيف و قد نهى عباده عن تبعيض الصفقة و لا يليق بكرمه رد الجميع فلم يبق إلا قبول الكل و فيه المطلوب و أما الالتفات من الغيبة إلى الخطاب فقد ذكرت له في تفسيري الموسوم بالعروة الوثقى أربع عشرة نكتة و اقتصر هنا على ست نكات الأولى التنبيه على أن القراءة ينبغي أن تكون عن قلب حاضر و توجه كامل بحيث كلما أجرى القارئ اسما من تلك الأسماء العليا و النعوت العظمى على لسانه أو نقشه على صفحة جنانه حصل للمطلوب مزيد انكشاف و انجلاء و أحس هو بتزايد قرب و اعتلاء و هكذا شيئا فشيئا إلى أن يترقى من مرتبة البرهان إلى درجة الحضور و العيان فيستدعي المقام حينئذ العدول إلى صيغة الخطاب و الجري على هذا النمط المستطاب الثانية أن من بيده هدية حقيرة معيبة و أراد أن يهديها إلى ملك عظيم و يجعلها وسيلة إلى نجاح حاجته فإن عرضها بالمواجهة و طلب منه حاجته بالمشافهة كان ذلك أقرب إلى قبول الهدية و نجاح الحاجة من العرض بدون
المواجهة فإن في رد الهدية في وجه المهدي لها كسرا عظيما لخاطره و أما ردها في الغيبة فليس بهذه المثابة الثالثة الإشارة إلى أن حق الكلام أن يجري من أول الأمر على طريق 332 [سبيل] الخطاب لأنه سبحانه حاضر لا يغيب بل هو أقرب مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ و لكنه إنما جرى على طريق الغيبة و البعد عن مقام القرب و الحضور رعاية لقانون الأدب الذي هو دأب السالكين و شعار العاشقين كما قيل طريق 333 [طرق] العشق كلها آداب فلما حصل القيام بهذه الوظيفة جرى الكلام على ما كان حقه أن يجري عليه في ابتداء الذكر-
فَفِي الْحَدِيثِ الْقُدْسِيِ أَنَا جَلِيسُ مَنْ ذَكَرَنِي.
الرابعة التنبيه على علو مرتبة القرآن المجيد و سيما آياته المتضمنة لذكر الله عز شأنه و الإرشاد 334 [و الإشارة] إلى أن العبد بإجراء هذا القدر منه على لسانه و نقشه على صفحة جنانه يصير أهلا لمجلس الخطاب فائزا بسعادة الحضور و الاقتراب فكيف لو لازم وظائف الأذكار و واظب على تلاوته و تدبر معانيه
بالليل و النهار فلا ريب في ارتفاع الحجب من البين و الوصول من الأثر إلى العين-
وَ قَدْ رُوِيَ عَنِ الْإِمَامِ جَعْفَرٍ الصَّادِقِ ع أَنَّهُ قَالَ: لَقَدْ تَجَلَّى اللَّهُ لِعِبَادِهِ فِي كَلَامِهِ وَ لَكِنْ لَا يُبْصِرُونَ.
وَ رُوِيَ أَنَّهُ ع كَانَ يُصَلِّي فِي بَعْضِ الْأَيَّامِ فَخَرَّ مَغْشِيّاً عَلَيْهِ فِي أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ فَسُئِلَ بَعْدَهَا عَنْ سَبَبِ غَشْيَتِهِ فَقَالَ مَا زِلْتُ أُرَدِّدُ هَذِهِ الْآيَةَ حَتَّى سَمِعْتُهَا مِنْ قَائِلِهَا.
قال بعض العارفين عن لسان جعفر الصادق ع كان في ذلك الوقت كشجرة الطور عند قوله إِنِّي أَنَا اللَّهُ و ما أحسن قول الشيخ الشبستري بالفارسية نظما-
روا باشد أَنَا اللَّهُ از درختى
چرا نبود روا از نيكبختى .
الخامسة أن العبادة لما كان فيها كلفة و مشقة و من دأب المحب أن يتحمل من المشاق العظيمة في حضور المحبوب ما لا يتحمل عشر عشره في غيبته بل لا يحصل له بسبب عز حضوره إلا غاية الابتهاج و نهاية السرور قرن سبحانه العبادة بما يشعر بحضوره و نظره سبحانه إلى العابد ليحصل بذلك تدارك ما فيها من الكلفة و ينجبر به ما يلزمها من المشقة و يأتي بها العابد عارية عن الكلال خالية عن الفتور
و الملال مقرونة 335 [بما فيه] بتمام النشاط و نهاية الانبساط السادسة أن الحمد كما قاله المحققون 336 [من المفسرين] إظهار مزايا المحمود على الغير فما دام للأغيار وجود في نظر السالك فهو يظهر كمالات المحبوب عليهم و يذكر مزاياه لديهم و أما إذا آل أمره و ترقى حاله بسبب ملازمة الأذكار و ملاحظة الآثار إلى ارتفاع الأستار و اضمحلال جميع الأغيار لم يبق سوى المعبود بالحق و الجمال المطلق و عرف حقيقة قوله تعالى فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ فبالضرورة لا يصير توجيه الخطاب إلا إليه و لم يكن 337 [يمكن] ذكر الشيء إلا لديه فينصرف عنان لسانه 338 [لا] نحو عز جنابه و يصير كلامه منحصرا في خطابه و فوق هذا المقام مقام لا يفي بتقريره الكلام و لا يقدر على تحريره ألسنة الأقلام بل لا يزيده الكشف إلا سترا و خفاء و لا يورثه البيان إلا غموضا و اعتلاء-
و إن قميصا خيط من نسج تسعة
و عشرين حرفا عن معاليه 339 [ معانيه] قاصر
اللهم اكشف عن بصائرنا الغواشي الجسمانية و اصرف عن ضمائرنا النواشي الهيولانية حتى لا نطمح إلى ما سواك بنظر و لا نحس منه بعين و لا أثر إنك جواد كريم رءوف رحيم اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ الهداية مطلق الإرشاد و الدلالة بلطف سواء كان معها وصول إلى البغية أم لا- و سواء تعدت إلى ثاني المفعولين بنفسها أو بالحرف و قيل إن تعدت به فكذلك أو بنفسها فموصلة و قيل بل هي موصلة مطلقا و يدفعهما قوله تعالى وَ هَدَيْناهُ النَّجْدَيْنِ إذ لا امتنان في الإيصال إلى طريق الشر و يدفع الأول بقوله تعالى فَاسْتَحَبُّوا الْعَمى عَلَى الْهُدى .