کتابخانه روایات شیعه
عنقه، ففعل، فعظم ذلك على بني اسرائيل، و قالوا: رجل جاء يتظلّم من رجل ظلمه.
فأمر الظالم أن يضرب عنق المظلوم. فقال: يا رب انقذني من هذه الورطة فاني بأمرك أمرت.
فأوحى اللّه إليه سألتني أن ألهمك القضاء بين عبادي بالحق، فاعلم ان هذا المستعدي الذي هو عند الناس مظلوم قتل أبا من استعدي عليه سرّا و هو عندهم ظالم له. فألهمتك القود منه فهو المدفون في حائط كذا و كذا تحت شجرة. ناده باسمه فانّه يخبرك بقصته.
ففرّج عن داود و قال ذلك لبني اسرائيل و مضى الى الموضع فنادى القتيل: يا فلان.
فقال له: لبيك يا نبيّ اللّه.
قال: من قتلك؟.
فقال: فلان الفلاني قتلني.
و كانت بنو اسرائيل بعد ذلك يقولون لداود يا نبيّ اللّه و انما كانوا يقولون له يا خليفة اللّه.
ثم أوحى اللّه الى داود أن الناس لا يحتملون إلّا الظاهر دون الباطن فاسأل المدّعي البينة و أضف المدّعى عليه الى اسمي يعني اليمين باللّه جل و عز.
قال: و صار إليه صاحب الحرث و الزرع فتحاكما إليه فحكم داود بما حكمت به الأنبياء قبله و هو ان لصاحب الحرث رقاب الغنم بما أفسدت عليه من زرعه، و كان كرما قد أينع، فألهم اللّه (سليمان) في تلك الحال لما شاء أن يظهر من أمره و يدلّ الناس عليه أن قال أي غنم نفشت في زرع فليس لصاحب الزرع إلّا ما يخرج من بطون الغنم في تلك السنة فجرت السنّة بعد سليمان بذلك فحكم كلّ واحد منهما بحكم اللّه. و كانت هذه إشارة في سليمان عليه السّلام.
و روي ان اللّه تبارك و تعالى أوحى إلى داود ان أردت أن أعطف عليك بقلوب عبادي فاحتجز الايمان بيني و بينك و تخلق للناس بأخلاقهم (و روي) ان اللّه عز و جل أوحى الى داود ان لي و للجن و الانس يوم القيامة نبأ عظيما، أخلقهم و يعبدون غيري، و أرزقهم و يعبدون سواي.
و روي انّه أوحى اللّه إليه يا داود كما لا تضيق الشمس على من جلس فيها كذلك لا تضيق رحمتي على من دخل فيها و كما لا يضر الطير من يتطير منها كذلك لا ينجو من الفتنة المتطيرون و كما ان أقرب الناس من اللّه يوم القيامة المتواضعون كذلك أبعد الناس من اللّه المتكبرون.
و روي انّه أوحى اللّه إليه يا داود مالي أراك منتبذا؟.
قال: أعيتني الخليقة فيك.
قال: فما ذا تحبّ؟.
قال: محبتك.
قال: من محبتي التجاوز عن عبادي فإذا رأيت لي مريدا فكن له خادما.
و ولد (سليمان) فلما ترعرع أوحى اللّه إلى داود انّه القيم بالأمر بعدك.
فصعد داود المنبر فحمد اللّه و أثنى عليه ثم قال: ان اللّه جل جلاله أمرني أن استخلف سليمان عليكم بعدي.
فضجّت رؤساء أسباط بني اسرائيل و قالوا: غلام حدث يستخلف علينا و فينا من هو أعلم منه و نحن كبراء بني اسرائيل.
فبلغ ذلك داود فجمعهم و قال لهم: احضروا لي عصيّكم فأية عصا أورقت و أثمرت فصاحبها ولي الأمر بعدي.
فسروا بذلك و قالوا: قد رضينا.
و أحضروا العصي و كتب عليها أسماء أصحابها و أدخلها بيتا، و غلق الباب، و أجلس رؤساء الأسباط على الباب يحرسون عصيّهم فلما أصبح صلّى بهم الغداة، ثم فتح الباب فأخرج عصيّهم و قد أورقت عصا سليمان و أثمرت.
و روي انّه حمل سليمان فطاف به في بني اسرائيل ينادي هذا خليفتي من بعدي.
و مات داود عليه السّلام و عقدوا الأمر لبعض أولاده غير سليمان، و اعتزلهم سليمان فاتصل الخبر بنبي من أنبياء بني اسرائيل يقال له (أرميا) و كان متخليا في بعض الجبال فنزل و صار الى سليمان فقال له: يا نبي اللّه ان بني إسرائيل قد عقدوا الأمر لغيرك.
فأمسك عنه سليمان عليه السّلام فلم يزل (أرميا) يسأله الى ان اقامه و أخرجه و أركبه بغلة داود و ألبسه عمامته و وضع على رأسه شبيها بالقرن كان إذا وضع على رأس الامام يسمع له صوت كصوت خرير الماء ثم شدّ (أرميا) وسطه بشريط و أخذ بزمام بغلة سليمان عليه السّلام و طاف به مناديا في بني اسرائيل: هذا حجّة اللّه عليكم.
فانفضّ الناس عن الرجل الذي كانوا نصبوه و عادوا الى سليمان و كان الرجل المنصوب أحد أولاد داود و كان بنوا اسرائيل يميلون إليه لأن أمه كانت منهم و لم تكن أم سليمان منهم.
و روي ان داود عليه السّلام أوّل من صنع بناء بيت المقدس فبنى بعضه و تممه سليمان و نصب فيه المحاريب.
فقام سليمان (صلوات اللّه عليه) بأمر اللّه جل ذكره
و نوره و حكمته و جميع مواريث الأنبياء.
ثم انّه لما استوى له الأمر قام خطيبا فذكر اللّه و أثنى عليه ثم قال: يا أيها الناس «عُلِّمْنا مَنْطِقَ الطَّيْرِ وَ أُوتِينا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ إِنَّ هذا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ» و سخّر اللّه له الجنّ و الانس و الطير و الهوام و السباع و كان لا يسمع بملك في ناحية من أقطار الأرض إلّا أتاه يذلّه و يدخله في الاسلام.
و روي ان القحط اشتد في زمانه فشكا الناس إليه ذلك و سألوه أن يستسقي لهم فخرج معهم فلما صار في بعض الطريق إذا هو بنملة رافعة يديها الى السماء واضعة رجليها في الأرض و هي تقول اللّهم انّا خلق من خلقك و لا غنى بنا عن رزقك فلا تهلكنا بذنوب بني آدم.
فقال سليمان لأصحابه: ارجعوا فقد سقيتم بغيركم.
فسقوا في ذلك العام ما لم يسقوا مثله.
و روي ان الهدهد كان يدلّ أصحاب سليمان عليه السّلام فلم يلبث أن أتى سليمان «فَقالَ أَحَطْتُ بِما لَمْ تُحِطْ بِهِ وَ جِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ»
فكتب معه بما قصّ اللّه جل و عز به و استعجله فقال له: كيف تستعجلني يا نبي اللّه و أنا أخاف سباع الطير يعني الجوارح تأكلني.
فأرسل معه الصقر- و روي العقاب- و أمره بحفظه و لذلك صار العقاب رئيس الجوارح.
فمضى الهدهد حتى ألقى الكتاب الى ملكة سبأ و هي على سرير الملك فجمعت أهل مملكتها و قالت «أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتابٌ كَرِيمٌ» و روي انّه مختوم و ان أوّله «بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ» ثم قالت لهم: ما ذا تأمرون؟.
قالوا: نحن أولو قوّة و أولو بأس شديد و الأمر إليك فانظري ما ذا تأمرين؟.
و قالت لهم ما قص اللّه به جل و تعالى ثم اهدت إليه من الوصائف و العبيد و الخيل و ساير الأصناف ما له مقدار جليل عظيم.
فقال سليمان عليه السّلام للرسل: «أَ تُمِدُّونَنِ بِمالٍ فَما آتانِيَ اللَّهُ خَيْرٌ مِمَّا آتاكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ»
فرجع الرسل إليها فقالوا لها: ما هذا ملكا و مالنا به طاقة.
فبعثت إليه: اني قادمة عليك بملوك قومي حتى أمتثل أمرك.
ثم أمرت بسرير ملكها و كان من ذهب مرصّعا بالياقوت و الزبرجد و اللؤلؤ و جعلته في سبعة أبيات بعضها في جوف بعض و غلقت الأبواب كلّها و كانت تخدمها ستمائة جارية فقالت لمن خلفت على سلطانها احتفظوا بسريري لا يصل إليه أحد حتى أرجع.
ثم خرجت نحو سليمان عليه السّلام و كان ملكها باليمن فشخصت في اثني عشر فيلا من أفيال اليمن و الفيل الملك و جعل الجنّ يأتون سليمان بخبرها حتى اذا قربت «قالَ ... أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِها قَبْلَ أَنْ يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ»
و كان من قصة العفريت ما قص اللّه به فقال آصف بن برخيا عليه السّلام «أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ»
و كان آصف كاتب سليمان عليه السّلام في تلك الحال و ابن عمّه و وصيّه و زوج ابنته فروي ان الأرض طويت حتى تناول السرير في أسرع وقت من طرف العين و أمر سليمان أن
ينكر لها عرشها فنكر فلما قدمت و كان من أمرها ما قصّ اللّه به «قِيلَ لها أَ هكَذا عَرْشُكِ قالَتْ كَأَنَّهُ هُوَ»
ثم أمر سليمان عليه السّلام بالصرح و قد عملته الشياطين من زجاج كأنّه الماء بياضا ثم أرسل الماء تحته و وضع سريره فيه و جلس «و قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ» و أراد بذلك أن يريها ملكا أعظم من ملكها.
فلما رأته حسبته لجّة و كشفت عن ساقيها و جعلت تسأله حتى سألته عن الربّ جلّ جلاله و أخبرها ثم دعاها الى عبادة اللّه و نهاها عن عبادة الشيطان من دون اللّه و ذكرها بأيام اللّه عز و جل فقالت عند ذلك «إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَ أَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ» و حسن اسلامها.
فلما فرغ من أمرها قال لها: اختاري لنفسك رجلا من قومك أزوّجك به.
فزوجها (ذا تبع) ملك همدان باختيارها و ردّها الى اليمن، فلم يزل ذو تبع ملكا باليمن الى أن قبض سليمان عليه السّلام.
قال و جلس سليمان يعرض الخيل لبعض الغزوات و كانت تعجبه فتشاغل بعرضها عن التسبيح حتى غابت الشمس و كان عددها أربعة عشر رأسا فلما أمسى ندم على ما صنع و قال: شغلتني الخيل عن ذكر ربي فأمر بها فعوقبت و ضربت أعناقها.
فروي عن أبي جعفر محمد بن علي الباقر عليه السّلام انّه قال قتل الخيل عند اللّه أعظم عن ترك التسبيح.
قال: فسقط خاتمه من اصبعه و كان حلقة من ياقوت أحمر من الجنّة عليها صورة كرسي فأعاده إلى اصبعه فسقط ثلاث مرّات فقال له آصف: انّه لن يتماسك الخاتم في يدك أربعة عشر يوما بعدد الخيل التي قتلتها فادفع إلي الخاتم حتى أقوم مقامك و أهرب الى اللّه عز و جل و آخذ بالاستغفار و التوبة. و كانت هذه اشارة من آصف عن نفسه.
و قال له: اني أسير في رعيتك و أهل بيوتك بسيرتك الى ان ترجع.
فدفع سليمان الخاتم الى (آصف) فلما جعله في اصبعه ثبت. فأقام في ملك سليمان يعمل عمله، و ألقى اللّه عليه شبه سليمان عليه السّلام فلم يفقد سليمان أحد من الناس إلّا حرمه.
ثم رفع سليمان إلى مجلسه، فلما بصر به قام على رجليه و تنحى له من مجلسه حتى جلس فيه فأخذ الخاتم و وضعه في يده فثبت.
و حدثه آصف بما عمل في تلك الأيام التي غاب فيها فدعا سليمان ربّه و ناجاه و قال يا ربّ أتخوّف ان يعلم بنو اسرائيل بما كان مني فتنقص منزلتي عندهم «ف هَبْ لِي مُلْكاً لا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ» ، فاعطي زيادة في ملكه و سخّر اللّه له الريح تجري بأمره رخاء حيث أصاب ثم أوحى إليه في تلك الحال «هذا عَطاؤُنا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسابٍ» ثم أثنى اللّه عليه عند أهل مملكته و عالمه ان له عندنا لزلفى و حسن مآب، و كان إذا أراد الركوب أمر بجمع العسكر و ضربت له الخشب ثم جعل عليه الناس و الدواب و آلة الحرب كلّها حتى اذا حمل على ذلك الخشب كلّ ما يريد أمر الريح فدخلت تحت الخشب و حملته حتى ينتهي به الى حيث يريد.
و روي انّه خرج في وقت من الأوقات من بيت المقدس على هذه السبيل عن يمينه ثلاثمائة كرسي عليها الانس و عن يساره ثلاثمائة ألف كرسي عليها الجن و أمر الطير فأظلتهم و الريح تحملهم حتى ورد (المدائن) من يومه ثم رجع فبات ب (اصطخر) ثم غدا فانتهى الى (جزيرة كاوان) ثم أمر الريح أن تحفظهم حتى كادت أقدامهم تلحق الماء فقال بعضهم لبعض هل رأيتم ملكا أعظم من هذا؟.
فروي انّه مر برجل حراث من بني اسرائيل فلما رأى الرجل ذلك الملك قال: الحمد للّه لقد أوتي آل داود ملكا عظيما.
فألقت الريح الكلام في اذن سليمان فمال إليه فلما رآه فزع فقال له: سليمان أي شيء قلت؟
فجحد ما قاله. فلم يزل به الى أن قال: قلت: الحمد للّه أكثر ممّا أوتي داود آل داود.
و كان لسليمان ثلاثمائة زوجة مهيرة و سبعمائة سرية و ملك مشارق الأرض و مغاربها و ملك سبعمائة سنة و ست عشرة سنة و ستة أشهر و لم يزل يدبر أمر اللّه جل و عز فلما حضرت وفاته أوحى اللّه إليه ان يجعل وصيّه و المواريث و النور و الحكمة الى (آصف بن برخيا) فأوصى و سلّم إليه ذلك و مضى عليه السّلام و كان في قبّة زجاج فكان من قصته ما نبأنا
اللّه من أمر منسأته الى قوله لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ ما لَبِثُوا فِي الْعَذابِ الْمُهِينِ
و قام آصف بن برخيا بأمر اللّه
و أعطاه اللّه عز و جل من الاسم الأعظم حرفا و كان يرى المعجزات.
و في أيامه ملك «كشتاسب» مائة و ستا و عشرين سنة، و في أربعة و ثلاثين سنة من ملكه ظهر أمر «الهرابذة» و بنى مدينة بفارس سمّاها «نشا» و تسلّط اليهود على نسل داود فقتلوا منهم مائة و عشرين نبيّا و قتلوا من شيعة الأنبياء خلقا كثيرا فعند ذلك لعنهم اللّه باللعنة التي لعن بها ابليس و مسخهم قردة و خنازير و أنواعا شتى من المسوخ في البر و البحر و منهم الجري و المارماهي و الزمار على حسب ذنوبهم و كفرهم مسخ كلّ صنف و كان أمر اللّه مفعولا.
و لما حضرت «آصف» الوفاة أوحى اللّه إليه أن يستودع نور اللّه و حكمته و جميع ما في يديه ابنه «صفورا» فدعاه و سلّم إليه التابوت و الوصيّة و مضى.
و قام صفورا بن آصف عليهما السّلام بأمر اللّه جل و عز
فاتبعه المؤمنون من بني اسرائيل فلما حضرته الوفاة أوحى اللّه إليه ان استودع الاسم الأعظم و التابوت و الحكمة و النبوّة الى ابنك «مبنه» و أحضره و أوصاه و سلّم إليه و مضى.
و قام مبنه بن صفورا عليهما السّلام بأمر اللّه جل و علا
فعند ذلك و في أيامه ملك أردشير بن اسفنديار مائة و اثنتي عشرة سنة.
و في خمس سنين من ملكه بنى مدينة بفارس و سماها «اصطخر» و سيكون فيها ملحمة عظيمة في آخر الزمان على ما روي عن عالم أهل البيت عليهم السّلام.