کتابخانه روایات شیعه
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
()
الإهداء
إلى خاتم الأنبياء و الرسل محمّد صلّى اللّه عليه و آله؛ إلى من بلّغ رسالات ربّه، و غرس بذرة الولاء لعليّ أمير المؤمنين عليه السلام في يوم «غدير خمّ» إلى من أعلنها كلمة حقّة، و صرخة مدويّة لإكمال الدين و إتمام النعمة و رضى الربّ بأمره تعالى فقال صلّى اللّه عليه و آله:
«أ لست أولى بكم من أنفسكم»؟ قالوا: بلى. فقال:
«من كنت مولاه فهذا عليّ مولاه، اللّهمّ وال من والاه، و عاد من عاداه ...».
و إلى خليفته و وصيّه و ابن عمّه و زوج بضعته «الزهراء البتول»:
«الإمام أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام» و إلى أبنائه حجج اللّه على عباده من بعده؛ و إلى خاتم أوصيائه الإمام المهديّ المنتظر صلوات اللّه عليهم جميعا؛ إليكم جميعا نقدّم هذا الجهد المتواضع، لتكونوا لنا شفعاء يوم فقرنا و فاقتنا؛ يوم لا ينفع مال و لا بنون إلّا من أتى اللّه بقلب سليم. 1326
المقدّمة
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
الحمد للّه خالق كلّ شيء و وليّه، ذي الكبرياء و العظمة و الجلالة، الّذي هدانا بالشمس إذ جلّاها و القمر إذ تلاها، و منّ علينا بهداية الرسالة و الخلافة؛ فبعث في الامّيّين رسولا و سراجا منيرا، و خصّ يوما بإكمال الدين و إتمام النعمة و رضا الربّ بالإسلام دينا، لتثبيت أهميّة الولاية في إخلاد الرسالة، فله الحمد على ما هدانا لها و ما كنّا لنهتدي لو لا أن هدانا اللّه، أمانا من الحيرة و الضلالة؛ و صلّى اللّه على حبيبه محمّد رسول اللّه البقيّة من إبراهيم خليل اللّه، الّذي ختمت به النبوّة و الرسالة، و هو الّذي بلّغ رسالات ربّه كما أمره في أشهر زمان و مكان، لتعيين وزيره و خليفته بأحسن حديث و أتمّ دلالة؛ و على وصيّه أمير المؤمنين المنصوص بأنّه لا يؤدّي- الرسالة- عنه إلا هو، و أنّه الدائر مع الحقّ حيثما دار، فإنّه رمز الإيمان و الولاء، و معدن الحكمة و العلم و العدالة و على صفوة اللّه من ذرّيّته و أهل بيته أطهر الخلق و أنبل الأنام و أشرف سلالة، سيّما المهديّ صاحب الزمان عجّل اللّه فرجه الشريف مظهر الحقّ و محيي آثار النبوّة و مجتثّ جذور الشقاوة و الجهالة ....
و بعد، فإنّ واقعة الغدير حادثة عظمى في تاريخ البشريّة؛ لأنّها نظّمت مسألة الخلافة و الوصاية بعد النبيّ صلّى اللّه عليه و آله، و هذا بلا ريب أمر خطير و ضرورة حياتيّة يحتّمها التسلسل القيادي لبني البشر، إذ لا بدّ من قائد يرعى مصالح الامّة، و ينظّم شئونها، و يدير امورها.
و سيبدو لنا عظم هذا الأمر جليّا إذا أخذنا بنظر الاعتبار الظروف الموضوعيّة للامّة الإسلاميّة باعتبار أن قيادتها إلهيّة تمتاز عن الحكومات الوضعيّة في امور كثيرة.
فبعد أن صدع النبيّ صلّى اللّه عليه و آله بأمر ربّه الكريم، و بلّغ رسالاته، و سنّ اسس الشريعة السمحاء و قرّر اصولها و فروعها، كان لا بدّ له من وزير و وصيّ يخلفه في إكمال المسيرة بحيث يعد ممثّلا له و لا يؤدّي عنه إلّا هو، و يكون عمله امتدادا للرسالة و ذلك بممارسة دوره في البيان و التبيين و التبليغ، و تفصيل ما كان مجملا، و تفسير ما كان مشكلا، و تحليل ما كان معضلا، و القتال على تأويل القرآن كما قاتل صلّى اللّه عليه و آله على تنزيله، و كان عليه أيضا أن يثني الوسادة، و يتحمّل مسئوليّته الجليلة في تنوير أذهان المسلمين و تربيتهم و تهذيبهم، و أن يكون مرجعا لهم في كلّ امورهم الحياتيّة، و ما إلى ذلك من المهامّ الّتي لا تتأتّى و لا يأتي بها إلّا من اختاره اللّه.
أضف إلى هذا أنّ الأرضيّة الصلبة الّتي ينبغي للامّة الإسلاميّة أن تقف عليها لم تتكامل بعد، و ذلك لأنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله لم يبيّن و يفصّل جميع الامور بحذافيرها حدّ البلاغ المبين و إن أشار إليها في مواطن كثيرة، و هذا إمّا لعدم توفّر الظرف المناسب، أو لأنّ الإمكانيّات الذاتيّة لدى الأفراد لم تكن مستعدّة لقبول مثل تلك الامور و استيعابها دون أن يمضي وقت كاف على إيمانهم و ذوبانهم في الإسلام.
و عند ما نضع في الحسبان أن تلك القيادة الدينيّة و الدنيويّة و المؤطرة بخاصيّة الأزليّة و إمكانيّة القيادة و الهداية إلى يوم القيامة كانت بيد خاتم النبيّين صلّى اللّه عليه و آله، الّذي «ما ينطق عن الهوى إن هو إلّا وحي يوحى» و أنّه معصوم و مسدّد من اللّه تعالى، يظهر لنا واضحا جسامة الأمر و عظم خطره، و أنّ اختيار الشخص الّذي سيخلف رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و المؤهّل بالكفاءة العالية الّتي تمكّنه من النهوض بذلك العبء الثقيل و القيام بواجبه المقدّس خير قيام- ناهيك عن ضرورة عصمته و علمه الواسع و اطّلاعه و خبرته بدقائق الامور و شجاعته و حلمه و حكمته- هو ليس بالأمر الهيّن
الّذي يمكن للامّة أن تقرّره و تختاره ببساطة، معتمدة في ذلك على عقول أفرادها القاصرة و الخاضعة للأهواء المتباينة؛ بل صار لزاما على الامّة أن تخضع في ذلك لما يقرّره و يختاره رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله عن اللّه جلّ و علا، و ذلك لأنّه سبحانه و تعالى يقول: إِنَّ عَلَيْنا لَلْهُدى 1327 و قال أيضا: وَ ما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ 1328 ؛ و قال أيضا: وَ ما كانَ لِمُؤْمِنٍ وَ لا مُؤْمِنَةٍ إِذا قَضَى اللَّهُ وَ رَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ 1329 .
و جدير بالذكر هنا أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله كان يعلن بين الفينة و الاخرى عن وصيّه و خليفته- منذ الأيّام الاولى للدعوة الإسلاميّة- و كان أوّلها يوم أمره جلّ جلاله أن ينذر عشيرته الأقربين 1330 من العذاب الإلهي، و يدعوهم إلى عقيدة التوحيد قبل أن يبدأ دعوته العامّة للناس كافّة، و يومها قال صلّى اللّه عليه و آله:
«أيّكم يؤازرني على هذا الأمر على أن يكون أخي و وصيّي و خليفتي فيكم»؟
فأحجم القوم، و قام الإمام عليّ عليه السلام و أعلن مؤازرته و تأييده، فأخذ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله بيده، و قال أمام الحاضرين: «إنّ هذا أخي و وصيّي و خليفتي فيكم».
ثمّ كان آخرها و أعظمها و أشهرها عند غدير خمّ يوم أعلنها رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أمام الملأ صرخة حقّ مدوية ما زال التاريخ يردّدها بشغف و تقدير، يوم أمره الباري تبارك و تعالى بتبليغ ما انزل إليه- من قبل- و علّق كلّ أعماله السابقة بل تمام نبوّته صلّى اللّه عليه و آله بأداء هذا الأمر الخطير و وعده العصمة من الناس.
و هنا تكمن جلالة هذا اليوم، و تتجلّى عظمة تلك الشخصيّة الّتي أرادها اللّه تعالى أن تكون خليفة لحبيبه و خاتم أنبيائه، و الّتي بنصبها كمل الدين و تمّت النعمة و رضي الربّ بالإسلام دينا.
حقّا كان يوما خالدا، و وقفة خالدة، و كلمة باقية أطلقها رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، و ما انفكّت حروفها ساطعة تتلألأ في بطون الكتب: «من كنت مولاه فهذا عليّ مولاه اللّهمّ وال من والاه و عاد من عاداه، و أدر الحقّ معه حيثما دار».
و ذلك بعد ما حجّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله حجّته الأخيرة المعروفة «بحجّة الوداع» و قد حجّ معه أكثر من مائة و عشرين ألفا، فلمّا قضى مناسكه و انصرف راجعا إلى المدينة، و وصل إلى غدير خمّ من الجحفة، و ذلك يوم الثامن عشر من ذي الحجّة، نزل إليه الأمين جبرئيل عن اللّه بقوله: يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ و أمره أن يقيم عليّا علما للناس، و يبلّغهم ما نزل فيه من الولاية، و كان ذلك اليوم هاجرا يضع الرجل بعض ردائه على رأسه و بعضه تحت قدميه من شدّة الرمضاء، فظلّل لرسول اللّه بثوب على شجرة سمرة من الشمس، و جمعت له أقتاب الإبل، فاعتلاها صلّى اللّه عليه و آله و عليّ عليه السلام معه، و ألقى في تلك الجموع المحتشدة خطابا بليغا: ذكّرهم فيه بلقاء اللّه، و أنّ الجنّة حقّ، و أنّ النار حقّ، و أنّ البعث بعد الموت حقّ.
ثمّ قال: ... إنّي أشهد أنّ اللّه مولاي و أنا مولى كلّ مسلم، و أنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم، فهل تقرّون بذلك؛ و تشهدون لي به؟ فقالوا: نشهد لك بذلك.
فقال: «ألا من كنت مولاه فهذا عليّ مولاه ...» و هو هذا.
ثمّ أخذ بيد عليّ عليه السلام فرفعها حتّى بدت آباطهما 1331 .