کتابخانه روایات شیعه
الإيراد الثّاني:
أنّ بعض رجال هذه الرّوايات غير معلوم توثيقه.
الجواب: أنّ الخبر المتواتر لا يشترط فيه عدالة النّاقلين، بل و لا إسلامهم كما قرّر في الأصول بل هو إخبار جماعة يؤمن تواطؤهم على الكذب، و يمنع العقل اجتماعهم على الكذب و على هذا فالعلم حاصل من هذه الأخبار لمن أنصف و لم يصدّ عن الحقّ فيتعسّف.
الإيراد الثالث:
أنّ بعض نقلة هذه الرّوايات منهم القائل بإمامة أبي بكر و عمر و عثمان و منهم الزّيديّة و الرّافضيّة فلم لم يعملوا بها بل خالفوها؟
الجواب: و باللّه نستعين: أنّ المكلّف قد فهم من اللّه سبحانه و تعالى أمرين علما و عملا، و أوجب المكلّف على نفسه ذلك، و أحدهما لا يستلزم الآخر في الخارج فجاز أن يحصل لهم العلم و لا يحصل منهم العمل بموجب ذلك العلم، فليس
ينكر الخصم ذلك، و يجوز أن يكون هؤلاء النّاقلون عالمين بما توجبه هذه الرّوايات، و تأخير العمل بسبب ما من الأسباب، و قد حكى اللّه عزّ و جلّ عمّن حكى عنه في قوله عزّ و جلّ: وَ لَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَراهُ ما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ وَ لَبِئْسَ ما شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ حيث لم يعملوا بموجب العلم، فهؤلاء عالمون غير عاملين و قال سبحانه فَلَمَّا جاءَهُمْ ما عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكافِرِينَ فهؤلاء أيضا عالمون غير عاملين، و تخلّف العمل عن العلم غير منكور فيما عدا المعصوم و قد يكون المكلّف عاملا غير عالم، فمن ذلك بدع أبي بكر و عمر و عثمان، و قد ذكر سليم بن قيس الهلاليّ من بدع الأوّلين شيئا كثيرا عن أمير المؤمنين عليه السّلام، و قد صنّف بعض العلماء كتابا في بدع الثّلاثة، فمن أسّس البدع و عمل بها من قلّدهم فهؤلاء عاملون غير عالمين.
قال سليم في كتابه في حديث طويل عن سيّد الوصيّين أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السّلام ثمّ قال: أقبل بوجهه يعني عليّا عليه السّلام على النّاس من أهل بيته و شيعته فقال: و اللّه لقد عملت الأمّة قبلي بأمور عظيمة خالفوا فيها رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله متعمّدين، لو حملت النّاس على تركها عن موضعها إلى ما كانت تجري على عهد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله لتفرّق عنّي جندي حتّى لا يبقى في عسكري غيري و قليل من شيعتي الّذين عرفوا فضلي من كتاب اللّه و سنّة نبيّه صلّى اللّه عليه و آله، أرأيتم لو أمرت بمقام إبراهيم ثمّ رددته إلى المكان الّذي وضعه فيه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، و رددت فدكا إلى ورثة فاطمة عليها السّلام و رددت صاع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و مدّه إلى ما كان، و أمضيت قطايع أقطعها رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله لأهلها، و رددت دار جعفر بن أبي طالب إلى ورثته و هدمتها من المسجد، و رددت ما قسّم من أرض خيبر، و محوت ديوان الأعطية و أعطيته
كما كان يعطي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و لم أجعله دولة، و لو أمرت النّاس لا يجتمعون في شهر رمضان إلّا في فريضة، و غير ذلك من بدعهم يطول الكتاب بذكرها 524 .
قلت: و المصيبة الكبرى و الدّاهية العظمى تقديمهم الثّلاثة على أمير المؤمنين عليه السّلام المنصوص عليه من اللّه سبحانه و تعالى و من رسوله صلّى اللّه عليه و آله بالإمامة و الإمارة و الولاية و الخلافة و الوصيّة، و لا سيّما غدير خمّ الّذي وقع فيه النّصّ من اللّه سبحانه، و اختاروا لأنفسهم غير ما اختاره اللّه تعالى و رسوله صلّى اللّه عليه و آله كما هو قولهم:
إنّ تقديم أبي بكر من اختيار النّاس لا بنصّ من اللّه تعالى و لا من رسوله، و اللّه سبحانه يقول في كتابه العزيز: وَ رَبُّكَ يَخْلُقُ ما يَشاءُ وَ يَخْتارُ ما كانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحانَ اللَّهِ وَ تَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ و قال تبارك و تعالى: وَ ما كانَ لِمُؤْمِنٍ
وَ لا مُؤْمِنَةٍ إِذا قَضَى اللَّهُ وَ رَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَ مَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالًا مُبِيناً و قال سبحانه: فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ و قال عزّ و جلّ من قائل: وَ مَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ و قال جلّ جلاله: وَ ما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَ ما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا و ترك العمل بعد العلم ليس بمنكر، لا ينكره عاقل فيما عدا المعصوم. و سبب ترك العمل بعد العلم، إمّا التّقيّة؛ لأنّ العلم محلّه الباطن و محلّ العمل الجوارح، فجاز التّقيّة في الثّاني، و إمّا لشبهة أو تأويل لموجب العلم و قال سبحانه و تعالى: وَ يُجادِلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالْباطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَ و قال أمير المؤمنين عليه السّلام: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:
رحم اللّه من سمع مقالة فوعاها ثمّ بلّغها غيره، فربّ حامل فقه لا فقه له، و ربّ
حامل فقه إلى من هو أفقه منه 525 .
فنقول هؤلاء المخالفون رووا ما يوافق رواياتنا و تركهم العمل بها على معتقدنا لا يطعن فيها و لا طعن علينا بالعمل بها؛ إذ لا طعن بذلك لجواز تركهم العمل بها طبق معتقدنا لأجل الأسباب الّتي ذكرنا، فالاستدلال على عدم العمل يجامع العلم و عدمه كما هو واضح، و العامّ لا يستلزم الخاصّ.
الإيراد الرّابع:
أنّ رواياتكم معارضة بالإجماع على إمامة من تقدّم على عليّ عليه السّلام.
الجواب: الإجماع المدّعى إمّا إجماع أمّة محمّد صلّى اللّه عليه و آله على إمامة من ذكرت أو إجماع أهل السّقيفة، فإن ادّعيت الأوّل فهو باطل؛ فإنّ أمّة محمّد صلّى اللّه عليه و آله بعد موته و وقت نصب أبي بكر متفرّقون في أقطار الأرض، فأين اجتماعهم و رضاهم؟
فإن قلت: المعتبر في الإجماع هو أهل الحلّ و العقد، فجاز اجتماعهم و رضاهم؟