کتابخانه روایات شیعه
عوالم العلوم و المعارف والأحوال من الآيات و الأخبار و الأقوال (مستدرك سيدة النساء إلى الإمام الجواد
قد أحببت زيارتك و الأخذ بالحظّ من رؤيتك فإذا نظرت في كتابي هذا فاقبل إليّ آمنا مطمئنّا أرشدك اللّه أمرك، و غفر لك ذنبك و السلام عليك و رحمة اللّه و بركاته.
قال: فلمّا ورد الكتاب على محمّد بن عليّ و قرأه أقبل على ابنيه جعفر و عبد اللّه أبي هاشم، فاستشارهما في ذلك، فقال له ابنه عبد اللّه: يا أبة اتّق اللّه في نفسك و لا تصر إليه فإنّي خائف أن يلحقك بأخيك الحسين و لا يبالي، فقال محمّد: يا بني و لكنّي لا أخاف ذلك منه.
فقال له ابنه جعفر: يا أبه إنّه قد ألطفك في كتابه إليك و لا أظنّه يكتب إلى أحد من قريش بأن أرشدك اللّه أمرك و غفر لك ذنبك، و أنا أرجو أن يكفّ اللّه شرّه عنك قال: فقال محمّد بن عليّ: يا بنيّ إنّي توكّلت على اللّه الّذي يمسك السماء أن تقع على الأرض إلّا بإذنه و كفى باللّه وكيلا.
قال: ثمّ تجهّز محمّد بن عليّ و خرج من المدينة و سار حتى قدم على يزيد بن معاوية بالشام، فلمّا استأذن أذن له و قرّبه و أدناه و أجلسه معه على سريره، ثمّ أقبل عليه بوجهه، فقال: يا أبا القاسم آجرنا اللّه و إيّاك في أبي عبد اللّه الحسين بن عليّ فو اللّه لئن كان نقصك فقد نقصني، و لئن كان أوجعك فقد أوجعني، و لو كنت أنا 6660 المتولّي لحربه لما قتلته (و لو كنت أستولي لحربه لما قتلته) و لدفعت عنه القتل و لو بحزّ 6661 أصابعي و ذهاب بصري، و لفديته بجميع ما ملكت يدي، و إن كان قد ظلمني و قطع رحمي و نازعني حقّي، و لكن عبيد اللّه بن زياد لم يعلم رأيي في ذلك فعجّل عليه بالقتل فقتله، و لم يستدرك ما فات، و بعد فإنه ليس يجب علينا أن نرضى بالدنيّة في حقّنا و لم يكن يجب على أخيك أن ينازعنا في أمر خصّنا اللّه به دون غيرنا، و عزيز عليّ ما ناله و السلام فهات الآن ما عندك يا أبا القاسم.
قال: فتكلّم محمّد بن عليّ فحمد اللّه و أثنى عليه، ثمّ قال: إنّي قد سمعت كلامك فوصل اللّه رحمك و رحم حسينا و بارك له فيما صار إليه من ثواب ربّه و الخلد الدائم الطويل في جوار الملك الجليل، و قد علمنا أنّ ما نقصنا فقد نقصك و ما عراك فقد
عرانا من فرح و ترح، و كذا أظنّ أن لو شهدت ذلك بنفسك لاخترت أفضل الرأي و العمل، و لجانبت أسوأ الفعل و الخطل و الآن فإنّ حاجتي إليك أن لا تسمعني فيه ما أكره، فإنّه أخي و شقيقي و ابن أبي، و إن زعمت أنّه قد كان ظلمك و كان عدوّا لك كما تقول.
قال: فقال له يزيد: إنّك لن تسمع منّي إلّا خيرا و لكن هلمّ فبايعني و اذكر ما عليك من الدين حتى أقضيه عنك، قال: فقال له محمّد بن عليّ عليهما السّلام: أمّا البيعة فقد بايعتك و أمّا ما ذكرت من أمر الدين فما عليّ من دين و الحمد للّه، و إنّي من اللّه تبارك و تعالى في كلّ نعمة سابغة لا أقوم بشكرها.
قال: فالتفت يزيد- لعنه اللّه- إلى ابنه خالد، فقال: يا بنيّ إنّ ابن عمّك هذا بعيد من الخبّ 6662 و اللؤم و الدنس و الكذب، و لو كان غيره كبعض من عرفت لقال عليّ من الدين كذا و كذا ليستغنم أخذ أموالنا.
قال: ثمّ أقبل عليه يزيد، فقال: بايعتني يا أبا القاسم؟ فقال: نعم يا أمير المؤمنين، قال: فإنّي قد أمرت لك بثلاث مائة ألف درهم فابعث من يقبضها 6663 ، فإذا أردت الانصراف عنّا وصلناك إن شاء اللّه؛ قال: فقال [له] محمّد بن عليّ: لا حاجة لي في هذا المال و لا له جئت، قال يزيد: فلا عليك أن تقبضه و تفرّقه فيمن أحببت من أهل بيتك، قال: فإنّي قد قبلت يا أمير المؤمنين قال: فأنزله في بعض منازله، و كان محمّد بن عليّ يدخل عليه في كلّ يوم صباحا و مساء.
قال: و إذا وفد أهل المدينة قد قدموا على يزيد- لعنه اللّه- و فيهم منذر بن الزبير و عبد اللّه بن عمرو بن حفص بن مغيرة المخزوميّ و عبد اللّه بن حنظلة بن أبي عامر الأنصاريّ فأقاموا عند يزيد- لعنه اللّه- أيّاما فأجازهم يزيد لكلّ رجل منهم بخمسين ألف درهم و أجاز المنذر بن الزبير بمائة ألف درهم، فلمّا أرادوا الانصراف إلى المدينة أقبل محمّد بن عليّ حتّى دخل على يزيد فاستأذنه في الانصراف معهم إلى المدينة فأذن له في ذلك و وصله بمائتي ألف درهم و أعطاه عروضا بمائة ألف درهم.
ثمّ قال: يا أبا القاسم إنّي لا أعلم في أهل بيتك اليوم رجلا هو أعلم منك بالحلال و الحرام، و قد كنت احبّ أن لا تفارقني و تأمرني بما فيه حظّي و رشدي فو اللّه ما احبّ أن تنصرف عنّي و أنت ذامّ لشيء من أخلاقي، فقال له محمّد بن عليّ عليهما السّلام: أمّا ما كان منك إلى الحسين بن عليّ عليهما السّلام فذاك شيء لا يستدرك، و أمّا الآن فإنّي ما رأيت منك منذ قدمت عليك إلّا خيرا و لو رأيت منك خصلة أكرهها لما وسعني السكوت دون أن أنهاك عنها، و اخبرك بما يحقّ (ا) للّه عليك منها للّذي أخذ اللّه تبارك و تعالى على العلماء في علمهم أن يبيّنوه للناس و لا يكتموه و لست مؤدّيا عنك إلى من ورائي من الناس إلّا خير، غير أنّي أنهاك عن شرب هذا المسكر فإنّه رجس من عمل الشيطان، و ليس من ولّي امور الامّة و دعي له بالخلافة على رءوس الأشهاد على المنابر كغيره من الناس، فاتّق اللّه في نفسك و تدارك ما سلف من ذنبك و السلام.
قال: فسر يزيد بما سمع من محمّد بن عليّ سرورا شديدا ثمّ قال: فإنّي قابل منك ما أمرتني به و أنا احبّ أن تكاتبني في كلّ حاجة تعرض لك من صلة أو تعاهد و لا تقصرنّ في ذلك.
فقال محمّد بن عليّ: أفعل ذلك إن شاء اللّه و لا أكون إلّا عند ما تحبّ.
قال: ثم ودّعه محمّد بن عليّ و رجع إلى المدينة ففرّق 6664 ذلك المال كلّه في أهل بيته، و سائر بني هاشم و قريش حتّى لم يبق من بني هاشم و قريش من الرجال و النساء و الذرّيّة و الموالي إلّا صار إليه شيء من ذلك المال، ثمّ خرج محمّد بن عليّ عليهما السّلام من المدينة إلى مكّة فأقام بها مجاورا لا يعرف شيئا غير الصوم و الصلاة و صلّى اللّه على محمّد و آله و رضى عنهم و رزقنا شفاعتهم بحوله و منّه و فضله و كرمه إن شاء اللّه تعالى 6665 .
3- باب ما جرى بين عبد اللّه بن عمر و يزيد لعنه اللّه
الكتب: 6666
قال العلّامة- رحمه اللّه- روى البلاذريّ قال: لمّا قتل الحسين عليه السّلام كتب عبد اللّه بن عمر إلى يزيد بن معاوية: أمّا بعد فقد عظمت الرزيّة و جلّت المصيبة و حدث في الإسلام حدث عظيم و لا يوم كيوم الحسين عليه السّلام فكتب إليه يزيد: أمّا بعد يا أحمق فإنّنا جئنا إلى بيوت منجّدة، و فرش ممهّدة، و وسائد منضّدة، فقاتلنا عنها فإن يكن الحقّ لنا فعن حقّنا قاتلنا، و إن يكن الحقّ لغيرنا فأبوك أوّل من سنّ هذا و ابتزّ و استأثر بالحقّ على أهله.
أقول: قد مرّ في كتاب مطاعن الثلاثة و أحوالهم خبر طويل أخرجناه من كتاب دلائل الإمامة بإسناده عن سعيد بن المسيّب أنّه لمّا ورد نعي الحسين عليه السّلام المدينة، و قتل ثمانية عشر من أهل بيته و ثلاثة و خمسين رجلا من شيعته، و قتل عليّ ابنه بين يديه بنشّابة و سبي ذراريه خرج عبد اللّه بن عمر إلى الشام منكرا لفعل يزيد، و مستنفرا للناس عليه حتّى أتى يزيد و أغلظ له القول فخلا به يزيد، و أخرج إليه طومارا 6667 طويلا كتبه عمر إلى معاوية و أظهر فيه أنّه على دين آبائه من عبادة الأوثان، و إنّ محمّدا كان ساحرا غلب على الناس بسحره، و أوصاه بأن يكرم أهل بيته ظاهرا و يسعى في أن يجتثّهم عن جديد الأرض و لا يدع أحدا منهم عليها في أشياء كثيرة، قد مرّ ذكرها، فلمّا قرأه ابن عمر رضي بذلك و رجع، و أظهر للناس أنّه محقّ فيما أتى به و معذور فيما فعله، و لنعم ما قيل «ما قتل الحسين إلّا في يوم السقيفة» فلعنة اللّه على من أسّس أساس الظلم و الجور على أهل بيت النبيّ صلّى اللّه عليه و آله 6668 .
25- أبواب أحوال المختار بن أبي عبيدة الثقفيّ و ما جرى على يديه و أيدي أوليائه من قتل قتلة الحسين عليه السّلام
1- باب في تحقيق حال المختار و ما ورد في مدحه و ذمّه
الأخبار: الأئمّة: أمير المؤمنين عليهم السّلام
1- رجال الكشّي: جبرئيل، عن العبيدي 6669 ، عن ابن أسباط، عن عبد الرحمن بن حمّاد، عن عليّ بن حزوّر، عن الأصبغ، قال: رأيت المختار على فخذ أمير المؤمنين عليه السّلام، و هو يمسح رأسه و يقول: يا كيّس يا كيّس 6670 .
أقول: قد مرّ ذمّ المختار في كتاب أحوال الحسن بن عليّ بن أبي طالب عليهما السّلام في أبواب مصالحته مع معاوية عليه اللعنة 6671 .
عليّ بن الحسين عليهما السّلام
2- رجال الكشيّ: محمّد بن مسعود، عن عليّ بن أبي علي، عن خالد 6672 بن يزيد، عن الحسين بن زيد، عن عمر بن عليّ بن الحسين، إنّ عليّ بن الحسين عليهما السّلام لمّا اتي برأس عبيد اللّه بن زياد و رأس عمر بن سعد [قال:] خرّ ساجدا و قال:
الحمد للّه الّذي أدرك لي ثأري من أعدائي و جزى [اللّه] المختار خيرا 6673 .
3- و منه: بهذا الإسناد، عن الحسين بن زيد، عن عمر بن عليّ، إنّ المختار أرسل إلى عليّ بن الحسين صلوات اللّه عليهما بعشرين ألف دينار فقبلها و بنى بهادار
عقيل بن أبي طالب و دارهم التي هدمت.
قال: ثمّ إنّه بعث إليه بأربعين ألف دينار بعد ما أظهر الكلام الّذي أظهره فردّها، و لم يقبلها و المختار هو الّذي دعا الناس إلى محمّد بن عليّ بن أبي طالب ابن الحنفيّة و سمّوا الكيسانيّة و هم المختاريّة، و كان لقبه كيسان، و لقّب بكيسان لصاحب شرطه المكنّى أبا عمرة، و كان اسمه كيسان، و قيل: إنّه سمّي كيسان بكيسان مولى عليّ ابن أبي طالب عليه السّلام و هو الّذي حمله على الطلب بدم الحسين عليه السّلام و دلّه على قتلته، و كان صاحب سرّه و الغالب على أمره، و كان لا يبلغه عن رجل من أعداء الحسين عليه السّلام أنّه في دار أو في موضع إلّا قصده و هدم الدار بأسرها، و قتل كلّ من فيها من ذي روح، و كلّ دار بالكوفة خراب فهي ممّا هدمها و أهل الكوفة يضربون بها المثل، فإذا افتقر إنسان، قالوا: «دخل أبو عمرة بيته» حتى قال فيه الشاعر:
إبليس بما فيه
خير من أبي عمرة
يغويك و يطغيك
و لا يعطيك 6674 كسرة 6675
4- كتاب المحتضر للحسن بن سليمان: قيل: بعث المختار بن أبي عبيدة 6676 إلى عليّ بن الحسين عليهما السّلام بمائة ألف درهم فكره أن يقبلها منه، و خاف أن يردّها فتركها في بيت، فلمّا قتل المختار كتب إلى عبد الملك يخبره بها فكتب إليه: خذها طيّبة هنيئة فكان عليّ عليه السّلام يلعن المختار و يقول: كذب على اللّه و علينا لأنّ المختار [كان] يزعم أنّه يوحى إليه 6677 .
الباقر، عن أبيه عليهما السّلام