کتابخانه روایات شیعه
فاطمة في قبر واحد.
و كان الحسين عليه السّلام قد عزم على دفنه مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فمنعت عائشة من ذلك و ركبت بغلة لها و خرجت تؤلّب الناس عليه و تحرّضهم.
فلما رأى الحسين عليه السّلام ذلك دفنه بالبقيع مع أمّه، و لقتها بعض بني هاشم- و روي ان ابن عباس لقيها- منصرفة الى منزلها فقال لها: اما كفاك أن يقال يوم الجمل حتى يقال يوم البغل؟ يوما على جمل و يوما على بغل بارزة عن حجاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله تريدين إطفاء نور اللّه؛ و اللّه متمّ نوره و لو كره المشركون، انّا للّه و انّا إليه راجعون.
فقالت له: إليك عني أفّ لك.
و روي ان الحسين عليه السّلام عند ما فعلت عائشة وجّه إليها بطلاقها، و كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله جعل طلاق أزواجه بعده الى أمير المؤمنين عليه السّلام و جعله أمير المؤمنين بعده الى الحسن و جعله الحسن الى الحسين عليهما السّلام.
و قال النبيّ (صلوات اللّه عليه): ان في نسائي من لا تراني يوم القيامة و تلك من يطلّقها الأوصياء بعدي.
الحسين الشهيد عليه السّلام
و قام الحسين مقام الحسن بأمر اللّه بعده.
و روي عن عالم أهل البيت عليهم السّلام انّه قال: ان جبرئيل عليه السّلام هبط على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فأخبره ان فاطمة ابنته تلد ابنا، و أمره أن يسمّيه الحسين، و عرفه ان أكثر أمته يجتمع على قتله. فعرّف رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أمير المؤمنين و فاطمة عليهما السّلام ذلك، فقالت فاطمة: لا حاجة لي فيه و سألت اللّه أن يعفيها من ذلك.
فأوحى اللّه جلّ و علا الى نبيّه صلّى اللّه عليه و آله أن يعرّفهما انّه يعوّض للحسين عن القتل أن يجعل الإمامة و ميراث النبوّة و الوصيّة و العلم و الحكمة في ولده الى يوم القيامة.
فعرّفهما النبيّ صلّى اللّه عليه و آله ذلك، فقالا: قد رضينا بما يحكم اللّه لنا.
فروي ان فاطمة عليها السّلام ولدت الحسن عليه السّلام أوّل النهار و حملت بالحسين عليه السّلام في ذلك
اليوم؛ لأنّها كانت طاهرة مطهّرة و لم يصبها ما يصيب النساء.
و كان الحمل به ستة أشهر، و كانت ولادته مثل ولادة رسول اللّه و أمير المؤمنين و الحسن (صلوات اللّه عليهم).
قال: فلما ولد الحسين، هبط جبرئيل عليه السّلام في ألف ملك يهنّون النبيّ صلّى اللّه عليه و آله بولادته، فمر بملك من الملائكة يقال له (فطرس) في جزيرة من جزائر البحر بعثه اللّه عز و جل في أمر من الامور فأبطأ فيه فكسر جناحه و أزيل عن مقامه و أهبط الى تلك الجزيرة، فمكث فيها خمسمائة عام؛ و كان صديقا لجبرئيل عليه السّلام فيما مضى. فقال له: أين تريد؟
قال: انّه قد ولد لمحمّد النبيّ صلّى اللّه عليه و آله مولود في هذه الليلة فبعثني اللّه في ألف ملك لأهنّئه.
فقال له: يا جبرئيل احملني إليه لعلّه يدعو لي.
فحمله، فلما أدّى جبرئيل عليه السّلام الرسالة، و نظر النبي الى فطرس قال: يا جبرئيل من هذا؟
فأخبره بقصّته.
فالتفت إليه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فقال: هل امسح جناحك على هذا المولود؟
فمسح فطرس جناحه على الحسين عليه السّلام فردّه الله الى حالته الاولى.
فلما نهض قال له النبيّ صلّى اللّه عليه و آله: فان اللّه قد شفعني فيك، فالزم أرض كربلاء، فأخبرني بكلّ من يأتي الحسين زائرا الى يوم القيامة.
قال: فذلك الملك يسمّى عتيق الحسين عليه السّلام.
فأقام الحسين مع النبيّ صلّى اللّه عليه و آله سبع سنين، و تولّى رسول اللّه تغذيته و تأديبه و تعليمه، و أنزل اللّه تبارك و تعالى «إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً»
و روي ان أمير المؤمنين و الحسن و الحسين صلوات اللّه عليهم كانوا شركاء في الوصية و الإمامة، فتقدّم أمير المؤمنين عليه السّلام بما خصّه اللّه- عز و جل- به و تقدّم الحسن بالكبر.
و أقام الحسين مع أمير المؤمنين عليه السّلام ثلاثين سنة، و مع أبي محمد عشر سنين، فلما حضرت وفاة أبي محمّد عليه السّلام أحضره و سلّم إليه جميع مواريث الأنبياء، فقام بأمر اللّه عز و جل؛ و الملك في ذلك الوقت لمعاوية.
ثم توفي معاوية في سنة ستين من الهجرة و عهد الى اللعين ابنه يزيد (لعنه اللّه) فملك بعد أبيه و طالب أبا عبد اللّه عليه السّلام بمبايعته، فامتنع عليه من ذلك.
و روي انّه لمّا أصيب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله بإبراهيم ابنه من مارية القبطية جزع عليه جزعا شديدا حتى قال صلّى اللّه عليه و آله: القلب يجزع و العين تدمع و انّا عليك لمحزونون و ما نقول ما يسخط الربّ.
فهبط عليه جبرئيل عليه السّلام فقال له: الرّب جل جلاله يقرأ عليك سلامه و يقول: اما ان يختار حياة إبراهيم فيردّه اللّه حيّا و يورثه النبوّة بعدك فيقتله أمتك فيدخلها اللّه النّار، أو يبقى الحسين سبطك و يجعله اللّه إماما بعدك فيقتله نصف أمتك بين قاتل له و معين عليه و خاذل له و راض بذلك و مبغض فيدخلهم اللّه بذلك النار.
فقال: يا ربّ لا أحبّ أن تدخل أمتي كلّها النار. و بقاء الحسين أحبّ، و لا تفجع فاطمة به.
قال: و كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله إذا قبّل ثنايا الحسين و لثاته قال له: فديت من فديته بإبراهيم.
و لمّا عزم الحسين عليه السّلام على الخروج الى العراق بعد ان كاتبه أهل الكوفة و وجّه مسلم ابن عقيل إليهم على مقدّمته فكان من أمره ما كان و أراد الخروج بعثت إليه أم سلمة: انّي اذكّرك اللّه يا سيدي أن لا تخرج.
قال: و لم؟
قالت: سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يقول: يقتل الحسين ابني بالعراق. و أعطاني من التربة قارورة أمرني بحفظها و مراعاة ما فيها.
فبعث إليها: و اللّه يا امّاه اني لمقتول لا محالة فأين المفر من قدر اللّه المقدور؟ ما من الموت بدّ و اني لأعرف اليوم و الساعة و المكان الذي اقتل فيه، و أعرف مكان مصرعي
و البقعة التي أدفن فيها، و أعرفها كما أعرفك، فان أحببت أن أريك مضجعي و مضجع من يستشهد معي فعلت.
قالت: قد شئت و حضرته.
فتكلّم باسم اللّه عز و جل الأعظم فتخفّضت الأرض حتى أراها مضجعه و مضجعهم، و أعطاها من التربة حتى خلطتها معها بما كان.
ثم قال لها: اني أقتل في يوم عاشوراء و هو اليوم العاشر من المحرّم بعد صلاة الزوال، فعليك السلام .. رضي اللّه عنك يا أمّاه برضانا عنك.
و كانت أم سلمة تسأل عن خبره و تراعي قرب عاشوراء.
و خرج محمد ابن الحنفية يشيّعه فقال له عند الوداع: يا أبا عبد اللّه! اللّه اللّه في حرم رسول اللّه.
فقال له: أبى اللّه إلّا أن يكنّ سبايا.
و كان من مصيره الى النهرين ما رواه الناس.
و توجّه عبيد اللّه بن زياد (لعنه اللّه) بالجيوش من قبل يزيد في ثمانية و عشرين ألفا.
فلما صافه للحرب عليه السّلام صلّى الحسين بأصحابه الغداة. و روي انّه كان ذلك من يوم العاشر من المحرم سنة إحدى و ستين .. قام خطيبا فحمد اللّه و أثنى عليه و قال لأصحابه:
«ان اللّه عز و جل قد اذن في قتلكم اليوم و قتلي و عليكم بالصبر و الجهاد».
و روي ان عدتهم في ذلك اليوم كانت واحدا و ستين رجلا و ان اللّه- عز و جل- انتصر و ينتصر لدينه منذ أوّل الدهر الى آخره بألف رجل.
فسئل عن تفصيلهم؛ فقال: ثلاثمائة و ثلاثة عشر أصحاب طالوت، و ثلاثمائة و ثلاثة عشر أصحاب يوم بدر مع النبيّ صلّى اللّه عليه و آله، و ثلاثمائة و ثلاثة عشر أصحاب القائم عليه السّلام. بقي واحد و ستون رجلا هم الذين قتلوا مع الحسين عليه السّلام في يوم الطف.
فروي ان الحسين عليه السّلام قال في خطبة ذلك اليوم- فيما حفظ من كلامه-: ألا و ان الدعيّ ابن الدعي قد ركز بين اثنتين؛ بين السلّة و الذلّة. و هيهات منّا الذلّة. يأبى اللّه ذلك لنا و رسوله و المؤمنون و حجور طابت و طهرت. نؤثر مصارع الكرام على طاعة اللئام.
ألا و اني زاحف بهذه العصابة على قلّة العدد و كثرة الخذلة و العدوّ ثم أنشد يقول:
فان نهزم فهزّامون قدما
و ان نغلب فغير مغلبينا
و ما ان طبنا جبن و لكن
منايانا و دولة آخرينا
ثم أمر أصحابه بالقتال. فقال عمر بن سعد بن أبي وقاص (لعنه اللّه): يا أبا عبد اللّه لم لا تنزل على حكم الأمير عبيد اللّه بن زياد؟
فقال له: يا شقي انّك لا تأكل من بر العراق بعدي إلّا قليلا. فشأنك و ما اخترته لنفسك.
فقام رجل من القوم، فناداه و قال: ابشر يا حسين بالنار.
فقال له: من أنت؟
قال: أنا ابن جويرة.
فقال: اللّهم جرّه الى النار.
فنفرت دابته تحته فاذا هو على أم رأسه فقتلته ثم دارت عليه فلم تزل تدوسه حتى بضعته اربا اربا فلم يبق منه إلّا رجلاه.
ثم أحضر علي بن الحسين عليه السّلام و كان عليلا فأوصى إليه بالاسم الأعظم و مواريث الأنبياء عليهم السّلام و عرّفه ان قد دفع العلوم و الصحف و المصاحف و السلاح الى أم سلمة- رضي اللّه عنها- و أسرّها أن تدفع جميع ذلك إليه.
و روي انّه عليه السّلام دعا ذلك اليوم ابنته الكبرى فاطمة فدفع إليها كتابا ملفوفا و أمرها أن تسلّمه الى أخيها علي بن الحسين عليه السّلام.
فسئل العالم عليه السّلام: أي شيء كان في الكتاب؟
فقال: فيه- و اللّه- جميع ما يحتاج إليه ولد آدم الى فناء الدّنيا و قيام الساعة.
و قتل عليه السّلام يوم الجمعة عاشر محرّم سنة إحدى و ستين من الهجرة؛ و سنه في ذلك سبع و خمسون سنة؛ منها مع النبي سبع سنين. و بعد أن أفضى أمر اللّه إليه عشر سنين.
و دفن بكربلاء عليه السّلام.
و روي ان السماء بكت عليه أربعة عشر يوما، فسئل علامة بكاء السماء فقال: كانت
الشمس تطلع في حمرة و تغيب في حمرة.
و روي ان الدم لم يسكن حتى خرج المختار بن أبي عبيدة فقتل به سبعين ألفا، و ان المختار قال: قتلت بالحسين سبعين ألفا- و اللّه- لو قتلت أهل الأرض جميعا لما وفوا بقلامة ظفره.
و روي ان اللّه- جل و عز- أهبط إليه أربعة آلاف ملك هم الذين هبطوا على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يوم بدر، و خيّره النصر على أعدائه أو لقائه.
فأمر الملائكة بالمقام عند قبره، فهم شعث غبر ينتظرون قيام القائم من ولده. 10
روي انّه قتل بيده ذلك اليوم ألفا و ثمانمائة مقاتل و انّه دعاهم الى البراز و أخذ يتقدّم الواحد ثم العشرة ثم صاروا مائة على واحد ثم اجتمع الجيش كلّه مع كثرتهم عليه فأحاطوا به من بين يديه و من خلفه و عن يمينه و عن شماله.
و روي انّه ما رفع حجر إلّا وجد تحته دم عبيط و ان اللّه جلّ و علا رفع لأصحابه منازلهم من الجنّة حتى رأوها فحاربوا شوقا إليها و طلبا لها و حرصا عليها.
و غلب اللعين يزيد على الملك، و عادت الإمامة مكتومة مستورة.
و استخفى بها علي بن الحسين عليه السّلام مع من تبعه من المؤمنين.
علي السجاد عليه السّلام
و قام أبو محمد علي بن الحسين عليه السّلام بالأمر مستخفيا على تقيّة شديدة في زمان صعب.
و روي عن العالم عليه السّلام انّه لما أنزل اللّه جل ذكره «إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً» كانت هذه الآية في الإمامة و كان أمير المؤمنين و الحسن و الحسين عليهم السّلام شركاء- على ما بيّناه في باب الحسين- ثم أنزل اللّه جلّ جلاله: «وَ أُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللَّهِ» فكانت هذه الآية خاصة في إمامة علي بن الحسين عليه السّلام.
و روي عن جابر بن عبد اللّه الأنصاري انّه قال: رأيت في يد فاطمة لوحا أخضر
ظننت انّه زمرّد فيه كتاب أبيض يشبه نور الشمس فقلت: بأبي أنت و أمي ما هذا اللوح؟
فقالت: لوح أهداه اللّه الى نبيّه صلّى اللّه عليه و آله فيه اسمه و اسم ابن عمّه أمير المؤمنين و اسماء ابنيّ الحسن و الحسين و أسماء الأوصياء من ولد الحسين عليهم السّلام فأعطانيه يبشّرنا به و يأمرني بحفظه و خزنه.
ثم دفعته إليّ و قرأته و استنسخته فكانت نسخته:
بسم اللّه الرحمن الرحيم. هذا كتاب من اللّه العزيز العليم لمحمّد نبيّه و نوره و سفيره و حجابه و دليله نزل به الروح الأمين من عند ربّ العالمين. عظّم يا محمد أسمائي و اشكر نعمائي فاني أنا اللّه لا إله إلّا أنا قاصم الجبابرة و مديل المظلومين و ديّان الدين.
فمن رجا غير فضلي أو خاف غير عدلي عذّبته عذابا أليما لا أعذّبه أحدا من العالمين فإياي فاعبد و عليّ فتوكل اني لم أبعث نبيّا فأكملت أيامه و انقضت مدّته إلّا جعلت له وصيّا و اني فضلتك على الأنبياء و فضّلت وصيّك عليّا على الأوصياء و أكرمتك بسبطيك حسن و حسين و جعلت حسنا معدن علمي و جعلت حسينا خازن وحيي و أكرمته بالشهادة و ختمت له بالسعادة و هو أفضل من استشهد و أرفعهم درجة و جعلت كلمتي التامة معه و حجتي البالغة عنده بعترته أثيب و أعاقب؛ أوّلهم: علي سيّد العابدين و زين أوليائي الماضين. و ابنه شبيه جدّه المحمود محمد الباقر لعلمي و المعدن لحكمتي.