کتابخانه روایات شیعه
أَحْسَنُ الْخالِقِينَ ، وَ الصَّلَاةُ عَلَى خَيْرِ خَلْقِهِ مُحَمَّدٍ وَ عِتْرَتِهِ الطَّاهِرِينَ.
أَمَّا بَعْدُ: أُوصِيكَ يَا شَيْخِي وَ مُعْتَمَدِي أَبَا الْحَسَنِ عَلِيَّ بْنَ الْحُسَيْنِ الْقُمِّيَّ وَفَّقَكَ اللَّهُ لِمَرْضَاتِهِ، وَ جَعَلَ مِنْ صُلْبِكَ أَوْلَاداً صَالِحِينَ بِرَحْمَتِهِ- بِتَقْوَى اللَّهِ وَ إِقامِ الصَّلاةِ، وَ إِيتاءِ الزَّكاةِ ، فَإِنَّهُ لَا تُقْبَلُ الصَّلَاةُ مِنْ مَانِعِي الزَّكَاةِ.
وَ أُوصِيكَ بِمَغْفِرَةِ الذَّنْبِ، وَ كَظْمِ الْغَيْظِ، وَ صِلَةِ الرَّحِمِ، وَ مُوَاسَاةِ الْإِخْوَانِ، وَ السَّعْيِ فِي حَوَائِجِهِمْ فِي الْعُسْرِ وَ الْيُسْرِ، وَ الْحِلْمِ عِنْدَ الْجَهْلِ، وَ التَّفَقُّهِ فِي الدِّينِ، وَ التَّثَبُّتِ فِي الْأُمُورِ، وَ التَّعَهُّدِ لِلْقُرْآنِ، وَ حُسْنِ الْخُلُقِ، وَ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ، وَ النَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ، قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ: «لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْواهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ» 38 .
وَ اجْتِنَابِ الْفَوَاحِشِ كُلِّهَا، وَ عَلَيْكَ بِصَلَاةِ اللَّيْلِ، فَإِنَّ النَّبِيَّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ- أَوْصَى عَلِيّاً عَلَيْهِ السَّلَامُ فَقَالَ: يَا عَلِيُّ عَلَيْكَ بِصَلَاةِ اللَّيْلِ (ثَلَاثَ مَرَّاتٍ) وَ مَنِ اسْتَخَفَّ بِصَلَاةِ اللَّيْلِ فَلَيْسَ مِنَّا، فَاعْمَلْ بِوَصِيَّتِي، وَ أْمُرْ جَمِيعَ شِيعَتِي حَتَّى يَعْمَلُوا عَلَيْهِ، وَ عَلَيْكَ بِالصَّبْرِ وَ انْتِظَارِ الْفَرَجِ فَإِنَّ النَّبِيَّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ قَالَ: أَفْضَلُ أَعْمَالِ أُمَّتِي انْتِظَارُ الْفَرَجِ، وَ لَا يَزَالُ شِيعَتُنَا فِي حُزْنٍ حَتَّى يَظْهَرَ وَلَدِيَ الَّذِي بَشَّرَ بِهِ النَّبِيُّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ- أَنَّهُ يَمْلَأُ الْأَرْضَ عَدْلًا وَ قِسْطاً، كَمَا مُلِئَتْ ظُلْماً وَ جَوْراً.
فَاصْبِرْ يَا شَيْخِي وَ أْمُرْ جَمِيعَ شِيعَتِي بِالصَّبْرِ، فَ إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُها مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَ الْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ ، وَ السَّلَامُ عَلَيْكَ وَ عَلَى جَمِيعِ شِيعَتِنَا وَ رَحْمَةُ اللَّهِ وَ بَرَكَاتُهُ، وَ حَسْبُنَا اللَّهُ وَ نِعْمَ الْوَكِيلُ ، نِعْمَ الْمَوْلى وَ نِعْمَ النَّصِيرُ* 39 ..
فهذا التوقيع لوحده يعكس شخصية الصدوق الأول بما تضمّنه من الدعاء و السلام، و طلب التوفيق له لمرضاة اللّه، و رزقه أولادا صالحين من ذرّيّته، فهو في غنى عن مدح العلماء و الفضلاء، و ثناء الباحثين و المحققين، و لهذا سنرى الذرّيّة المباركة لهذه الدعوة المباركة.
ميلاده
لم تذكر كتب التراجم سنة ميلاده، إلّا أنّه ولد بقم، و قد افترض الشيخ النوري خروج التوقيع الشريف- آنف الذكر- سنة وفاة الإمام العسكري عليه السلام و هي 260 ه و قال: كانت مدة بقاء أبي الحسن علي بعد ذلك قريبة من سبعين سنة- من سنة 260 و حتى وفاته سنة 329- فلو كان عند صدور التوقيع من الشيوخ سنّا فهو من المعمّرين، و إلّا فخطاب الشيخ و الفقيه و المعتمد منه عليه السلام الى من هو في السنّ من الأحداث يدلّ على مقام عظيم 40 .
و هذه التفاتة دقيقة من الشيخ النوري- قدس سره-
لقاؤه مع نائب الامام (ع)
قَدِمَ- قَدَّسَ اللَّهُ رُوحَهُ- الْعِرَاقَ وَ اجْتَمَعَ مَعَ أَبِي الْقَاسِمِ الْحُسَيْنِ بْنِ رَوْحٍ رَحِمَهُ اللَّهُ، وَ سَأَلَهُ مَسَائِلَ ثُمَّ كَاتَبَهُ بَعْدَ ذَلِكَ عَلَى يَدِ عَلِيِّ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ الْأَسْوَدِ 41 يَسْأَلُهُ أَنْ يُوصِلَ لَهُ رُقْعَةً إِلَى الصَّاحِبِ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَ يَسْأَلَهُ فِيهَا الْوَلَدَ، فَكَتَبَ- عَلَيْهِ السَّلَامُ إِلَيْهِ: قَدْ دَعَوْنَا 42 اللَّهَ لَكَ بِذَلِكَ، وَ سَتُرْزَقُ وَلَدَيْنِ ذَكَرَيْنِ خَيِّرَيْنِ، فَوُلِدَ لَهُ أَبُو جَعْفَرٍ وَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مِنْ أُمِّ وَلَدٍ، وَ كَانَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحُسَيْنُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ: سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ يَقُولُ: أَنَا وُلِدْتُ بِدَعْوَةِ صَاحِبِ الْأَمْرِ- عَلَيْهِ السَّلَامُ- وَ يَفْتَخِرُ بِذَلِكَ 43 .
وَ يُضِيفُ الصَّدُوقُ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ أَسْوَدَ بِقَوْلِهِ: وَ سَأَلْتُهُ فِي أَمْرِ
نَفْسِي أَنْ يَدْعُوَ اللَّهَ لِي أَنْ يَرْزُقَنِي وَلَداً ذَكَراً، فَلَمْ يُجِبْنِي إِلَيْهِ، وَ قَالَ: لَيْسَ إِلَى هَذَا سَبِيلٌ فَوُلِدَ لِعَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ابْنُهُ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ وَ بَعْدَهُ أَوْلَادٌ وَ لَمْ يُولَدْ لِي شَيْءٌ..
قال مصنّف هذا الكتاب: كان ابو جعفر محمد بن علي الأسود كثيرا ما يقول لي- إذا رآني أختلف الى مجلس شيخنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد (رض) و أرغب في كتب العلم و حفظه-: ليس بعجب أن تكون لك هذه الرغبة في العلم و أنت ولدت بدعاء الامام (ع) 44 .
أما
الشَّيْخُ الطُّوسِيُّ، فَيَرْوِي عَنْ مَشَايِخِهِ عَنِ ابْنِ نُوحٍ بِإِسْنَادِهِ عَنْ مَشَايِخِ أَهْلِ قُمَ أَنَّ عَلِيَّ بْنَ الْحُسَيْنِ بْنِ مُوسَى بْنِ بَابَوَيْهِ كَانَتْ تَحْتَهُ بِنْتُ عَمِّهِ مُحَمَّدِ بْنِ مُوسَى بْنِ بَابَوَيْهِ، فَلَمْ يُرْزَقْ مِنْهَا وَلَداً، فَكَتَبَ إِلَى الشَّيْخِ أَبِي الْقَاسِمِ الْحُسَيْنِ بْنِ رُوحٍ (رض) أَنْ يَسْأَلَ الْحَضْرَةَ أَنْ يَدْعُوَ اللَّهَ أَنْ يَرْزُقَهُ أَوْلَاداً فُقَهَاءَ، فَجَاءَ الْجَوَابُ: (إِنَّكَ لَا تُرْزَقُ مِنْ هَذِهِ وَ سَتَمْلِكُ جَارِيَةً دَيْلَمِيَّةً وَ تُرْزَقُ مِنْهَا وَلَدَيْنِ فَقِيهَيْنِ)..
و قَالَ ابن نوح: و قال لي أبو عبد اللّه بن سورة القمي حفظه اللّه: و لأبي الحسن بن بابويه ثلاثة أولاد: محمد و الحسين فقيهان ماهران في الحفظ و يحفظان ما لا يحفظ غيرهما من أهل قم، و لهما أخ اسمه الحسن و هو الأوسط مشتغل بالعبادة و الزهد لا يختلط بالناس و لا فقه له.
قال ابن سورة: كلّما روى أبو جعفر و أبو عبد اللّه ابنا علي بن الحسين شيئا يتعجب الناس من حفظهما، و يقولون لهما: هذا الشأن خصوصية لكما بدعوة الإمام (عج) لكما، و هذا أمر مستفيض في أهل قم 45 .
و لهذا كان الصدوق الثاني رحمه اللّه يقول: (أنا ولدت بدعوة صاحب الامر (عج)، و يفتخر بذلك 46 كما مر.
و حقّ لهذا الطود العظيم الشامخ أن يفتخر، فهو البحر الطامي، و مفخرة كلّ شيعيّ إمامي، و هو الموج المتلاطم الزخار، و الصدوق فيما يرويه عن الأئمة الأطهار (ع)، شيخ المحدّثين القميين، و رئيس المستحفظين المهديين، و حافظ علوم الملّة و الدين، الذي ولد- كما مرّ- بدعاء الإمام صاحب الزمان (عج) فعمّت بركته
الأنام، و نطقت بفضله الركبان، و لا زالت أنوار مداده تشع في قلوب المؤمنين، و تنير الطريق للسالكين، سيما كتابه الجليل (من لا يحضره الفقيه) أحد الكتب الأربعة عند الطائفة الحقّة، و المعوّل عليها عند كل عالم و فقيه.
مؤلفاته
و للصدوق الأول كتب كثيرة قاربت المائتين في مختلف فنون العلم و الفقه و الدين، قال ابن النديم: قرأت بخط ابنه أبي جعفر محمد بن علي (الصدوق) على ظهر جزء: (قد أجزت لفلان بن فلان كتب أبي علي بن الحسين و هي مائتا كتاب) 47 .
مع أن ابن النديم لم يعطنا اسم أي كتاب بينما ذكر النجاشي و الشيخ الطوسي ما يقارب عشرين كتابا فقط، و إليك أسماؤها:
1- كتاب التوحيد.
2- كتاب الوضوء.
3- كتاب الصلاة.
4- كتاب الجنائز.
5- كتاب الإمامة و التبصرة من الحيرة.
6- كتاب الإملاء.
7- كتاب نوادر كتاب المنطق 48 .
8- كتاب الإخوان.
9- كتاب النساء و الولدان.
10- كتاب الشرائع- و هو الرسالة الى ابنه 49 .
11- كتاب تفسير.
12- كتاب النكاح.
13- كتاب مناسك الحج.
14- كتاب قرب الإسناد 50 .
15- كتاب التسليم 51 .
16- كتاب الطب.
17- كتاب المواريث.
18- كتاب المعراج 52 .
19- كتاب الحج، لم يتمه 53 .
20- رسالة الكر و الفر.
و الرسالة الأخيرة مناظرة مع محمد بن مقاتل الرازي 54 في إثبات إمامة أمير المؤمنين في الريّ الى أن صار محمد بن مقاتل شيعيا 55 .
مكانته عند العلماء
و كانت للصدوق منزلة عظيمة عند الأصحاب لوثاقته و عدالته و كان العلماء يعدّون فتاويه من الأخبار، قال الشهيد في ذكراه: و قد كان الأصحاب يتمسكون بما يجدونه من شرائع الشيخ أبي الحسن بن بابويه رحمه اللّه عند إعواز النصوص لحسن ظنهم به، و إنّ فتواه كروايته 56 .
و ذكر المجلسي في الصدوقين، و لذا ينزل أكثر أصحابنا كلامه و كلام أبيه (رض) منزلة النصّ المنقول و الخبر المأثور 57 .
لأنه أول من ابتكر طرح الأسانيد و جمع بين النظائر و أتى بالخبر مع قرينه علي بن بابويه في رسالته إلى ابنه، و جميع من تأخّر عنه يحمد طريقه فيها، و يعوّل عليه في مسائل لا يجد النص فيها لثقته و أمانته و موضعه من الدين و العلم 58 .
مشايخه و أساتذته
تتلمذ شيخنا الصدوق على كثير من المشايخ العظام، و أساتذة علوم الفقه و الحديث فجال في طلبهم البلدان، و ترك في سبيل ملاقاة حملة العلم و أئمة الدين الأوطان، إلّا أنّنا لا نستطيع حصر أسمائهم، لضياع أغلب كتبه و مؤلفاته، و قد جمعنا أسماء بعض مشايخه من خلال كتبه الموجودة بين أيدينا و هم:
1- إبراهيم بن عبدوس الهمداني.
2- أحمد بن ادريس 59
3- أحمد بن علي التفليسي 60 4- حبيب بن الحسين الكوفي التغلبي 61 5- الحسن بن احمد القمي الأسكيف 62 6- الحسن (الحسين خ. ل) بن احمد المالكي 63 7- حسن بن علي العاقولي (القاقولي) 64 8- الحسن بن علي بن الحسن (الحسين خ. ل) الدينوري العلوي 65 9- الحسن بن محمد بن عبد اللّه بن عيسى 66 10- الحسين بن محمد بن عامر 67 11- الحسين بن موسى 68 12- سعد بن عبد اللّه بن أبي خلف الأشعري القمي أبو القاسم المتوفى سنة 301 و قيل سنة 299 69 .
13- عبد اللّه بن جعفر أبو العباس الحميري «صاحب كتاب قرب الاسناد» 70 .
14- عبد اللّه بن الحسن المؤدب. 71 15- علي بن إبراهيم بن هاشم أبو الحسن القمي 72 .
16- علي بن الحسين بن علي الكوفي 73 .
17- عليّ بن الحسين السعد آبادي 74 .
18- علي بن سليمان الرازي 75 .
19- علي بن محمد بن قتيبة 76 .
20- علي بن موسى بن جعفر بن أبي جعفر الكميداني 77 .
21- القاسم بن محمد بن علي بن ابراهيم النهاوندي، وكيل الناحية 78 .
22- محمد بن أبي عبد اللّه 79 .
23- محمد بن أبي القاسم ماجيلويه 80 .
24- محمد بن أحمد الأسدي 81 .
25- محمد بن أحمد بن علي بن الصلت 82 .
26- محمد بن إسحاق بن خزيمة النيسابوري 83 .
27- محمد بن الحسن الصفار المتوفى سنة 290 بقم 84 .
28- أبو جعفر محمد بن علي الشلمغاني المعروف بابن أبي العزاقر 85 .
29- محمد بن معقل القرميسيني 86 .