کتابخانه روایات شیعه
عوالم العلوم و المعارف والأحوال من الآيات و الأخبار و الأقوال (مستدرك سيدة النساء إلى الإمام الجواد
ثمّ أمر فرمي به، فحمل إلى ابن الزبير فوضعه ابن الزبير على قصبة فحرّكتها الريح فسقط فخرجت حيّة من تحت الستار فأخذت بأنفه، فأعادوا القصبة فحرّكتها الريح فسقط فخرجت الحيّة فأزمت بأنفه، ففعل ذلك ثلاث مرّات، فأمر ابن الزبير فالقي في بعض شعاب مكّة.
قال: و كان المختار- رحمة اللّه عليه- قد سئل في أمان عمر بن سعد بن أبي وقّاص فامنه على أن لا يخرج من الكوفة، فان خرج منها فدمه هدر، قال: فأتى عمر بن سعد رجل فقال: إنّي سمعت المختار يحلف ليقتلنّ رجلا و اللّه ما أحسبه غيرك، قال:
فخرج عمر حتّى أتى الحمّام 6733 فقيل له: أ ترى هذا يخفى على المختار؟ فرجع ليلا فدخل داره، فلمّا كان الغد غدوت فدخلت على المختار، و جاء الهيثم 6734 بن الأسود فقعد فجاء حفص بن عمر بن سعد، فقال للمختار: يقول لك أبو حفص: أين لنا 6735 بالذي كان بيننا و بينك؟ قال: اجلس فدعا المختار أبا عمرة فجاء رجل قصير يتخشخش 6736 في «الحديد فسارّه» 6737 و دعا برجلين فقال: اذهبا معه، فذهب فو اللّه ما أحسبه بلغ دار عمر بن سعد حتّى جاء برأسه فقال المختار لحفص: أ تعرف هذا؟ [ف] قال: إنّا للّه و إنّا إليه راجعون، [نعم] قال: يا أبا عمرة ألحقه به فقتله فقال المختار- رحمة اللّه عليه: عمر بالحسين و حفص بعليّ بن الحسين و لا سواء.
قال: و اشتدّ أمر المختار بعد قتل ابن زياد و أخاف الوجوه و قال: لا يسوغ لي طعام و لا شراب حتّى أقتل قتلة الحسين بن عليّ عليهما السّلام و أهل بيته و ما من ديني أترك أحدا منهم حيّا و قال: أعلموني من شرك في دم الحسين و أهل بيته، فلم يكن يأتونه برجل فيقولون إنّ هذا من قتلة الحسين أو ممّن أعان عليه إلّا قتله و بلغه أنّ شمر بن ذي الجوشن- لعنه اللّه- أصاب مع الحسين إبلا فأخذها 6738 ، فلمّا قدم الكوفة نحرها و قسّم لحومها، فقال المختار: احصوا لي كلّ دار دخل فيها شيء من ذلك اللّحم فأحصوها فأرسل إلى من كان أخذ منها شيئا فقتلهم، و هدم دورا بالكوفة.
و اتي المختار بعبد اللّه بن اسيد الجهنيّ و مالك بن الهيثم البدّاني 6739 من كندة و حمل بن مالك المحاربيّ، فقال: يا أعداء اللّه أين الحسين بن عليّ؟ قالوا: أكرهنا على الخروج إليه، قال: أ فلا مننتم عليه و سقيتموه من الماء؟
و قال للبدّاني: أنت صاحب برنسه لعنك اللّه؟ قال: لا، قال. بلى، ثمّ قال:
اقطعوا يديه و رجليه، و دعوه يضطرب حتّى يموت، فقطّعوه و أمر بالآخرين فضربت أعناقهما و اتي بقرار 6740 بن مالك و عمرو 6741 بن خالد و عبد الرحمن البجلىّ و عبد اللّه بن قيس الخولانيّ، فقال لهم: يا قتلة الصالحين أ لا ترون اللّه بريئا 6742 منكم لقد جاءكم الورس بيوم نحس فأخرجهم إلى السوق، فقتلهم.
و بعث المختار معاذ 6743 بن هانئ الكنديّ و أبا عمرة كيسان إلى دار خوليّ بن يزيد الأصبحيّ و هو الّذي حمل رأس الحسين عليه السّلام إلى ابن زياد- لعنة اللّه عليه- فأتوا داره فاستخفى في المخرج، فدخلوا عليه فوجدوه (و) قد ركّب 6744 على نفسه قوصرّة فأخذوه و خرجوا يريدون المختار، فتلقّاهم في ركب، فردّوه إلى داره و قتله عندها و أحرقه.
و طلب المختار شمر بن ذي الجوشن فهرب إلى البادية فسعى به إلى أبي عمرة 6745
فخرج إليه مع نفر من أصحابه فقاتلهم قتالا شديدا فأثخنته الجراحة، فأخذه أبو عمرة أسيرا و بعث به إلى المختار فضرب عنقه و أغلى له دهنا في قدر فقذفه فيها فتفسّخ، و وطىء مولى لآل حارثة بن مضروب وجهه و رأسه، و لم يزل المختار يتتبع قتلة الحسين عليه السّلام و أهله حتّى قتل منهم خلقا كثيرا، و هرب الباقون فهدم دورهم، و قتلت العبيد مواليهم الّذين قاتلوا الحسين عليه السّلام و أتوا المختار فأعتقهم 6746 .
توضيح: «ردى الفرس» بالفتح يردي رديا إذا رجم الأرض رجما بين العدو و المشي الشديد، قوله «تعادى» من العداوة أو من العدو، و الأخير أظهر، قوله «لتثأر» أي لتطلب الثأر بدم الحسين عليه السّلام.
و قال الفيروزآباديّ: سرقت مفاصله كفرح ضعف و في بعض النسخ بالشين من الشرق بمعنى الشقّ، أو من قولهم «شرق الدّم بجسده شرقا» إذا ظهر و لم يسل و عرب كفرح: ورم و تقيّح، و في بعض النسخ بالغين المعجمة، من قولهم «غرب كفرح اسودّ».
و قال الجوهريّ: يقال: «أزم الرجل بصاحبه» إذا الزمه، عن أبي زيد «و أزمه أيضا» أي عضّه «و الحمّام» اسم موضع خارج الكوفة.
و قال الجوهريّ: القوصرّة بالتشديد هو الذي يكنز فيه التمر من البواريّ.
الأئمّة: عليّ بن الحسين عليهم السّلام
2- أمالي الطوسي: المفيد، عن المظفّر بن محمّد البلخيّ، عن محمّد بن همام، عن الحميريّ، عن داود بن عمر النهديّ، عن ابن محبوب، عن عبد اللّه بن يونس، عن المنهال بن عمرو قال: دخلت على عليّ بن الحسين عليهما السّلام منصرفي من مكّة، فقال لي:
يا منهال! ما صنع 6747 حرملة بن كاهل الأسديّ؟ فقلت: تركته حيّا بالكوفة، قال: فرفع يديه جميعا ثمّ قال عليه السّلام: اللّهمّ أذقه حرّ الحديد، اللّهمّ أذقه حرّ النار.
قال المنهال: فقدمت الكوفة و قد ظهر المختار بن أبي عبيدة الثقفيّ، و كان لي صديقا فكنت في منزلي أيّاما حتّى انقطع الناس عنّي و ركبت إليه فلقيته خارجا من داره فقال: يا منهال لم تأتنا في ولايتنا هذه و لم تهنّئنا بها، و لم تشركنا فيها؟ فأعلمته أنّي كنت بمكّة و أنّي قد جئتك الآن، و سايرته و نحن نتحدّث حتّى أتى الكناس فوقف وقوفا كأنّه ينتظر 6748 شيئا و قد كان اخبر بمكان حرملة بن كاهل (ة) فوجّه في طلبه، فلم يلبث أن جاء قوم يركضون و قوم يشتدّون، حتّى قالوا: أيّها الأمير البشارة، قد اخذ حرملة بن كاهل (ة) فما لبثنا أن جيء به، فلمّا نظر إليه المختار، قال لحرملة: الحمد للّه الّذي مكّنني منك، ثمّ قال: الجزّار الجزّار فاتي بجزّار 6749 . فقال له: اقطع يديه فقطعتا، ثمّ قال له: اقطع رجليه، فقطعتا، ثمّ قال: النار النار فاتي بنار و قصب فالقي عليه فاشتعل
فيه النار.
فقلت: سبحان اللّه! فقال لي: يا منهال، إنّ التسبيح لحسن ففيم سبّحت؟
فقلت: أيّها الأمير دخلت في سفرتي 6750 هذه منصرفي من مكّة على عليّ بن الحسين عليهما السّلام، فقال لي: يا منهال ما فعل حرملة بن كاهل (ة) الأسديّ؟ فقلت: تركته حيّا بالكوفة، فرفع يديه جميعا فقال: اللّهمّ أذقه حرّ الحديد، اللّهمّ أذقه حرّ الحديد، اللّهمّ أذقه حرّ النار.
فقال لي المختار: أ سمعت عليّ بن الحسين عليهما السّلام يقول هذا؟ فقلت: (و) اللّه لقد سمعته يقول هذا، قال: فنزل عن دابّته و صلّى ركعتين فأطال السجود، ثمّ قام فركب و قد احترق حرملة و ركبت معه و سرنا فحاذيت 6751 داري، فقلت: أيّها الأمير إن رأيت أن تشرّفني و تكرمني و تنزل عندي و تحرّم بطعامي، فقال: يا منهال تعلمني أنّ عليّ بن الحسين عليهما السّلام دعا بأربع دعوات، فأجابه اللّه على يدي ثمّ تأمرني أن آكل؟
هذا يوم صوم، شكرا للّه عزّ و جلّ على ما فعلته بتوفيقه، و حرملة هو الّذي حمل رأس الحسين عليه السّلام. 6752
توضيح: الحرمة ما لا يحلّ انتهاكه، و منه قولهم: تحرّم بطعامه، و ذلك لأنّ العرب إذا أكل رجل منهم من طعام غيره حصلت بينهما حرمة و ذمّة يكون كلّ منهما آمنا من أذى صاحبه.
4- باب آخر نورد فيه رسالة شرح الثأر الّذي ألّفه الشيخ الفاضل البارع جعفر بن محمّد بن نما، فإنّها مشتملة على جلّ أحوال المختار و من قتله من الأشرار، على وجه الاختصار يشفي به صدور المؤمنين الأخيار و يظهر منها بعض أحوال المختار
و هي هذه:
بسم اللّه الرّحمن الرّحيم أمّا بعد: حمدا للّه الّذي جعل الحمد ثمنا لثوابه و نجاة يوم الوعيد من عقابه، و الصلاة على محمّد الّذي شرّفت الأماكن بذكره و عطّرت المساكن بريّا 6753 نشره، و على آله و أصحابه الّذين عظم قدرهم بقدره و تابعوه في نهيه و أمره، فإنّي لمّا صنّفت كتاب المقتل الّذي سمّيته مثير الأحزان و منير سبل الأشجان، و جمعت فيه من طرائف الأخبار، و لطائف الآثار ما يربي على الجوهر و النّضار، سألني جماعة من الأصحاب أن اضيف إليه عمل الثأر، و أشرح قضيّة المختار، فتارة اقدم و اخرى احجم، و مرّة أجنح جنوح الشامس 6754 ، و آونة أنفر نفور العذراء من يد اللّامس، و أردّهم عن عمله فرقا من التعرّض لذكره و إظهار مخفيّ سرّه.
ثمّ كشفت قناع المراقبة في إجابة سؤالهم و الانقياد لمرامهم، و أظهرت ما كان في ضميري، و جعلت نشر فضيلته أنيسي و سميري، لأنّه به خبت نار وجد سيّد المرسلين، و قرّة عين زين العابدين، و ما زال السلف يتباعدون عن زيارته و يتقاعدون عن إظهار فضيلته، تباعد الضبّ عن الماء، و الفراقد من الحصباء، و نسبوه إلى القول بإمامة محمّد بن الحنفيّة، و رفضوا قبره، و جعلوا قربهم إلى اللّه هجره مع قربه (من الجامع) و إنّ قبّته لكلّ من خرج من باب مسلم بن عقيل كالنّجم اللّامع، و عدلوا من العلم إلى التقليد، و نسوا ما فعل بأعداء المقتول الشهيد، و إنّه جاهد في اللّه حقّ الجهاد، و بلغ من رضا زين العابدين عليه السّلام غاية المراد، و رفضوا منقبته التي رقّت حواشيها 6755 و تفجّرت ينابيع السعادة فيها.
و كان محمّد بن الحنفيّة أكبر من زين العابدين سنّا و يرى تقديمه عليه فرضا و دينا و لا يتحرّك حركة إلّا بما يهواه، و لا ينطق إلّا عن رضاه، و يتأمّر له تأمر الرعيّة للوالي، و يفضّله تفضيل السيّد على الخادم و الموالي، و تقلّد محمّد- رحمة اللّه عليه- أخذ الثّأر إراحة لخاطره الشريف، من تحمّل الأثقال، و الشدّ و الرحال 6756 و يدلّ على ذلك ما رويته عن أبي بحير 6757 عالم الأهواز، و كان يقول بإمامة ابن الحنفيّة، قال:
حججت فلقيت إمامي و كنت يوما عنده فمرّ به غلام شابّ فسلّم عليه فقام فتلقّاه و قبّل ما بين عينيه و خاطبه بالسيادة و مضى الغلام و عاد محمّد إلى مكانه، فقلت له:
عند اللّه أحتسب عناي، فقال: و كيف ذاك؟ قلت: لأنّا نعتقد إنّك الإمام المفترض الطاعة تقوم تتلقّى هذا الغلام، و تقول له: يا سيّدي؟ فقال: نعم هو و اللّه إمامي، فقلت:
و من هذا؟.
قال: عليّ ابن أخي الحسين، اعلم أنّي نازعته الإمامة و نازعني، فقال لي:
أ ترضى بالحجر الأسود حكما بيني و بينك؟ فقلت: و كيف نحتكم إلى حجر جماد؟
فقال: إنّ إماما لا يكلّمه الجماد فليس بإمام، فاستحييت من ذلك، و قلت: بيني و بينك الحجر الأسود فقصدنا الحجر و صلّى و صلّيت و تقدّم إليه، و قال: أسألك بالذي أودعك مواثيق العباد لتشهد لهم بالموافاة إلّا أخبرتنا من الإمام منّا فنطق- و اللّه- الحجر، و قال: يا محمّد سلّم الأمر إلى ابن أخيك فهو أحقّ به منك، و هو إمامك و تحلحل 6758 حتّى ظننته يسقط، فأذعنت بإمامته، و دنت له بفرض طاعته، قال أبو بحير:
فانصرفت من عنده و قد دنت بإمامة عليّ بن الحسين عليهما السّلام و تركت القول بالكيسانية.
و روي عن أبي بصير أنّه قال: سمعت أبا جعفر الباقر عليه السّلام يقول: كان أبو خالد الكابليّ يخدم محمّد بن الحنفيّة دهرا و لا يشكّ أنّه الإمام حتّى أتاه يوما فقال له:
جعلت فداك إنّ لي حرمة و مودّة فأسألك بحرمة (اللّه و) رسول اللّه و أمير المؤمنين إلّا أخبرتني أنت الإمام الّذي فرض اللّه طاعته على خلقه؟ قال: يا أبا خالد لقد حلّفتني بالعظيم، الإمام عليّ ابن أخي، عليّ و عليك و على كلّ مسلم.
فلمّا سمع أبو خالد قول محمّد بن الحنفيّة جاء إلى عليّ بن الحسين عليهما السّلام فاستأذن و دخل و قال له: مرحبا يا كنكر ما كنت لنا بزائر، ما بدا لك فينا؟ فخرّ أبو خالد ساجدا شاكرا لمّا سمع من زين العابدين عليه السّلام، و قال: الحمد للّه الّذي لم يمتني حتّى عرفت إمامي، قال: و كيف عرفت إمامك يا أبا خالد؟ قال: لأنّك دعوتني
باسمي الذي لا يعرفه سوى امّي، و كنت في عمياء من أمري، و لقد خدمت محمّد بن الحنفيّة عمرا لا أشكّ أنّه إمام حتّى أقسمت عليه فأرشدني إليك و قال: هو الإمام عليّ و عليك و على كلّ مسلم ثمّ انصرف، و قد قال بامامة زين العابدين عليه السّلام.
و قال قوم من الخوارج لمحمّد بن الحنفيّة: لم غرّر بك في الحروب و لم يغرّر بالحسن و الحسين؟ قال: لأنّهما عيناه و أنا يمينه، فهو يدفع بيمينه عن عينيه.
و روى العبّاس بن بكّار قال: حدّثنا أبو بكر الهذليّ، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: لمّا كان يوم من أيّام صفّين دعا عليّ عليه السّلام ابنه محمّدا فقال: شدّ على الميمنة فحمل (محمّد) مع أصحابه فكشف ميمنة عسكر معاوية ثمّ رجع و قد جرح، فقال له: العطش فقام إليه عليه السّلام فسقاه جرعة من ماء ثمّ صبّ الماء بين درعه و جلده فرأيت علق الدم يخرج من حلق الدّرع ثمّ أمهله ساعة، ثمّ قال: شدّ في الميسرة فحمل مع أصحابه على ميسرة معاوية فكشفهم ثمّ رجع و به جراحة، و هو يقول: الماء الماء، فقام إليه ففعل مثل الأوّل ثمّ قال: شدّ في القلب، فكشفهم ثمّ رجع و قد أثقلته الجراحات و هو يبكي، فقام إليه فقبّل ما بين عينيه و قال: (سررتني) فداك أبوك لقد سررتني و اللّه يا بنيّ، فما يبكيك أفرح أم جزع؟ فقال: كيف لا أبكي و قد عرّضتني للموت ثلاث مرّات فسلّمني اللّه تعالى، و كلّما رجعت إليك لتمهلني فما أمهلتني، و هذان أخواي الحسن و الحسين ما تأمر هما بشيء؟ فقبّل- عليه السّلام- رأسه و قال: يا بنيّ أنت ابني و هذان ابنا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أ فلا أصونهما؟ قال: بلى يا أباه جعلني اللّه فداك و فداهما.