کتابخانه روایات شیعه
لم يرفع منها إلى الملكوت بقي يهوى في الهاوية، و ذلك لأنّ الجنّة درجات و النّار دركات.
و قال تعالى: تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَ الرُّوحُ إِلَيْهِ 113 .
و قال تعالى: إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَ نَهَرٍ فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ 114 .
و قال تعالى: وَ لا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْواتٌ بَلْ أَحْياءٌ وَ لكِنْ لا تَشْعُرُونَ 116 .
وَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ- عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ: «الْأَرْوَاحُ جُنُودٌ مُجَنَّدَةٌ، فَمَا تَعَارَفَ مِنْهَا ائْتَلَفَ، وَ مَا تَنَاكَرَ مِنْهَا اخْتَلَفَ» 117 .
وَ قَالَ الصَّادِقُ- عَلَيْهِ السَّلَامُ-: «إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى آخَى بَيْنَ الْأَرْوَاحِ فِي الْأَظِلَّةِ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ الْأَبْدَانَ بِأَلْفَيْ عَامٍ، فَلَوْ قَدْ قَامَ قَائِمُنَا أَهْلَ الْبَيْتِ لَوَرِثَ الْأَخُ الَّذِي آخَى بَيْنَهُمَا فِي الْأَظِلَّةِ، وَ لَمْ يَرِثِ 118 الْأَخُ مِنَ الْوَلَادَةِ».
وَ قَالَ- عَلَيْهِ السَّلَامُ: «إِنَّ الْأَرْوَاحَ لَتَلْتَقِي فِي الْهَوَاءِ فَتَعَارَفَ فَتَسَاءَلَ، فَإِذَا أَقْبَلَ
رُوحٌ مِنَ الْأَرْضِ قَالَتِ الْأَرْوَاحُ: دَعُوهُ 119 فَقَدْ أَفْلَتَ مِنْ هَوْلٍ عَظِيمٍ، ثُمَّ سَأَلُوهُ مَا فَعَلَ فُلَانٌ وَ مَا فَعَلَ فُلَانٌ، فَكُلَّمَا قَالَ قَدْ بَقِيَ رَجَوْهُ أَنْ يَلْحَقَ بِهِمْ، وَ كُلَّمَا قَالَ قَدْ مَاتَ قَالُوا هَوَى هَوَى» 120 .
و قال تعالى: وَ مَنْ يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوى 121 .
و قال تعالى: وَ أَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوازِينُهُ فَأُمُّهُ هاوِيَةٌ وَ ما أَدْراكَ ما هِيَهْ نارٌ حامِيَةٌ 122 .
و مثل الدنيا و صاحبها 123 كمثل البحر و الملاح و السفينة.
وَ قَالَ لُقْمَانُ- عَلَيْهِ السَّلَامُ- لِابْنِهِ: «يَا بُنَيَّ، إِنَّ الدُّنْيَا بَحْرٌ عَمِيقٌ وَ قَدْ هَلَكَ فِيهَا عَالَمٌ كَثِيرٌ، فَاجْعَلْ سَفِينَتَكَ فِيهَا الْإِيمَانَ بِاللَّهِ، وَ اجْعَلْ زَادَكَ فِيهَا تَقْوَى اللَّهِ، وَ اجْعَلْ شِرَاعَهَا التَّوَكُّلَ عَلَى اللَّهِ. فَإِنْ نَجَوْتَ فَبِرَحْمَةِ اللَّهِ، وَ إِنْ هَلَكْتَ فَبِذُنُوبِكَ» 124 .
و أشد ساعات ابن آدم ثلاث ساعات 125 : يوم يولد، و يوم يموت، و يوم يبعث حيّا.
و لقد سلّم اللّه تعالى على يحيى في هذه الساعات، فقال اللّه تعالى: وَ سَلامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَ يَوْمَ يَمُوتُ وَ يَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا 126 .
و قد سلّم فيها 127 عيسى على نفسه فقال: وَ السَّلامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَ يَوْمَ أَمُوتُ وَ يَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا 128 . و الاعتقاد في الروح أنّه ليس من جنس البدن، و أنّه خلق آخر، لقوله تعالى: ثُمَّ أَنْشَأْناهُ خَلْقاً آخَرَ فَتَبارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ 129 .
و اعتقادنا في الأنبياء و الرسل و الأئمة- عليهم السّلام- انّ فيهم خمسة أرواح: روح القدس، و روح الايمان، و روح القوّة، و روح الشهوة، و روح المدرج.
و في المؤمنين أربعة أرواح: روح الايمان، و روح القوّة، و روح الشهوة، و روح المدرج.
و في الكافرين و البهائم ثلاثة أرواح: روح القوّة، و روح الشهوة، و روح المدرج.
و أمّا قوله تعالى: وَ يَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي 130 فإنّه خلق أعظم من جبرئيل و ميكائيل، كان مع رسول اللّه و الأئمّة- عليهم السّلام- 131 و مع الملائكة، و هو من الملكوت.
و أنا اصنّف في هذا المعنى كتابا أشرح فيه معاني هذه الجمل إن شاء اللّه تعالى.
[16] باب الاعتقاد في الموت
قِيلَ لِأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلَامُ صِفْ لَنَا الْمَوْتَ؟
فَقَالَ- عَلَيْهِ السَّلَامُ-: «عَلَى الْخَبِيرِ سَقَطْتُمْ، هُوَ أَحَدُ ثَلَاثَةِ أُمُورٍ يَرِدُ عَلَيْهِ:
إِمَّا بِشَارَةٌ بِنَعِيمِ الْأَبَدِ، وَ إِمَّا بِشَارَةٌ بِعَذَابِ الْأَبَدِ، وَ إِمَّا بِتَحْزِينٍ 132 وَ تَهْوِيلٍ وَ أَمْرٍ مُبْهَمٍ 133 لَا يَدْرِي مِنْ أَيِّ الْفِرَقِ هُوَ.
أَمَّا وَلِيُّنَا وَ الْمُطِيعُ لِأَمْرِنَا فَهُوَ الْمُبَشَّرُ بِنَعِيمِ الْأَبَدِ.
وَ أَمَّا عَدُوُّنَا وَ الْمُخَالِفُ لِأَمْرِنَا، فَهُوَ الْمُبَشَّرُ بِعَذَابِ الْأَبَدِ.
وَ أَمَّا الْمُبْهَمُ أَمْرُهُ الَّذِي لَا يَدْرِي مَا حَالُهُ، فَهُوَ الْمُؤْمِنُ الْمُسْرِفُ عَلَى نَفْسِهِ لَا يَدْرِي مَا يَؤُولُ حَالُهُ 134 يَأْتِيهِ الْخَبَرُ مُبْهَماً مَخُوفاً 135 ثُمَّ لَنْ يُسَوِّيَهُ اللَّهُ بِأَعْدَائِنَا، وَ يُخْرِجُهُ مِنَ النَّارِ بِشَفَاعَتِنَا.
فَاعْمَلُوا 136 وَ أَطِيعُوا وَ لَا تَتَّكِلُوا 137 ، وَ لَا تَسْتَصْغِرُوا عُقُوبَةَ اللَّهِ، فَإِنَّ مِنَ
الْمُسْرِفِينَ مَنْ لَا يَلْحَقُهُ شَفَاعَتُنَا إِلَّا بَعْدَ عَذَابِ ثَلَاثِمِائَةِ أَلْفِ سَنَةٍ» 138 .
وَ سُئِلَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ- عَلَيْهِمَا السَّلَامُ، مَا الْمَوْتُ الَّذِي جَهِلُوهُ؟
فَقَالَ- عَلَيْهِ السَّلَامُ-: «أَعْظَمُ سُرُورٍ يَرِدُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ نُقِلُوا عَنْ دَارِ النَّكَدِ إِلَى نَعِيمِ الْأَبَدِ، وَ أَعْظَمُ ثُبُورٍ يَرِدُ عَلَى الْكَافِرِينَ إِذْ نُقِلُوا عَنْ جَنَّتِهِمْ إِلَى نَارٍ لَا تَبِيدُ وَ لَا تَنْفَدُ» 139 .
وَ لَمَّا اشْتَدَّ الْأَمْرُ بِالْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ- عَلَيْهِمَا السَّلَامُ- نَظَرَ إِلَيْهِ مَنْ كَانَ مَعَهُ فَإِذَا هُوَ بِخِلَافِهِمْ، لِأَنَّهُمْ إِذَا اشْتَدَّ بِهِمُ الْأَمْرُ تَغَيَّرَتْ أَلْوَانُهُمْ، وَ ارْتَعَدَتْ فَرَائِصُهُمْ، وَ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ، وَ وَجَبَتْ جُنُوبُهُمْ. وَ كَانَ الْحُسَيْنُ- عَلَيْهِ السَّلَامُ- وَ بَعْضُ مَنْ مَعَهُ مِنْ خَوَاصِّهِ 140 تُشْرِقُ أَلْوَانُهُمْ، وَ تَهْدَأُ جَوَارِحُهُمْ، وَ تَسْكُنُ نُفُوسُهُمْ.
فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: انْظُرُوا إِلَيْهِ لَا يُبَالِي بِالْمَوْتِ.
فَقَالَ لَهُمُ الْحُسَيْنُ- عَلَيْهِ السَّلَامُ-: «صَبْراً بَنِي الْكِرَامِ، فَمَا الْمَوْتُ إِلَّا قَنْطَرَةٌ تَعْبُرُ بِكُمْ عَنِ الْبُؤْسِ وَ الضُّرِّ 141 إِلَى الْجِنَانِ الْوَاسِعَةِ وَ النِّعَمِ 142 الدَّائِمَةِ، فَأَيُّكُمْ يَكْرَهُ أَنْ يَنْتَقِلَ مِنْ سِجْنٍ إِلَى قَصْرٍ، وَ هَؤُلَاءِ أَعْدَاؤُكُمْ كَمَنْ يَنْتَقِلُ مِنْ قَصْرٍ إِلَى سِجْنٍ وَ عَذَابٍ أَلِيمٍ. إِنَّ أَبِي حَدَّثَنِي عَنْ رَسُولِ اللَّهِ: أَنَّ الدُّنْيَا سِجْنُ الْمُؤْمِنِ وَ جَنَّةُ الْكَافِرِ.
وَ الْمَوْتَ جِسْرُ 143 هَؤُلَاءِ إِلَى جَنَّاتِهِمْ، وَ جِسْرُ هَؤُلَاءِ إِلَى جَحِيمِهِمْ، مَا كَذَبْتُ وَ لَا كُذِبْتُ» 144 .
وَ قِيلَ لِعَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ: مَا الْمَوْتُ؟
فَقَالَ- عَلَيْهِ السَّلَامُ: «لِلْمُؤْمِنِ كَنَزْعِ ثِيَابٍ وَسِخَةٍ قَمِلَةٍ، وَ فَكِّ قُيُودٍ وَ أَغْلَالٍ ثَقِيلَةٍ، وَ الِاسْتِبْدَالِ بِأَفْخَرِ الثِّيَابِ وَ أَطْيَبِهَا رَوَائِحَ، وَ أَوْطَأِ الْمَرَاكِبِ، وَ آنَسِ الْمَنَازِلِ.
وَ لِلْكَافِرِ كَخَلْعِ ثِيَابٍ فَاخِرَةٍ، وَ النَّقْلِ عَنْ مَنَازِلَ أَنِيسَةٍ، وَ الِاسْتِبْدَالِ 145 بِأَوْسَخِ الثِّيَابِ وَ أَخْشَنِهَا، وَ أَوْحَشِ 146 الْمَنَازِلِ، وَ أَعْظَمِ الْعَذَابِ».
وَ قِيلَ لِمُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ- عَلَيْهِ السَّلَامُ-: مَا الْمَوْتُ؟
فَقَالَ: «هُوَ النَّوْمُ الَّذِي يَأْتِيكُمْ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ، إِلَّا أَنَّهُ طَوِيلٌ مُدَّتُهُ 147 لَا يُنْتَبَهُ 148 مِنْهُ إِلَّا يَوْمَ الْقِيَامَةِ. فَمِنْهُمْ مَنْ رَأَى فِي مَنَامِهِ مِنْ أَصْنَافِ الْفَرَحِ مَا لَا يُقَادِرُ قَدْرَهُ، وَ مِنْهُمْ مَنْ رَأَى فِي نَوْمِهِ مِنْ أَصْنَافِ الْأَهْوَالِ مَا لَا يُقَادِرُ قَدْرَهُ، فَكَيْفَ حَالُ مَنْ فَرِحَ فِي الْمَوْتِ 149 وَ وَجِلَ فِيهِ! هَذَا هُوَ الْمَوْتُ فَاسْتَعِدُّوا لَهُ» 150 .
وَ قِيلَ لِلصَّادِقِ- عَلَيْهِ السَّلَامُ: صِفْ لَنَا الْمَوْتَ؟
فَقَالَ: «هُوَ لِلْمُؤْمِنِينَ كَأَطْيَبِ رِيحٍ يَشَمُّهُ فَيَنْعُسُ 151 لِطِيبِهِ فَيَنْقَطِعُ 152 التَّعَبُ وَ الْأَلَمُ كُلُّهُ عَنْهُ. وَ لِلْكَافِرِ كَلَسْعِ الْأَفَاعِيِّ وَ كَلَدْغِ الْعَقَارِبِ وَ أَشَدَّ».
قِيلَ: فَإِنَّ قَوْماً يَقُولُونَ 153 هُوَ أَشَدُّ مِنْ نَشْرٍ بِالْمَنَاشِيرِ، وَ قَرْضٍ بِالْمَقَارِيضِ،
وَ رَضْخٍ بِالْحِجَارَةِ، وَ تَدْوِيرِ قُطْبِ الْأَرْحِيَةِ فِي الْأَحْدَاقِ؟
فَقَالَ: «كَذَلِكَ هُوَ عَلَى بَعْضِ الْكَافِرِينَ وَ الْفَاجِرِينَ، أَلَا تَرَوْنَ مِنْهُمْ مَنْ يُعَايِنُ تِلْكَ الشَّدَائِدَ فَذَلِكُمُ الَّذِي هُوَ أَشَدُّ مِنْ هَذَا [إِلَّا مِنْ عَذَابِ الْآخِرَةِ فَإِنَّهُ أَشَدُّ] مِنْ عَذَابِ الدُّنْيَا».
قِيلَ: فَمَا لَنَا نَرَى كَافِراً يَسْهُلُ عَلَيْهِ النَّزْعُ فَيَنْطَفِئُ وَ هُوَ يَتَحَدَّثُ وَ يَضْحَكُ وَ يَتَكَلَّمُ، وَ فِي الْمُؤْمِنِينَ مَنْ يَكُونُ أَيْضاً كَذَلِكَ، وَ فِي الْمُؤْمِنِينَ وَ الْكَافِرِينَ مَنْ يُقَاسِي عِنْدَ سَكَرَاتِ الْمَوْتِ هَذِهِ الشَّدَائِدَ؟
قَالَ- عَلَيْهِ السَّلَامُ-: «مَا كَانَ مِنْ رَاحَةٍ هُنَاكَ لِلْمُؤْمِنِينَ فَهُوَ عَاجِلُ ثَوَابِهِ، وَ مَا كَانَ مِنْ شِدَّةٍ فَهُوَ تَمْحِيصُهُ مِنْ ذُنُوبِهِ، لِيَرِدَ إِلَى الْآخِرَةِ نَقِيّاً 154 نَظِيفاً مُسْتَحِقّاً لِثَوَابِ اللَّهِ لَيْسَ لَهُ مَانِعٌ دُونَهُ. وَ مَا كَانَ مِنْ سُهُولَةٍ هُنَاكَ عَلَى الْكَافِرِينَ فَلِيُوَفَّى 155 أَجْرَ حَسَنَاتِهِ فِي الدُّنْيَا، لِيَرِدَ الْآخِرَةَ وَ لَيْسَ لَهُ إِلَّا مَا يُوجِبُ عَلَيْهِ الْعَذَابَ، وَ مَا كَانَ مِنْ شِدَّةٍ عَلَى الْكَافِرِ هُنَاكَ فَهُوَ ابْتِدَاءُ عِقَابِ اللَّهِ عِنْدَ نَفَادِ حَسَنَاتِهِ، ذَلِكُمْ بِأَنَّ اللَّهَ عَدْلٌ لَا يَجُورُ» 156 .