کتابخانه روایات شیعه
فقال له عبد اللّه بن موسى: رأيت أخي الرضا و قد أجاب في مثل هذه المسألة بهذا الجواب.
فقال له أبو جعفر عليه السّلام: انما سئل الرضا عليه السّلام عن نباش نبش قبر امرأة و فجر بها و أخذ أكفانها فأمر بقطعه للسرقة و نفيه لتمثيله بالميت.
قال أبو خداش المهدي و كنت قد حضرت مجلس موسى عليه السّلام فأتاه رجل فقال له:
جعلني اللّه فداك أم ولد لي أرضعت جارية لي بالغة بلبن ابني أ يحلّ لي نكاحها أم تحرم عليّ؟
فقال أبو الحسن: لا رضاع بعد فطام.
و سأله عن الصلاة في الحرمين تتمّ أم تقصر؟
فقال: ان شئت أتمم و ان شئت قصر.
قال له: الخصي يدخل على النساء.
فأعرض وجهه.
قال: فحججت بعد ذلك فدخلت على الرضا عليه السّلام فسألته عن هذه المسائل فأجابني بالجواب الذي أجاب به موسى عليه السّلام و كان جالسا مجلس أبي جعفر في هذا الوقت قال:
فقلت لأبي جعفر عليه السّلام: جعلت فداك أم ولد لي أرضعت جارية بالغة بلبن ابني أ يحرم عليّ نكاحها؟
فقال: لا رضاع بعد فطام.
قلت: الصلاة في الحرمين؟
قال: ان شئت اتمم و ان شئت قصر و كان أبي عليه السّلام يتمّم.
قلت: الخصي يدخل على النساء.
فحوّل وجهه ثم استدناني و قال: و ما نقص منه إلّا الخناثة الواقعة عليه.
قال: و كان اسحاق بن إسماعيل بن نوبخت في تلك السنة مع الجماعة. قال اسحاق:
فأعددت له في رقعة عشر مسائل و كان لي حمل، فقلت: ان أجابني عن مسائلي سألته أن يدعو اللّه أن يجعله ذكرا، فلما سأله الناس قمت و الرقعة معي لأسأله.
فلما نظر إليّ قال: يا أبا اسحاق سمّه أحمد.
فولد لي ذكر فسمّيته أحمد. فعاش مدّة و مات.
و كان فيمن خرج مع الجماعة علي بن حسان الواسطي المعروف بالأعمش قال:
فحملت معي شيئا من آلات الصبيان مصاغة من فضة و قلت أهديها الى مولاي و أتحفه بها. فلما تفرّق الناس عنه و أجاب جميعهم عن مسائلهم و مضى الى منزله اتبعته فلقيت موفقا فقلت: استأذن لي على مولاي ففعل. و دخلت فسلّمت عليه فرد عليّ فتبينت في وجهه الكراهة و لم يأمرني بالجلوس فدنوت منه و فرغت ما كان في كمي بين يديه فنظر إليّ نظر مغضب ثم رمى به يمينا و شمالا و قال: ما لهذا خلقنا اللّه. فاستقلته و استعفيته فعفا و قام فدخل و خرجت و معي تلك الآلات.
و بقي أبو جعفر عليه السّلام مستخفيا بالإمامة الى ان صارت سنه عشر سنين.
و روى أمية بن علي قال: كنت بالمدينة اختلف الى أبي جعفر عليه السّلام و أبوه بخراسان فدعاه يوما بالجارية.
فقال لها: قولي لهم يتهيّئون للمأتم فلما تفرقنا من مجلسه و كنت انا و جماعة قلنا:
إنّا ما سألناه مأتم من.
فلما كان الغد أعاد القول، فقلنا له: مأتم من؟
فقال: مأتم خير من على ظهر الأرض.
فورد الخبر بمضي الرضا عليه السّلام بعد ذلك بأيام.
ثم وجّه المأمون فحمله و أنزله بالقرب من داره و أجمع على أن يزوّجه ابنته أم الفضل. فروي عن علي بن إبراهيم بن هاشم عن أبيه عن الريان بن شبيب خال المأمون قال: لمّا أراد المأمون أن يزوّج أبا جعفر عليه السّلام ابنته اجتمع إليه خواصه الادنون من بني هاشم فقالوا له: يا أمير المؤمنين نشدناك اللّه أن لا تخرج من هذا البيت أمرا قد ملكناه اللّه و تنزع عزا قد ألبسناه و قد عرفت ما بيننا و بين آل أبي طالب، و هذا الغلام صبي غر.
قال: فانتهرهم المأمون و قال لهم: هو و اللّه أعلم باللّه و برسوله و بسنّته و أحكامه من جماعتكم.
فخرجوا من عنده و صاروا الى يحيى بن أكثم فسألوه الاحتيال على أبي جعفر بمسألة مشكلة يلقيها عليه. فلما اجتمعوا و حضر أبو جعفر عليه السّلام قالوا: يا أمير المؤمنين هذا يحيى بن أكثم إن أذنت له أن يسأل أبا جعفر عن مسألة في الفقه فننظر كيف فهمه و معرفته من فهم أبيه و معرفته؟
فأذن المأمون ليحيى في ذلك فقال يحيى لأبي جعفر عليه السّلام: ما تقول في محرم قتل صيدا؟
فقال أبو جعفر عليه السّلام: في حل أم حرم؟ عالما كان المحرم أم جاهلا؟ قتله عمدا أو خطأ؟ صغيرا كان القاتل أم كبيرا؟ عبدا أم حرّا؟ مبتدئا بالقتل أم معيدا؟ من ذوات الطير كان الصيد أو من غيرها؟ من صغار الصيد كان أو من كبارها؟ مصرا على ما فعل أو نادما؟ بالليل كان قتله للصيد أم بالنهار؟ محرما كان بالعمرة أو بالحج؟
قال: فانقطع يحيى عن جوابه.
و قال المأمون: تخطب يا أبا جعفر لنفسك.
فقام عليه السّلام فقال: الحمد للّه منعم النعم برحمته و الهادي الي فضله بمنته و صلّى اللّه على محمّد خير خلقه .. الذي جمع فيه من الفضل ما فرّقه في الرسل قبله، و جعل تراثه الى من خصه بخلافته، و سلّم تسليما، و هذا أمير المؤمنين زوّجني ابنته على ما جعل اللّه للمسلمات على المسلمين «امساك بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسانٍ» و قد بذلت لها من الصداق ما بذله رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله لأزواجه و هو خمسمائة درهم، و نحلتها من مالي مائة ألف درهم. تزوّجني يا أمير المؤمنين؟؟
فروي ان المأمون قال: الحمد للّه إقرارا بنعمته و لا إله إلّا اللّه إخلاصا لعظمته، و صلّى اللّه على محمّد عبده و خيرته، و كان من قضاء اللّه على الانام ان أغناهم بالحلال عن الحرام، فقال «وَ أَنْكِحُوا الْأَيامى مِنْكُمْ وَ الصَّالِحِينَ مِنْ عِبادِكُمْ وَ إِمائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَراءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَ اللَّهُ واسِعٌ عَلِيمٌ» ثم ان محمد بن علي خطب أم الفضل بنت عبد اللّه و بذل لها من الصداق خمسمائة درهم و قد زوجته. فهل قبلت يا أبا جعفر؟
فقال أبو جعفر عليه السّلام: قد قبلت هذا التزويج بهذا الصداق.
ثم أولم عليه المأمون فجاء الناس على مراتبهم. فبينا نحن كذلك إذ سمعنا كلاما كان من كلام الملّاحين فاذا نحن بالخدم يجرون سفينة من فضة مملوة غالية فخضبوا بها لحا الخاصة ثم مدوها الى دار العامة فطيبوهم. فلما تفرّق الناس قال المأمون: يا أبا جعفر ان رأيت ان تبيّن لنا ما الذي يجب على كلّ صنف من هذه الأصناف الذي ذكرت من جزاء الصيد؟
فقال عليه السّلام: ان المحرم اذا قتل صيدا في الحل و الصيد من ذوات الطير من كبارها فعليه شاة، و اذا أصاب في الحرم فعليه الجزاء مضاعفا و اذا قتل فرخا من الحل فعليه حمل قد فطم من اللبن و ليس عليه قيمته، و اذا قتله في الحرم فعليه الحمل و قيمة الفرخ، و اذا كان من الوحش فعليه في حمار وحش بقرة و في النعامة بدنة، فان لم يقدر فإطعام ستين مسكينا فان لم يقدر فليصم ثمانية عشر يوما، و ان كان بقرة فعليه بقرة فان لم يقدر فإطعام ثلاثين مسكينا فإن لم يقدر فليصم تسعة أيام، و ان كان ظبيا فعليه شاة فان لم يقدر فإطعام عشرة مساكين فإن لم يقدر فصيام ثلاثة أيام، و ان كان قتله في الحرم فعليه الجزاء مضاعفا هديا بالغ الكعبة حقا واجبا عليه أن ينحره ان كان في حج بمنى حيث ينحر الناس، و ان كان في عمرة ينحر بمكّة و يتصدّق بمثل ثمنه حتى يكون مضاعفا، و ان كان أصاب أرنبا فعليه شاة و يتصدّق إذا قتل الحمامة بعد الشاة بدرهم أو يشتري به طعام الحمام في الحرم و في الفرخ نصف درهم و في البيضة ربع درهم، و كلّ ما أتى به المحرم بجهالة فليس فيه شيء إلّا الصيد فان فيه عليه الفداء- بجهالة كان أم بعلم، بخطإ كان أم بعمد- و كلّ ما أتى به العبد فكفارته على صاحبه مثل ما يلزم صاحبه، و كلّ ما أتى به الصغير الذي ليس ببالغ فلا شيء عليه فيه، فان عاد فينتقم اللّه منه، و ليس عليه كفارة و النقمة في الآخرة. و ان دلّ على الصيد و هو محرم فقتل، فعليه الفداء و المصر عليه يلزمه بعد الفداء العقوبة في الآخرة، و النادم عليه لا شيء بعد الفداء.
و إذا أصاب الصيد ليلا في وكره خطأ فلا شيء عليه إلّا أن يتعمّد، فاذا تصيد بليل أو نهار فعليه الفداء و المحرم للحج ينحر الفداء بمنى حيث ينحر الناس، و المحرم للعمرة ينحر بمكّة.
فأمر المأمون أن يكتب ذلك عنه ثم دعا من أنكر عليه من العباسيين تزويجه فقرأ عليهم و قال لهم: هل فيكم من يجيب بمثل هذا الجواب؟
فقالوا: أمير المؤمنين كان أعلم به منّا.
ثم أمر المأمون فنثر على أبي جعفر رقاعا فيها ضياع و طعم و عمالات و لم يزل مكرما له.
و روى يوسف بن السخت عن صالح بن عطية الأصم قال: حججت قبل خروج أبي جعفر عليه السّلام الى العراق فشكوت إليه الوحدة فقال لي: أما انّك لا تخرج من الحرم حتى تشتري جارية ترزق منها ابنا.
فقال له: جعلت فداك ان رأيت أن تشير عليّ؟
فقال: نعم، اذهب فاعترض فاذا رضيت فاعلمني.
ففعلت ذلك.
قال: فاذهب فكن بالقرب من صاحبها حتى أوافيك.
فصرت الى دكان النّخاس فمر بنا عليه السّلام، فنظر إليها فمضى فصرت إليه فقال: قد رأيتها و هي قصيرة العمر.
فلما كان من الغد صرت الى صاحبها. فقال: الجارية محمومة و لا يمكن عرضها.
فعدت إليه من الغد فسألته عنها. فقال: دفنتها اليوم.
فأتيته عليه السّلام فأخبرته الخبر و ابتعت غيرها فرزقت منها ابني محمد.
و عن حمران بن محمد الأشعري قال: دخلت على أبي جعفر عليه السّلام لما قضيت حوايجي فقلت له: ان أم الحسن تقرئك السلام و تسألك ثوبا من ثيابك تجعله كفنا لها.
فقال لي: قد استغنيتم عن ذلك.
فخرجت و لا أدري ما معنى قوله حتى ورد عليّ الخبر بوفاتها.
و عن محمد بن عيسى بن عبد اللّه الأشعري قال: قال لي أبو جعفر عليه السّلام: ارتفع الشك.
ما لأبي ولد غيري.
و روي ان عمر بن الفرج الرخجي قال لأبي جعفر عليه السّلام: ان شيعتك تدّعي انّك تعلم كل
ما في دجلة؛ و كانا جالسين على دجلة. فقال له أبو جعفر عليه السّلام: يقدر اللّه عز و جل أن يفوّض علم ذلك الى بعوضة من خلقه؟
قال: نعم، يقدر. فقال: أنا أكرم على اللّه من بعوضته.
ثم خرج عليه السّلام- في السنة التي خرج فيها المأمون الى «البليدون» من بلاد الروم- بام الفضل حاجا الى مكّة و أخرج أبا الحسن عليا ابنه معه عليهما السّلام و هو صغير فخلفه بالمدينة و انصرف الى العراق و معه أم الفضل بعد أن أشار الى أبي الحسن و نصّ عليه و أوصى إليه.
و توفي المأمون ب «بليدون» في يوم الخميس لثلاثة عشرة ليلة مضت من رجب سنة ثماني عشرة و مائتين في ست عشرة سنة من إمامة أبي جعفر عليه السّلام و بويع للمعتصم ابي اسحاق محمد بن هارون في شعبان سنة ثماني عشرة و مائتين.
فلما انصرف أبو جعفر عليه السّلام الى العراق لم يزل المعتصم و جعفر بن المأمون يدبرون و يعملون في الحيلة في قتله فقال جعفر لاخته أم الفضل و كانت لامه و أبيه في ذلك؛ لأنّه وقف على انحرافها عنه و غيرتها عليه لتفضيله أم أبي الحسن ابنه عليها مع شدّة محبتها له و لأنّها لم ترزق منه ولدا. فأجابت أخاها جعفرا و جعلوا سمّا في شيء من عنب رازقي و كان يعجبه العنب الرازقي. فلما أكل منه ندمت و جعلت تبكي.
فقال لها: ما بكاؤك؟ و اللّه ليضربنك اللّه بفقر لا ينجي و بلاء لا ينستر.
فبليت بعلّة في أغمض المواضع من جوارحها صارت «ناسورا» ينتقض عليها في كلّ وقت. فأنفقت مالها و جميع ملكها على تلك العلّة حتى احتاجت الى رفد الناس.
و يروى ان الناسور كان في فرجها. و تردّى جعفر بن المأمون في بئر فاخرج ميتا و كان سكران.
و لما حضرته الوفاة عليه السّلام نص على أبي الحسن و أوصى إليه و كان سلّم المواريث و السلاح إليه بالمدينة، و مضى صلّى اللّه عليه في سنة عشرين و مائتين من الهجرة في يوم الثلاثاء لخمس خلون من ذي الحجة فكانت سنّه أربعة و عشرين سنة و شهورا لأن مولده كان في سنة خمسة و تسعين و مائة فأقام مع أبيه عليهما السّلام ست سنين و شهورا و أقام بعده ثماني عشرة سنة و دفن ببغداد في تربة جدّه أبي إبراهيم موسى بن جعفر عليهما السّلام.
علي الهادي عليه السّلام
و قام أبو الحسن علي بن محمد صاحب العسكر بسر من رأى مقام أبيه عليهما السّلام.
و روي عن محمد بن الفرج و غيره قال: دعاني أبو جعفر عليه السّلام فأعلمني ان قافلة قد قدمت و فيها نخاس معه رقيق و دفع إليّ صرّة فيها ستون دينارا و وصف لي جارية معه بحليتها و صورتها و لباسها و أمرني بابتياعها فمضيت و اشتريتها بما استلم و كان سومها بها ما دفعه الي. فكانت تلك الجارية أم أبي الحسن و اسمها جمانة و كانت مولدة عند امرأة ربّتها.
و اشتراها النخاس و لم يقض له أن يقربها حتى باعها. هكذا ذكرت.
و روى محمد بن الفرج و علي بن مهزيار عن أبي الحسن عليه السّلام انّه قال: أمي عارفة بحقي و هي من أهل الجنّة ما يقربها شيطان مريد و لا ينالها كيد جبّار عنيد و هي مكلوءة بعين اللّه التي لا تنام، و لا تتخلف عن امهات الصديقين و الصالحين.
و كانت ولادته (صلّى اللّه عليه)- مثل ولادة آبائه عليهم السّلام- في رجب سنة أربعة عشرة و مائتين من الهجرة، و حمل الى المدينة و هو صغير في السنة التي حجّ فيها أبو جعفر عليه السّلام بابنة المأمون و زوجته.
و روى الحميري عن أحمد بن محمد بن عيسى عن أبيه ان أبا جعفر عليه السّلام لما أراد الشخوص من المدينة الى العراق أجلس أبا الحسن عليه السّلام في حجره و قال له: ما الذي تحبّ أن يهدى إليك من طرائف العراق؟
فقال: سيفا كأنّه شعلة.
ثم التفت الى موسى ابنه فقال له: ما تحبّ أنت؟
فقال له: فرش بيت.
فقال أبو جعفر: اشبهني أبو الحسن، و أشبه هذا أمه.
و حدث الحميري عن الحسن بن علي بن هلال عن محمد بن اسماعيل بن بزيغ قال: