کتابخانه روایات شیعه
قال سليم في كتابه في حديث طويل عن سيّد الوصيّين أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السّلام ثمّ قال: أقبل بوجهه يعني عليّا عليه السّلام على النّاس من أهل بيته و شيعته فقال: و اللّه لقد عملت الأمّة قبلي بأمور عظيمة خالفوا فيها رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله متعمّدين، لو حملت النّاس على تركها عن موضعها إلى ما كانت تجري على عهد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله لتفرّق عنّي جندي حتّى لا يبقى في عسكري غيري و قليل من شيعتي الّذين عرفوا فضلي من كتاب اللّه و سنّة نبيّه صلّى اللّه عليه و آله، أرأيتم لو أمرت بمقام إبراهيم ثمّ رددته إلى المكان الّذي وضعه فيه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، و رددت فدكا إلى ورثة فاطمة عليها السّلام و رددت صاع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و مدّه إلى ما كان، و أمضيت قطايع أقطعها رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله لأهلها، و رددت دار جعفر بن أبي طالب إلى ورثته و هدمتها من المسجد، و رددت ما قسّم من أرض خيبر، و محوت ديوان الأعطية و أعطيته
كما كان يعطي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و لم أجعله دولة، و لو أمرت النّاس لا يجتمعون في شهر رمضان إلّا في فريضة، و غير ذلك من بدعهم يطول الكتاب بذكرها 524 .
قلت: و المصيبة الكبرى و الدّاهية العظمى تقديمهم الثّلاثة على أمير المؤمنين عليه السّلام المنصوص عليه من اللّه سبحانه و تعالى و من رسوله صلّى اللّه عليه و آله بالإمامة و الإمارة و الولاية و الخلافة و الوصيّة، و لا سيّما غدير خمّ الّذي وقع فيه النّصّ من اللّه سبحانه، و اختاروا لأنفسهم غير ما اختاره اللّه تعالى و رسوله صلّى اللّه عليه و آله كما هو قولهم:
إنّ تقديم أبي بكر من اختيار النّاس لا بنصّ من اللّه تعالى و لا من رسوله، و اللّه سبحانه يقول في كتابه العزيز: وَ رَبُّكَ يَخْلُقُ ما يَشاءُ وَ يَخْتارُ ما كانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحانَ اللَّهِ وَ تَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ و قال تبارك و تعالى: وَ ما كانَ لِمُؤْمِنٍ
وَ لا مُؤْمِنَةٍ إِذا قَضَى اللَّهُ وَ رَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَ مَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالًا مُبِيناً و قال سبحانه: فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ و قال عزّ و جلّ من قائل: وَ مَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ و قال جلّ جلاله: وَ ما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَ ما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا و ترك العمل بعد العلم ليس بمنكر، لا ينكره عاقل فيما عدا المعصوم. و سبب ترك العمل بعد العلم، إمّا التّقيّة؛ لأنّ العلم محلّه الباطن و محلّ العمل الجوارح، فجاز التّقيّة في الثّاني، و إمّا لشبهة أو تأويل لموجب العلم و قال سبحانه و تعالى: وَ يُجادِلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالْباطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَ و قال أمير المؤمنين عليه السّلام: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:
رحم اللّه من سمع مقالة فوعاها ثمّ بلّغها غيره، فربّ حامل فقه لا فقه له، و ربّ
حامل فقه إلى من هو أفقه منه 525 .
فنقول هؤلاء المخالفون رووا ما يوافق رواياتنا و تركهم العمل بها على معتقدنا لا يطعن فيها و لا طعن علينا بالعمل بها؛ إذ لا طعن بذلك لجواز تركهم العمل بها طبق معتقدنا لأجل الأسباب الّتي ذكرنا، فالاستدلال على عدم العمل يجامع العلم و عدمه كما هو واضح، و العامّ لا يستلزم الخاصّ.
الإيراد الرّابع:
أنّ رواياتكم معارضة بالإجماع على إمامة من تقدّم على عليّ عليه السّلام.
الجواب: الإجماع المدّعى إمّا إجماع أمّة محمّد صلّى اللّه عليه و آله على إمامة من ذكرت أو إجماع أهل السّقيفة، فإن ادّعيت الأوّل فهو باطل؛ فإنّ أمّة محمّد صلّى اللّه عليه و آله بعد موته و وقت نصب أبي بكر متفرّقون في أقطار الأرض، فأين اجتماعهم و رضاهم؟
فإن قلت: المعتبر في الإجماع هو أهل الحلّ و العقد، فجاز اجتماعهم و رضاهم؟
قلنا: إن أريد أنّ أهل الحلّ و العقد هم المجتهدون بالطّريق كما هم المجتهدون في زمان غير النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله فلا اجتهاد في زمان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله بل يجب الأخذ عنه بلا واسطة أو بالواسطة و يجب قبول قوله من أهل العدالة، و الأحكام في زمانه قطعيّة؛ و لا يكون الاجتهاد مع حصول القطع بالأحكام و ليست الاجتهاد في القطعيّات كما يشهد به تعريف الاجتهاد؛ لأنّه يحتمل الأحكام بطريق ظنّيّ، و بذل الوسع في ذلك كما هو مذكور في الأصول، و الّذين كانوا في زمن بيعة أبي بكر هم الّذين كانوا في زمن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فلا اجتهاد هناك، و لا مجتهدهم أصحاب عقد بل الحلّ و العقد بيد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله الّذي قال اللّه جلّ ثناؤه: ما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَ ما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا و نهى عن التّقدّم بين يديه كما قال اللّه تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا
لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَ رَسُولِهِ وَ اتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ فالحكم هناك للّه سبحانه و تعالى و لرسوله صلّى اللّه عليه و آله بطريق القطع كنصّه صلّى اللّه عليه و آله على أمير المؤمنين عليه السّلام بالخلافة و الإمامة، فإنّه كان يشهد عشرة آلاف رجل، كما قال الصّادق جعفر بن محمّد عليه السّلام، و قصّة غدير خمّ بحضور جمع الحاجّ و من حضر من الجمع الكثير، فكيف اجتهاد و مجتهد في مثل هذا و ما شاركه في المعلوميّة.
إلّا أنّا لو غمضنا عن هذا مع وضوحه و بيانه و قلنا هناك أهل الحلّ و العقد بما ذكرت و يجوز تعدّدهم فحضورهم وقت بيعة أبي بكر مستحيل لتفريقهم في أقطار الأرض أيضا فأين اجتماعهم و رضاهم في ذلك الوقت القليل اليسير العسير؟! فمن ادّعى إجماعهم عند ذلك ادّعى باطلا؛ لاستحالته.
و إن ادّعى إجماع أهل المدينة قلنا: أهل المدينة بعض يسير من أمّة محمّد صلّى اللّه عليه و آله،
فلا يكون إجماعهم حجّة على من في زمانهم و لا من بعدهم إلى آخر التّكليف.
على أنّ ادّعاء إجماعهم باطل؛ لأنّ بني هاشم تأخّروا عن بيعة أبي بكر، و لا سيّما أمير المؤمنين عليه السّلام و أهل بيت النّبي صلّى اللّه عليه و آله و شيعتهم كسلمان و أبي ذرّ و تأخّروا عن بيعته و لا سيّما امير المؤمنين الّذي هو أميرهم لو كانوا مؤمنين، فهؤلاء عين أعيان أهل المدينة، فكيف يكون إجماع مع تأخّر هؤلاء عن بيعته.