کتابخانه روایات شیعه
و هو ناصب، أي: إذ لو قدّرته متعلّقا بضميره كان الأولى رفعه.
أَ فَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كانُوا أَكْثَرَ مِنْهُمْ وَ أَشَدَّ قُوَّةً وَ آثاراً فِي الْأَرْضِ : ما بقي منهم من القصور و المصانع و نحوهما.
و قيل 14504 : آثار أقدامهم في الأرض، لعظم أجرامهم.
فَما أَغْنى عَنْهُمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ (82).
الأولى 14505 نافية، أو استفهاميّة منصوبة «بأغنى». و الثّانية موصولة، أو مصدريّة مرفوعة به.
فَلَمَّا جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ : بالمعجزات، أو الآيات الواضحات فَرِحُوا بِما عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ و استحقروا علم الرّسل.
و المراد بالعلم: عقائدهم الزائفة و شبههم الدّاحضة، كقوله 14506 : بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ . و هو قولهم: لا نبعث و لا نعذّب و ما أظنّ السّاعة قائمة و نحوها. و سمّاها: علما، على زعمهم، تهكّما بهم.
أو من علم الطّبائع و التّنجيم و الصّنائع، و نحو ذلك.
أو علم الأنبياء، و فرحهم به ضحكهم منه و استهزاؤهم، و يؤيده: وَ حاقَ بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ (83).
و قيل 14507 : الفرح- أيضا- للرّسل، فإنّهم لمّا رأوا تمادي جهل الكفّار و سوء عاقبتهم فرحوا بما أوتوا من العلم و شكروا اللّه عليه، و حاق بالكافرين جزاء جهلهم و استهزائهم.
فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا : شدّة عذابنا قالُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ وَ كَفَرْنا بِما كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ (84)، يعنون: الأصنام.
فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا : لامتناع قبوله حينئذ.
قيل 14508 : و الفاء الأولى 14509 لأنّ قوله: فَما أَغْنى عَنْهُمْ كالنّتيجة لقوله: كانُوا أَكْثَرَ مِنْهُمْ . و الثانية 14510 لأنّ قوله: فَلَمَّا جاءَتْهُمْ كالتّفسير لقوله: فَما أَغْنى عَنْهُمْ .
و الباقيتان 14511 لأنّ رؤية البأس مسبّبة عن مجيء الرّسل، و امتناع نفع الإيمان مسبّب عن الرّؤية.
و في عيون الأخبار 14512 ، في باب ما جاء عن الرّضا- عليه السّلام- عن من العلل، بإسناده إلى [محمّد بن] 14513 إبراهيم بن محمّد الهمدانيّ قال: قلت لأبي الحسن الرّضا- عليه السّلام-: لأيّ علّة غرّق 14514 اللّه- تعالى- فرعون و قد آمن به و أقرّ بتوحيده؟
قال: لأنّه آمن عند رؤية البأس، و الإيمان عند روية البأس غير مقبول، و ذلك حكم اللّه- تعالى ذكره- في السّلف و الخلف، قال اللّه- عزّ و جلّ-: فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا قالُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ وَ كَفَرْنا بِما كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ، فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا .
و قال 14515 - عزّ و جلّ-: يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمانُها لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمانِها خَيْراً . و هكذا فرعون لمّا أدركه الغرق قال: آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُوا إِسْرائِيلَ وَ أَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ . فقيل له: آلْآنَ وَ قَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَ كُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ . 14516
و الحديث طويل. أخذت منه موضع الحاجة.
و في شرح الآيات الباهرة 14517 : قال عليّ بن إبراهيم في تفسيره. ذلك إذا قام القائم- عليه السّلام- في الرّجعة.
سُنَّتَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبادِهِ ، أي: سنّ اللّه ذلك سنّة ماضية في العباد.
قيل 14518 : و هي من المصادر المؤكّدة.
وَ خَسِرَ هُنالِكَ الْكافِرُونَ (85)، أي: وقت رويتهم البأس. اسم مكان استعير للزّمان.
و في الكافي 14519 : محمّد بن يحيى، عن محمّد بن أحمد، عن جعفر بن رزق اللّه [- أو رجل عن جعفر بن 14520 رزق اللّه-] 14521 قال: قدم إلى المتوكّل رجل نصرانيّ فجر بامرأة مسلمة، فأراد
أن يقيم عليه الحدّ فأسلم.
فقال يحيى بن أكثم: قد هدم إيمانه شركه و فعله.
و قال بعضهم: يضرب ثلاثة حدود. و قال بعضهم. يفعل به كذا و كذا.
فأمر المتوكّل بالكتاب 14522 إلى أبي الحسن الثّالث و سؤاله عن ذلك، فلمّا قرأ الكتاب كتب: يضرب حتّى يموت.
فأنكر يحيى بن أكثم، و أنكر فقهاء العسكر ذلك، و قالوا: يا أمير المؤمنين، نسأل 14523 عن هذا فإنّه شيء لم ينطق به كتاب 14524 و لم تجيء به سنّة.
فكتب إليه: إنّ فقهاء المسلمين قد أنكروا هذا، و قالوا: لم تجيء به سنّة و 14525 لم ينطق به كتاب، فبيّن لنا لم أوجبت عليه الضّرب حتّى يموت؟
فكتب: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ، فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا قالُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ وَ كَفَرْنا بِما كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ، فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا سُنَّتَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبادِهِ وَ خَسِرَ هُنالِكَ الْكافِرُونَ . فأمر به المتوكّل، فضرب حتّى مات.
تفسير سورة السّجدة (فصّلت)
سورة السّجدة مكّيّة.
و آيها ثلاث أو أربع و خمسون.
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ*
في كتاب ثواب الأعمال 14526 ، بإسناده إلى أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: من قرأ حم السّجدة كانت له نورا يوم القيامة مدّ بصره و سرورا، و عاش في الدّنيا محمودا مغبوطا.
و في مجمع البيان 14527 : أبيّ بن كعب، عن النّبيّ- صلّى اللّه عليه و آله- [قال] 14528 .
و من قرأ حم السّجدة أعطي بعدد كلّ حرف منها عشر حسنات.
و في كتاب الخصال 14529 : عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: إنّ العزائم أربع: اقرأ باسم ربّك الّذي خلق، و النّجم، و تنزيل السّجدة، و حم السّجدة.
حم (1) قد مرّ تفسيره.
و في كتاب معاني الأخبار 14530 ، بإسناده إلى سفيان بن سعيد الثّوريّ: عن الصّادق
- عليه السّلام-: و أمّا حم فمعناه: الحميد المجيد.
و قيل 14531 : إن جعلته مبتدا، فخبره تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ (2) و إن جعلته تعديدا للحروف «فتنزيل» خبر محذوف أو مبتدأ لتخصّصه بالصّفة و خبره كِتابٌ . و هو على الأوّلين بدل منه، أو خبر آخر، أو خبر محذوف.
و لعلّ افتتاح هذه السّور السّبع «بحم» و تسميتها به لكونها مصدّرة ببيان الكتاب، متشاكلة في النّظم و المعنى. و إضافة «التّنزيل» إلى الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ للدّلالة على أنّه مناط المصالح الدّينيّة و الدّينويّة. 14532 فُصِّلَتْ آياتُهُ : ميّزت باعتبار اللّفظ و المعنى.
و قرئ 14533 : «فصلت»، أي: فصل بعضها من بعض باختلاف الفواصل و المعاني، أو فصلت بين الحقّ و الباطل.
قُرْآناً عَرَبِيًّا : نصب على المدح، أو الحال من فُصِّلَتْ . و فيه امتنان بسهولة قراءته و فهمه.
لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (3): العربيّة، أو لأهل العلم و النّظر.
و هو صفة أخرى «لقرآنا»، أو صلة «لتنزيل» أو «لفصّلت». و الأوّل أولى لوقوعه بين الصّفات.
بَشِيراً وَ نَذِيراً للعاملين به 14534 و المخالفين له.
و قرئا 14535 بالرّفع، على الصّفة «لكتاب» أو الخبر لمحذوف.
فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ : عن تدبّره و قبوله.
فَهُمْ لا يَسْمَعُونَ (4): سماع تأمّل و طاعة.
وَ قالُوا قُلُوبُنا فِي أَكِنَّةٍ : أغطية. جمع كنان 14536 مِمَّا تَدْعُونا إِلَيْهِ .
وَ فِي آذانِنا وَقْرٌ : صمم. و أصله: الثّقل.