کتابخانه روایات شیعه
إِنْ هذا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ و قال اللّه تبارك و تعالى: وَ لَوْ أَنَّنا نَزَّلْنا إِلَيْهِمُ الْمَلائِكَةَ وَ كَلَّمَهُمُ الْمَوْتى وَ حَشَرْنا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلًا ما كانُوا لِيُؤْمِنُوا إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ وَ لكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ و قال عزّ من قائل: وَ لَوْ فَتَحْنا عَلَيْهِمْ باباً مِنَ السَّماءِ فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ لَقالُوا إِنَّما سُكِّرَتْ أَبْصارُنا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُونَ فإذا كان من النّاس من ينكر العلم الضّروريّ لسبب ما يصارمه من شبهة لا سند لها، و شهوة نفس و غلبة هوى و تقليد أب و أمّ و غير ذلك ممّا لا يغني عن الحقّ شيئا، و ذلك لا يخرج الدّليل البرهانيّ عن كونه مفيدا للعلم، بل الحقّ الصّحيح أنّ هذه الرّوايات المتّفق على نقلها المؤالف و المخالف مفيدة للعلم، مع إجماع الإماميّة على صحّة مضمونها فهي سند لإجماعهم مع دخول المعصوم في جملتهم كما حقّق في الأصول.
الإيراد الثّاني:
أنّ بعض رجال هذه الرّوايات غير معلوم توثيقه.
الجواب: أنّ الخبر المتواتر لا يشترط فيه عدالة النّاقلين، بل و لا إسلامهم كما قرّر في الأصول بل هو إخبار جماعة يؤمن تواطؤهم على الكذب، و يمنع العقل اجتماعهم على الكذب و على هذا فالعلم حاصل من هذه الأخبار لمن أنصف و لم يصدّ عن الحقّ فيتعسّف.
الإيراد الثالث:
أنّ بعض نقلة هذه الرّوايات منهم القائل بإمامة أبي بكر و عمر و عثمان و منهم الزّيديّة و الرّافضيّة فلم لم يعملوا بها بل خالفوها؟
الجواب: و باللّه نستعين: أنّ المكلّف قد فهم من اللّه سبحانه و تعالى أمرين علما و عملا، و أوجب المكلّف على نفسه ذلك، و أحدهما لا يستلزم الآخر في الخارج فجاز أن يحصل لهم العلم و لا يحصل منهم العمل بموجب ذلك العلم، فليس
ينكر الخصم ذلك، و يجوز أن يكون هؤلاء النّاقلون عالمين بما توجبه هذه الرّوايات، و تأخير العمل بسبب ما من الأسباب، و قد حكى اللّه عزّ و جلّ عمّن حكى عنه في قوله عزّ و جلّ: وَ لَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَراهُ ما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ وَ لَبِئْسَ ما شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ حيث لم يعملوا بموجب العلم، فهؤلاء عالمون غير عاملين و قال سبحانه فَلَمَّا جاءَهُمْ ما عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكافِرِينَ فهؤلاء أيضا عالمون غير عاملين، و تخلّف العمل عن العلم غير منكور فيما عدا المعصوم و قد يكون المكلّف عاملا غير عالم، فمن ذلك بدع أبي بكر و عمر و عثمان، و قد ذكر سليم بن قيس الهلاليّ من بدع الأوّلين شيئا كثيرا عن أمير المؤمنين عليه السّلام، و قد صنّف بعض العلماء كتابا في بدع الثّلاثة، فمن أسّس البدع و عمل بها من قلّدهم فهؤلاء عاملون غير عالمين.
قال سليم في كتابه في حديث طويل عن سيّد الوصيّين أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السّلام ثمّ قال: أقبل بوجهه يعني عليّا عليه السّلام على النّاس من أهل بيته و شيعته فقال: و اللّه لقد عملت الأمّة قبلي بأمور عظيمة خالفوا فيها رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله متعمّدين، لو حملت النّاس على تركها عن موضعها إلى ما كانت تجري على عهد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله لتفرّق عنّي جندي حتّى لا يبقى في عسكري غيري و قليل من شيعتي الّذين عرفوا فضلي من كتاب اللّه و سنّة نبيّه صلّى اللّه عليه و آله، أرأيتم لو أمرت بمقام إبراهيم ثمّ رددته إلى المكان الّذي وضعه فيه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، و رددت فدكا إلى ورثة فاطمة عليها السّلام و رددت صاع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و مدّه إلى ما كان، و أمضيت قطايع أقطعها رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله لأهلها، و رددت دار جعفر بن أبي طالب إلى ورثته و هدمتها من المسجد، و رددت ما قسّم من أرض خيبر، و محوت ديوان الأعطية و أعطيته
كما كان يعطي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و لم أجعله دولة، و لو أمرت النّاس لا يجتمعون في شهر رمضان إلّا في فريضة، و غير ذلك من بدعهم يطول الكتاب بذكرها 524 .
قلت: و المصيبة الكبرى و الدّاهية العظمى تقديمهم الثّلاثة على أمير المؤمنين عليه السّلام المنصوص عليه من اللّه سبحانه و تعالى و من رسوله صلّى اللّه عليه و آله بالإمامة و الإمارة و الولاية و الخلافة و الوصيّة، و لا سيّما غدير خمّ الّذي وقع فيه النّصّ من اللّه سبحانه، و اختاروا لأنفسهم غير ما اختاره اللّه تعالى و رسوله صلّى اللّه عليه و آله كما هو قولهم:
إنّ تقديم أبي بكر من اختيار النّاس لا بنصّ من اللّه تعالى و لا من رسوله، و اللّه سبحانه يقول في كتابه العزيز: وَ رَبُّكَ يَخْلُقُ ما يَشاءُ وَ يَخْتارُ ما كانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحانَ اللَّهِ وَ تَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ و قال تبارك و تعالى: وَ ما كانَ لِمُؤْمِنٍ
وَ لا مُؤْمِنَةٍ إِذا قَضَى اللَّهُ وَ رَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَ مَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالًا مُبِيناً و قال سبحانه: فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ و قال عزّ و جلّ من قائل: وَ مَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ و قال جلّ جلاله: وَ ما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَ ما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا و ترك العمل بعد العلم ليس بمنكر، لا ينكره عاقل فيما عدا المعصوم. و سبب ترك العمل بعد العلم، إمّا التّقيّة؛ لأنّ العلم محلّه الباطن و محلّ العمل الجوارح، فجاز التّقيّة في الثّاني، و إمّا لشبهة أو تأويل لموجب العلم و قال سبحانه و تعالى: وَ يُجادِلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالْباطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَ و قال أمير المؤمنين عليه السّلام: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:
رحم اللّه من سمع مقالة فوعاها ثمّ بلّغها غيره، فربّ حامل فقه لا فقه له، و ربّ
حامل فقه إلى من هو أفقه منه 525 .
فنقول هؤلاء المخالفون رووا ما يوافق رواياتنا و تركهم العمل بها على معتقدنا لا يطعن فيها و لا طعن علينا بالعمل بها؛ إذ لا طعن بذلك لجواز تركهم العمل بها طبق معتقدنا لأجل الأسباب الّتي ذكرنا، فالاستدلال على عدم العمل يجامع العلم و عدمه كما هو واضح، و العامّ لا يستلزم الخاصّ.
الإيراد الرّابع:
أنّ رواياتكم معارضة بالإجماع على إمامة من تقدّم على عليّ عليه السّلام.