کتابخانه روایات شیعه
قال اللّه تعالى:
وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَ لَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضى لَهُمْ وَ لَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً ... (النور/ 55) وَ نُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَ نَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَ نَجْعَلَهُمُ الْوارِثِينَ. وَ نُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ ... (القصص/ 5، 6) وَ لَقَدْ كَتَبْنا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُها عِبادِيَ الصَّالِحُونَ. إِنَّ فِي هذا لَبَلاغاً لِقَوْمٍ عابِدِينَ. وَ ما أَرْسَلْناكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ (الأنبياء 105- 107)
الامامة و التّبصرة من الحيرة
للفقيه المحدّث ابى الحسن علىّ بن الحسين بن بابويه القميّ والد الشّيخ الصّدوق (ره) المتوفّى سنة تناثر النّجوم 329 ه ق تحقيق و نشر مدرسة الامام المهدي عليه السّلام قم المقدّسة
[المقدمة]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ* الحمد للّه الذي أوجب الحمد على عباده بنعمه عندهم آنفا و استوجب منهم- بما وفّقهم لذلك الحمد على تلك النعم- شكرا مستأنفا.
و سبحان من ليس معه لأحد في الآنف من النعمة، و المستأنف من الشكر صنع في إحداث موهبة، و لا في إلهام شكر، بل برأفته أولى النعم، و بتحنّنه ألهم الشكر، و بتفضّله بسط في ذلك كلّه التوفيق، و بحكمته أرشد إلى الهدى، و بعدل قضائه لم يجعل فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ ، و لم يدع إليه بسبيل غامض (و لو بان الدالّ) 123 عليه عن الكلام المتداول على الألسنة، بينونته- جلّ ثناؤه- عن عباده، لحارت الأسماع عن إصغائه، و تاهت الأفئدة عن بلوغه، و غربت الأفهام عن حمله غروبها عن كيفيّة اللّه- جلّت أسماؤه- و الحمد للّه الذي كان من لطيف صنعه و انفاذ حكمته أن لم يحمل علينا في ذلك إصرا، و جعل سفيره- فيما دعا إليه- خيرته من خلقه محمّدا صلّى اللّه عليه و آله، و بيّن منه- في أيام الدعوة، و قبل حدوث النبوّة و إظهار الرسالة- عناصر طيبة و أعراقا طاهرة و شيما مرضيّة 124 .
و جعله المقتدى به في مكارم الأخلاق، و المشار إليه بمجانبة الأعراض التي تمنع التقديم و التأخير، و تحجزت بالتقديس و التفضيل، حتى دعانا إلى اللّه جلّ جلاله بكلام مفهوم، و كتاب عزيز لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَ لا مِنْ خَلْفِهِ، تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ 125 .
فجعل الداعي منزّها عن دنيّة تحجزه عن قول معروف، و مصونا بالعصمة عن أن ينهى عن خلق و يأتي بمثله، و الرسالة مباينة عن أن يأتيها الباطل من بين يديها أو من خلفها.
و منّ على خلقه أن جعل الداعي معهودا بالمجاورة، و الدعوة مشهورة بالمجاورة، و أوكد في ذلك على عباده الحجة أن دعا إلى حق لا يجمع مختلفين و لا يضمّ إلّا متفقين.
و جعل عباده- على اختلاف هممهم و اتّساع خلائقهم- بمعزل عن السبيل التي لَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْواءَهُمْ، لَفَسَدَتِ السَّماواتُ وَ الْأَرْضُ وَ مَنْ فِيهِنَ 126 و مباينة من الحالة التي يملكون فيها لأنفسهم نفعا أو ضرّا، و أوكل عجزهم 127 ، و ضعف آرائهم إلى أئمة أصفياء، و حفظة أتقياء، عن اللّه يبلّغون، و اليه يدعون، و بما يأمرون به من الخيرات يعملون، و عمّا ينهون عنه ينتهون وَ لا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضى، وَ هُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ 128 .
فالحمد للّه على جميع هذه النعم الحسنة، حمدا يؤدّى به الحق، و يستجلب به المزيد.
و صلّى اللّه على محمّد و آله صلاة ترفع إليه و تزكو عنده، و تدلّ على اشتمال الثبات، و استقرار الطويّات على أنهم للّه علينا حجّة، و إليه لنا قادة و عليه- تبارك اسمه- أدلّة، و في دينه القيّم شريعة و سالفة، و أنّ كلمتهم لا تبطل و حجتهم لا تدحض، و عددهم لا يختلف، و نسبهم لا ينقطع، حتى يرث اللّه- جلّ جلاله
الْأَرْضَ وَ مَنْ عَلَيْها و هو خَيْرُ الْوارِثِينَ ، و يظهرهم عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَ لَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ* «قال الشيخ ابو الحسن علي بن الحسين بن موسى بن بابويه الفقيه رحمه اللّه» 129 .
انّي لمّا بذلت فيما أخلدت من الكتب وسعي، و أخرجت فيما لزمنى من ذلك جهدي، وجدت الصلاة تجمع حدودا كثيرة، و الصوم يشمل امورا وافرة و الزكاة تضمّ معاني مختلفة، و الحجّ يحوي مناسك جمّة.
و وجدت حمل هذه الأشياء الجليلة، و ملابسة هذا الدين القيّم، و تبصرة ما ذكرت من هذه الأحوال، لا تنال إلّا بسابقة إليه و إمام يدلّ عليه، و أنّ من هداه اللّه لذلك ارتشد سبيله و انتفع بعلمه و عمله، و من أضله أضلّ سبيله و حبط عمله، و خَسِرَ الدُّنْيا وَ الْآخِرَةَ ذلِكَ هُوَ الْخُسْرانُ الْمُبِينُ و علمت أنّ الامامة حال بها يدرك حدود الصلاة، و شرائع الصوم، و معاني الزكاة، و مناسك الحجّ.
و رأيتها أجلّ عروة محكمة، و أوثق سبيل منهجة.
و رأيت كثيرا ممن صحّ عقده، و ثبتت على دين اللّه وطأته، و ظهرت في اللّه خشيته، قد أحادته الغيبة، و طال عليه الأمد حتى دخلته الوحشة، و أفكرته 130 الأخبار المختلفة، و الآثار الواردة، فجمعت أخبارا تكشف الحيرة و تجسم النعمة 131 و تنبئ عن العدد، و تؤنس من وحشة طول الأمد.
و باللّه للصواب أرتشد، و على صالح القول أستعين، و ايّاه أسأل أن يحرس الحق و يحفظه على أهله، و يصون مستقرّه و مستودعه.
«أسباب اختلاف الروايات و موجبات الحيرة و الاشتباه» فلأجل الحاجة إلى الغيبة اتّسعت الأخبار، و لمعاني التقيّة و المدافعة عن.
الأنفس اختلفت الروايات وَ ما كانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْماً بَعْدَ إِذْ هَداهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ ما يَتَّقُونَ
132 .
و لولا التقية و الخوف، لما حار أحد، و لا اختلف اثنان، و لا خرج شيء من معالم دين اللّه- تعالى- إلّا على كلمة لا تختلف و حرف لا يشتبه.
ولكنّ اللّه- عظمت أسماؤه- عهد إلى أئمة الهدى في حفظ الأمة، و جعلهم في زمن مأذون لهم باذاعة العلم، و في آخر حلماء يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لا يَرْجُونَ أَيَّامَ اللَّهِ لِيَجْزِيَ قَوْماً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ 133 .
عظم هذا من أمر و جلّ! و لأمر ما وقع و حلّ!.
و غير عجب أن يحدث في مثله من الأوقات خبر يحمي خيط الرقبة 134 .
و يحرس بفضل المداراة جمهور البيضة.
و في مثل هذا الزمن خولف الأمر في العدد، حتى أوقع في الظاهر أمر ما لا خلاف في استبطانه، و كشف عن سبب لا شك في كتمانه.
و ليست إشارة مشهورة و اذاعة بيّنة أن يقول وليّ من أولياء اللّه و ثقة من خزّان أسرار اللّه أنّ صاحب هذا الأمر أثبت 135 منّي، و أخفّ ركابا.