کتابخانه روایات شیعه
يُثَقِّفُونَ الْقُرْآنَ كَمَا يُثَقَّفُ 1510 الْقِدْحُ 1511 ...» 1512 .
، في حديث طويل أخرجه مخرج الذمّ لأهل ذلك الزمان.
و هذه استعارة، و المراد أنّهم يعنون بإصلاح ألفاظ القرآن حتّى تقوم على المنهاج، و تقوّم بعد الاعوجاج، فتكون كالسهم المثقّف الذي يسرع في الإنباض 1513 ، و يقرطس 1514 في الأغراض، و لا يتدبّرون ما وراء تلك الألفاظ من حكم واجب، و أمر لازم، و فرض متعيّن، و حقّ مبيّن.
[المجاز] (304)
وَ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ فِي كَلَامٍ أَطْلَقَ الشُّرْبَ فِي الْأَوْعِيَةِ بَعْدَ أَنْ كَانَ حَظَرَهُ: «وَ نَهَيْتُكُمْ عَنِ الشُّرْبِ فِي الْأَوْعِيَةِ، فَاشْرَبُوا مَا شِئْتُمْ إِلَّا مَنْ أَوْكَى سِقَاءَهُ عَلَى إِثْمٍ» 1515 .
و هذا القول مجاز، و المراد إطلاق الشّرب في الأوعية التي وقع النهي عنها، كالدّبّاء، و الحنتم، و النّقير، و المزفّت 1516 ؛ إذا كان ما فيها من الأشربة
المطلقة غير الممنوعة، و المباحة غير المحظورة، و موضع المجاز قوله عليه الصلاة و السلام: «إلّا من أوكى سقاءه على إثم» يقول: إلّا من ربط سقاءه على مشروب محرّم، فإنّ ذلك خارج عن باب الإطلاق و الإباحة، و داخل في باب الحظر و الكراهة. و أراد عليه الصلاة و السلام:
إلّا من أوكى سقاءه على مشروب يؤدّي إلى الإثم، فأقام الإثم مقامه؛ لأنّه عاقبة أمره، و وبال فعله.
[المجاز] (305)
وَ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ: «حُفَّتِ الْجَنَّةُ بِالْمَكَارِهِ، وَ حُفَّتِ النَّارُ بِالشَّهَوَاتِ» 1517 .
و هذا القول مجاز، و المراد أنّ جميع الأفعال التي توصل إلى الجنّة، يتجشّم فعلها على الكره و المشقّة؛ لأنّ طريقها وعر، و مذاقها مرّ، فلمّا كانت الطرق المفضية إلى الجنّة كلّها- كما ذكرنا- شاقّة المسالك صعبة على السالك، حسن أن يقال: «الجنّة حفّت بالمكاره» على طريق المجاز و سعة الكلام، و لمّا كانت الأفعال المفضية إلى دخول النار- في الأغلب الأكثر- كثيرة الملاذ ملائمة للطباع، لا تؤتى من طريق مشقّة، و لا يقرع لها باب كلفة، حسن أن يقال: «إنّ النار حفّت بالشهوات» على طريق الاتساع و المجاز.
[المجاز] (306)
وَ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ وَ قَدْ سُئِلَ عَنْ رَجُلٍ كَانَتْ تَحْتَهُ امْرَأَةٌ فَطَلَّقَهَا ثَلَاثاً، فَتَزَوَّجَتْ بَعْدَهُ رَجُلًا، فَطَلَّقَهَا قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا، هَلْ تَحِلُ
لِزَوْجِهَا الْأَوَّلِ؟ فَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ: «لَا، حَتَّى يَكُونَ الْآخَرُ قَدْ ذَاقَ مِنْ عُسَيْلَتِهَا، وَ ذَاقَتْ مِنْ عُسَيْلَتِهِ» 1518 .
و هذه استعارة، كأنّه عليه الصلاة و السلام كنّى عن حلاوة الجماع بحلاوة العسل، و كأنّ مخبر المرأة و مخبر 1519 الرجل كالعسلة المستودعة في ظرفها، فلا يصحّ الحكم عليها إلّا بعد الذوق منها. و جاء عليه الصلاة و السلام باسم «العسيلة» مصغّرا لسرّ لطيف في هذا المعنى؛ و هو أنّه أراد فعل الجماع دفعة واحدة هو ما تحلّ المرأة به للزوج الأوّل، فجعل ذلك بمنزلة الذواق القابل من العسلة من غير استكثار منها، و لا معاودة لأكلها، فأوقع التصغير على الاسم، و هو في الحقيقة للفعل. و ذلك بالعكس من التصغير في البيت المشهور، و هو من أبيات الكتاب، و أنشدناه الشيخان أبو الفتح عثمان بن جنّي، و أبو الحسن عليّ بن عيسى الرّبعي، و ذلك قول الشاعر:
ياما اميلح غزلانا شدنّ لنا
من هؤليّائكنّ الضّال و السّمر 1520
فأوقع الشاعر التصغير على الفعل في الظاهر، و ذلك غير جائز، و إنّما أراد به على الحقيقة تصغيرا لإسم المصدر الذي هو «الملاحة» فهذا
الشاعر- كما ترى- صغّر الفعل و أراد الاسم، و هو عليه الصلاة و السلام في الخبر صغّر الاسم و أراد الفعل.
[المجاز] (307)
وَ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ: «لَا يَتَطَهَّرُ الرَّجُلُ فَيُحْسِنُ طَهُورَهُ، ثُمَّ يَأْتِي الْجُمُعَةَ فَيُنْصِتُ حَتَّى يَقْضِيَ الْإِمَامُ صَلَاتَهُ، إِلَّا كَانَ ذَلِكَ كَفَّارَةً لَهُ مَا بَيْنَهُ وَ بَيْنَ الْجُمُعَةِ الْمُقْبِلَةِ؛ مَا اجْتَنَبَ الْمَقْتَلَةَ» 1521 .
فقوله عليه الصلاة و السلام: «ما اجتنب المقتلة» مجاز، و المراد: ما لم يواقع الخطيئة الكبيرة التي تكون سببا لهلاكه، و طريقا إلى بواره، فشبّهها عليه الصلاة و السلام بالمقتل 1522 من مقاتل الإنسان الذي إذا اتي منه فقد اتي عليه 1523 . و إنّما أنّث عليه الصلاة و السلام «المقتل» لأنّه جعله في هذا الموضع عبارة عن الخطيئة، و هي مونّثة، فأنّثه حملا على المعنى، و لذلك في كلامهم نظائر كثيرة.
[المجاز] (308)
وَ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ: «إِنَّهُ لَيُغَانُ عَلَى قَلْبِي حَتَّى أَسْتَغْفِرَ اللَّهَ مِائَةَ مَرَّةٍ» 1524 .
و هذا القول مجاز، و المراد أنّ الغمّ يتغشّى قلبه عليه الصلاة و السلام حتّى يستكشف غمّته و يستفرج كربته بالاستغفار، فشبّه ما تغشّى قلبه
من ذلك بغواشي الغيم التي تستر الشمس، و تجلّل الافق، و «الغيم» و «الغين» اسمان للسحاب، و سواء قال: «يغان على قلبي» أو قال:
«يغام على قلبي».
[المجاز] (309)
وَ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ: «الْقُلُوبُ أَوْعِيَةٌ؛ بَعْضُهَا أَوْعَى مِنْ بَعْضٍ» 1525 .
و هذه استعارة، و المراد تشبيه القلوب بالأوعية؛ و هي الظروف و العياب 1526 التي تحرز فيها الأمتعة و غيرها من الأشياء المحفوظة، و هي كالآنية لإيداع الأشياء المائعة، إلّا أنّ الأوعية تختصّ بالجامدات، كما أنّ الآنية تختصّ بالمائعات، فالقلب من حيث حفظ و وعى كالوعاء من حيث جمع و أوعى.
و ربّما نسب هذا الكلام إلى أمير المؤمنين عليه السّلام على خلاف في لفظه، و قد ذكرناه في جملة كلامه لكميل بن زياد النّخعي في كتاب «نهج البلاغة» 1527 .
[المجاز] (310)
وَ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ: «مَا يُخْرِجُ رَجُلٌ شَيْئاً مِنَ الصَّدَقَةِ حَتَّى يَفُلَّ عَنْهُ لِحَى سَبْعِينَ شَيْطَاناً» 1528 .
و هذا القول مجاز، و المراد تعظيم الأمر في مجاهدة الإنسان نفسه عند
إخراج الصدقة؛ لشدّة تتبّع النفس لها و كثرة الصوارف عنها و وساوس الشيطان بما يقتضي الامتناع منها، فإذا غلب الإنسان بإخراجها نوازع جنانه و نوازغ شيطانه، كان كأنّه قد افتلّها من أيدي الجاذبين، و فلّ عنها لحى الشياطين.
و إنّما ذكر عليه الصلاة و السلام هذا العدد المخصوص من الشياطين- و هو السبعون- على طريقة للعرب مشهورة في ذكر ذلك إذا أرادت التكثير. و قد ورد التنزيل بسلوك هذا النهج، و الوقوف عند هذا القدر، قال سبحانه: اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ 1529 ، و قال تعالى: ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُها سَبْعُونَ ذِراعاً فَاسْلُكُوهُ 1530 .
[المجاز] (311)
وَ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ: «يَدُ اللَّهِ مَعَ الْقَاضِي حِينَ يَقْضِي، وَ يَدُ اللَّهِ مَعَ الْقَاسِمِ حِينَ يَقْسِمُ» 1531 .
و هذا القول مجاز، و المراد أنّ علم اللّه سبحانه و معرفته لا يغيبان عن الحاكم إذا حكم، و عن القاسم إذا قسم، فيعلم سبحانه عدل القاضي إذا تحرّى العدل، و ظلمه إذا اعتمد الظلم، و لا يخفى عليه حيف القاسم و ميله، أو إنصافه و عدله، و ذلك كما يقول القائل: «يد فلان مع فلان» إذا كان مشاركا له في ولاية يليها، أو مشارفا له في امور يمضيها.
و في هذا القول تخويف شديد للحاكم و القاسم من مفارقتهما مقام الحقّ، و مقال الصدق، و حثّ لهما على سلوك النهج الأبلج 1532 ، و تجنّب الطريق الأعوج.
و نظير هذا الخبر
قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ: «إِنَّ اللَّهَ عِنْدَ لِسَانِ كُلِّ قَائِلٍ» 1533 .
و المراد أنّه تعالى يحيط علما بمقاصد كلامه، و مصارف لسانه، كما يعلم ذلك منه من سمع حواره، و شهد خطابه.
و مثل ذلك أيضا
قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ- وَ أَرَادَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ-: «إِنَّهُ أَقْرَبُ إِلَيْكُمْ مِنْ رُءُوسِ رِكَابِكُمْ 1534 » 1535 .
[المجاز] (312)
وَ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَبْدِ رَبِّهِ الْأَنْصَارِيِّ وَ قَدْ رَأَى الْأَذَانَ فِي نَوْمِهِ: «أَلْقِهِ عَلَى بِلَالٍ، فَإِنَّهُ أَنْدَى مِنْكَ صَوْتاً» 1536 .