کتابخانه روایات شیعه
فقال الآخر: إنّ عذاب الدّنيا، له مدّة و انقطاع. و عذاب الآخرة، قائم لا انقضاء له. فلسنا نختار عذاب الآخرة الدّائم الشّديد، على عذاب الدّنيا المنقطع الفاني.
قال: فاختارا عذاب الدّنيا. و كانا يعلّمان النّاس السّحر، في أرض بابل. ثمّ لمّا علّما النّاس السّحر، رفعا من الأرض إلى الهواء. فهما معذّبان منكّسان معلّقان في الهواء، إلى يوم القيامة.
فهو موافق لمذهب العامّة.
و في روضة الكافي 2926 : عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن عليّ بن أسباط، عن عليّ بن أبي حمزة، عن أبي بصير، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام: وَ اتَّبَعُوا ما تَتْلُوا الشَّياطِينُ بولاية الشّياطين، عَلى مُلْكِ سُلَيْمانَ.
و في كتاب الاحتجاج، للطّبرسيّ- رحمه اللّه 2927 - عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- حديث طويل . و فيه قال السّائل له- عليه السّلام: فمن أين علم الشّياطين السّحر؟
قال: من حيث عرف الأطباء الطّب، بعضه تجربة و بعضه علاج.
قال: فما تقول في الملكين هاروت و ماروت؟ و ما يقول النّاس بأنهما يعلّمان النّاس السّحر؟
قال: إنّهما موضع ابتلاء و موقف فتنة بتسبيحهما اليوم، لو فعل الإنسان كذا و كذا، لكان كذا و كذا. و لو يعالج بكذا و كذا، لصار كذا أصناف السّحر فيتعلّمون منهما ما يخرج عنهما. فيقولان لهم: إِنَّما نَحْنُ فِتْنَةٌ . فلا تأخذوا عنها ما يضرّكم و لا ينفعكم.
قال: أفيقدر السّاحر أن يجعل الإنسان بسحره في صورة الكلب و الحمار، أو غير ذلك؟
قال: هو أعجز من ذلك. و أضعف من أن يغيّر خلق اللّه. إنّ من أبطل ما ركّبه اللّه و صوّره و غيّره، فهو شريك اللّه في خلقه. تعالى عن ذلك علوّا كبيرا.] 2928
وَ لَوْ أَنَّهُمْ آمَنُوا بالرّسول و ما جاء به، وَ اتَّقَوْا بترك المخالفة، لَمَثُوبَةٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ خَيْرٌ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ (103) جهلهم، لترك التّدبّر، أو 2929 العمل
بالعلم.
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا :
[في أصول الكافي 2930 : عليّ بن إبراهيم، عن أبيه الطّيّار 2931 ، عن ابن أبي عمير، عن جميل. قال: كان الطّيّار يقول لي: إبليس ليس من الملائكة. و إنّما أمرت الملائكة بالسّجود لآدم.
فقال: إبليس لا اسجد فما لإبليس يعصي حين لم يسجد، و ليس هو من الملائكة؟
قال: فدخلت أنا و هو، على أبي عبد اللّه- عليه السّلام: قال: فأحسن و اللّه في المسألة.
فقال: جعلت فداك! أ رأيت ما ندب اللّه- عزّ و جلّ- إليه المؤمنين من قوله يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ، أدخل في ذلك المنافقون معهم؟
قال: نعم. و الضّلّال و كلّ من أقرّ بالدّعوة الظّاهرة. و كان إبليس ممّن أقرّ بالدّعوة الظّاهرة، معهم.
و في روضة الكافي 2932 : أبو عليّ الأشعريّ، عن محمّد بن عبد الجبّار، عن عليّ بن حديد، عن جميل بن درّاج. قال سأل الطّيّار أبا عبد اللّه- عليه السّلام- و أنا عنده. فقال له: جعلت فداك! أ رأيت 2933 قوله- عزّ و جلّ- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا في غير مكان من مخاطبة المؤمنين؟ أ يدخل في هذا المنافقون؟
قال: نعم. يدخل في هذا المنافقون و الضّلّال و كل من أقرّ بالدّعوة الظّاهرة.
و قد تقدّم هذان الحديثان] 2934
لا تَقُولُوا راعِنا. وَ قُولُوا انْظُرْنا :
كان المسلمون يقولون لرسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله- إذا ألقى عليهم شيئا من العلم: راعنا 2935 ، يا رسول اللّه!، أي: راقبنا. و تأنّ بنا حتّى نفهمه و نحفظه
. و كانت لليهود كلمة 2936 يتسابّون بها عبرانيّة ، كما قال الباقر- عليه السّلام
2937 - و هي راعينا. فلمّا سمعوا
بقول 2938 المؤمنين راعنا افترصوه و خاطبوا به الرّسول- صلّى اللّه عليه و آله- و هم يعنون به تلك المسبّة، فنهي المؤمنون عنها. و أمروا بما هو في معناها. و هو انظرنا بمعنى انظر إلينا، و انتظرنا من نظره إذا انتظره.
و قرئ «أنظرنا»، من الإنظار، بمعنى الإمهال، و «راعونا» على لفظ الجمع، للتّوقير، و «راعنا» (بالتّنوين)، أي: قولا ذا رعن، نسبة إلى الرّعن. و هو الهوج 2939 ، لمشابهة قولهم راعينا.
وَ اسْمَعُوا ، أي: أحسنوا الاستماع لما يكلّمكم به رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله- و يلقي عليكم من المسائل بآذان 2940 واعية و أذهان حاضرة، حتّى لا تحتاجوا إلى الاستعارة و طلب المراعاة.
أو: و اسمعوا، سماع 2941 قبول و طاعة. لا يكن مثل سماع اليهود، حيث قالوا: سمعنا و عصينا.
او: و اسمعوا ما أمرتم به بجدّ، حتى لا تعودوا إلى ما نهيتم عنه.
وَ لِلْكافِرِينَ عَذابٌ أَلِيمٌ (104)، يعني: للّذين تهاونوا بالرّسول، عذاب موجع مؤلم.
ما يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ وَ لَا الْمُشْرِكِينَ :
نزلت تكذيبا لجمع من الكافرين يظهرون مودّة المؤمنين و يزعمون أنّهم يودّون لهم الخير.
و المودة: محبّة الشيء، مع تمنّيه. و لذلك يستعمل في كلّ منهما.
و «من»، للتّبيين. لأنّ الَّذِينَ كَفَرُوا جنس، تحته نوعان أهل الكتاب و المشركون.
أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ :
مفعول «يودّ».
و «من» الأولى، مزيدة للاستغراق، و الثّانية، للابتداء.
و المراد بالخير، ما يعمّ الوحي و العلم و النّصرة.
وَ اللَّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشاءُ :
روي عن أمير المؤمنين- عليه السّلام- و عن أبي جعفر الباقر- عليه السّلام 2942 : أنّ المراد برحمته هاهنا، النّبوّة.
و في شرح الآيات الباهرة 2943 : روى الحسن بن أبي الحسن الدّيلميّ- رحمه اللّه- عمّن رواه، بإسناده عن أبيّ بن صالح، عن حمّاد بن عثمان، عن أبي الحسن الرّضا، عن أبيه موسى، ان أبيه جعفر- صلوات اللّه عليهم - في قوله تعالى يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشاءُ ، قال: المختصّون 2944 بالرّحمة، نبيّ اللّه و وصيّه و عترتهما. إنّ اللّه تعالى خلق مائة رحمة:
فتسع و تسعون رحمة عنده مذخورة لمحمّد و عليّ و عترتهما. و رحمة واحدة، مبسوطة على سائر الموجودين.] 2945
وَ اللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (105):
فيه إشعار بأنّ النّبوّة من فضله، و أنّ كلّ خير نال عباده في دينهم أو دنياهم، فإنّه من عنده، ابتداء منه، إليهم، و تفضّلا عليهم، من غير استحقاق منهم لذلك عليه. فهو عظيم الفضل ذو المنّ و الطّول.
ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِها :
نزلت لمّا قال المشركون، أو اليهود: ألا ترون إلى محمّد يأمر أصحابه بأمر، ثمّ ينهاهم عنه. و يأمرهم بخلافه؟
و النّسخ»، في اللّغة، إزالة الصّورة عن الشيء و إثباتها في غيره، كنسخ الظّلّ للشّمس. و منه التّناسخ. ثمّ استعمل في كلّ منهما، كقولك: نسخت الرّيح الأثر. و نسخت الكتاب.
و نسخ الآية، بيان انتهاء التّعبّد بها:
إمّا بقراءتها فقط، كآية الرّجم. فقد قيل: إنّها كانت منزلة فرفع لفظها 2946 . فقط، دون حكمها.
أو بالعكس، كقوله 2947 : إِنْ فاتَكُمْ شَيْءٌ مِنْ أَزْواجِكُمْ إِلَى الْكُفَّارِ فَعاقَبْتُمْ.
(الاية) فهذه الاية ثابتة في الخطّ، مرتفعة الحكم.
أو بهما، كما روي عن أبي بكر، قال: كنّا نقرأ: «لا ترغبوا عن آبائكم. فإنّه كفر بكم.» فرفع و إنساؤها إذهابها، عن القلوب.
و «ما»، شرطيّة جازمة، لننسخ. منتصبة به على المفعوليّة.
نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْها أَوْ مِثْلِها ، أي: بما هو خير للعباد في النّفع و الثّواب، أو مثلها في الثّواب.
[و قرأ ابو عمرو 2948 بقلب الهمزة ألفا.] 2949
[و في أصول الكافي 2950 : عليّ بن محمّد، عن إسحاق بن محمّد، عن شاهويه بن عبد اللّه الجلاب. قال: كتب إليّ أبو الحسن في كتاب: أردت أن تسأل عن الخلف بعد أبي جعفر. و قلقت لذلك. فلا تغتمّ. فإنّ اللّه- عزّ و جلّ- لا يضل قوما بعد إذ هداهم حتى يبين لهم ما يتقون. و صاحبك بعدك أبو محمّد ابني. و عنده ما تحتاجون إليه. يقدّم ما يشاء اللّه و يؤخّر ما يشاء. 2951 ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِها نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْها أَوْ مِثْلِها و قد كتبت بما فيه بيان و قناع لذي عقل يقظان.
و في تفسير العيّاشيّ 2952 : عن عمر بن يزيد. قال: سألت أبا عبد اللّه- عليه السّلام- عن قول اللّه- عزّ و جلّ- ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِها نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْها أَوْ مِثْلِها».
فقال: كذبوا. ما هكذا هي إذا كان ينسخها. نأت بمثلها ينسخها 2953 .
قلت: هكذا قال اللّه؟
قال: ليس هكذا قال اللّه- تبارك و تعالى.
قلت: فكيف قال؟
قال: ليس فيها ألف و لا واو. قال: ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِها نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْها أَوْ مِثْلِها. يقول: ما نميت من إمام، أو ننسه ذكره، نأت بخير منه من صلبه مثله.
و فيه 2954 : عن محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر- عليه السّلام - في قوله تعالى 2955
ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِها نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْها أَوْ مِثْلِها قال: النّاسخ ما حوّل. و ما ينسيها، مثل الغيب الّذي لم يكن بعد، كقوله 2956 : يمحو اللّه ما يشاء و يثبت و عنده أمّ الكتاب.
قال: فيفعل اللّه ما يشاء. و ما يحوّل ما يشاء، مثل قوم يونس إذ بدا له. فرحمهم.
و مثل قوله 2957 : فتولّ عنهم فما أنت بملوم.
قال: أدركتهم رحمته.] 2958
أَ لَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (106). فهو يقدر على النّسخ و الإتيان، بمثل المنسوخ، و بما هو خير منه؟
الخطاب للنّبيّ. و المراد هو و أمّته، لقوله:
أَنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ : يملك أموركم. و يدبّرها على حسب ما يصلحكم. و هو أعلم بما يتعبّدكم به من ناسخ أو منسوخ؟
وَ ما لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَ لا نَصِيرٍ (107) الفرق بين «الوليّ» و «النّصير»، أنّ «الوليّ» قد يضعف عن النصرة.
و «النّصير» قد يكون أجنبيّا عن المنصور.
أَمْ تُرِيدُونَ أَنْ تَسْئَلُوا رَسُولَكُمْ كَما سُئِلَ مُوسى مِنْ قَبْلُ؟ :
لمّا بيّن لهم أنّه مالك أمورهم، و مدبّرها على حسب مصالحهم، من نسخ الآيات و غيره، و قرّدهم على ذلك بقوله «ألم تعلم»، أراد أن يوصيهم بالثّقة به فيما هو أصلح لهم، ممّا يتعبّدهم به و ينزل عليهم، و أن لا يقترحوا على رسولهم ما اقترحته آباء اليهود على موسى، من الأشياء الّتي كانت عاقبتها و بالا عليهم.
قيل 2959 : نزلت في أهل الكتاب، حين سألوا أن ينزّل [اللّه] 2960 عليهم كتابا من السّماء. و قيل: في المشركين، لمّا قالوا لن نؤمن لرقيّك حتّى تنزّل علينا كتابا نقرؤه.
وَ مَنْ يَتَبَدَّلِ الْكُفْرَ بِالْإِيمانِ و من ترك الثّقة بالآيات المنزلة و شكّ فيها و اقترح غيرها.
فَقَدْ ضَلَّ سَواءَ السَّبِيلِ (108)، أي: الطّريق المستقيم حتّى وقع في الكفر، بعد الإيمان.
وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمانِكُمْ كُفَّاراً :
روى 2961 أنّ فنحاص بن عازورا و زيد بن قيس و نفرا من اليهود قالوا لحذيفة بن اليمان و عمّار بن ياسر، بعد وقعة أحد: ألم تروا ما أصابكم؟ و لو كنتم على حقّ ما هزمتم. فارجعوا إلى ديننا. فهو خير لكم، و أفضل. و نحن أهدى منكم سبيلا.
فقال عمّار: كيف نقض العهد فيكم؟
قالوا: شديد.
قال: فإنّي عاهدت أن لا أكفر بمحمّد ما عشت.
فقالت اليهود: أمّا هذا فقد صبا.
قال حذيفة: و أمّا أنا فقد رضيت باللّه ربّا، و بالإسلام دينا، و بمحمّد نبيّا، و بالقرآن اماما، و بالكعبة قبلة، و بالمؤمنين إخوانا.
ثمّ أتيا رسول اللّه. و أخبراه. فقال: أصبتما خيرا. و أفلحتما، فنزلت.
و عن ابن عبّاس 2962 : أنّها نزلت في حيّ بن أخطب و أخيه أبي ياسر بن أخطب.
و قد دخلا على النّبيّ- صلّى اللّه عليه و آله- حين قدم المدينة. فلمّا خرجا قيل لحيّ: هو نبيّ.
قال: هو هو.
فقيل: فما له عندك؟
قال: العداوة إلى الموت.
و هو الّذي نقض العهد. و أثار الحرب يوم الأحزاب.
و قيل 2963 : نزلت في كعب بن الأشرف.
حَسَداً : علّة ود 2964 .