کتابخانه روایات شیعه
عوالم العلوم و المعارف والأحوال من الآيات و الأخبار و الأقوال (مستدرك سيدة النساء إلى الإمام الجواد
فقال له: ما هو؟ قال: أ رأيت حيث يقول عزّ و جلّ: وَ جَعَلْنا بَيْنَهُمْ وَ بَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بارَكْنا فِيها قُرىً ظاهِرَةً وَ قَدَّرْنا فِيهَا السَّيْرَ سِيرُوا فِيها لَيالِيَ وَ أَيَّاماً آمِنِينَ 10324 ؛
يا حسن بلغني أنّك أفتيت الناس، فقلت: هي مكة. فقال أبو جعفر 10325 عليه السّلام:
فهل يقطع على من حجّ مكّة، و هل يخاف أهل مكّة، و هل تذهب أموالهم؟
[قال: بلى. قال:] 10326 فمتى يكونون آمنين؟! بل فينا ضرب اللّه الأمثال في القرآن، فنحن القرى التي بارك اللّه فيها، و ذلك قول اللّه عزّ و جلّ، فمن أقرّ بفضلنا حيث أمرهم اللّه بأن يأتونا 10327 ، فقال: وَ جَعَلْنا بَيْنَهُمْ وَ بَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بارَكْنا فِيها .
أي جعلنا بينهم و بين شيعتهم القرى التي باركنا فيها، قرى ظاهرة، و القرى الظاهرة: الرسل، و النقلة عنّا إلى شيعتنا، و فقهاء شيعتنا، إلى شيعتنا؛
و قوله تعالى: وَ قَدَّرْنا فِيهَا السَّيْرَ ؛ فالسير مثل للعلم، سيروا به «ليالي و أيّاما» مثل لما يسير من العلم في الليالي و الأيام عنّا إليهم، في الحلال و الحرام، و الفرائض و الاحكام «آمنين» فيها إذا أخذوا منه، آمنين من الشكّ و الضلال، و النقلة من الحرام إلى الحلال، لأنّهم أخذوا العلم ممّن وجب لهم أخذهم إيّاه عنهم بالمعرفة 10328 ، لأنّهم أهل ميراث العلم من آدم إلى حيث انتهوا، ذرّية مصطفاة بعضها من بعض، فلم ينته الاصطفاء إليكم، بل إلينا انتهى؛
و نحن تلك الذريّة المصطفاة لا أنت و لا أشباهك يا حسن، فلو قلت لك- حين ادّعيت ما ليس لك، و ليس إليك-: يا جاهل أهل البصرة! لم أقل فيك إلّا ما علمته منك، و ظهر لي عنك، و إيّاك أن تقول بالتفويض، فإنّ اللّه عزّ و جلّ لم يفوّض الأمر إلى خلقه و هنا منه و ضعفا، و لا أجبرهم على معاصيه ظلما ... 10329
(2) تأويل الآيات: عن أحمد بن هوذة الباهلي، عن إبراهيم بن إسحاق النهاوندي، عن عبد اللّه بن حمّاد الأنصاري، عن عبد اللّه بن سنان، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: دخل الحسن البصري على محمّد بن عليّ عليهما السّلام فقال له:
يا أخا أهل البصرة! بلغني أنّك فسّرت آية من كتاب اللّه على غير ما انزلت، فإن كنت فعلت، فقد هلكت و استهلكت. قال: و ما هي جعلت فداك؟ قال:
قول اللّه عزّ و جلّ: وَ جَعَلْنا بَيْنَهُمْ وَ بَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بارَكْنا فِيها قُرىً ظاهِرَةً وَ قَدَّرْنا فِيهَا السَّيْرَ سِيرُوا فِيها لَيالِيَ وَ أَيَّاماً آمِنِينَ و يحك! كيف يجعل اللّه لقوم أمانا، و متاعهم يسرق بمكّة و المدينة و ما بينهما؟ و ربّما اخذ عبد أو قتل و فاتت نفسه؛
ثمّ مكث مليّا؛ ثمّ أومأ بيده إلى صدره، و قال: نحن القرى التي بارك اللّه فيها.
قال: جعلت فداك، أوجدت هذا في كتاب اللّه أن القرى رجال؟
قال: نعم، قول اللّه عزّ و جلّ: وَ كَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّها وَ رُسُلِهِ فَحاسَبْناها حِساباً شَدِيداً وَ عَذَّبْناها عَذاباً نُكْراً 10330 فمن العاتي على اللّه عزّ و جلّ؟
الحيطان، أم البيوت، أم الرجال؟ فقال: الرجال. ثمّ قال: جعلت فداك زدني.
قال: قوله عزّ و جلّ في سورة يوسف: «و اسأل القرية التي كنّا فيها و العير التي أقبلنا فيها» 10331 لمن أمروه أن يسأل؟ القرية و العير أم الرجال؟ فقال: جعلت فداك فأخبرني عن القرى الظاهرة. قال: هم شيعتنا؛ يعني العلماء منهم. 10332
(3) الاحتجاج: عن عبد اللّه بن سليمان، قال: كنت عند أبي جعفر عليه السّلام فقال له رجل من أهل البصرة، يقال له «عثمان الأعمى»: إنّ الحسن البصري يزعم أنّ الذين يكتمون العلم تؤذي ريح بطونهم من يدخل النار!
فقال أبو جعفر عليه السّلام: فهلك إذا مؤمن آل فرعون، و اللّه مدحه بذلك، و ما زال العلم مكتوما منذ بعث اللّه عزّ و جلّ رسوله نوحا عليه السّلام؛
فليذهب الحسن يمينا و شمالا، فو اللّه ما يجد العلم إلّا هاهنا. 10333
(12) باب مناظرته عليه السّلام مع سالم
(1) الاحتجاج: و روي أن سالما 10334 دخل على أبي جعفر عليه السّلام فقال:
جئت اكلّمك في أمر هذا الرجل.
قال: أيّما رجل؟
قال: عليّ بن أبي طالب عليه السّلام.
قال: في أيّ اموره؟ قال: في أحداثه.
قال أبو جعفر عليه السّلام: انظر ما استقرّ عندك ممّا جاءت به الرواة عن آبائهم.
قال: ثمّ نسبهم، ثمّ قال: يا سالم! أبلغك أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله بعث سعد بن عبادة براية الأنصار إلى خيبر، فرجع منهزما، ثمّ بعث عمر بن الخطّاب براية المهاجرين و الأنصار، فأتى سعد جريحا، و جاء عمر يجبّن أصحابه و يجبّنونه؛ فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:
«هكذا يفعل المهاجرون و الأنصار» حتّى قالها ثلاثا، ثمّ قال:
«لأعطينّ الراية غدا رجلا كرّارا ليس بفرّار، يحبّه اللّه و رسوله، و يحبّ اللّه و رسوله» 10335 ؟ قال: نعم. و قال القوم جميعا أيضا.
فقال أبو جعفر عليه السّلام:
يا سالم إن قلت: إنّ اللّه عزّ و جلّ أحبّه و هو لا يعلم ما هو صانع فقد كفرت و إن قلت: إنّ اللّه عزّ و جلّ أحبّه و هو يعلم ما هو صانع، فأيّ حدث ترى له؟
فقال: أعد عليّ. فأعاد عليه السّلام عليه، فقال سالم:
عبدت اللّه على ضلالة سبعين سنة. 10336
(13) باب مناظرته عليه السّلام مع الشيخ النصراني
(1) الخرائج و الجرائح: ما روي عن الصادق عليه السّلام أنّ عبد الملك بن مروان كتب إلى عامله بالمدينة- و في رواية: هشام بن عبد الملك- أن وجّه إليّ محمّد بن عليّ. فخرج أبي، و أخرجني معه، فمضينا حتّى أتينا مدين شعيب، فإذا نحن بدير عظيم [البنيان] و على بابه أقوام، عليهم ثياب صوف خشنة، فألبسني والدي و لبس ثيابا خشنة، و أخذ بيدي حتّى جئنا و جلسنا عند القوم، فدخلنا مع القوم الدير، فرأينا شيخا قد سقط حاجباه على عينيه من الكبر، فنظر إلينا، فقال لأبي:
أنت منّا أم من هذه الامّة المرحومة؟ قال: لا، بل من هذه الامّة المرحومة.
قال: من علمائها أم من جهّالها؟ قال أبي: من علمائها.
قال: أسألك عن مسألة؟ قال [له]: سل [ما شئت].
قال: أخبرني عن أهل الجنّة إذا دخلوها و أكلوا من نعيمها، هل ينقص من ذلك شيء؟ قال: لا.
قال الشيخ: ما نظيره؟ قال أبي: أ ليس التوراة و الإنجيل و الزبور و القرآن يؤخذ منها و لا ينقص منها [شيء]؟ قال: أنت من علمائها.
ثمّ قال: أهل الجنّة هل يحتاجون إلى البول و الغائط؟
قال أبي: لا. قال [الشيخ]: و ما نظير ذلك؟
قال أبي: أ ليس الجنين في بطن امّه يأكل و يشرب و لا يبول و لا يتغوّط؟
قال: صدقت. قال: و سأل عن مسائل [كثيرة] و أجاب أبي [عنها].
ثمّ قال الشيخ: أخبرني عن توأمين ولدا في ساعة، و ماتا في ساعة، عاش أحدهما مائة و خمسين سنة، و عاش الآخر خمسين سنة، من كانا؟ و كيف قصّتهما؟
قال أبي: هما عزير و عزرة، أكرم اللّه تعالى عزيرا بالنبوّة عشرين سنة، و أماته مائة سنة، ثمّ أحياه فعاش بعده 10337 ثلاثين سنة، و ماتا في ساعة [واحدة].
فخرّ الشيخ مغشيّا عليه، فقام أبي، و خرجنا من الدير، فخرج إلينا جماعة من الدير، و قالوا: يدعوك شيخنا.
فقال أبي: مالي إلى شيخكم حاجة، فإن كان له عندنا حاجة فليقصدنا.
فرجعوا، ثمّ جاءوا به، و اجلس بين يدي أبي؛
فقال [الشيخ]: ما اسمك؟ قال عليه السّلام: محمّد.
قال: أنت محمّد النبيّ؟ قال: لا أنا ابن بنته.
قال: ما اسم امّك؟ قال: امّي فاطمة. قال: من كان أبوك؟ قال: اسمه عليّ.
قال: أنت ابن إليا بالعبرانيّة و عليّ بالعربيّة؟ قال: نعم.
قال: ابن شبّر أم شبير؟ قال: إنّي ابن شبير.
قال الشيخ: أشهد أن لا إله إلّا اللّه، و أنّ جدّك محمدا رسول اللّه.
ثمّ ارتحلنا حتّى أتينا عبد الملك [و دخلنا عليه] فنزل من سريره، و استقبل أبي و قال: عرضت لي مسألة لم يعرفها العلماء! فأخبرني إذا قتلت هذه الامّة إمامها المفروض طاعته عليهم، أيّ عبرة 10338 يريهم اللّه في ذلك اليوم؟
قال أبي: إذا كان كذلك لا يرفعون حجرا إلّا و يرون تحته دما عبيطا 10339 .
فقبّل عبد الملك رأس أبي، و قال:
صدقت، إنّ في اليوم الذي قتل فيه أبوك علي بن أبي طالب عليه السّلام كان على باب أبي مروان حجر عظيم، فأمر أن يرفعوه فرأينا تحته دما عبيطا يغلي. 10340
كان لي أيضا حوض كبير في بستاني، و كانت حافّتاه حجارة سوداء، فأمرت أن ترفع و يوضع مكانها حجارة بيض، و كان في ذلك اليوم قتل الحسين عليه السّلام فرأيت دما عبيطا يغلي تحتها. أ فتقيم عندنا و لك من الكرامات ما تشاء، أم ترجع؟
قال أبي: بل أرجع إلى قبر جدّي. فأذن له بالانصراف.
فبعث قبل خروجنا بريدا يأمر أهل كلّ منزل أن لا يطعمونا و لا يمكّنونا من النزول في بلد حتّى نموت جوعا، فكلّما بلغنا منزلا طردونا، و فنى زادنا حتّى أتينا
مدين شعيب، و قد اغلق بابه، فصعد أبي جبلا هناك مطلا على البلد- أو مكانا مرتفعا عليه- فقرأ: وَ إِلى مَدْيَنَ أَخاهُمْ شُعَيْباً قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ وَ لا تَنْقُصُوا الْمِكْيالَ وَ الْمِيزانَ إِنِّي أَراكُمْ بِخَيْرٍ وَ إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ مُحِيطٍ* وَ يا قَوْمِ أَوْفُوا الْمِكْيالَ وَ الْمِيزانَ بِالْقِسْطِ وَ لا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْياءَهُمْ وَ لا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ* بَقِيَّتُ اللَّهِ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ 10341 .
ثمّ رفع صوته، و قال: و أنا- و اللّه- بقيّة اللّه.
فأخبروا الشيخ بقدومنا و أحوالنا، فحملوه إلى أبي، و كان معهم من الطعام كثير، فأحسن ضيافتنا، فأمر الوالي بتقييد الشيخ، فقيّدوه ليحملوه إلى عبد الملك لأنّه خالف أمره.
قال الصادق عليه السّلام: فاغتممت [لذلك] و بكيت، فقال والدي: لا بأس من عبد الملك بالشيخ، و لا يصل إليه، فإنّه يتوفّى في أوّل منزل ينزله.
و ارتحلنا حتّى رجعنا إلى المدينة بجهد. 10342
*** 14- باب مناظرته عليه السّلام مع بعض قريش
الأخبار: الأصحاب:
1- الكافي: عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن عمرو بن عثمان، عن أحمد بن إسماعيل الكاتب، عن أبيه، قال: أقبل أبو جعفر عليه السّلام في المسجد الحرام، فنظر إليه قوم من قريش، فقالوا: من هذا؟ فقيل لهم: إمام أهل العراق.
فقال بعضهم: لو بعثتم إليه ببعضكم يسأله 10343 .
فأتاه شابّ منهم، فقال له: يا عمّ 10344 ما أكبر الكبائر؟ فقال عليه السّلام: شرب الخمر.
فأتاهم فأخبرهم، فقالوا له: عد إليه. فعاد إليه، فقال له: أ لم أقل لك يا ابن أخ شرب الخمر؟! [فأتاهم فأخبرهم، فقالوا له: عد إليه.
فلم يزالوا به حتّى عاد إليه، فسأله؛
فقال له: أ لم أقل لك يا ابن أخ شرب الخمر] إنّ شرب الخمر يدخل صاحبه في الزنا، و السرقة، و قتل النفس التي حرّم اللّه عزّ و جلّ، و في الشرك باللّه عزّ و جلّ و أفاعيل الخمر تعلو على كلّ ذنب كما يعلو شجرها على كلّ شجر. 10345
استدراك
(15) باب مناظرته عليه السّلام مع بعض الكيسانية
(1) المناقب لابن شهرآشوب: و تكلّم بعض رؤساء الكيسانية مع الباقر عليه السّلام في حياة محمّد بن الحنفية، قال له: و يحك! ما هذه الحماقة؟ أنتم أعلم به أم نحن؟
قد حدّثني أبي علي بن الحسين أنّه شهد موته و غسله و كفنه، و الصلاة عليه، و إنزاله في القبر. فقال: شبّه على أبيك كما شبّه عيسى بن مريم على اليهود.
فقال له الباقر عليه السّلام: أ فنجعل هذه الحجة قضاء بيننا و بينك؟ قال: نعم.
قال: أ رأيت اليهود الذين شبّه عيسى عليهم كانوا أولياءه أو أعداءه؟
قال: بل كانوا أعداءه. قال: فكان أبي عدوّ محمّد بن الحنفيّة فشبّه له؟