کتابخانه روایات شیعه
المواجهة فإن في رد الهدية في وجه المهدي لها كسرا عظيما لخاطره و أما ردها في الغيبة فليس بهذه المثابة الثالثة الإشارة إلى أن حق الكلام أن يجري من أول الأمر على طريق 332 [سبيل] الخطاب لأنه سبحانه حاضر لا يغيب بل هو أقرب مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ و لكنه إنما جرى على طريق الغيبة و البعد عن مقام القرب و الحضور رعاية لقانون الأدب الذي هو دأب السالكين و شعار العاشقين كما قيل طريق 333 [طرق] العشق كلها آداب فلما حصل القيام بهذه الوظيفة جرى الكلام على ما كان حقه أن يجري عليه في ابتداء الذكر-
فَفِي الْحَدِيثِ الْقُدْسِيِ أَنَا جَلِيسُ مَنْ ذَكَرَنِي.
الرابعة التنبيه على علو مرتبة القرآن المجيد و سيما آياته المتضمنة لذكر الله عز شأنه و الإرشاد 334 [و الإشارة] إلى أن العبد بإجراء هذا القدر منه على لسانه و نقشه على صفحة جنانه يصير أهلا لمجلس الخطاب فائزا بسعادة الحضور و الاقتراب فكيف لو لازم وظائف الأذكار و واظب على تلاوته و تدبر معانيه
بالليل و النهار فلا ريب في ارتفاع الحجب من البين و الوصول من الأثر إلى العين-
وَ قَدْ رُوِيَ عَنِ الْإِمَامِ جَعْفَرٍ الصَّادِقِ ع أَنَّهُ قَالَ: لَقَدْ تَجَلَّى اللَّهُ لِعِبَادِهِ فِي كَلَامِهِ وَ لَكِنْ لَا يُبْصِرُونَ.
وَ رُوِيَ أَنَّهُ ع كَانَ يُصَلِّي فِي بَعْضِ الْأَيَّامِ فَخَرَّ مَغْشِيّاً عَلَيْهِ فِي أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ فَسُئِلَ بَعْدَهَا عَنْ سَبَبِ غَشْيَتِهِ فَقَالَ مَا زِلْتُ أُرَدِّدُ هَذِهِ الْآيَةَ حَتَّى سَمِعْتُهَا مِنْ قَائِلِهَا.
قال بعض العارفين عن لسان جعفر الصادق ع كان في ذلك الوقت كشجرة الطور عند قوله إِنِّي أَنَا اللَّهُ و ما أحسن قول الشيخ الشبستري بالفارسية نظما-
روا باشد أَنَا اللَّهُ از درختى
چرا نبود روا از نيكبختى .
الخامسة أن العبادة لما كان فيها كلفة و مشقة و من دأب المحب أن يتحمل من المشاق العظيمة في حضور المحبوب ما لا يتحمل عشر عشره في غيبته بل لا يحصل له بسبب عز حضوره إلا غاية الابتهاج و نهاية السرور قرن سبحانه العبادة بما يشعر بحضوره و نظره سبحانه إلى العابد ليحصل بذلك تدارك ما فيها من الكلفة و ينجبر به ما يلزمها من المشقة و يأتي بها العابد عارية عن الكلال خالية عن الفتور
و الملال مقرونة 335 [بما فيه] بتمام النشاط و نهاية الانبساط السادسة أن الحمد كما قاله المحققون 336 [من المفسرين] إظهار مزايا المحمود على الغير فما دام للأغيار وجود في نظر السالك فهو يظهر كمالات المحبوب عليهم و يذكر مزاياه لديهم و أما إذا آل أمره و ترقى حاله بسبب ملازمة الأذكار و ملاحظة الآثار إلى ارتفاع الأستار و اضمحلال جميع الأغيار لم يبق سوى المعبود بالحق و الجمال المطلق و عرف حقيقة قوله تعالى فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ فبالضرورة لا يصير توجيه الخطاب إلا إليه و لم يكن 337 [يمكن] ذكر الشيء إلا لديه فينصرف عنان لسانه 338 [لا] نحو عز جنابه و يصير كلامه منحصرا في خطابه و فوق هذا المقام مقام لا يفي بتقريره الكلام و لا يقدر على تحريره ألسنة الأقلام بل لا يزيده الكشف إلا سترا و خفاء و لا يورثه البيان إلا غموضا و اعتلاء-
و إن قميصا خيط من نسج تسعة
و عشرين حرفا عن معاليه 339 [ معانيه] قاصر
اللهم اكشف عن بصائرنا الغواشي الجسمانية و اصرف عن ضمائرنا النواشي الهيولانية حتى لا نطمح إلى ما سواك بنظر و لا نحس منه بعين و لا أثر إنك جواد كريم رءوف رحيم اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ الهداية مطلق الإرشاد و الدلالة بلطف سواء كان معها وصول إلى البغية أم لا- و سواء تعدت إلى ثاني المفعولين بنفسها أو بالحرف و قيل إن تعدت به فكذلك أو بنفسها فموصلة و قيل بل هي موصلة مطلقا و يدفعهما قوله تعالى وَ هَدَيْناهُ النَّجْدَيْنِ إذ لا امتنان في الإيصال إلى طريق الشر و يدفع الأول بقوله تعالى فَاسْتَحَبُّوا الْعَمى عَلَى الْهُدى .
و أما قوله تعالى شأنه إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ فأخص من مطلوبهم و اعلم أن أصناف هدايته عز 340 [جل] شأنه-
و إن كانت مما لا يحصر مقداره 341 [مقدارها] و لا يقدر انحصاره إلا أنها على أربعة أنحاء الأول الهداية إلى جلب المنافع و دفع المضار بإفاضة المشاعر الظاهرة و المدارك الباطنة و القوة العاقلة و إليه يشير قوله تعالى أَعْطى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدى .
الثاني نصب الدلائل العقلية الفارقة بين الحق و الباطل و الصلاح و الفساد و إليه يشير قوله عز و علا وَ هَدَيْناهُ النَّجْدَيْنِ .
الثالث الهداية بإرسال الرسل و إنزال الكتب و إليه يومئ قوله تعالى وَ أَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْناهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمى عَلَى الْهُدى .
الرابع الهداية إلى طريق السير إلى حضائر القدس و السلوك إلى مقامات الأنس بانطماس آثار التعلقات البدنية و اندراس أكدار الجلابيب الجسمية و الاستغراق في ملاحظة أسرار الكمال و مطالعة أنوار الجمال و هذا النوع من الهداية يختص به الأولياء و من يحذو حذوهم فإذا تلا هذه الآية
أصحاب المرتبة الثالثة أرادوا بالهداية المرتبة الرابعة و إن تلاها أصحاب المرتبة الرابعة أرادوا الثبات على ما هم عليه من الهدى كما روي عن أمير المؤمنين ع من تفسير اهْدِنَا بثبتنا أو زيادته و الهداية على الأول مجاز و كذا على الثاني إن اعتبر مفهوم الزيادة داخلا في المعنى المستعمل فيه و إلا فحقيقة و الصِّراطَ الجادة كأنها تسترط السابلة أو هم يسترطونه 342 [يسترطونها] و قراءة ابن كثير بالسين و من عدا حمزة بالصاد و هو بإشمامها صوت الزاي و المراد بالصراط المستقيم إما مطلق طريق الحق أو دين الإسلام صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَ لَا الضَّالِّينَ هذه بأجمعها آية واحدة عند من يعد البسملة آية من الفاتحة و هم علماؤنا و من وافقهم من بقية الفرق و أما من لا يعدها آية منها فهو يعد صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ آية سادسة و ما بعدها آية سابعة و ذلك أن الأمة متوافقون على أن الفاتحة سبع آيات فمن نذر قراءة آية من الفاتحة لا يبر 343 [يبرأ] عندنا بقراءة صِراطَ
الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ كما لا يبر عندهم بقراءة البسملة و هذه الآية كالتفسير للصراط المستقيم و صِراطَ بدل كل منه و المراد بالذين أنعمت عليهم هم المذكورون في قوله تعالى فَأُولئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَ الصِّدِّيقِينَ وَ الشُّهَداءِ وَ الصَّالِحِينَ و قيل المراد بهم المسلمون فإن نعمة الإسلام رأس جميع النعم.