کتابخانه روایات شیعه
الاهداء
من الواجب الضروريّ إهداء هذا المشروع إلى مؤلّفه العبقريّ بما أنّه في الرّعيل الأوّل من حماة الشريعة، و حملة الحديث، و أركان الامّة، و الجاهدين في سبيل رقيّها و تقدّمها، الّذين كشحوا الظلمات عن مسار حياتنا بما ألّفوا، و كشفوا الدّياجير من أمام أرجلنا بما صنّفوا «رِجالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجارَةٌ وَ لا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ».
فإليك يا فخر الشيعة و محيي آثارها، و يا فقيه الطائفة و فقيد أسرتها نهدي هذا العمل الخالص إجلالا لشأنك المنيع، و إعلاء لمجدك الباذخ، و روحانيّتك المقدّسة، و إبقاء لعظمتك السامية، و شخصيّتك المثلى، و تآليفك القيّمة، و حقيق بك أن نقول أنّ حقائق آل العصمة تجلّت على مرآة نفسك الطاهرة فانعكس ضياؤها على تصانيفك فكانت للامّة هدى و نورا منذ عهدك الزّاهي إلى يومنا الحاضر الّذي مرّ ألف عام من كارثة فقدانك المفجع، فنسأل اللّه الّذي حباك نعمه أن يسبل عليك شآبيب رحمته و يسكنك بحبوحة جنّته.
الغفارى 1379 ه- ق
كلمة المصحح
نحمدك اللّهمّ على ما أرشدتنا إلى صراطك الأقوم، و هديتنا إلى سبيلك بنبيّك الأكرم، و غرست في قلوبنا محبّة العترة الطاهرة و الشجرة الطيّبة الّتي أصلها ثابت و فرعها في السماء، و أمرتنا باتّباعهم، و وفّقتنا لطاعتهم، و أنقذتنا بهم من شفا جرف الهلكات و أخرجتنا بنورهم من الظلمات، هداة الأبرار، و نور الأخيار، الّذين أعلنوا دعوتك، و بيّنوا فرائضك، و أقاموا حدودك، و نشروا أحكامك، الّذين يبلّغون رسالاتك و لا يخشون أحدا إلّا إيّاك، فصلواتك على نبيّك و عليهم أجمعين.
أما بعد فإنّي منذ عهدي بالكتاب أتمنّى أن أقوم بنشر بعض آثار شيخنا الصدوق- رحمه اللّه- فانتخبت منها على كثرتها هذا الأثر النفيس و ذلك لأهميّة موضوعه بين كتبه، لأنّه في بيان غرائب الأحاديث و مشكلات الأخبار عن لسان أئمّة أهل البيت عليهم السّلام، و كأنّه بمنزلة القاموس في فهم كلماتهم، و معاني ألفاظهم، و مغازي أخبارهم، و هو ممّا لم يسمح الدّهر بمثله، و لم ينسج على منواله، و لا حرّر على شاكلته و مثاله، و قلّ ما توجد فوائده في غيره. فصمّمت- و للّه الحمد- على الشروع، و قمت بإخراجه و تصحيحه و تبيينه، و أعددته للطبع، لكن كثرة المشاغل عاقتني عن ذلك حتّى آل الأمر إلى أن جمع اللّه تعالى بيني و بين الأخ الألمعيّ و الفاضل اللّوذعي (مؤسّس المكتبة الحجّتيّة) الحاجّ الشيخ مهديّ الحائري- دام علاه- بمدينة قم المشرّفة، فجرى بيننا الكلام من نواحي شتّى حتّى استفسر عن مطبوعاتنا الحديثة و ما مهّدناه للطبع، فأخبرته بالكتاب فراقه ذلك و أعجبه، فحثّني على القيام بشأنه و شوّقني إلى إبرازه، فلبّيت من غير تأخير رغبته، و هيّأت بتوفيق اللّه أسباب الطبع و أهبته، و شرعت في المقصود، و لم آل جهدا في الترقين و لم افرّط سعيا في التبيين، و إنّي معترف بأنّ الّذي خلق من عجل لا يسلم من الخطأ و الزّلل، فخرج الكتاب- بحول اللّه و طوله- بحيث يروق مظهره كلّ محدّث دينيّ يطلب فهم حقائق كلمات الأئمّة عليهم السّلام. و ذلك فضل اللّه يؤتيه من يشاء و اللّه ذو الفضل العظيم.
ثمّ كان من الواجب عليّ أن أشكر جميل مساعي زميلي المحترم البارع المفضال الشيخ محمّد تقيّ اليزديّ المشتهر به «مصباح الهدى» أدام اللّه إفضاله و كثّر أمثاله، حيث عاضدني بإحياء قسم كبير من هذا التراث الدينيّ العلميّ الأدبيّ فأبان من الكتاب ما أشكل فهمه على الطالب و أوضح منه ما احتاج إليه الباحث، و ذلك و إن كان في باكورة أعماله و زهرة ربيعه و أوّل نفحاته، لكن يرى الباحث في تضاعيف الصفحات دروسا راقية، و آراء علميّة كلّها تعرب عن تعمّقه في الأبحاث، و تدبّره في الكلام، و حسن تيسيره في إيضاح المشاكل و دقّته في الاستنباط، و هذا هو المشاهد لمن سبر غور الكتاب و طاف طوره، فرمزت إلى تعاليقه ب (م) شاكرا له مثنيا عليه.
و قد اطّلع على موسوعتنا هذه الشيخ المتتبّع الخبير، و الناقد المتضلّع البصير، الشيخ عبد الرحيم الربّانيّ الشيرازيّ نزيل قمّ المشرّفة فشكر هذا المشروع و قدّر هذا المجهود و رأى أن يرسل إلينا كلمة موجزة في عبقريّة المؤلّف و تاريخ حياته و تآليفه و مشايخه و تلاميذه، و رحلاته في الأقطار و الأمصار و العواصم الإسلاميّة، و مناظراته مع علماء المخالفين، فتفضّل بإرسالها مع كثرة ما يشغله عنها، و هي على إيجازها تعرب عن مكانة الشيخ في الثقافة و علوّ مقامه في التحقيق، و تبحّره في الفنّ، و براعته في الدّراية، و معرفته بالرّجال، فزيّنا الكتاب بمقاله تقديرا لسعيه و إكبارا لمقامه.
على أكبر الغفارى
(النسخ التي كانت عندنا حين التصحيح)
1- نسخة مخطوطة صحّحها و قابلها محمّد بن محمّد محسن بن مرتضى المدعوّ بعلم الهدى. تاريخها شهر رجب المرجّب سنة ثلاث و سبعين بعد الألف من الهجرة النبويّة، تقع في 410 صحيفة، بقطع 27 في 15 سانتيمترا، في كلّ صفحة 19 سطرا، طول كلّ سطر 5/ 8 سانتيمترا.
تفضّل بإرسالها الأستاذ العلّامة السيّد محمّد حسين الطباطبائي التبريزيّ- أبقاه اللّه سيفا صارما و منارا للحقّ- نزيل قم المشرّفة.
2- نسخة مخطوطة مصحّحة لخزانة كتب العلّامة النسّابة الآية الحجّة السيّد شهاب الدّين النجفيّ المرعشيّ- دامت بركاته- لم يؤرّخها كاتبها لكن هي ضميمة مع أمالي الصدوق- رحمه اللّه- و أرّخ الأماليّ هكذا: تمّت النسخة في العشر الأوّل من ربيع الأوّل من السنة السابعة و الثمانين بعد المائتين و الألف، تقع في 168 صحيفة، بقطع 5/ 21 في 5/ 11 سانتيمترا، في كلّ صفحة 31 سطرا، طول كلّ سطر 5/ 6 سانتيمترا.
3- نسخة مطبوعة مع كتاب علل الشرائع سنة 1299 ه.
4- نسخة مطبوعة مع العلل أيضا سنة 1311 ه.
(حياة المؤلّف) قدّس سرّه بقلم الشيخ عبد الرّحيم الرّبانيّ الشيرازيّ
حياة المؤلّف
بسم اللّه الرّحمن الرّحيم
الشيخ الأجلّ الأعظم، رئيس المحدّثين، محمّد بن عليّ بن الحسين بن موسى بن بابويه، أبو جعفر الصدوق القمّيّ- قدس اللّه روحه-
أمره في العلم و الفهم و الثقافة و الفقاهة و الجلالة و الوثاقة و كثرة التصنيف و جودة التأليف فوق أن تحيطه الأقلام و يحويه البيان، و قد بالغ في إطرائه و الثناء عليه كلّ من تأخّر عنه و ترجمه أو استفاد من كتبه الثمينة، و أقرّوا له كلّهم بالشيخوخيّة و الوثاقة، و نحن و إن لم نر حاجة في التدليل على عظمته بعد ما يعلم من معروفيّته و طائر صيته لكن نذكر طرفا من كلمات أساطين المذهب و غيرهم في تقريظه و الثناء عليه تذكيرا لإخواني المتعلّمين أنّ السعادة الأبديّة في اكتساب العلم و الفضائل و خدمة الدّين و أهله و أنّ كلّ من خطا خطوة في سبيل الدّين و ترويج سنن سيّد المرسلين صلّى اللّه عليه و آله و طريق عترته الطاهرين عليهم السّلام قد فتح لنفسه في التاريخ صحيفة تشرق منها آثاره و مآثره بقدر خطواته الشاسعة و خدمته لمجتمعه الدّينيّ، فيا إخواني المتعلّمين عليكم بالجدّ في تحصيل العلم و الأدب و دعوة المجتمع إلى ما يرقّيهم و يوصلهم إلى سعاداتهم سعادة الدنيا و الآخرة و كونوا دعاة الناس بأعمالكم و ألسنتكم. و ذبّوا عن حوزة الإسلام كيد المنحرفين و إبطال الملحدين وفّقكم اللّه و إيّانا لخدمة الدّين و أهله فها نحن نسرد جمل الثناء عليه.
قال الشيخ الطوسيّ 1 : محمّد بن عليّ بن الحسين بن موسى بن بابويه القمّيّ جليل
القدر يكنّى أبا جعفر كان جليلا حافظا للأحاديث، بصيرا بالرّجال. ناقدا للأخبار، لم ير في القمّيّين مثله في حفظه و كثرة علمه، له نحو من ثلاثمائة مصنّف. و قال في رجاله 2 : جليل القدر، حفظة، بصير بالفقه و الأخبار و الرّجال.
و قال الرجاليّ الكبير النجاشيّ 3 : أبو جعفر نزيل الريّ، شيخنا و فقيهنا و وجه الطائفة بخراسان، و كان ورد بغداد سنة 355 و سمع منه شيوخ الطائفة و هو حدث السنّ. اه
و قال الخطيب البغداديّ: 4 نزل بغداد و حدّث بها عن أبيه، و كان من شيوخ الشيعة و مشهوري الرافضة، حدّثنا عنه محمّد بن طلحة النعاليّ. اه
و أطرأه ابن إدريس في السرائر بقوله: كان ثقة جليل القدر، بصيرا بالأخبار، ناقدا للآثار، عالما بالرّجال، حفظة، و هو أستاد شيخنا المفيد محمّد بن محمّد بن النعمان. 5
و وصفه ابن شهرآشوب في معالم العلماء 6 : بمبارز القميّين، له نحو من ثلاث مائة مصنّف.
و قال المحقّق الحلّي في مقدّمة المعتبر 7 في كلام له في سبب الاقتصار على كلام بعض الأصحاب: و اجترأت بإيراد كلام من اشتهر فضله و عرف تقدّمه في نقل الأخبار و صحّة الاختيار و جودة الاعتبار، و اقتصرت من كتب هؤلاء الأفاضل على ما بان فيه اجتهادهم و عرف به اهتمامهم، و عليه اعتمادهم- ثمّ ذكر عدّة من أصحابنا المتقدّمين، ثمّ قال:- و من المتأخّرين أبو جعفر محمّد بن بابويه القمّيّ- رضي اللّه عنه-