کتابخانه روایات شیعه
وَ اللَّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشاءُ :
روي عن أمير المؤمنين- عليه السّلام- و عن أبي جعفر الباقر- عليه السّلام 2942 : أنّ المراد برحمته هاهنا، النّبوّة.
و في شرح الآيات الباهرة 2943 : روى الحسن بن أبي الحسن الدّيلميّ- رحمه اللّه- عمّن رواه، بإسناده عن أبيّ بن صالح، عن حمّاد بن عثمان، عن أبي الحسن الرّضا، عن أبيه موسى، ان أبيه جعفر- صلوات اللّه عليهم - في قوله تعالى يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشاءُ ، قال: المختصّون 2944 بالرّحمة، نبيّ اللّه و وصيّه و عترتهما. إنّ اللّه تعالى خلق مائة رحمة:
فتسع و تسعون رحمة عنده مذخورة لمحمّد و عليّ و عترتهما. و رحمة واحدة، مبسوطة على سائر الموجودين.] 2945
وَ اللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (105):
فيه إشعار بأنّ النّبوّة من فضله، و أنّ كلّ خير نال عباده في دينهم أو دنياهم، فإنّه من عنده، ابتداء منه، إليهم، و تفضّلا عليهم، من غير استحقاق منهم لذلك عليه. فهو عظيم الفضل ذو المنّ و الطّول.
ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِها :
نزلت لمّا قال المشركون، أو اليهود: ألا ترون إلى محمّد يأمر أصحابه بأمر، ثمّ ينهاهم عنه. و يأمرهم بخلافه؟
و النّسخ»، في اللّغة، إزالة الصّورة عن الشيء و إثباتها في غيره، كنسخ الظّلّ للشّمس. و منه التّناسخ. ثمّ استعمل في كلّ منهما، كقولك: نسخت الرّيح الأثر. و نسخت الكتاب.
و نسخ الآية، بيان انتهاء التّعبّد بها:
إمّا بقراءتها فقط، كآية الرّجم. فقد قيل: إنّها كانت منزلة فرفع لفظها 2946 . فقط، دون حكمها.
أو بالعكس، كقوله 2947 : إِنْ فاتَكُمْ شَيْءٌ مِنْ أَزْواجِكُمْ إِلَى الْكُفَّارِ فَعاقَبْتُمْ.
(الاية) فهذه الاية ثابتة في الخطّ، مرتفعة الحكم.
أو بهما، كما روي عن أبي بكر، قال: كنّا نقرأ: «لا ترغبوا عن آبائكم. فإنّه كفر بكم.» فرفع و إنساؤها إذهابها، عن القلوب.
و «ما»، شرطيّة جازمة، لننسخ. منتصبة به على المفعوليّة.
نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْها أَوْ مِثْلِها ، أي: بما هو خير للعباد في النّفع و الثّواب، أو مثلها في الثّواب.
[و قرأ ابو عمرو 2948 بقلب الهمزة ألفا.] 2949
[و في أصول الكافي 2950 : عليّ بن محمّد، عن إسحاق بن محمّد، عن شاهويه بن عبد اللّه الجلاب. قال: كتب إليّ أبو الحسن في كتاب: أردت أن تسأل عن الخلف بعد أبي جعفر. و قلقت لذلك. فلا تغتمّ. فإنّ اللّه- عزّ و جلّ- لا يضل قوما بعد إذ هداهم حتى يبين لهم ما يتقون. و صاحبك بعدك أبو محمّد ابني. و عنده ما تحتاجون إليه. يقدّم ما يشاء اللّه و يؤخّر ما يشاء. 2951 ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِها نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْها أَوْ مِثْلِها و قد كتبت بما فيه بيان و قناع لذي عقل يقظان.
و في تفسير العيّاشيّ 2952 : عن عمر بن يزيد. قال: سألت أبا عبد اللّه- عليه السّلام- عن قول اللّه- عزّ و جلّ- ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِها نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْها أَوْ مِثْلِها».
فقال: كذبوا. ما هكذا هي إذا كان ينسخها. نأت بمثلها ينسخها 2953 .
قلت: هكذا قال اللّه؟
قال: ليس هكذا قال اللّه- تبارك و تعالى.
قلت: فكيف قال؟
قال: ليس فيها ألف و لا واو. قال: ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِها نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْها أَوْ مِثْلِها. يقول: ما نميت من إمام، أو ننسه ذكره، نأت بخير منه من صلبه مثله.
و فيه 2954 : عن محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر- عليه السّلام - في قوله تعالى 2955
ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِها نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْها أَوْ مِثْلِها قال: النّاسخ ما حوّل. و ما ينسيها، مثل الغيب الّذي لم يكن بعد، كقوله 2956 : يمحو اللّه ما يشاء و يثبت و عنده أمّ الكتاب.
قال: فيفعل اللّه ما يشاء. و ما يحوّل ما يشاء، مثل قوم يونس إذ بدا له. فرحمهم.
و مثل قوله 2957 : فتولّ عنهم فما أنت بملوم.
قال: أدركتهم رحمته.] 2958
أَ لَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (106). فهو يقدر على النّسخ و الإتيان، بمثل المنسوخ، و بما هو خير منه؟
الخطاب للنّبيّ. و المراد هو و أمّته، لقوله:
أَنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ : يملك أموركم. و يدبّرها على حسب ما يصلحكم. و هو أعلم بما يتعبّدكم به من ناسخ أو منسوخ؟
وَ ما لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَ لا نَصِيرٍ (107) الفرق بين «الوليّ» و «النّصير»، أنّ «الوليّ» قد يضعف عن النصرة.
و «النّصير» قد يكون أجنبيّا عن المنصور.
أَمْ تُرِيدُونَ أَنْ تَسْئَلُوا رَسُولَكُمْ كَما سُئِلَ مُوسى مِنْ قَبْلُ؟ :
لمّا بيّن لهم أنّه مالك أمورهم، و مدبّرها على حسب مصالحهم، من نسخ الآيات و غيره، و قرّدهم على ذلك بقوله «ألم تعلم»، أراد أن يوصيهم بالثّقة به فيما هو أصلح لهم، ممّا يتعبّدهم به و ينزل عليهم، و أن لا يقترحوا على رسولهم ما اقترحته آباء اليهود على موسى، من الأشياء الّتي كانت عاقبتها و بالا عليهم.
قيل 2959 : نزلت في أهل الكتاب، حين سألوا أن ينزّل [اللّه] 2960 عليهم كتابا من السّماء. و قيل: في المشركين، لمّا قالوا لن نؤمن لرقيّك حتّى تنزّل علينا كتابا نقرؤه.
وَ مَنْ يَتَبَدَّلِ الْكُفْرَ بِالْإِيمانِ و من ترك الثّقة بالآيات المنزلة و شكّ فيها و اقترح غيرها.
فَقَدْ ضَلَّ سَواءَ السَّبِيلِ (108)، أي: الطّريق المستقيم حتّى وقع في الكفر، بعد الإيمان.
وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمانِكُمْ كُفَّاراً :
روى 2961 أنّ فنحاص بن عازورا و زيد بن قيس و نفرا من اليهود قالوا لحذيفة بن اليمان و عمّار بن ياسر، بعد وقعة أحد: ألم تروا ما أصابكم؟ و لو كنتم على حقّ ما هزمتم. فارجعوا إلى ديننا. فهو خير لكم، و أفضل. و نحن أهدى منكم سبيلا.
فقال عمّار: كيف نقض العهد فيكم؟
قالوا: شديد.
قال: فإنّي عاهدت أن لا أكفر بمحمّد ما عشت.
فقالت اليهود: أمّا هذا فقد صبا.
قال حذيفة: و أمّا أنا فقد رضيت باللّه ربّا، و بالإسلام دينا، و بمحمّد نبيّا، و بالقرآن اماما، و بالكعبة قبلة، و بالمؤمنين إخوانا.
ثمّ أتيا رسول اللّه. و أخبراه. فقال: أصبتما خيرا. و أفلحتما، فنزلت.
و عن ابن عبّاس 2962 : أنّها نزلت في حيّ بن أخطب و أخيه أبي ياسر بن أخطب.
و قد دخلا على النّبيّ- صلّى اللّه عليه و آله- حين قدم المدينة. فلمّا خرجا قيل لحيّ: هو نبيّ.
قال: هو هو.
فقيل: فما له عندك؟
قال: العداوة إلى الموت.
و هو الّذي نقض العهد. و أثار الحرب يوم الأحزاب.
و قيل 2963 : نزلت في كعب بن الأشرف.
حَسَداً : علّة ود 2964 .
امّا متعلّق بودّ، أي: تمنّوا ذلك من عند أنفسهم، و تشبيههم لا من قبل التّديّن و الميل مع الحقّ، أو بحسدا، أي: حسدا منبعثا من أصل نفوسهم.
مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُ بالمعجزات و النّعوت المذكورة في التوراة.
«العفو»: ترك عقوبة المذنب. و «الصّفح»: ترك تثريبه.
حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ الّذي هو الإذن في قتالهم، و ضرب الجزية عليهم، أو قتل قريظة، و إجلاء بني النضير.
قيل 2965 : إنّ هذه الآية، منسوخة. فقال بعضهم: بقوله 2966 : قاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَ لا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ ، و بعضهم: بآية السّيف. و هو قوله 2967 : فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ».
و المرويّ عن الباقر- عليه السّلام، أنّه قال 2968 : لم يؤمر رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله- بقتال، و لا أذن له فيه، حتّى نزل جبرئيل بهذه الآية 2969 : أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا و قلّده سيفا.
إِنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (109)، فيقدر على الانتقام منهم.
وَ أَقِيمُوا الصَّلاةَ وَ آتُوا الزَّكاةَ : عطف على «فاعفوا». كأنّه أمرهم بالصّبر و الالتجاء إلى اللّه، بالعبادة و البرّ.
وَ ما تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ ، كصلاة، أو صدقة. و قرئ 2970 [تقدموا] 2971 من أقدم، تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ ، أي: ثوابه.
إِنَّ اللَّهَ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (110): لا يضيع عنده عمل عامل.
و قرئ 2972 بالياء. فيكون و عيدا. «وَ قالوا» عطف على «ودّ» و الضّمير لأهل الكتاب.
وَ قالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كانَ هُوداً : جمع هائد، كعوذ و عائذ و باذل و هو جمع للمذكّر و المؤنّث، على لفظ واحد.
و الهائد: التّائب الرّاجع إلى الحقّ.
و قيل 2973 : مصدر. يصلح للواحد و الجمع، كما يقال: رجل صوم و قوم صوم.
و قيل 2974 : أصله يهود: فحذفت الياء الزّائدة.
و على ما قلنا، فتوحيد الاسم المضمر و جمع الخبر، لاعتبار اللّفظ و المعنى.
أَوْ نَصارى : سبق تحقيقه. و الكلام على اللّفّ بين قولي الفريقين. و التّقدير:
و قالت اليهود: لن يدخل الجنّة إلّا من كان هودا. و النّصارى لن يدخل الجنّة، إلّا من كان نصارى، ثقة بأن السامع يرد إلى كلّ فريق قوله، و أمنا من الالتباس، لما علم من التّعادي بين الفريقين و تضليل كلّ واحد منهما، صاحبه.
إشارة إلى الأمانيّ المذكورة. و هي أن لا ينزل على المؤمنين خير من ربّهم و أن يردّوهم كفّارا. و أن لا يدخل الجنّة غيرهم.
أو إلى ما في الآية على حذف مضاف، أي: أمثال تلك الأمنيّة المذكورة في الآية، أمانيّهم.
و الجملة اعتراض.
و الأمنيّة: أفعولة من التّمنّي، كالأضحوكة و الأعجوبة و الجمع الأضاحيك و الأعاجيب.
قُلْ هاتُوا بُرْهانَكُمْ على اختصاصكم بدخول الجنّة.
و البرهان و الحجّة و الدّلالة و البيان، بمعنى واحد. و قد فرّق عليّ بن عيسى، بين الدّلالة و البرهان، بأن قال: «الدّلالة» قد ينبئ عن معنى فقط. لا يشهد لمعنى آخر. و «البرهان» ليس كذلك. لأنّه بيان عن معنى ينبئ عن معنى آخر. و قد نوزع في هذا الفرق. و قيل: «إنّه محض الدّعوى 2975 ».
إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (111) في دعواكم. فإنّ كلّ قول لا دليل عليه غير ثابت.
و في هذه الآية، دلالة على فساد التّقليد في الأصول. الا ترى أنّه لو جاز التقليد لما أمروا بأن يأتوا فيما قالوا ببرهان؟
و فيها- أيضا- دلالة على جواز المحاجّة في الدّين.
و فيها- أيضا- دلالة على أنّه لا حجّة في إجماع يخلو عن معصوم. و إلّا لجاز لهم أن يقولوا البرهان. إنّا أجمعنا على ما قلنا. فالمتمسّكون بالإجماع المذكور، أضلّون من محرّفي أهل الكتاب.
بَلى : اثبات لما نفوه، من دخول غيرهم الجنّة.
مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ :
من 2976 أخلص نفسه له، لا يشرك به غيره، أو قصده و توجّهه له، وَ هُوَ مُحْسِنٌ في عمله، فَلَهُ أَجْرُهُ الّذي يستوجبه ثابتا، عِنْدَ رَبِّهِ : لا يضيع و لا ينقص.
و الجملة جواب «من»، إن كانت شرطيّة، و خبرها، إن كانت موصولة.
و «الفاء» لتضمّن المبتدأ معنى الشّرط. فيكون الرّدّ بقوله «بلى» وحده، أو يكون «من أسلم»، فاعلا لفعل محذوف، أي: بلى يدخلها من أسلم.
و يكون قوله «فله أجره»، كلاما معطوفا على يدخلها «من أسلم».
وَ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَ لا هُمْ يَحْزَنُونَ (112) في الآخرة.
و هذا ظاهر على قول من يقول: أنّه لا يكون على أهل الجنّة خوف و لا حزن في الآخرة. و أمّا على قول من قال: بعضهم يخاف ثمّ يأمن، فمعناه أنّهم لا يخافون فوت جزاء أعمالهم. لأنّهم يكونون على ثقة، بأنّ ذلك لا يفوتهم.
[و في كتاب الاحتجاج 2977 ، للطّبرسيّ- رحمه اللّه- حديث طويل، عن النّبي- صلّى اللّه عليه و آله. و فيه: فقال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله- لأصحابه: قولوا إِيَّاكَ نَعْبُدُ أي: نعبد واحدا. لا نقول كما قال الدّهريّة: «إنّ الأشياء لا بدو لها و هي دائمة.» و لا كما قال الثّنويّة الّذين قالوا: «إنّ النّور و الظّلمة هما المدبّران.» و لا كما قال مشركوا العرب: «إنّ أوثاننا آلهة.» فلا نشرك بك شيئا. و لا ندعو من دونك إلها، يقول هؤلاء الكفّار. و لا نقول كما تقول النّصارى و اليهود: «إنّ لك ولدا.» تعاليت عن ذلك علوّا كبيرا.