کتابخانه روایات شیعه
كاقتدار الفاعل و تصوّره و حصول آلة و مادة يفعل بها فيها. و عند استجماعها، يوصف الرجل بالاستطاعة. و يصح أن يكلف بالفعل و غير ضرورية، يسهل الفعل به، كالراحلة في السفر، للقادر على المشي. أو يقرب الفاعل الى الفعل. و يحثّه عليه. و هذا القسم، لا يتوقف عليه، صحة التكليف. هكذا قيل، يقال: استعانه و استعان به، بمعنى. و انما اختبر استعماله بلا واسطة الحرف اشارة الى أن العبد ينبغي أن لا يرى بينه و بين الحق سبحانه، واسطة، في الاستعانة، بأن يقصر نظره عليه، أو يرى الوسائط منه.
و تقديم المفعول، لقصد الاختصاص.
و تكريره، ليكون نصا في اختصاص كل من العبادة و الاستعانة به سبحانه.
و في إيراد «إياك» دون «إياه»، كما هو مقتضى الظاهر، التفات من الغيبة الى الخطاب. و من النكتة الخاصة، في الالتفات من الغيبة الى الخطاب، في هذا المقام، بعد اشتماله على فائدة عامة، من جهة المتكلم، و هي التصرف و الافتنان في وجود الكلام و اظهار القدرة عليها، و من جهة المخاطب، و هي تطرية نشاطه في سماع الكلام، و ايقاظه للإصغاء اليه. أنه لما قيل: «إياك» بدل «إياه»، فقد نزل الغائب بواسطة أوصافه المذكورة التي أوجب تميزه و انكشافه، حتى صار كأنه تبدل خفاء غيبته، بجلاء حضوره، منزلة المخاطب في التمييز و الظهور.
ثم أطلق عليه، ما هو موضوع للمخاطب. ففي إطلاقه ملاحظة لتلك الأوصاف فصار الحكم، مرتبا على الأوصاف. كأنه قيل: أيها الموصوف المتميز بهذه الأوصاف! نخصك بالعبادة، و الاستعانة.
فيفهم منه، عرفا، أن العبادة و الاستعانة، لتميزه بتلك الصفات.
و منها: التنبيه على أن القراءة، انما يعتد بها، إذا صدرت عن قلب حاضر و تأمل وافر، يجد القارئ، في ابتداء قراءته، محركا. نحو الإقبال على منعمه،
الذي أجرى حمده على لسانه. ثم يزداد قوة ذلك المحرك، بحسب اجراء تلك الصفات العظام، حتى إذا آل الأمر الى خاتمتها، أوجب إقباله عليه، و خطابه بحصر العبادة و الاستعانة فيه.
و منها: الاعلام بأن «الحمد» «و الثناء»، ينبغي أن يكون على وجه، يوجب ترقّي الحامد، من حضيض، بعد الحجاب و المغايبة، الى ذروة قرب المشاهدة و المخاطبة.
و منها: الاشارة الى أن العبادة المستطابة و الاستعانة المستجابة، في مقام العبودية، انما يليق بهما، ان تعبد ربك كأنك تراه و تخاطبه.
و منها: الاشارة الى أنه ينبغي أن يكون تالي كلامه سبحانه، بحيث يتجلى له المتكلم فيه، و يصير مشهودا له. فيخاطبه بتخصيص العبادة و الاستعانة به.
كما روي عن الصادق- عليه السلام- 337 ، أنه قال : لقد تجلى اللّه تعالى لعباده 338 في كلامه. و لكن لا يبصرون.
و عنه 339 - أيضا -: انه خرّ مغشيا عليه- و هو في الصلاة- فسئل عن ذلك.
فقال: ما زلت أردد الاية، حتى سمعتها من المتكلم بها.
و الضمير المستكن في الفعلين، للقارئ و من معه، من الحفظة أو حاضري الجماعة، أو له و لسائر الموحدين، أو له، فقط، لاستجماعه القوى و الحواس.
فكان 340 لكل منها عبادة و استعانة. (أو لأن العبادة، وسيلة) 341 .
قيل: أو لوصوله الى مقام الجمع. فيرى العبادات و الاستعانات، كلها،
صادرة عنه.
و تقديم العبادة على الاستعانة، لرعاية الفاصلة. أو لأن العبادة، وسيلة الى الاستعانة، ان كان المراد بها الاستعانة على ما عدا العبادة، من المهمات. و لا شك أن تقديم الوسيلة، أدخل في استيجاب الاجابة، و ان كان المراد بها، الاستعانة على العبادة، أو الاستعانة، مطلقا، بحيث يدخل فيه العبادة، أيضا.
فوجه تقديمها ظاهر، أيضا. لأنها مقصودة بالنسبة الى الاستعانة. و ان كان طلب المعونة على الشيء، مقدّما عليه.
و قيل: لا يبعد أن يجعل العبادة، اشارة الى الفناء في اللّه. لأن غاية الخضوع، هي الرجوع الى العدم الأصلي. و الاستعانة، اشارة الى طلب البقاء، بعد الفناء، لتيسر السير في اللّه. و حينئذ وجه التقديم، ظاهر، كما لا يخفى. و فيه ما لا يخفى.
و انما أطلق الاستعانة، و لم يقيدها بكل مستعان فيه و لا ببعض، ليحتمل الكل، و يحمله القارئ على ما يناسب حاله.
«و قرئ «نستعين»، بكسر النون، و هي لغة تميم. فإنهم يكسرون حروف المضارعة، سوى الياء، إذا لم ينضم ما بعدها» 342 .
«و قيل: الواو للحال. و المعنى نعبدك: مستعينين بك» 343 .
فأقول: لما نسب المتكلم العبادة الى نفسه، أو هم ذلك تبجّحا و اعتدادا منه، بما صدر عنه. فعقّبه بقوله: «و إياك نستعين»، ليدل على أن العبادة: أيضا- مما لا يتم و لا يستتب، الا بمعونة اللّه.
(و في من لا يحضره الفقيه 344 : و فيما ذكره الفضل من العلل عن الرضا-
عليه السلام : إياك نعبد، رغبة و تقرب الى اللّه تعالى ذكره، و اخلاص له بالعمل، دون غيره. و «إياك نستعين»، استزادة من توفيقه و عبادته و استدامة، لما أنعم اللّه عليه و نصره.
و في مجمع البيان 345 : قال رسول اللّه- صلى اللّه عليه و آله : ان اللّه- تبارك و تعالى- منّ عليّ بفاتحة الكتاب- الى قوله- إِيَّاكَ نَعْبُدُ ، اخلاص للعبادة.
وَ إِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ، أفضل ما طلب به العباد، حوائجهم.
و في تفسير العياشي 346 : عن الحسن بن محمد الجمّال، عن بعض أصحابنا، قال : بعث عبد الملك بن مروان الى عامل المدينة، أن وجه الي محمد بن علي بن الحسين و لا تهيجه و لا تروعه. و اقض له حوائجه. و قد كان ورد على عبد الملك، رجل من القدرية. فحضر جميع من كان بالشام. فأعياهم جميعا.
فقال: ما له 347 الا محمد بن علي.
فكتب الى صاحب المدينة، أن يحمل محمد بن علي اليه. فأتاه صاحب المدينة، بكتابه.
فقال له أبو جعفر- عليه السلام-: اني شيخ كبير لا أقوى على الخروج. و هذا جعفر، ابني، يقوم مقامي. فوجهه اليه.
فلما قدم على الأموي ازدراه 348 لصغره. و كره أن يجمع بينه و بين القدري، مخافة أن يغلبه. و تسامع الناس، بالشام، بقدوم جعفر، لمخاصمة القدري. فلما كان من الغد، اجتمع الناس، لخصومتهما.
فقال الأموي لأبي عبد اللّه- عليه السلام: انه قد أعيانا، أمر هذا القدري. و انما كتبت اليك لأجمع بينك و بينه. فانه لم يدع عندنا أحدا، الا خصمه.
فقال: ان اللّه يكفيناه.
[قال:] 349 فلما اجتمعوا قال القدري لأبي عبد اللّه- عليه السلام: سل عما شئت! فقال له: اقرأ سورة الحمد! قال: فقرأها. فقال الأموي- أنا معه: ما في سورة الحمد علينا. إِنَّا لِلَّهِ وَ إِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ. [قال:] 350 فجعل القدري يقرأ سورة الحمد، حتى بلغ قول اللّه- تبارك و تعالى- إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَ إِيَّاكَ نَسْتَعِينُ .
فقال له جعفر- عليه السلام: قف! بمن تستعين؟ و ما حاجتك الى المعونة؟
ان الأمر اليك. فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَ اللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ 351 .
و في كتاب الاحتجاج، للطبرسي 352 - رحمه اللّه- حديث عن النبي- صلى اللّه عليه و آله- و فيه: يقول لأصحابه : قولوا! إياك نعبد، أي: [نعبد] 353 وحدك 354 . و لا نقول كما قالت الدهرية: ان الأشياء لا بدء لها، و هي دائمة. و لا كما قالت الثنوية «الذين قالوا» 355 : ان النور و الظلمة، هما المدبران. و لا كما قال مشركو العرب: ان أوثاننا، آلهة.
فلا نشرك بك شيئا. و لا ندعو من دونك إلها كما يقول هؤلاء الكفار، «و لا
كما تقول النصارى و اليهود» 356 ، ان لك ولدا. تعاليت عن ذلك «علوا كبيرا» 357 .
و في شرح الآيات الباهرة: قال الامام 358 - عليه السلام : إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَ إِيَّاكَ نَسْتَعِينُ، قال: قال اللّه تعالى: قولوا أيها الخلق المنعم عليهم: إِيَّاكَ نَعْبُدُ أيها المنعم علينا. و نطيعك مخلصين، مع التذلل و الخضوع، بلا رياء و لا سمعة. و إياك نستعين، منك نسأل المعونة على طاعتك، لنؤديها كما أمرت. و نتّقي من دنيانا، ما «عنه نهيت» 359 . و نعتصم من الشيطان [الرجيم] 360 و من سائر مردة [الجن و] 361 الانس، المضلين و [من] 362 المؤذين الظالمين، بعصمتك) 363 .
(و في الحديث 364 : إذا قال العبد: إياك نعبد، قال اللّه: صدق عبدي، اياي يعبد. أشهدكم، لأثيبه على عبادته، ثوابا يغبطه كل من خالفه في عبادته لي.
فإذا قال: و إياك نستعين، قال اللّه: بي استعان. و الي التجأ. أشهدكم «لأعيننّه في شدائده 365 و لآخذن بيده، يوم نوائبه) 366 .
اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ : بيان للمعونة المطلوبة، أو افراد، لما هو المقصود الأعظم.
و «الهداية»: دلالة، بلطف. و لذلك يستعمل في الخير. فقوله تعالى:
فَاهْدُوهُمْ إِلى صِراطِ الْجَحِيمِ 367 ، على التهكّم. و منه «الهداية»، و هوادي الوحش لمقدماتها. و الفعل منه هدى. و أصله أن يعدى باللام و «الى». فعومل معه، معاملة «أختار»، في قوله تعالى: وَ اخْتارَ مُوسى قَوْمَهُ 368 369 .
و من هنا يظهر أن لا فرق بين المتعدي بنفسه و المتعدي بالحرف.
لكن، نقل عن صاحب الكشاف: أن هداه لكذا و الى كذا، انما يقال: إذا لم يكن في ذلك فيصل بالهداية اليه. و هداه كذا، لمن يكون فيه. (فيزداد أو يثبت و لمن لا يكون فيصل. و قد يقال لا نزاع في الاستعمالات الثلاث، الا أن منهم، من فرق بأن معنى المتعدي بنفسه، هو الإيصال الى المطلوب، و لا يكون الا فعل اللّه. فلا يسند الا اليه. كقوله: لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا 370 . و معنى المتعدي بحرف الجر، هو الدلالة على ما يوصل اليه. فيسند تارة الى القرآن و أخرى الى النبي- صلى اللّه عليه و آله-.
«قيل» 371 و هداية اللّه تعالى، تتنوع أنواعا. لا يحصيها عدّ. لكنها تنحصر في أجناس مترتبة:
الأول- افاضة القوى التي يتمكن بها من العبد، الاهتداء الى مصالحه، كالقوى العقلية و الحواس الباطنة و المشاعر الظاهرة.
و الثاني- نصب الدلائل الفارقة، بين الحق و الباطل، و الصلاح و الفساد.
و الثالث- الهداية بإرسال الرسل و انزال الكتب.