کتابخانه روایات شیعه
و البقعة التي أدفن فيها، و أعرفها كما أعرفك، فان أحببت أن أريك مضجعي و مضجع من يستشهد معي فعلت.
قالت: قد شئت و حضرته.
فتكلّم باسم اللّه عز و جل الأعظم فتخفّضت الأرض حتى أراها مضجعه و مضجعهم، و أعطاها من التربة حتى خلطتها معها بما كان.
ثم قال لها: اني أقتل في يوم عاشوراء و هو اليوم العاشر من المحرّم بعد صلاة الزوال، فعليك السلام .. رضي اللّه عنك يا أمّاه برضانا عنك.
و كانت أم سلمة تسأل عن خبره و تراعي قرب عاشوراء.
و خرج محمد ابن الحنفية يشيّعه فقال له عند الوداع: يا أبا عبد اللّه! اللّه اللّه في حرم رسول اللّه.
فقال له: أبى اللّه إلّا أن يكنّ سبايا.
و كان من مصيره الى النهرين ما رواه الناس.
و توجّه عبيد اللّه بن زياد (لعنه اللّه) بالجيوش من قبل يزيد في ثمانية و عشرين ألفا.
فلما صافه للحرب عليه السّلام صلّى الحسين بأصحابه الغداة. و روي انّه كان ذلك من يوم العاشر من المحرم سنة إحدى و ستين .. قام خطيبا فحمد اللّه و أثنى عليه و قال لأصحابه:
«ان اللّه عز و جل قد اذن في قتلكم اليوم و قتلي و عليكم بالصبر و الجهاد».
و روي ان عدتهم في ذلك اليوم كانت واحدا و ستين رجلا و ان اللّه- عز و جل- انتصر و ينتصر لدينه منذ أوّل الدهر الى آخره بألف رجل.
فسئل عن تفصيلهم؛ فقال: ثلاثمائة و ثلاثة عشر أصحاب طالوت، و ثلاثمائة و ثلاثة عشر أصحاب يوم بدر مع النبيّ صلّى اللّه عليه و آله، و ثلاثمائة و ثلاثة عشر أصحاب القائم عليه السّلام. بقي واحد و ستون رجلا هم الذين قتلوا مع الحسين عليه السّلام في يوم الطف.
فروي ان الحسين عليه السّلام قال في خطبة ذلك اليوم- فيما حفظ من كلامه-: ألا و ان الدعيّ ابن الدعي قد ركز بين اثنتين؛ بين السلّة و الذلّة. و هيهات منّا الذلّة. يأبى اللّه ذلك لنا و رسوله و المؤمنون و حجور طابت و طهرت. نؤثر مصارع الكرام على طاعة اللئام.
ألا و اني زاحف بهذه العصابة على قلّة العدد و كثرة الخذلة و العدوّ ثم أنشد يقول:
فان نهزم فهزّامون قدما
و ان نغلب فغير مغلبينا
و ما ان طبنا جبن و لكن
منايانا و دولة آخرينا
ثم أمر أصحابه بالقتال. فقال عمر بن سعد بن أبي وقاص (لعنه اللّه): يا أبا عبد اللّه لم لا تنزل على حكم الأمير عبيد اللّه بن زياد؟
فقال له: يا شقي انّك لا تأكل من بر العراق بعدي إلّا قليلا. فشأنك و ما اخترته لنفسك.
فقام رجل من القوم، فناداه و قال: ابشر يا حسين بالنار.
فقال له: من أنت؟
قال: أنا ابن جويرة.
فقال: اللّهم جرّه الى النار.
فنفرت دابته تحته فاذا هو على أم رأسه فقتلته ثم دارت عليه فلم تزل تدوسه حتى بضعته اربا اربا فلم يبق منه إلّا رجلاه.
ثم أحضر علي بن الحسين عليه السّلام و كان عليلا فأوصى إليه بالاسم الأعظم و مواريث الأنبياء عليهم السّلام و عرّفه ان قد دفع العلوم و الصحف و المصاحف و السلاح الى أم سلمة- رضي اللّه عنها- و أسرّها أن تدفع جميع ذلك إليه.
و روي انّه عليه السّلام دعا ذلك اليوم ابنته الكبرى فاطمة فدفع إليها كتابا ملفوفا و أمرها أن تسلّمه الى أخيها علي بن الحسين عليه السّلام.
فسئل العالم عليه السّلام: أي شيء كان في الكتاب؟
فقال: فيه- و اللّه- جميع ما يحتاج إليه ولد آدم الى فناء الدّنيا و قيام الساعة.
و قتل عليه السّلام يوم الجمعة عاشر محرّم سنة إحدى و ستين من الهجرة؛ و سنه في ذلك سبع و خمسون سنة؛ منها مع النبي سبع سنين. و بعد أن أفضى أمر اللّه إليه عشر سنين.
و دفن بكربلاء عليه السّلام.
و روي ان السماء بكت عليه أربعة عشر يوما، فسئل علامة بكاء السماء فقال: كانت
الشمس تطلع في حمرة و تغيب في حمرة.
و روي ان الدم لم يسكن حتى خرج المختار بن أبي عبيدة فقتل به سبعين ألفا، و ان المختار قال: قتلت بالحسين سبعين ألفا- و اللّه- لو قتلت أهل الأرض جميعا لما وفوا بقلامة ظفره.
و روي ان اللّه- جل و عز- أهبط إليه أربعة آلاف ملك هم الذين هبطوا على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يوم بدر، و خيّره النصر على أعدائه أو لقائه.
فأمر الملائكة بالمقام عند قبره، فهم شعث غبر ينتظرون قيام القائم من ولده. 10
روي انّه قتل بيده ذلك اليوم ألفا و ثمانمائة مقاتل و انّه دعاهم الى البراز و أخذ يتقدّم الواحد ثم العشرة ثم صاروا مائة على واحد ثم اجتمع الجيش كلّه مع كثرتهم عليه فأحاطوا به من بين يديه و من خلفه و عن يمينه و عن شماله.
و روي انّه ما رفع حجر إلّا وجد تحته دم عبيط و ان اللّه جلّ و علا رفع لأصحابه منازلهم من الجنّة حتى رأوها فحاربوا شوقا إليها و طلبا لها و حرصا عليها.
و غلب اللعين يزيد على الملك، و عادت الإمامة مكتومة مستورة.
و استخفى بها علي بن الحسين عليه السّلام مع من تبعه من المؤمنين.
علي السجاد عليه السّلام
و قام أبو محمد علي بن الحسين عليه السّلام بالأمر مستخفيا على تقيّة شديدة في زمان صعب.
و روي عن العالم عليه السّلام انّه لما أنزل اللّه جل ذكره «إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً» كانت هذه الآية في الإمامة و كان أمير المؤمنين و الحسن و الحسين عليهم السّلام شركاء- على ما بيّناه في باب الحسين- ثم أنزل اللّه جلّ جلاله: «وَ أُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللَّهِ» فكانت هذه الآية خاصة في إمامة علي بن الحسين عليه السّلام.
و روي عن جابر بن عبد اللّه الأنصاري انّه قال: رأيت في يد فاطمة لوحا أخضر
ظننت انّه زمرّد فيه كتاب أبيض يشبه نور الشمس فقلت: بأبي أنت و أمي ما هذا اللوح؟
فقالت: لوح أهداه اللّه الى نبيّه صلّى اللّه عليه و آله فيه اسمه و اسم ابن عمّه أمير المؤمنين و اسماء ابنيّ الحسن و الحسين و أسماء الأوصياء من ولد الحسين عليهم السّلام فأعطانيه يبشّرنا به و يأمرني بحفظه و خزنه.
ثم دفعته إليّ و قرأته و استنسخته فكانت نسخته:
بسم اللّه الرحمن الرحيم. هذا كتاب من اللّه العزيز العليم لمحمّد نبيّه و نوره و سفيره و حجابه و دليله نزل به الروح الأمين من عند ربّ العالمين. عظّم يا محمد أسمائي و اشكر نعمائي فاني أنا اللّه لا إله إلّا أنا قاصم الجبابرة و مديل المظلومين و ديّان الدين.
فمن رجا غير فضلي أو خاف غير عدلي عذّبته عذابا أليما لا أعذّبه أحدا من العالمين فإياي فاعبد و عليّ فتوكل اني لم أبعث نبيّا فأكملت أيامه و انقضت مدّته إلّا جعلت له وصيّا و اني فضلتك على الأنبياء و فضّلت وصيّك عليّا على الأوصياء و أكرمتك بسبطيك حسن و حسين و جعلت حسنا معدن علمي و جعلت حسينا خازن وحيي و أكرمته بالشهادة و ختمت له بالسعادة و هو أفضل من استشهد و أرفعهم درجة و جعلت كلمتي التامة معه و حجتي البالغة عنده بعترته أثيب و أعاقب؛ أوّلهم: علي سيّد العابدين و زين أوليائي الماضين. و ابنه شبيه جدّه المحمود محمد الباقر لعلمي و المعدن لحكمتي.
و سيهلك المرتابون في جعفر الرادّ عليه كالرادّ على حق القول مني، لأكرمن مثوى جعفر و لأسرنّه في أنصاره و أشياعه و أوليائه تنتج بعده فتنة عمياء حندس لأن فرضي لا ينقطع و حجتي لا تخفى و أوليائي لا يشقون. ألا و من جحد واحدا منهم فقد جحد نعمتي و من غيّر آية من كتابي فقد افترى عليّ. فويل للمفترين الجاحدين عند انقضاء مدّة عبدي موسى حبيبي و خيرتي. ان المكذّب لعليّ وليّي و ناصري مكذّب لكلّ أوليائي. يقتله عفريت مستكبر. يدفن في المدينة التي بناها العبد الصالح الى جنب شرّ خلقي. حق القول مني لأقرّن عينه بمحمّد ابنه و خليفته من بعده و وارث علمه فهو معدن علمي و موضع سرّي و حجتي على خلقي، جعلت الجنّة مأواه و شفعته في سبعين من أهل بيته كلّهم قد استوجبوا النار. و أختم بالسعادة لابنه علي وليّي و ناصري و الشاهد في خلقي
منه الدّاعي الى سبيلي و الخازن لعلمي الحسن. ثم أكمل ذلك بابنه رحمة للعالمين .. عليه كمال موسى و بهاء عيسى و صبر أيوب .. يستذلّ أوليائي في زمانه و تهدى رءوسهم كما تتهادى رءوس الترك و الديلم فيقتلون و يحرقون و يكونون خائفين مرعوبين وجلين ..
تصبغ الأرض بدمائهم و يفشو الويل و الرنة في نسائهم .. أولئك أوليائي .. حقا، بهم أدفع كلّ فتنة عمياء حندس، و بهم أكشف الزلازل و أرفع الآصار و الأغلال، أولئك عليهم صلوات من ربّهم و رحمة، و أولئك هم المهتدون.
و روي ان أبا محمّد ولد سنة ثمان و ثلاثين من الهجرة و كانت أمه جهان شاه بنت (يزدجرد ملك) آخر ملوك الفرس و هو يزدجرد بن شهريار. و كان من حديثها أنّها و اختها سبيتا في أيام عمر بن الخطاب فأقدمتا، و أمر عمر أن ينادى عليهما مع السبي المحمول، فمنع أمير المؤمنين عليه السّلام من ذلك و قال: ان بنات الملوك لا يبعن في الأسواق.
ثم أمر امرأة من الأنصار حتى أخذت بأيديهما فدارت بهما على مجالس المهاجرين و الأنصار تعرضهما على من يتزوّج بهما. فأول من طلع الحسن و الحسين فوقفا فخطباهما لأنفسهما. فقالتا: لا نريد غيركما.
فتزوّج الحسن ب (شهربانو) و تزوّج الحسين ب (جهانشاه). فقال أمير المؤمنين للحسين عليه السّلام: احتفظ بها و أحسن إليها فستلد لك خير أهل الأرض بعدك.
فولدت علي بن الحسين. فكان مولده و منشؤه مثل مواليد آبائه عليهم السّلام و منشئهم.
و توفيت بالمدينة في نفاسها فابتيعت له داية تولّت رضاعه و تربيته؛ و كان يسمّيها أمي.
فلما كبرت زوّجها بسلام مولاه فكان بنو أميّة يقولون: ان علي بن الحسين زوّج أمه بغلامه. و يعيّرونه بذلك.
و كان يسمّى عليه السّلام سيّد العابدين؛ لأنّه روي انّه كان يصلّي في اليوم و الليلة ألف ركعة.
و حضر يوم الطف مع أبيه و كان عليلا به بطن قد سقط عنه الجهاد. فلما قرب استشهاد أبي عبد اللّه عليه السّلام دعاه و أوصى إليه و أمره أن يتسلّم ما خلّفه عند أم سلمة- رحمها اللّه- مع مواريث الأنبياء و السلاح و الكتاب.
فلما استشهد حمل علي بن الحسين مع الحرم و أدخل على اللعين يزيد و كان لابنه
أبي جعفر عليه السّلام سنتان و شهور، فأدخل معه. فلما رآه يزيد قال له: كيف رأيت يا علي بن الحسين [صنع اللّه؟] قال: رأيت ما قضاه اللّه- عز و جل- قبل أن يخلق السماوات و الأرض.
فشاور يزيد جلساءه في أمره. فأشاروا بقتله و قالوا له: لا تتخذ من كلب سوء جروا.
فابتدر أبو محمّد الكلام، فحمد اللّه و أثنى عليه ثم قال ليزيد (لعنه اللّه): لقد أشار عليك هؤلاء بخلاف ما أشار جلساء فرعون عليه، حيث شاورهم في موسى و هارون، فانّهم قالوا له: أرجه و أخاه، و قد أشار هؤلاء عليك بقتلنا، و لهذا سبب.
فقال يزيد: و ما السبب؟
فقال: ان أولئك كانوا لرشدة و هؤلاء لغير رشدة. و لا يقتل الأنبياء و أولادهم إلّا أولاد الأدعياء.
فأمسك يزيد مطرقا ثم أمر بإخراجهم- على ما قص و روي-
فاستخفى علي بن الحسين عليه السّلام بالإمامة مع من اتّبعه من المؤمنين.
و في السنة الثالثة من إمامته مات يزيد اللعين، و بويع لابنه معاوية بن يزيد، فأقام في الملك ثلاثة أشهر و مات ثم كانت فتنة ابن الزبير بالحجاز في سنة أربع و ستين و كانت مدّتها تسع سنين.
و في سنة اثني عشر من إمامة علي بن الحسين، بويع اللعين طريد رسول اللّه و ابن طريده و لعينه و ابن لعينه الأزيرق مروان بن الحكم بن أبي العاص، فاستخفى في أيامه المؤمنون و صعب الزمان و اشتد على أهله، و كانت الشيعة تطلب في أقطار الأرض .. تهدر دماؤهم و أموالهم.
و أظهروا لعن أمير المؤمنين عليه السّلام على منابرهم. و أقام (لعنه اللّه) في ملكه عشرة أشهر و أياما ثم توفي، و بويع ابنه عبد الملك بن مروان، فقلّد عبد الملك الحجاج بن يوسف خلافته على العراقين ثم كتب إليه: بسم اللّه الرحمن الرحيم. أما بعد فانظر في دماء بني عبد المطلب فاحقنها و احذر سفكها و تجنبها فاني رأيت آل أبي سفيان لمّا و لغوا فيها لم يلبثوا إلّا قليلا حتى اخترموا.
و أنفذ الكتاب سرّا من كلّ قريب و بعيد و خاص به و عام، الى الحجاج و أمره أن يكتمه.
قال العالم: فكتب إليه علي بن الحسين عليهما السّلام في ذلك اليوم من ذلك الشهر: بسم اللّه الرحمن الرحيم. من علي بن الحسين الى عبد الملك بن مروان. أما بعد؛ فانّك كتبت في ساعة كذا من يوم كذا في شهر كذا الى الحجاج بن يوسف بكذا و كذا و كذا و ان اللّه عز و جل قد عرف ذلك لك و أمهلك في ملكك و زاد فيه برهة من دهرك.
و طوى الكتاب و أنفذه إليه. فلما قرأه عبد الملك اشتدّ سروره، فأوقر راحلة الرسول عينا و ورقا.
و كانت مدّة عبد الملك نيفا و عشرين سنة ثم مات و بويع لابنه الوليد في سنة ست و ثمانين من الهجرة و ذلك في سنة ست و عشرين من إمامة أبي محمّد علي بن الحسين عليه السّلام، و نازعه عمّه محمد بن الحنفية في الإمامة و ادّعى ان الأمر له بعد أخيه الحسين عليه السّلام فناظره و احتجّ عليه بآي من القرآن و قول اللّه عز و جل «وَ أُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ» و ان هذه الآية جرت فيه و نزلت له و لولده من بعده.
فلم يثنه ذلك عن منزلته، فقال له عليه السّلام: فنتحاكم الى الحجر الأسود.
فقال له محمد: كيف تحاكمني الى حجر لا يسمع و لا يجيب؟ و كيف يخلو المكان من الناس و أهل الموسم؟
فأعلمه ان اللّه- جل جلاله- يحسّه و ينطقه بالحكم فينا.
فمضى محمد معه متعجبا حتى انتهيا الى الحجر الأسود. فقال علي عليه السّلام: يا عم فكلّمه.
فتقدّم محمّد فوقف حياله و كلّمه. فأمسك عنه و لم يجبه.
و تقدّم علي عليه السّلام فوضع يده المباركة الطاهرة عليه ثم قال: اللّهم انّي أسألك باسمك المكتوب في سرادق العظمة.- و دعا بما أحب- لما انطقت هذا الحجر.