کتابخانه روایات شیعه
عوالم العلوم و المعارف والأحوال من الآيات و الأخبار و الأقوال (مستدرك سيدة النساء إلى الإمام الجواد
و قد ورد الخبر بأنّه أرسله يخطب إليه، فدفعه عن ذلك بأجمل دفع، فاستدعى عمر العبّاس بن عبد المطّلب، ثمّ قال له: مالي؟ أبي بأس؟.
فقال له العبّاس: و ما الّذي اقتضى هذا القول؟
فقال: خطبت إلى ابن أخيك ابنته فدفعني، و هذا يدلّ على عداوته لي و تبرّئه عنّي و اللّه و اللّه لأفعلنّ كذا و كذا، و لأبلغنّ إلى كذا و كذا، و لا يكثر إلى كذا؛
و إنّما كنّينا عن التصريح بالوعيد الّذي ذكره لفحشه و قبحه و تجاوزه كلّ حدّ، و الألفاظ مشهورة في الرواية، معروفة.
فعاد العبّاس إلى أمير المؤمنين عليه السّلام، فعاتبه و خوّفه و سأله أن يردّ أمر المرأة إليه؛
فقال له: افعل ما شئت، فمضى و عقد عليها. 3221
و مع هذا الإكراه و التخويف فقد تحلّ المحارم كالخمر و الخنزير.
و روي أنّ أبا عبد اللّه الصادق عليه السّلام سئل عن ذلك؟
فقال عليه السّلام: ذلك فرج غصبنا عليه. 3222
و بعد: فإذا كانت التقيّة و خوف المحاربة و قطع مادّة المظاهرة، و ما حمل مجموعه و تفصيله أمير المؤمنين عليه السّلام على بيعة من جلس في مقعده، و استولى على حقّه و إظهار طاعته و الرضا بإمامته و أخذ عطيّته، فأهون من ذلك إنكاحه؛
فما النكاح بأعظم ممّا ذكرنا، و إذا حسن العذر بهذه الامور كلّها؛
و لولاه كانت قبيحة محظورة، فكذلك العذر بعينه قائم في النكاح.
و بعد: فإنّ النكاح أخفّ حالا و أهون خطبا من سائر ما عددناه، لأنّه جائز في العقول أن يبيح اللّه تعالى إنكاح الكفّار مع الاختيار، و ليس في ذلك وجه قبح ثابت، بل لا بدّ من حصوله، و ليس في تقبيح العقول مع الإيثار و الاختيار أن يسمّى بالإمامة من لا يستحقّها و أن يطاع و يقتدى بمن لا يكمل له شرائط الإمامة.
فإذا أباحت الضرورة ما لا يجوز مع الإيثار في العقول إباحته، كيف لا تبيح الضرورة ما كان يجوز في العقول مع الإيثار استباحته؟ 3223
و من حملته نفسه من أصحابنا على إنكار هذه المصاهرة، كمن حمل نفسه على إنكار كون رقيّة و زينب بنتي رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم في دفع الضرورة و الإشمات بنفسه أعداءه و التطريق عليه لمن لا يعلم حقائق الامور، و أنّه في كلّ مذاهبه و اعتقاداته على مثل هذه الحالة الّتي لا تخفى على العقلاء ضرورة سفه مرتكبها.
فأمّا من قال من جهّال أصحابنا: إنّ العقد وقع، لكنّ اللّه تعالى أبدل المعقود عليها شيطانة عند القصد إلى التمتّع، فممّا يضحك به الثكلى، لأنّ المسألة باقية عليه في العقد للكافر، سواء تمتّع أو لم يتمتّع.
فما يعتذر به من ايقاع [عقد] الكافر على مؤمنة هو المحذور منه، و لا معنى لذكر المنع من التمتّع، و كيف يبيح العقد على من لا يجوز مناكحته و لا عقد النكاح له؟ و إذا أباحه بالعقد الواقع للتمتّع، فكيف يمنعه ممّا يقتضيه العقد؟ و المنع من العقد أولى من ايقاعه و المنع من مقتضاه، و إنّما أحوج إلى العجز عن ذكر العذر الصحيح، و هذه جملة مغنية عن ذكر سواها بإذن اللّه تعالى، و له الحمد و الصلاة على محمّد و آله. 3224
(2) دفاعها عن أبيها أمير المؤمنين عليهما السّلام، و موقفها مع حفصة بنت عمر
أعلام النساء المؤمنات: لمّا سارت عائشة إلى البصرة معلنة الحرب على الإمام عليه السّلام و سار عليّ سلام اللّه عليه لقطع الفتنة الّتي حلّت بالامّة من جرّاء نقض عائشة للبيعة و معها طلحة و الزبير، و نزل في ذي قار كتبت عائشة لحفصة كتابا تخبرها بذلك و تسرّها بالنصر المزعوم.
قال ابن أبي الحديد المعتزلي في شرح نهج البلاغة: لمّا نزل عليّ عليه السّلام كتبت عائشة إلى حفصة بنت عمر: أمّا بعد، فإنّي اخبرك أنّ عليّا قد نزل ذا قار، و أقام بها مرعوبا خائفا لما بلغه من عدّتنا و جماعتنا، فهو بمنزلة الأشقر إن تقدّم عقر، و إن تأخّر نحر.
فدعت حفصة جواري لها يتغنّين و يضربن بالدفوف، فأمرتهنّ أن يقلن في غنائهنّ: ما الخبر ما الخبر، عليّ في السفر، كالفرس الأشقر، إن تقدّم عقر، و إن تأخّر نحر، و جعلت بنات الطلقاء يدخلن على حفصة و يجتمعن لسماع ذلك الغناء؛
فبلغ أمّ كلثوم بنت عليّ بن أبي طالب عليها السّلام فلبست جلابيبها، و دخلت عليهنّ في نسوة متنكّرات، ثمّ أسفرت عن وجهها، فلمّا عرفتها حفصة خجلت و استرجعت.
فقالت أمّ كلثوم: لئن ظاهرتما عليه منذ اليوم لقد تظاهرتما على أخيه من قبل فأنزل اللّه فيكما ما أنزل 3225 . فقالت حفصة: كفى رحمك اللّه، و أمرت بالكتاب فمزّق، و استغفرت اللّه. قال أبو مخنف: روى هذا جرير بن يزيد، عن الحكم. و رواه الحسن ابن دينار، عن الحسن البصري، و ذكر الواقدي مثل ذلك، و ذكر المدائني (مثله).
قال: فقال سهل بن حنيف في ذلك هذه الأشعار:
عذرنا الرجال بحرب الرجال
فما للنساء و ما للسباب
أما حسبنا ما أتينا به
لك الخير في هتك ذا الحجاب
و مخرجها اليوم من بيتها
يعرفها الذئب نبح الكلاب
إلى أن أتانا كتاب لها
مشوم فيا قبح ذاك الكتاب 3226
(3) حضورها عليها السّلام في واقعة الطفّ
لقد حضرت أمّ كلثوم بنت عليّ بن أبي طالب سلام اللّه عليها أرض كربلاء، و شاهدت واقعة الطفّ، و كلّ ما جرى على إخوتها و أبنائهم و أنصارهم، إذا هي شريكة الحسين عليه السّلام في أداء الرسالة المحمّديّة، و شريكة اختها العقيلة زينب بنت عليّ عليه السّلام، و إن كانت أمّ كلثوم أصغر من زينب، إلّا أنّ التأريخ يحدّثنا عن مواقف بطوليّة وقفتها أمّ كلثوم، شأنها شأن اختها العقيلة؛
فبالإضافة إلى خطبتها المشهورة سجّل لنا التأريخ اسمها في وقائع متعدّدة:
(1) روى السيّد ابن طاوس رحمه اللّه في كتاب اللهوف وداع الحسين عليه السّلام للعائلة، قال: و جعلت أمّ كلثوم تنادي:
وا أحمداه، وا عليّاه، وا امّاه، وا أخاه، وا حسيناه، وا ضيعتنا بعدك يا أبا عبد اللّه؛
فعزّاها الحسين عليه السّلام و قال لها: يا اختاه، تعزّي بعزاء اللّه، فإنّ سكّان السماوات يفنون، و أهل الأرض كلّهم يموتون و جميع البريّة يهلكون.
ثمّ قال: يا اختاه يا أمّ كلثوم، و أنت يا زينب، و أنت يا فاطمة، و أنت يا رباب، انظرن إذا أنا قتلت فلا تشققنّ عليّ جيبا، و لا تخمشنّ عليّ وجها، و لا تقلن هجرا. 3227
(2) روى الشيخ التستري رحمه اللّه، استغاثات الحسين عليه السّلام يوم عاشوراء، و عزم الإمام زين العابدين عليه السّلام على الجهاد؛
فقال: فأخذ بيده عصا يتوكّأ عليها، و سيفا يجرّه في الأرض فخرج من الخيام؛
و خرجت أمّ كلثوم خلفه تنادي: يا بنيّ، ارجع، و هو يقول:
يا عمّتاه، ذريني اقاتل بين يدي ابن رسول اللّه، فقال الحسين عليه السّلام: يا أمّ كلثوم، خذيه، لئلا تبقى الأرض خالية من نسل آل محمّد عليهم السّلام، فأرجعته أمّ كلثوم. 3228
(3) جاء في وداع الحسين عليه السّلام للعائلة: أنّه عليه السّلام أقبل على أمّ كلثوم و قال لها:
أوصيك يا اخيّة بنفسي خيرا، و إنّي بارز إلى هؤلاء. 3229
(4) قال المحدّث القمّي (ره): إنّ الحسين عليه السّلام لمّا نظر إلى اثنين و سبعين رجلا من أهل بيته صرعى، التفت إلى الخيمة و نادى:
يا سكينة، يا فاطمة، يا زينب، يا أمّ كلثوم، عليكنّ منّي السلام .... 3230
(5) و بعد مصرع الحسين عليه السّلام أقبل فرسه إلى الخيام، و وضعت أمّ كلثوم يدها على أمّ رأسها، و نادت: وا محمّداه، وا جدّاه، وا أبتاه، وا أبا القاسماه، وا عليّاه، وا جعفراه، وا حمزتاه، وا حسناه، هذا حسين بالعراء، صريع بكربلاء، محزوز الرأس من القفا، مسلوب العمامة و الرداء، ثمّ غشي عليها. 3231
(6) و عند دخول السبايا مدينة الكوفة بتلك الحالة المزرية الّتي يحدّثنا بها التاريخ، كانت أمّ كلثوم تنظر إلى ذلك و قد اشتدّ بها الوجد، و أمضّ بها المصاب، و زاد في وجدها أن ترى أهل الكوفة يناولون الأطفال الّذين على المحامل بعض التمر و الخبز و الجوز؛
فصاحت بهم: يا أهل الكوفة، إنّ الصدقة علينا حرام، و صارت تأخذ ذلك من أيدي الأطفال و أفواههم و ترمي به إلى الأرض.
قال مسلم الجصّاص: و الناس يبكون على ما أصابهم؛
ثمّ إنّ أمّ كلثوم أطلعت رأسها من المحمل و قالت لهم: صه يا أهل الكوفة، تقتلنا رجالكم، و تبكينا نساؤكم! و الحاكم بيننا و بينكم اللّه يوم فصل القضاء. 3232
(7) و عند رجوعهم إلى المدينة، و بمجرّد أن لاحت جدران المدينة لأمّ كلثوم تفجّرت باكية و هي تقول:
مدينة جدّنا لا تقبلينا
فبالحسرات و الأحزان جينا 3233
(4) خطبتها عليها السّلام في الكوفة
لا شكّ و لا ريب أنّ الدور التبليغي الّذي قمن به بنات الرسالة بعد مصرع الحسين عليه السّلام كان له أكبر الأثر في توعية الناس و تعريفهم بحقيقة الامور، و بأنّهم آل الرسول عليهم السّلام، لا خوارج كما يدّعي يزيد؛
و من اللواتي قمن بهذا الدور البطولي هي أمّ كلثوم بنت عليّ بن أبي طالب عليهما السّلام.
قال السيّد ابن طاوس رحمه اللّه:
خطبت أمّ كلثوم من وراء كلّتها، رافعة صوتها بالبكاء، فقالت:
يا أهل الكوفة، سوأة لكم، ما لكم خذلتم حسينا و قتلتموه، و انتهبتم أمواله و ورثتموه، و سبيتم نساءه و نكبتموه، فتبّا لكم و سحقا.
ويلكم أ تدرون أيّ دواه دهتكم؟ و أيّ وزر على ظهوركم حملتم؟ و أيّ دماء سفكتموها؟ و أيّ كريمة أصبتموها؟ و أيّ صبيّة سلبتموها؟ و أيّ أموال انتهبتموها؟
قتلتم خير رجالات بعد النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلم، و نزعت الرحمة من قلوبكم، ألا إنّ حزب اللّه هم الفائزون، و حزب الشيطان هم الخاسرون.
ثمّ قالت:
قتلتم أخي ظلما فويل لامّكم
ستجزون نارا حرّها يتوقّد
سفكتم دماء حرّم اللّه سفكها
و حرّمها القرآن ثمّ محمّد
ألا فابشروا بالنار أنّكم غدا
لفي سقر حقّا يقينا تخلّدوا
و إنّي لأبكي في حياتي على أخي
على خير من بعد النبيّ سيولد
بدمع غزير مستهل مكفكف
على الخدّ منّي دائما ليس يجمد
قال الراوي: فضجّ الناس بالبكاء و النوح، و نشرت النساء شعورهنّ، و وضعن التراب على رءوسهنّ، و خمشن وجوههنّ، و ضربن خدودهنّ، و دعون بالويل و الثبور، و بكى الرجال و نتفوا لحاهم، فلم ير باك و لا باكية أكثر من ذلك اليوم. 3234
(5) شعرها عليها السّلام حين رجوعها من الشام
قالت أمّ كلثوم بنت عليّ بن أبي طالب سلام اللّه عليهما عند ما رجعت إلى المدينة المنوّرة:
مدينة جدّنا لا تقبلينا
فبالحسرات و الأحزان جينا
ألا فاخبر رسول اللّه عنّا
بأنّا قد فجعنا في أخينا
و أنّ رجالنا في الطفّ صرعى
بلا رءوس و قد ذبحوا البنينا
و أخبر جدّنا أنّا اسرنا
و بعد الأسر يا جدّ سبينا
و رهطك يا رسول اللّه أضحوا
عرايا بالطفوف مسلبينا
و قد ذبحوا الحسين و لم يراعوا
جنابك يا رسول اللّه فينا
فلو نظرت عيونك للاسارى
على قتب الجمال محملينا
رسول اللّه بعد الصون صارت
عيون الناس ناظرة إلينا
و كنت تحوطنا حتّى تولّت
عيونك ثارت الأعداء علينا
أ فاطم لو نظرت إلى السبايا
بناتك في البلاء مشتتينا
أ فاطم لو نظرت إلى الحيارى
و لو أبصرت زين العابدينا
أ فاطم لو رأيتينا سهارى
و من سهر الليالي قد عمينا
أ فاطم ما لقيت من عداك
و لا قيراط ممّا قد لقينا
فلو دامت حياتك لم تزالي
إلى يوم القيامة تندبينا
و عرّج بالبقيع وقف و ناد
أ أين حبيب ربّ العالمينا
و قل يا عمّ يا الحسن المزكّى
عيال أخيك أضحوا ضائعينا
أيا عمّاه إنّ أخاك أضحى
بعيدا عنك بالرمضا رهينا
بلا رأس تنوح عليه جهرا
طيور و الوحوش الموحشينا
و لو عاينت يا مولاي ساقوا
حريما لا يجدن لهم معينا
على متن النياق بلا وطاء
و شاهدت العيال مكشفينا
مدينة جدّنا لا تقبلينا