کتابخانه روایات شیعه
[المجاز] (81)
وَ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ لِلْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ وَ قَدْ خَطَبَ امْرَأَةً لِيَتَزَوَّجَهَا: «لَوْ نَظَرْتَ إِلَيْهَا؛ فَإِنَّهُ أَحْرَى أَنْ يُؤْدَمَ بَيْنَكُمَا» 468 .
و في هذا اللفظ مجاز على التأويلين جميعا:
فأحدهما: أن يكون قوله عليه الصلاة و السلام: «أحرى أن يؤدم بينكما» مأخوذ من الطعام المأدوم؛ لأنّ طيبه و صلاحه إنّما يكون بالإدام، كالزيت و الإهالة 469 ، و ما يكون في معناهما، فكأنّه عليه الصلاة و السلام أراد أنّ ذلك أحرى أن يتوافقا، كما يوافق الطعام ادمه، أو كما يوافق الإدام خبزه.
قال الكسائي: «أدم اللّه بينهما: على مثال فعل إذا ألقى بينهما المحبّة و الاتّفاق» 470 .
و أقول: إنّ هذا يشبه دعاءه عليه الصلاة و السلام للباني على أهله؛ و هو قوله: «بالرفاء و البنين» 471 ، كأنّه عليه الصلاة و السلام دعا بأن يلائم اللّه بينهما كما يلائم الرافي 472 بين شقق الثوب المرفوء.
و أمّا التأويل الآخر في أصل الخبر: فهو أن يكون بمعنى: ذلك أحرى أن يصلح اللّه بينكما، من قولهم: «عنان 473 مؤدم» إذا كان مصلحا
محكما، قال الراجز 474 :
في صلب 475 مثل العنان المؤدم 476
و يقال: «أديم 477 مؤدم» إذا ظهرت أدمته و هو مأوى اللحم منه، و أديم مبشر إذا ظهرت بشرته، و هو مأوى الشعر منه، و يقال: رجل مؤدم إذا كان محبوبا، قال الراجز:
و البيض لا يؤدمن إلّا مؤدما 478
أي لا يحببن إلّا محبوبا.
[المجاز] (82)
وَ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ: «إِنَّ مِنَ الْبَيَانِ لَسِحْراً» 479 .
و هذا القول مجاز، و المراد به أنّ البيان قد يخدع بتزويقه 480 و زخارفه، و حسن معارضه و مطالعه؛ حتّى يستزل الإنسان من حال الغضب و المخاشنة 481 إلى حال الرضا و الملاينة، و ينزع حمات 482 السخائم 483 ،
و يفسخ عقود العزائم، و يكبح 484 الجامح حتّى يرجع، و يسفّ 485 بالمحلّق حتّى يقع، و يعود بالخصم الضالع 486 موافقا، و بالضدّ الأبعد مقاربا.
و السحر في الأصل: هو التمويه و الخديعة، و التلبيس و التغطية، و قال بعضهم: «السحر: ما نقلك من حال إلى حال» 487 . و كانت العرب تعتقد أنّ السحر يصرف الوجوه، و يقلّب القلوب، و يمرض الأجسام، و يسفّه الأحلام، و يفرّق بين المتحابّين، و يجمع بين المتباغضين، و هذا في الحقيقة نقل من حال إلى حال، و هو عندنا باطل، إلّا أن يراد به ما قدّمنا القول فيه من خديعة الإنسان بلين القول، و حسن اللفظ؛ حتّى يرضى بعد اشتطاطه 488 ، و ينثني بعد جماحه. و هذا الوجه هو الذي ذهب إليه النبيّ عليه الصلاة و السلام، دون ما يقوله أهل الجهالة، و طغام 489 الجاهلية.
[المجاز] (83)
وَ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ: «إِلَّا أَنْ يَتَغَمَّدَنِي مِنْهُ بِرَحْمَةٍ» 490 .
و أصل هذا الكلام مستعار؛ لأنّ المراد به: إلّا أن يغطّيني اللّه أو يجلّلني
منه برحمة، مأخوذ من «غمد السيف، الذي يكون كنانا 491 له، و سباغا 492 عليه، و قال الشاعر:
نصبنا رماحا فوقها جدّ عامر
كطلّ السماء كلّ أرض تغمّدا 493
أي امتدّ جدّهم على أقطار الأرض، فغطّاها كامتداد السماء عليها من جميع جهاتها، يصفهم باستطالة الجدّ، و انبساط اليد، و ثراء المال و العدد.
[المجاز] (84)
وَ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ: «اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ رَحْمَةً تَلُمُّ بِهَا شَعْثِي» 494 .
و هذه استعارة، و المراد: تجمع بها أمري، فَكَنَّى عليه الصلاة و السلام عن ذلك ب «الشعث» تشبيها بالعود الذي تشعّث رأسه، و تشظّت 495 أطرافه، فهو محتاج إلى جامع يجمعه، و شاعث يشعثه.
و من ذلك قول الشاعر يصف النار:
و غبراء شعثاء الفروع منيفة
بها توصف الحسناء و هي جميل 496
أراد تفرّق أطرافها، و تشعّث شواظها 497 .
[المجاز] (85)
وَ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ: «أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شَرِّ عِرْقٍ نَعَّارٍ» 498 .
و هذه استعارة، و الأصل في ذلك رفع الصوت، يقال: «فلان نعّار في الفتن» أي صيّاح فيها، و دعّاء إليها. و قال بعض التابعين و قد صلّى خلف مصعب بن الزبير و هو رافع صوته بالتكبير و التهليل: «قاتله اللّه نعّارا بالبدع» 499 ؛ أي صيّاحا بها.
فشبّه عليه الصلاة و السلام شفور 500 دم العرق و تواتره بصوت الصائح المنوّه 501 من وجهين: لارتفاع ندائه، و لتكرير دعائه، فجعل العرق نعّارا للعلّة المذكورة على طريق المجاز و الاتساع.
و قال بعض أهل اللغة: «يقال: نعر العرق نعرا و نعرانا: إذ اهتزّ بالدم و لم يرقا» 502 فإن كان الأمر على ما قال، فقد خرج الكلام عن باب المجاز إلى حيّز الحقيقة.
[المجاز] (86)
وَ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ: «مَنْ كَانَتِ الدُّنْيَا هَمَّهُ وَ سَدَمَهُ 503 جَعَلَ اللَّهُ فَقْراً بَيْنَ عَيْنَيْهِ» 504 .
و هذا الكلام مجاز، و المراد به أنّ من جعل الدنيا همّه، و قرّ عليها باله، و أعرض عن الآخرة بوجهه، و أخرج ذكرها من قلبه، و أقبل على تثمير الأموال، و استضخام الأحوال، عاقبه اللّه على ذلك: بأن يزيده فقر نفس، و ضرع خدّ، فلا تسدّ مفاقره كثرة ما جمع و عدّد، و عظيم ما أثّل 505 و ثمّر، فكأنّه يرى الفقر بين عينيه، فهو أبدا خائف من الوقوع فيه، و الانتهاء إليه، فلا يزال آكلا لا يشبع، و شاربا لا ينقع 506 ، فمعه حرص الفقراء، و له مال الأغنياء.
و قال عليه الصلاة و السلام: «جعل فقرا بين عينيه» مبالغة في وصفه بتصوّر الفقر؛ فكأنّه قريب منه، و غيره غائب عنه، كما يقول القائل لغيره إذا أراد هذا المعنى: «حاجتك بين عيني» أي هي متصوّرة لي، و غير غائبة عن قلبي.
[المجاز] (87)
وَ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ فِي صِفَةٍ شَاءَ ذِكْرَهَا: «فَجَاءَتْ بِهِ كُلُّهُ قَالَبُ لَوْنٍ؛ غَيْرَ وَاحِدٍ أَوِ انين [اثْنَيْنِ]» 507 .
و هذه استعارة، و المراد أنّ ألوانها جاءت متساوية، فكأنّما افرغت في قالب واحد، و هذه من أحسن العبارات عن هذا المعنى، و ذلك كما يقول القائل منّا إذا أراد أن يصف قوما متشابهين في الخلق و المناظر، أو في الطبائع و الغرائز: «كأنّما طبعوا على سكّة واحدة، أو خلقوا من طينة واحدة».
[المجاز] (88)
وَ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ: «خَيْرُ الْخَيْلِ الْأَدْهَمُ 508 الْأَقْرَحُ 509 ، الْمُحَجَّلُ ثَلَاثاً، طَلْقُ الْيَدِ الْيُمْنَى» 510 .
و هذه من محاسن الاستعارات؛ لأنّه عليه الصلاة و السلام شبّه الثلاث من قوائمه- لالتفاف التحجيل عليها- بالثلاث المعقولة من قوائم البعير، و المشكولة من قوائم الفرس، و شبّه اليمنى منها- لخلوّها من التحجيل- بالمطلقة من العقال، أو العاطلة من الشكال. و يقال: «ناقة علط» إذا لم تكن موسومة 511 ، و يقال «طلق» إذا لم تكن معقولة، و «ناقة علط» إذا لم تكن مزمومة 512 .
[المجاز] (89)
وَ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ لِسُرَاقَةَ بْنِ مَالِكٍ الْمُدْلِجِيِّ لَمَّا خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ مِنْ مَكَّةَ مُهَاجِراً إِلَى الْمَدِينَةِ- وَ قَدْ لَحِقَ بِهِ وَ هُوَ بَعْدُ عَلَى شِرْكِهِ-: «قِفْ هَاهُنَا، فَعَمِ 513 عَلَيْنَا بِتَهَوُّرِ النُّجُومِ» 514 .