کتابخانه روایات شیعه
علي بن الحسين ابني، فاذا رأيته فاقرأ عليه سلامي.
ثم أتاه في وقت آخر فقبّل رأسه ثم قال له: يا باقر.
فلما فعل جابر ذلك، أمر علي بن الحسين أبا جعفر عليه السّلام ألا يخرج من الدار. فكان جابر يأتيه طرفي النهار فيسلّم عليه. فلما مضى علي بن الحسين عليه السّلام كان أبو جعفر يمضي الى جابر لسنّه و صحبته جدّه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و أمير المؤمنين عليه السّلام في الوقت بعد الوقت.
و روي عن عدّة من أصحابه انّهم قالوا: كنّا معه فمر به زيد بن علي عليه السّلام فقال لنا:
لترون أخي هذا و اللّه ليخرجن بالكوفة و ليقتلن و ليصلبن و يطاف برأسه.
و روي ان أصحابه كانوا مجتمعين عنده إذ سقط بين يديه ورشان و معه انثاه فرقّا لهما، فوقفا ساعة ثم طارا. فقال عليه السّلام: علّمنا منطق الطير و أوتينا من علم كلّ شيء. كلّ شيء أسمع لنا و أطوع و أعرف بحقّنا من هذه الأمة. إنّ هذا الورشان ظن بزوجته ظن سوء و صار إليّ فشكاها و أتى بها معه فحاكمها فحلفت له بالولاية انّها ما خانته فأخبرته بأنّها صادقة و نهيته عن ظلمها؛ لأنّه ليس من بهيمة و لا طائر يحلف بولايتنا كاذبا إلّا ابن آدم. فاصطلحا و طارا.
و روي عن محمد بن سالم قال: كنت مع أبي جعفر عليه السّلام في طريق مكّة إذ بصرت بشاة منفردة من الغنم تصيح الى سخلة لها قد انقطعت عنها و تسرع السير فقال أبو جعفر عليه السّلام: أ تدري ما تقول هذه الشاة لولدها؟
قلت: لا يا سيدي.
قال: تقول لها: اسرعي في القطيع فان أخاك عام أوّل تخلّف عني و عن القطيع في هذا المكان فاختلسه الذئب.
قال محمد بن مسلم: فدنوت من الراعي فقلت له: أرى هذه الشاة تصيح سخلتها فلعلّ الذئب أكل قبل هذا الوقت سخلا لها في هذا الموضع؟
قال: قد كان ذاك عام أوّل، فما يدريك؟
و روي ان الأسود بن سعيد كان عند أبي جعفر عليه السّلام فابتدأ أبو جعفر فقال له: نحن
حجج اللّه و نحن لسان اللّه و نحن وجه اللّه و نحن ولاة أمر اللّه.
ثم قال: يا أسود ان بيننا و بين الأرض ترا مثل تر البناء فاذا أمرنا بأمر في الأرض جذبنا بذلك التر فأقبلت إلينا تلك الأرض.
و روي عن الحكيم بن أبي نعيم قال: أتيت أبي جعفر عليه السّلام بالمدينة فقلت له: علي نذر بين الركن و المقام ان انا لقيتك الا أخرج من المدينة حتى أعلم انّك قائم آل محمّد.
فلم يجبني بشيء.
فأقمت ثلاثين يوما ثم استقبلني في طريق فقال: يا حكيم و انك لهاهنا.
قلت: قد أخبرتك بما جعلت للّه على نفسي فلم تأمرني و لم تنهني.
و قال: بكر عليّ الى المنزل.
فغدوت إليه فقال: سل عن حاجتك.
فقلت: قد جعلت عليّ نذرا صياما و صدقة إن أنا لقيتك لم أخرج من المدينة حتى أعلم انّك قائم آل محمّد أو لا. فان كنت أنت رابطتك و ان لم تكن انتشرت في الأرض و طلبت المعاش.
فقال: يا حكيم كلّنا قائم بأمر اللّه.
قلت: فأنت المهدي؟
قال: كلّنا نهدي الى اللّه.
قلت: فأنت صاحب السيف.
قال: كلّنا صاحب السيف و وارث السيف.
قلت: و أنت تقتل أعداء اللّه و تعزّ أولياء اللّه و يظهر بك دين اللّه.
قال: يا حكيم كيف أكون أنا هو و قد بلغت هذا السن. ان صاحب هذا الأمر أقرب عهد باللبن مني.
ثم قال- بعد كلام طويل-: سر في حفظ اللّه و التمس معاشك.
و روي عن عنبسة بن مصعب عن جابر بن يزيد الجعفي قال: سئل أبو جعفر عليه السّلام عن القائم، فضرب بيده على أبي عبد اللّه جعفر بن محمد عليه السّلام فأخبرته بذلك. قال: صدق
جابر، و قال: لعلّكم ترون ان الامام ليس هو القائم بعد الإمام الذي كان قبله. هذا اسم لجميعهم.
و روي عن محمد بن عمير عن عبد الصمد بن بشير عن أبي الجارود عن أبي جعفر عليه السّلام قال ان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله دعا عليّا في المرض الذي مضى فيه فقال له: يا علي ادن مني حتى أسرّ إليك بما أسرّه اللّه إليّ و ائتمنك على ما ائتمني اللّه عليه.
فدنا منه فأسرّ إليه.
و فعل علي بالحسن.
و فعل الحسن بالحسين.
و فعل الحسين بأبي.
و فعل أبي بي.
و روي عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله انّه قال: أنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم، و أخي علي أولى بالمؤمنين من أنفسهم. فاذا استشهد فابني الحسن أولى بالمؤمنين من أنفسهم. ثم ابني الحسين أولى بالمؤمنين من أنفسهم. فاذا استشهد فابنه علي بن الحسين أولى بالمؤمنين من أنفسهم و ستدركه يا علي. ثم ابني محمد بن علي أولى بالمؤمنين من أنفسهم و ستدركه يا حسين.
و قد روى هذا الحديث عبد اللّه بن عباس و اسامة بن زيد و عبد اللّه بن جعفر الطيار- رحمهم اللّه-
و روي عن أبي بصير قال: قلت: لأبي جعفر أنتم ورثة رسول اللّه؟
فقال لي: نعم. رسول اللّه وارث الأنبياء و نحن ورثته و ورثتهم.
قلت: تقدرون على أن تحيوا الموتى و تبرءوا الاكمه و الأبرص؟
فقال لي: باذن اللّه.
ثم قال: ادن مني يا أبا محمد.
فمسح يده على وجهي فأبصرت الشمس و السماء و الأرض و كلّ شيء في الدار.
فقال: أ تحب أن تكون هكذا و لك ما للناس و عليك ما عليهم أو تعود على حالك
و لك الجنّة خالصا؟
قلت: أعود و الجنة.
فمسح يده على عيني فرجعت كما كنت.
و روي عن أبي حمزة الثمالي عن جابر بن يزيد الجعفي قال: كنت يوما عند أبي جعفر عليه السّلام، فالتفت الي فقال لي: يا جابر ما لك حمار فتركبه؟
قلت: لا يا سيدي.
فقال لي: اني أعرف رجلا بالمدينة له حمار يركبه فيأتي المشرق و المغرب في ليلة.
و روي عنه عليه السّلام انّه قال: نحن جنب اللّه- عز و جل- و نحن خيرة اللّه و نحن مستودع مواريث الأنبياء و نحن أمناء اللّه و نحن حجج اللّه و نحن حبل اللّه و نحن رحمة اللّه على خلقه. بنا يفتح اللّه و بنا يختم اللّه. من تمسّك بنا لحق، و من تخلّف عنّا غرق. و نحن القادة الغرّاء المحجلون.
ثم قال- بعد كلام طويل-: فمن عرفنا و عرف حقّنا و أخذ بأمرنا فهو منّا و إلينا.
و روي عن الفضيل بن يسار قال سمعت أبا جعفر عليه السّلام يقول: ان الامام منّا يسمع الكلام في بطن أمه فاذا وقع الى الأرض رفع له عمود من نور يرى به أعمال العباد.
و روي عن أبي حمزة قال سمعت أبا جعفر عليه السّلام يقول: لا و اللّه لا يكون عالم بشيء جاهل بشيء. ان اللّه أجلّ و أكرم و أعز و أعدل من أن يفرض طاعة عبد و يجعله حجّة ثم يحجب عنه علم أرضه و سمائه.
ثم قال: لا يحجب ذلك عنه.
و روي ان حبابة الوالبية دخلت على أبي جعفر عليه السّلام فقال لها: يا حبابة ما الذي أبكاك؟
قالت: كثرة همومي و ظهر في رأسي البياض.
قال: يا حبابة ادني.
فدنت منه فوضع يده في مفرق رأسها و دعا لها بكلام لم يفهم. ثم دعا لها بالمرآة فنظرت فاذا شمط رأسها قد أسود و عاد حالكا. فسرّت بذلك و سر أبو جعفر بسرورها.
فقالت: بالذي أخذ ميثاقكم على النبيين أي شيء كنتم في الأظلة؟
فقال: يا حبابة، نورا بين يدي العرش قبل أن يخلق اللّه آدم، فأوحى إلينا فسبّحنا فسبّحت الملائكة بتسبيحنا و لم يكن تسبيح قبل ذلك الوقت. فلما خلق اللّه آدم سلك ذلك النور فيه.
و كان أبو جعفر عليه السّلام عمره سبع و خمسون سنة، و كانت ولادته في سنة ثمان و خمسين للهجرة، فأقام مع أبي عبد اللّه الحسين سنتين و شهورا و مع علي بن الحسين خمسا و ثلاثين سنة، و منفردا بالإمامة تسع عشرة سنة و شهورا.
و كانت وفاته سنة مائة و خمس عشرة. و في أربع سنين من إمامته توفي الوليد بن عبد الملك، و كان ملكه تسع سنين و شهورا، و بويع لسليمان؛ و أمر الإمامة مكتوم و الشيعة في شدّة شديدة.
و في ست سنين و شهور من إمامة أبي جعفر عليه السّلام توفي سليمان و بويع لعمر بن عبد العزيز بن مروان بن الحكم، فرفع اللعن عن أمير المؤمنين عليه السّلام.
و روي عنه عليه السّلام انّه قال و هو بالمدينة: قد توفي هذه الليلة رجل تلعنه ملائكة السماء و تبكي عليه أهل الأرض.
و بويع ليزيد بن عبد الملك، و كان شديد العداوة و العناد لأبي جعفر عليه السّلام و لأهل بيته فروي انّه بعث إليه فأحضره ليوقع به. فلما ادخل إليه حرّك بشفتيه بدعاء لم يسمع، فقام إليه فأجلسه معه على سريره ثم قال له: تعرض عليّ حوائجك؟
قال: تردني الى بلدي.
فقال له: ارجع. و كتب الى عمّاله يمنعه الميرة في طريقه فمنع عنها بمدينة مدين و أغلق الباب دونه. فصعد الى الجبل فقرأ بأعلى صوته «وَ إِلى مَدْيَنَ أَخاهُمْ شُعَيْباً - الى قوله تعالى- بَقِيَّتُ اللَّهِ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ» و كان في المدينة شيخ من بقايا العلماء فخرج الى أهل المدينة فنادى بأعلى صوته: هذا و اللّه شعيب يناديكم. فقالوا له: ليس هذا شعيبا. هذا محمد بن علي بن الحسين أمرنا أن نمنعه الميرة.
فقال لهم: افتحوا له الباب و إلّا فتوقّعوا العذاب.
فأطاعوه و فتحوا الباب و أمرهم بحمل الميرة إليه ففعلوا.
فرجع الى المدينة و أقام بها. فلما قربت وفاته عليه السّلام دعا بأبي عبد اللّه جعفر ابنه عليهما السّلام فقال: ان هذه الليلة التي وعدت فيها ثم سلّم إليه الاسم الأعظم و مواريث الأنبياء و السلاح و قال له: يا أبا عبد اللّه! اللّه اللّه في الشيعة. فقال أبو عبد اللّه: و اللّه لا تركتهم يحتاجون الى أحد.
فقال له: ان زيدا سيدعو بعدي الى نفسه فدعه و لا تنازعه فان عمره قصير.
فروى ان خروج زيد كان في يوم الأربعاء و قتله في يوم الأربعاء- جدّد اللّه على قاتله العذاب.
و قام أبو عبد اللّه جعفر بن محمد عليه السّلام مقام أبيه- صلوات اللّه عليه-
روي عن العالم عليه السّلام انّه قال: ولد أبو عبد اللّه عليه السّلام في سنة ثلاث و ثمانين من الهجرة في حياة جدّه علي بن الحسين- صلوات اللّه عليهم- و كانت امّه أم فروة بنت القاسم بن محمّد بن أبي بكر و كان أبوها القاسم من ثقات أصحاب علي بن الحسين. و كانت من أتقى نساء زمانها، و روت عن علي بن الحسين أحاديث؛ منها: قوله لها: يا أم فروة اني لأدعو لمذنبي شيعتنا في اليوم و الليلة مائة مرّة- يعني الاستغفار- لأنّا نصبر على ما نعلم و هم يصبرون على ما لا يعلمون.
و كان مولده و منشأه- و ما روي من أمر العمود و غيره- على منهاج آبائه صلّى اللّه عليهم.
و مضى علي بن الحسين و له اثنتا عشرة سنة و قام بأمر اللّه جلّ و علا في سنة خمس عشرة و مائة و سنة اثنتين و ثلاثين سنة. و لم يزل أبو جعفر عليه السّلام يشير إليه في حياته مدّة أيامه ثم نصّ عليه؛ فمنها: ما رواه زرارة و أبو الجارود أن أبا جعفر عليه السّلام أحضر أبا عبد اللّه عليه السّلام و هو صحيح لا علّة به فقال له: اني أريد أن آمرك بأمر.
فقال له: مرني بما شئت.
فقال: ايتني بصحيفة و دواة.
فاتاه بها فكتب له وصيته الظاهرة ثم أمر أن يدعو له جماعة من قريش فدعاهم
و أشهدهم على وصيته إليه.
و روي عن جابر قال: قال يا جابر اني كنت سمّيته أحمد ثم أشفقت عليه فسميته جعفر عليه السّلام.
و روي عن سدير الصيرفي مثله.
و روي عن جابر الجعفي و عنبسة بن مصعب جميعا انّهما سألا أبا جعفر عليه السّلام عن القائم عليه السّلام و ضرب بيده على أبي عبد اللّه عليه السّلام فقال: هذا و اللّه قائم آل محمّد بعدي.
و روي عن فضيل بن يسار قال: كنت عند أبي جعفر عليه السّلام فأقبل أبو عبد اللّه عليه السّلام فقال:
هذا خير البرية بعدي.
جعفر الصادق عليه السّلام
قال عنبسة: فلما قبض أبو جعفر عليه السّلام دخلت على أبي عبد اللّه عليه السّلام فأخبرته بذلك فقال: لعلّكم ترون ان ليس كلّ امام منا هو القائم بأمر اللّه بعد الامام الذي قبله. هذا اسم لجميعهم.
فلما أفضى أمر اللّه جلّ و عزّ إليه، جمع الشيعة و قام خطيبا فحمد اللّه و أثنى عليه و ذكّرهم بأيّام اللّه ثم قال: ان اللّه أوضح أئمة الهدى من أهل بيت نبيّه صلّى اللّه عليه و آله عن دينه و أبلج بهم عن سبيل منهاجه، و فتح بهم عن باطن شاسع علمه، فمن عرف واجب حقّ إمامه وجد طعم حلاوة ايمانه، و علم فضل طلاوة اسلامه، لأنّ اللّه نصب الامام علما لخلقه، و جعله حجّة على أهل عالمه، و ألبسه تاج الوقار، يمدّ بسبب من السماء لا ينقطع عند موته و لا ينال ما عند اللّه إلّا بمعرفته، فهو عالم بما يرد عليه من ملبسات الدعاء، و مغيبات السماء، و مشبهات الفتن، ثم لم يزل اللّه يختارهم لخلقه من ولد الحسين بن علي من عقب كلّ إمام اماما، يصطنعهم لذلك و يجتبيهم و يرضاهم لخلقه، و يختارهم علما بيّنا، و هاديا منيرا، و حجة عالما ... أئمة من اللّه عز و جل، يهدون بالحق و به يعدلون ..
حجج اللّه، و دعاته على خلقه، و مفاتيح الكلام، و دعائم الاسلام .. يدين بهديهم العباد.