کتابخانه روایات شیعه
حرقه القرمطي احترق و أتى الفناء عليه و لما كسره 727 لم يوجد فيه الكتاب الذي قد أجمعنا أن الله تعالى أودعه إياه.
و الجواب أن الذي ادعاه من إجماعنا على أن الجنة مخلوقة من فضة و ذهب ليس كما ذكر و ما في هذا إجماع و إن كان يجوز في العقول ذلك و لو أجمعنا عليه كما قال لما امتنع أن يكون عنصر الجنة من ذهب و فضة أحيل إلى خلق آخر كما كان الناس مخلوقة 728 من تراب أحيل إلى الحيوانية و الجان مخلوقا من نار أحيل إلى الحيوانية أيضا و لو كانت الجنة من ذهب و فضة على حالهما لم يمتنع وجود ما ليس بذهب و فضة فيها و قد علمنا أن فيها أنهارا 729 مِنْ ماءٍ غَيْرِ آسِنٍ و مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ و مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ و مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى و فيها حور عين و فواكه و أطيار و طعام و شراب و هذا كله ليس بذهب و لا فضة فكذلك 730 يكون الحجر من الجنة و ليس بذهب و لا فضة.
بل قد
جاء الحديث بأنه كان درة بيضاء 731 فأهبط إلى البيت و أن لونه تغير لكثرة من كان يلمسه من الخطاءين 732 .
و ليس يمتنع أن تسود 733 الدرة البيضاء و تستحجر 734 بشيء فيحدثه الله فيها من الصلابة و السواد و يجعل ذلك علما على
عظم ضلال اللامس 735 لها مع الخبر بذلك فأي منكر في كون حجر هبط من جنة مخلوقة من ذهب و فضة صورة الأمر فيه ما ذكرناه لو لا أن المتعلق بذلك لشبهة دخلت عليه فيه بعيد 736 من العلم و العلماء.
(فصل) و قوله إن الجنة لا تفنى فهو كذلك و ليس بقاؤها يمنع من فناء شيء فيها إذ 737 ليس بقاء الدار منافيا لفناء أهلها و بقاء المكان منافيا لفناء أهله أو منافيا 738 لما حله و 739 جاوره من الأشياء و هذا اشتباه ضعيف لا يغتر 740 به إلا مأفوف 741 مع أن انكسار الشيء و تفرق أجزائه 742 ليس بفناء في الحقيقة و تخلل 743 الأجسام ليس بعدم لها و ما أظن المتعلق بالكلام في هذا السؤال ممن يجزم بشيء من العلم و أظنه حشويا تعاطى 744 الاعتبار فتورط بذلك في الجهالات.
(فصل) و قوله إنه لما انكسر الحجر لم يوجد فيه الكتاب الذي أودعه في الميثاق فلم يرد الخبر بأن الله 745 كتب كتابا ثم ألقمه الحجر فيظن السائل ذلك و إنما ورد بأن الله عز و جل لما أخذ العهد على بني آدم أودعه الحجر 746 و أخذ
العهد محتمل 747 إثبات الحجة عليهم بالعقول و الأقدار و التمكين و إن مستنسخي الأعمال موكلون بالحجر ليرفعوا أعمال المسلمين من المقربين 748 إلى غيرهم من الملائكة تعبدا لهم بذلك و ليلقى الكتاب المؤمن يوم القيامة بعمله الصالح فبشر 749 بالبشارة به و قد قال الله عز و جل إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ 750 و ليس كل من استودع شيئا جعله في نفسه و رأيه و لا كل من أخبر عنه بأنه قد أودع شيئا كان المعنى بذلك نفسه دون ما جاوره و تعلق به ضربا من التعلق لجواز ذكر تسمية الشيء باسم ما جاوره و قاربه.
مع أنه لو ثبت أن الحجر وضع فيه كتاب لم يمتنع أن يرفع الله الكتاب منه قبل كسره أو عنده فلا تجد بفقده ألا يكون موجودا فيه قبل تلك الحال هذا على تأويل الخبر و سلامته فأما مع الريب فيه و 751 الوقوف في صحته فلا عهدة علينا في صحته و سقمه.
و الحديث الذي روي أن أمير المؤمنين ع قال لعمر بن الخطاب عند قوله للحجر 752 إنني أعلم أنك لا تضر و لا تنفع مه يا ابن الخطاب إن له عينين يبصر بهما و أذنين يسمع بهما 753 .
أراد به أن معه موكلا من الملائكة ذا عينين يبصر
بهما و أذنين يسمع بهما 754 و قد يقال في الكلام إن لهذا الطفل لسانا يحتج به 755 عن نفسه يراد به الناصر 756 الذي يدفع عنه دون أن يراد به نفسه و هذا معروف في التحاور و مجاز 757 الكلام.
فأما القول بأن له عينين في نفسه مع جماديته يبصر بهما و أذنين 758 يسمع بهما فهو محال ببديهة 759 العقول و ليس بممتنع حمل الأخبار على مجاز الكلام إذ أكثر ما في القرآن محمول على المجاز و أكثر كلام العرب في نظمها و نثرها كذلك.
[ما المراد بالصراط المستقيم و ما وجهه و أي صراط بعد الإسلام و القرآن]
(المسألة الأربعون) و سأل فقال خبرنا عن قوله تعالى اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ 760 و تعبد الله النبي ص بقوله 761 ما وجهه و أي صراط بعد الإسلام و القرآن.
و الجواب 762 أن الله تعبد نبيه ص و كافة المسلمين بالرغبة إليه في إدامة التوفيق و الألطاف في الدين و التمسك منه بالصراط 763 المستقيم بالمسألة لله تعالى في ذلك فالنبي ص و إن كان مهتديا و متمسكا بسبيل 764 الحق فلا غناء له 765 عن إمداد الله تعالى بالتوفيق و اللطف له في استدامة ما هو عليه
من ذلك و ليس يمتنع 766 أن يكون من لطفه رغبة 767 إلى الله في ذلك و إظهار التضرع فيه و المسألة في إدامته له و لفظ القرآن يدل على ذلك لأنه تعبد بسؤال ما يستقبل من الأفعال و لا ينكر أيضا أن يكون السؤال لذلك شرطا في كمال العصمة و حراستها و إذا لم يكن ذلك منكرا زالت الشبهة في معناه على ما بيناه.
[ما معنى قوله تعالى و لا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا]
(المسألة الإحدى و الأربعون) و سأل عن قوله تعالى وَ لا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا 768 قال 769 و الله 770 لا يجعل الغل في قلب أحد فما وجه الدعاء.
و الجواب 771 عن هذه المسألة كالأولى و هو أن الله تعبد 772 بالرغبة إليه في التوفيق لاستدامة مودة المؤمنين و اللطف في إبقاء 773 ذلك 774 و إدامته عليهم 775 إذ بدوامه ينتفي الغل عن قلوبهم لأهل الإيمان و لم يتعبدهم بالرغبة إليه أن لا يخلق غلا للمؤمنين في قلوبهم كما ظنه السائل و ليس كل من سأل الله تعالى أن يجنبه شيئا يكرهه فقد سئله أن لا يفعل به ما يكرهه إذ كان انتفاء الشيء قد يكون بفعل المسئول به 776 تركه و بفعل 777 ما يستعين به السائل على تركه و إنما أضيف جعل ذلك إلى الله تعالى و إن لم يكن فاعلا له في الحقيقة لأن تركه التوفيق لما ينفيه كالفعل له فجاز أن يضاف إليه على طريق الاستعارة و اتساع
الكلام و هذا معروف في اللسان.
(فصل) أ لا ترى أنهم يقولون لمن ترك تأديب ولده و المراعات له فلان قد أهلك ولده و أفسده و إن لم يكن فعل به شيئا على حال و إنما أضافوا إليه إفساده و إهلاكه لأنه ترك أن يفعل به ما يحميه عن الفساد و الهلاك و إذا كان الأمر على ما ذكرناه بأن به ما شرحناه في تأويل الآية على ما قدمناه.
[كيف يمكن الجمع بين تثبيت النبي من جانب الله و تهديده في موضع آخر]
(المسألة الثانية و الأربعون) و سأل عن قوله تعالى وَ لَوْ لا أَنْ ثَبَّتْناكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلًا إِذاً لَأَذَقْناكَ ضِعْفَ الْحَياةِ وَ ضِعْفَ الْمَماتِ 778 ثم قال في الأسرى ما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيا إلى قوله لَوْ لا كِتابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيما أَخَذْتُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ 779 فأين كان التثبيت هاهنا و قد تهدده بما تهدده.
و الجواب 780 أن الله تعالى ذكر منته على نبيه 781 بالتثبيت له و العصمة و التأييد و أنه لو لم يفعل ذلك به لركن إلى المشركين ركونا يستحق به منه العقاب كما ركن غيره إليهم ركونا أوبقه و أهلكه فأخبر تعالى أنه عصمه مما تورط فيه غيره و ثبته بالتوفيق ليثبت به 782 الحجة على الخلق و عدد ذلك من آلائه عليه و نعمائه لديه و لم يزل ص موفقا مثبتا محروسا بالعصمة و التأييد.
و لم يكن منه 783 في الأسرى ذنب عوتب عليه و إنما كان ذلك من أصحابه الذين أسروا بغير علمه و كفوا عن القتل طمعا في الفداء و أشاروا به على النبي
ص فتوجه العتب عليهم 784 في ذلك و اللوم و التهديد و إن كان أول الخطاب قد وجه إلى النبي ص و خاتمته تدل على أنه لغيره و إنما وجه به ص لأنه السفير بين الخلق و بين الله سبحانه كما قال في موضع آخر يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَ 785 فواجهه بالخطاب و كان المراد به أمته أ لا ترى إلى قوله بعد إفراد النبي ص بالخطاب إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فجاء بلفظ الجمع بعد الإفراد و كذلك قوله تعالى ما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيا 786 فجاء بلفظ الجمع دون التوحيد مع أن قوله ما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرى غير مفيد للخبر عن تخصيصه بالرأي في الأسرى و لا دال على أنه عتاب له 787 بل هو محتمل لعتاب من أشار بذلك و رآه فيمن 788 سواه و قد أكد ذلك بقوله عز و جل تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيا وَ اللَّهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ 789 و ليس من صفات النبي ص إرادة عرض الدنيا و الخلاف لله تعالى فيما أراد من عمل الآخرة و لا من صفاته ص مقارفة 790 ما يحبط الأعمال و يستحق عليه العقاب العظيم على التعجيل و التأجيل في ظاهر الكلام من توجهه إلى غير النبي ص بقوله تريدون و هذا اللفظ جمع على ما قدمناه.