کتابخانه روایات شیعه
العالمين، أو يكون عاصيا فيأمر الناس باتّباعه الرحمن الرحيم، و قد نصّ البارئ:
«لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ» و حينئذ يجب أن يكون عليه إمام، يقيه المزالق و المرديات، فينتج تسلسل و هذا محال.
أمّا الطلقاء، فهل فارقت شفاههم الطلا كل صباح و مساء، و خلت دورهم من مزامير و أوتار، و رنّة خلخال؟
فأين الثريّا و أين الثرى؟
و أين الحصا من نجوم السما؟
فأين هؤلاء في بديعة أبي فراس الحمداني حيث أجاد:
ليس الرشيد كموسى في القياس و لا
مأمونكم كالرضا إن أنصف الحكم
يا باعة الخمر كفّوا عن مفاخركم
لمشعر بيعهم يوم الهياج دم
تنشى التلاوة في أبياتهم سحرا
و في بيوتكم الأوتار و النغم
منكم عليّة أم منهم؟ و كان لكم
شيخ المغنّين إبراهيم 22 أم لهم
إذا تلوا سورة غنّى إمامكم
قف بالطلول التي لم يعفها القدم
ما في بيوتهم للخمر معتصر
و لا بيوتكم للسوء معتصم
و لا تبيت لهم خنثى 23 تنادمهم
و لا يرى لهم قرد و لا حشم
الركن و البيت و الأستار منزلهم
و زمزم و الصفا و الحجر و الحرم 24
ثم أين مهديهم و قائمهم- كما مرّ في الحديثين الشريفين- من هؤلاء الخلفاء؟
و أين الإمام- من هؤلاء- الذي يشعب به اللّه الصدع، و يرتق الفتق، و به يموت الجور، و يظهر العدل، الذي تجب معرفته و طاعته، و يحرم جهله و عصيانه، و كانت ميتة الجاهل به ميتة جاهلية، كما ورد في الحديث الشريف: (من مات و لم يعرف إمام زمانه، مات ميتة جاهلية) 25 .
فالإمام المهديّ يجب أن يكون موجودا، ليكون الحجّة و لئلّا تخلو الأرض منه، بينما جميع الخلفاء السابقين، و الملوك الحاكمين، قد أخنى عليهم الموت الذي لا مفرّ منه، و لم تقم الساعة التي واعدنا ربنا، في الحديث السالف: (لا يزال الدين قائما حتى تقوم الساعة أو يكون عليكم اثنا عشر خليفة كلهم من قريش).
ثم أين النهضة العملاقة للإسلام من جديد، و تأسيس الدولة العالمية، و الحكومة المهدية، و تطبيق قوانين السماء على الأرض، و إخراج الارض خيراتها، و إنزال السماء بركاتها؟
أين من يملأ المعمورة كلّها قسطا و عدلا كما ملئت ظلما و جورا؟ كما
فِي الْحَدِيثِ الْمُتَوَاتِرِ الْمَشْهُورِ: (لَوْ لَمْ يَبْقَ مِنَ الدُّنْيَا إِلَّا يَوْمٌ لَطَوَّلَ اللَّهُ ذَلِكَ الْيَوْمَ، حَتَّى يَبْعَثَ رَجُلًا مِنْ وُلْدِي اسْمُهُ اسْمِي) 26 .
، (و يَمْلَأَهَا قِسْطاً وَ عَدْلًا كَمَا مُلِئَتْ ظُلْماً وَ جَوْراً) 27 .
و أين وعد اللّه- و اللّه لا يُخْلِفُ الْمِيعادَ* - في قوله سبحانه: «لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَ لَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ»* ؟
و هل بقي من الإثني عشر غير الحجة ابن الحسن و هو قائمهم و مهديّهم؟
فأنّى يزحزحوها عن موضعها، موطن الرسالة، و شجرة النبوة، و مختلف الملائكة، و مهبط الروح الأمين، و كيف بغيره يعدلون، و عن مقامه السامي يصرفون، و هل تنطبق جميع الروايات على غيره؟ الذي يرضى به سكان السموات و الارضين، و لولا وجوده الشريف، لما بقيت الأرض رمشة عين، لأنّه الحجّة على الخلائق من الإنس و الجن أجمعين.
و هذا كتاب الإمامة و التبصرة من الحيرة الذي بين يديك، لشيخ القميّين، و ثقة المحدّثين، والد الشيخ الصدوق- رضوان اللّه عليهما- قد تكفّل إماطة اللثام عن هذا الموضوع الخطير، لأنّه يتوقف عليه قبول الأعمال، و انحطاط الأوزار الثقال، و به تجمع الكلمة للعباد، و تعمر البلاد، و تصان الحرمات، و تقضى الحاجات.
فكشف- أعلى اللّه مقامه- الغطاء، بأجلى بيان، عن الحجج الذين لولاهم لما خلق اللّه الأكوان، و أحسن اختيار الأخبار، عن الهداة الأطهار، و أبان الحجّة، و أوضح المحجة، و جعل إمامة آل بيت الرسول (ص) أوضح من الشمس في رائعة النهار، و وجود الحجّة الدائمة حق مثلما أنّكم تنطقون، بالأدلة الناصعات، و البراهين الساطعات، بطرقه و أسانيده عن المعصومين (ع)، و لم يدع عذرا لذوي الأهواء، و
شنشنات الآراء، بل يذعن كل منصف بما فيه، و يعترف كلّ ذي لبّ بما حواه، و يقرّ كلّ طالب حق بأدلّته و معانيه.
فما أحرى الجميع أن يتلقفوه، و يمعنوا النظر في حقائقه، و يقتنصوا درره و لآليه، فيزيد المؤمن إيمانا و اطمئنانا، و يهدي الى الحقّ من كان حيرانا، فنرجع كما كنّا بالإسلام إخوانا، و نعمر الارض بالإيمان، و نزرعها بالإحسان و الإسلام، و نرد مناهل (آل محمد) الرويّة، بقلوب راضية مرضيّة، و نفوس صافية نديّة، عسى أن يكون الفرج قريبا، و ينخذل من كان مريبا.
فيا إله العالمين:
يا من قرب من خواطر الظنون، و بعد عن ملاحظة العيون، و علم بما كان قبل أن يكون:
أرنا الطلعة الرشيدة، و الغرّة الحميدة، و اكحل نواظرنا بنظرة منّا إليه، و عجّل فرجه، و سهّل مخرجه.
و اجعله اللهمّ مفزعا لمظلوم عبادك، و ناصرا لمن لا يجد له ناصرا غيرك، و مجددا لما عطّل من أحكام كتابك، و مشيّدا لما ورد من أعلام دينك و سنن نبيك (ص).
و كن اللّهمّ لوليك الحجة بن الحسن- صلواتك عليه و على آبائه- في هذه الساعة، و في كل ساعة، وليا و حافظا، و قائدا و ناصرا، و دليلا و عينا، حتى تسكنه أرضك طوعا، و تمتعه فيها طويلا، (إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيداً، وَ نَراهُ قَرِيباً) و آخر دعوانا أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ
قالوا في الكتاب
1- النجاشي في رجاله ص 198: علي بن الحسين بن موسى بن بابويه القميّ ... له كتب منها ... كتاب الإمامة و التبصرة من الحيرة.
2- الطوسيّ في فهرسته ص 93: علي بن الحسين ... له كتب كثيرة، منها كتاب الامامة و التبصرة من الحيرة.
3- ابن شهراشوب في معالمه ص 65: علي بن الحسين ... من كتبه الامامة و التبصرة.
4- المجلسي في مقدمة بحاره ج 1 ص 7: كتاب الإمامة و التبصرة من الحيرة للشيخ الأجلّ أبي الحسن علي بن الحسين بن موسى بن بابويه، والد الصدوق، (طيّب اللّه تربتهما).
«و أصل آخر» منه أو من غيره من القدماء المعاصرين له، و يظهر من بعض القرائن أنّه تأليف الثقة الجليل هارون بن موسى التلعكبري رحمه اللّه.
و قال أيضا في ج 1 ص 26: و كتاب الإمامة، مؤلفه من أعاظم المحدّثين و الفقهاء، و علماؤنا يعدّون فتاواه من جملة الأخبار، و وصل إلينا منه نسخة قديمة مصححة، و الأصل الآخر مشتمل على أخبار شريفة متينة، معتبرة الأسانيد، و يظهر منه جلالة مؤلفه.
5- البحراني الاصفهاني- صاحب موسوعة العوالم- في هامش كتابه رياض العلماء ج 4 ص 5: ثم في كون كتاب التبصرة و الإمامة من مؤلفاته تأمل و إن صرّح به ابن شهراشوب في معالم العلماء- كما سيأتي- لأن مؤلفه على ما يظهر من مطاويه يروي عن هارون بن موسى، عن محمد بن علي، و الظاهر أن هارون بن موسى هو التلعكبري، فكيف يروى عنه مع أنّ التلعكبري ممن يروي المفيد و نظراؤه عنه، فتأمل. ثم إنّه يروي عن الحسن بن حمزة العلوي، و هو متأخر الطبقة عن علي بن بابويه، فإنّ الحسن ابن حمزة المذكور من مشايخ المفيد، و أيضا الظاهر أن الحسن بن حمزة هذا هو ابن حمزة العلوي، الذي يروي عنه الصدوق في كتبه، فكيف يروي والده عن ولده، فتأمل.
6- النوري في مستدركه على الوسائل ج 3 ص 529 س 5: نعم قال في أول البحار في جملة ما كان عنده من المؤلفات: «كتاب الإمامة و التبصرة ...» ثم أورد نصّ البحار و عقّب عليه بقوله: و نحن لم نعثر على هذا الكتاب، و نقلنا منه جملة الأخبار بتوسط البحار و نسبناه الى أبي الحسن علي، تبعا للعلّامة المجلسي، ولكن في النفس منه شيء.
فإنّه و إن عدّ النجاشي و الشيخ و ابن شهراشوب من مؤلفاته، كتاب الإمامة و التبصرة من الحيرة، إلّا أنّ في كون ما كان عنده هو الذي عدّ من مؤلفاته نظرا، فإنّه يروي في هذا الكتاب عن أبي محمد هارون بن موسى التلعكبري الذي هو من مشايخ المفيد و السيّدين، و عن الحسن بن حمزة العلوي الذي هو أيضا من مشايخ المفيد و الغضائري و ابن عبدون، و عن أحمد بن علي، عن محمد بن الحسن، و الظاهر أنّه ابن الوليد، عن محمد بن الحسن الصفار، و عن سهل بن أحمد الديباجي عن محمد بن محمد الأشعث الى غير ذلك مما ينافي طبقته و إن أمكن التكلّف في بعضها إلّا أنّ ملاحظة الجميع تورث الظن القوي بعدم كونه منه، و اللّه أعلم.
7- الطهراني في ذريعته ج 2، ص 341: الإمامة و التبصرة من الحيرة للصدوق الأول ... و أمّا الإمامة فلم نعثر عليه، و هو غير ما ينقل عنه في البحار كما يأتي، «الإمامة و التبصرة من الحيرة» لبعض قدماء الأصحاب المعاصرين للشيخ الصدوق، كانت نسخة منه عند العلّامة المجلسي، و هو من مآخذ البحار، ينقل عنه فيه، و لم يكن عند شيخنا العلّامة النوري، و لذا صرح في أول خاتمة المستدرك 28 بأنّه
مما ينقل عنه بالواسطة.
و أكثر العلّامة المجلسي من النقل عنه في مجلّدي السادس عشر- السابع عشر (ج 74- 78 الطبعة الحديثة) من البحار، ناسبا له إلى أبي الحسن علي بن الحسين والد الصدوق، الذي مرّ أنّه نسب النجاشي كتاب الإمامة و التبصرة إليه.
و لكن بالرجوع الى سند روايات هذا الكتاب التي نقلها العلّامة المجلسي عنه في البحار يحصل الجزم بأنه ليس هذا الكتاب لوالد الصدوق، لأنه يروي مؤلفه فيه:
عن أبي محمد هارون بن موسى التلعكبري المتوفى سنة 385.
و عن أبي الفضل محمد بن عبد اللّه الشيباني المتوفى سنة 387.
و عن الحسن بن حمزة العلوي.
و عن سهل بن أحمد الديباجي المتوفى سنة 370.
و عن أحمد بن علي الراوي عن محمد بن الحسن بن الوليد الذي توفي سنة 243 (343).
فكيف يكون من يروي عن هؤلاء المشايخ المتأخرين هو والد الصدوق الذي توفي سنة 329، فإنّ رواية المتقدّم عصرا عن المتأخّر و إن وقعت في أحاديثنا، لكنّ المقام ليس منها، بشهادة أنّ الشيخ الصدوق مع إكثاره في الرواية عن أبيه في جميع تصانيفه بل جلّ رواياته في تلك التصانيف الكثيرة عن والده، لم يذكر و لا رواية واحدة لأبيه عن أحد من هؤلاء المشايخ الذين مرّ ذكرهم ممن يروي مؤلف الإمامة و التبصرة عنهم غالبا فيه.
8- مقالات الحنفاء ص 405- 415 ط 2، ضمن مقالة فيما افيد باسم الفقيه المحقّق آية اللّه الحجّة الكوهكمرهاي جوابا لسؤال عن حياة المجلسيّين و عن كتاب بحار الأنوار و منها هذا: (و أعجب من ذلك أن كتاب الإمامة و التبصرة قد نسب فيه الى والد الصدوق، مع أنه لا يساعد سند الكتاب- و لعلّه يشير الى ما ذكره في الذريعة-، ثم قال: بل هو كتاب جامع الأحاديث لمؤلف كتاب العروس.) و نقول:
إنّ من نعم اللّه على (مدرسة الإمام المهديّ- عج- بقم المشرّفة) أن حصلت على نسختين مصوّرتين من كتاب الإمامة و التبصرة و إليك بعض صورتيهما (ص 33-).
الاولى: نسخة العلّامة شيخ الإسلام المجلسي (ره) و هي أول ما اطّلعنا عليها و الموجودة في مكتبة العلّامة المحقّق ثقة الإسلام و المسلمين السيد محمد علي الروضاتي
دامت بركاته، و يسّر اللّه نشر مخطوطاته النفيسة النادرة.
الثانية: ما وجدناه في كتاب عوالم العلوم- مخطوط- للمتبحّر العلّامة، المعاصر للمولى المجلسي، و تلميذه، الشيخ عبد اللّه بن نور اللّه البحراني، باسم كتاب الإمامة و التبصرة لعلي بن الحسين بن بابويه.
و النسخة الاولى تشتمل على قسمين:
1- كتاب الإمامة و التبصرة: و قد كتب في أول الكتاب ما نصّه: «كتاب الإمامة و التبصرة من الحيرة تأليف الفقيه أبي الحسن علي بن الحسين بن موسى بن بابويه».
و في ذيل هذا العنوان على هذه الصفحة مكتوب: «للحقير محمد باقر بن محمد تقي» أي المجلسيّ، و في آخره: «تمّ كتاب الإمامة بحمد اللّه و حسن توفيقه».
2- بعض كتاب «جامع الأحاديث»: تأليف الشيخ الأقدم جعفر بن أحمد بن علي القمي- قدّس سرّه- الذي ألّفه على ترتيب: ألف، باء، ... الى الياء، و قد طبع بطهران سنة 1369 ه ق في المطبعة الإسلامية بتحقيق العلّامة المتتبّع أبي الحسن الشعراني.
توضيحات هامة حول (جامع الاحاديث) و هو القسم الثاني من النسخة الاولى
1- كانت هذه النسخة المخطوطة ناقصة من حرف الألف حتى أوائل حرف الراء، و أول ما يشاهد فيها: «الأشعث عن موسى بن اسماعيل» و تجد هذا في ص 11 من الكتاب المطبوع، فلاحظ النسخة أو صورتها في الكتاب.
2- إنّ الأخبار المودعة فيها لا تناسب عنوان «الإمامة و التبصرة» بل هي تشتمل على معارف و معان مختلفة: أخلاقية، و فقهية، و غيرهما.