کتابخانه روایات شیعه
وَ لا مُؤْمِنَةٍ إِذا قَضَى اللَّهُ وَ رَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَ مَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالًا مُبِيناً و قال سبحانه: فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ و قال عزّ و جلّ من قائل: وَ مَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ و قال جلّ جلاله: وَ ما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَ ما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا و ترك العمل بعد العلم ليس بمنكر، لا ينكره عاقل فيما عدا المعصوم. و سبب ترك العمل بعد العلم، إمّا التّقيّة؛ لأنّ العلم محلّه الباطن و محلّ العمل الجوارح، فجاز التّقيّة في الثّاني، و إمّا لشبهة أو تأويل لموجب العلم و قال سبحانه و تعالى: وَ يُجادِلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالْباطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَ و قال أمير المؤمنين عليه السّلام: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:
رحم اللّه من سمع مقالة فوعاها ثمّ بلّغها غيره، فربّ حامل فقه لا فقه له، و ربّ
حامل فقه إلى من هو أفقه منه 525 .
فنقول هؤلاء المخالفون رووا ما يوافق رواياتنا و تركهم العمل بها على معتقدنا لا يطعن فيها و لا طعن علينا بالعمل بها؛ إذ لا طعن بذلك لجواز تركهم العمل بها طبق معتقدنا لأجل الأسباب الّتي ذكرنا، فالاستدلال على عدم العمل يجامع العلم و عدمه كما هو واضح، و العامّ لا يستلزم الخاصّ.
الإيراد الرّابع:
أنّ رواياتكم معارضة بالإجماع على إمامة من تقدّم على عليّ عليه السّلام.
الجواب: الإجماع المدّعى إمّا إجماع أمّة محمّد صلّى اللّه عليه و آله على إمامة من ذكرت أو إجماع أهل السّقيفة، فإن ادّعيت الأوّل فهو باطل؛ فإنّ أمّة محمّد صلّى اللّه عليه و آله بعد موته و وقت نصب أبي بكر متفرّقون في أقطار الأرض، فأين اجتماعهم و رضاهم؟
فإن قلت: المعتبر في الإجماع هو أهل الحلّ و العقد، فجاز اجتماعهم و رضاهم؟
قلنا: إن أريد أنّ أهل الحلّ و العقد هم المجتهدون بالطّريق كما هم المجتهدون في زمان غير النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله فلا اجتهاد في زمان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله بل يجب الأخذ عنه بلا واسطة أو بالواسطة و يجب قبول قوله من أهل العدالة، و الأحكام في زمانه قطعيّة؛ و لا يكون الاجتهاد مع حصول القطع بالأحكام و ليست الاجتهاد في القطعيّات كما يشهد به تعريف الاجتهاد؛ لأنّه يحتمل الأحكام بطريق ظنّيّ، و بذل الوسع في ذلك كما هو مذكور في الأصول، و الّذين كانوا في زمن بيعة أبي بكر هم الّذين كانوا في زمن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فلا اجتهاد هناك، و لا مجتهدهم أصحاب عقد بل الحلّ و العقد بيد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله الّذي قال اللّه جلّ ثناؤه: ما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَ ما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا و نهى عن التّقدّم بين يديه كما قال اللّه تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا
لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَ رَسُولِهِ وَ اتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ فالحكم هناك للّه سبحانه و تعالى و لرسوله صلّى اللّه عليه و آله بطريق القطع كنصّه صلّى اللّه عليه و آله على أمير المؤمنين عليه السّلام بالخلافة و الإمامة، فإنّه كان يشهد عشرة آلاف رجل، كما قال الصّادق جعفر بن محمّد عليه السّلام، و قصّة غدير خمّ بحضور جمع الحاجّ و من حضر من الجمع الكثير، فكيف اجتهاد و مجتهد في مثل هذا و ما شاركه في المعلوميّة.
إلّا أنّا لو غمضنا عن هذا مع وضوحه و بيانه و قلنا هناك أهل الحلّ و العقد بما ذكرت و يجوز تعدّدهم فحضورهم وقت بيعة أبي بكر مستحيل لتفريقهم في أقطار الأرض أيضا فأين اجتماعهم و رضاهم في ذلك الوقت القليل اليسير العسير؟! فمن ادّعى إجماعهم عند ذلك ادّعى باطلا؛ لاستحالته.
و إن ادّعى إجماع أهل المدينة قلنا: أهل المدينة بعض يسير من أمّة محمّد صلّى اللّه عليه و آله،
فلا يكون إجماعهم حجّة على من في زمانهم و لا من بعدهم إلى آخر التّكليف.
على أنّ ادّعاء إجماعهم باطل؛ لأنّ بني هاشم تأخّروا عن بيعة أبي بكر، و لا سيّما أمير المؤمنين عليه السّلام و أهل بيت النّبي صلّى اللّه عليه و آله و شيعتهم كسلمان و أبي ذرّ و تأخّروا عن بيعته و لا سيّما امير المؤمنين الّذي هو أميرهم لو كانوا مؤمنين، فهؤلاء عين أعيان أهل المدينة، فكيف يكون إجماع مع تأخّر هؤلاء عن بيعته.
و إن ادّعي إجماع أهل السّقيفة فهو ليس بحجّة كما ذكرناه على الاختلاف بينهم و شهروا السّيوف و أدنوا بالحتوف، فسلم بعضهم و سالم بعضهم، و لقد قال ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة: لو لا أنّ عمر بايع أبا بكر ما بايع أبا بكر أحد، و ابن أبي الحديد من أعيان علماء الجمهور من المعتزلة على مذهب أبي حنيفة و كفى به شاهدا؛ لأنّه مطّلع على أصول مذهبهم و فروعه، و كيف يكون إجماعهم و الأمر كذلك؟
الإيراد الخامس:
القول بالموجب؛ فإنّا نحبّ أهل البيت عليهم السّلام و إن كنّا على ما نحن عليه.
الجواب: أنّ المحبّة المراد بها و الإيراد بالمحبّة هنا هي عبارة عن الاتّباع و الولاية لهم و القول بإمامتهم في صريح الرّوايات، و يخصّهم بالولاية دون غيرهم، و الإيراد بالمحبّة هو ميل الطّبع كمثل البهائم على أولادها و النّاس للصّور الحسنة و المال، فإنّ هذا ليس معتبرا في شرع الإسلام و لا ركنا من أركان الإيمان ألا تسمع قوله تعالى قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ و قال الصّادق جعفر بن محمّد عليه السّلام:
تعصي الإله و أنت تظهر حبّه
هذا محال في الفعال بديع
لو كان حبّك صادقا لأطعته
إنّ المحبّ لمن يحبّ مطيع
فكيف تنفع محبّة اللّه و رسوله صلّى اللّه عليه و آله و لأهل بيت رسوله صلّى اللّه عليه و آله ممّن يقدّم بين يدي اللّه و رسوله و يقدّم على أهل بيت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله إن هذا إلّا إفك مبين، و لا ريب أنّ المقدّم على عليّ أمير المؤمنين عليه السّلام لم يوال أهل بيت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و لم يعتقد إمامتهم و هو ليس بمطيع و لا يتّبع لما قال اللّه تعالى و رسوله، فكيف يحبّ اللّه و رسوله و يحبّه اللّه تعالى و رسوله، فارجع إلى ما رويناه وروته العامّة يعطك ذلك، نعوذ باللّه من الضّلالة بعد الهدى، فعل الجمهور بعد ما أوضح اللّه و رسوله صلّى اللّه عليه و آله لهم سبيل الرّشاد على منوال قوله تعالى: وَ أَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْناهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمى عَلَى الْهُدى فَأَخَذَتْهُمْ صاعِقَةُ الْعَذابِ الْهُونِ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ .
الإيراد السّادس: